هل قررت إدارة بايدن تجاهل مفاوضات نووي إيران على أمل أن يسقط النظام بفعل الاحتجاجات؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/13 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/13 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
كيف "ستركز" أمريكا على دعم احتجاجات إيران ؟/ رويترز

فجأة أعلنت إدارة جو بايدن أنها لم تعد مهتمة بإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وأكدت أن "تركيزها" مُنصب على دعم المحتجين الإيرانيين، فماذا يعني هذا التحول الجذري في الموقف الأمريكي؟

كان الرئيس جو بايدن قد أعلن، خلال حملته الانتخابية عام 2020، عن نيته إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، الذي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018، ودخلت إدارة بايدن بالفعل في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق، الموقّع أصلاً عام 2015، بعد توليه المنصب مطلع عام 2021 خلفاً لترامب.

والمقصود هنا هو الاتفاق الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين وفرنسا) عام 2015 بشأن البرنامج النووي ويعرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة ونصت بنوده على أن تلتزم طهران بمجموعة محددة من الالتزامات النووية تتعلق بنسبة تخصيب اليورانيوم (3.67%) والكمية التي تخزنها من اليورانيوم المخصب والماء الثقيل (لا تتجاوز 200 كغم)، إضافة إلى فتح منشآتها النووية للتفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أي وقت وأي مكان ودون إخطار مسبق، مقابل رفع العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على إيران.

واستمر العمل بالاتفاق النووي الإيراني الذي تم توقيعه في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ونائبه (الرئيس الحالي جو بايدن) حتى مجيء ترامب فقام بالانسحاب من الاتفاق بشكل منفرد في مايو/أيار 2018 وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على طهران في ظل ما يعرف باستراتيجية "الضغط الأقصى" التي تهدف إلى إجبار إيران على إعادة التفاوض مع واشنطن ليس فقط بشأن بنود الاتفاق النووي، ولكن أيضاً بخصوص برنامجها للصواريخ الباليستية ودعمها للميليشيات الشيعية في المنطقة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق ودعم النظام السوري وغيرها.

إحياء الاتفاق النووي "كان" هدفاً استراتيجياً لبايدن

مثلت العودة للاتفاق النووي الهدف الاستراتيجي الأول لإدارة بايدن، التي جعلت أولوية سياستها الخارجية منذ البداية منصباً على صراع القوى الكبرى، وبصفة خاصة الصين وروسيا، مما جعل الشرق الأوسط وملفاته يأتي في ترتيب متأخر للغاية في أجندة واشنطن.

فبايدن لم يبدِ اهتماماً يذكر بالقضية الفلسطينية، ولم تسعَ إدارته حتى إلى مواصلة جهود التطبيع مع إسرائيل، التي كان ترامب قد بدأها ونتج عنها تطبيع العلاقات بين الحليف الأبرز لواشنطن (تل أبيب) و4 دول عربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان).

وكانت حرب اليمن هي الملف الوحيد الذي اتخذ فيه بايدن عدة قرارات، بدا أن أغلبها موجهاً ضد السعودية ويصب في صالح جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، وجميعها اعتبرت جهوداً تهدف إلى تمهيد الأجواء لإقناع طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات تمهيداً لإحياء الاتفاق النووي.

نجحت جهود بايدن ووافق الإيرانيون على الذهاب إلى العاصمة النمساوية فيينا لبدء المفاوضات، بحضور جميع أطراف الاتفاق النووي، وعقدت الجولة الأولى مطلع إبريل/نيسان 2021، رغم اعتراض إسرائيل المعلن على تلك الخطوة، وهو ما تجاهله بايدن وأصر على أن "مصلحة واشنطن" تحتم العودة إلى الاتفاق النووي، وأنه الطريقة الأكثر فاعلية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.

ومنذ تلك الجولة الأولى من المفاوضات في فيينا، وحتى الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أي على مدى أكثر من عام ونصف العام، مرت مفاوضات الاتفاق النووي بمراحل عديدة صعوداً وهبوطاً، دون أن يحدث تغيير جوهري في استراتيجية إدارة بايدن التي تعتبر اتفاقاً نووياً مع إيران هدفاً رئيسياً.

الرئيس الأمريكي جو بايدن/رويترز

فبعد شهرين من المفاوضات، أي في يونيو/حزيران 2021، بدا أن توقيع الاتفاق النووي أصبح مسألة وقت، وأن الوفود المشاركة فيها في فيينا عادت إلى عواصمها للحصول على الضوء الأخضر، بحسب التقارير الأوروبية والأمريكية وحتى الإيرانية في ذلك الوقت.

لكن الانتخابات الإيرانية وفوز إبراهيم رئيسي المحسوب على التيار المحافظ، ثم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021، خلقا واقعاً داخلياً جديداً في طهران وواشنطن جعل كل منهما يتشدد أكثر بشأن شروط العودة للاتفاق، وهكذا تعقدت الأمور مرة أخرى، واستمرت لعبة "شد الأصابع" بين إدارة بايدن والنظام الإيراني، بينما استمر الأوروبيون في بذل جهود الوساطة بينهما.

إيران وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية

طوال هذه الفترة كان النظام الإيراني وإدارة بايدن يتبادلان الاتهامات بشأن المسؤولية عن عدم توقيع الاتفاق، لكن في الوقت نفسه لا يلمح أي منهما إلى أن عدم العودة للاتفاق النووي، بأي صورة من الصور، أصبح وارداً، والسبب بطبيعة الحال هو أن ذلك يعني خطر تطور الأمور إلى حرب لا يريها أي منهما، ولا أي طرف آخر، ربما باستثناء إسرائيل.

فعلى الرغم من استئناف إيران أنشطتها النووية، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% وربما أكثر، ووقف التعاون مع أنشطة التفتيش والرقابة الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد إيقاف كاميرات المراقبة وزيارات التفتيش المفاجئة، وباقي بنود البروتوكول الخاص بالمراقبة، الذي تم توقيعه مع الاتفاق الأصلي عام 2015، إلا أن إدارة بايدن ظلت على موقفها الخاص باعتبار الاتفاق النووي هدفاً استراتيجياً لها.

وكان أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الصادر مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، قد كشف أن إيران أكملت تركيب سبع مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، التي كانت إما غير مكتملة أو في مرحلة مبكرة للغاية من عملية التركيب.

وأوضح التقرير أيضاً أن هذه المجموعات السبع، وهي عبارة عن جهاز طرد مركزي واحد من طراز (آي.آر-4) وست من طراز (آي.آر-2إم)، تم تركيبها بالكامل ولكن لم تبدأ بعد في تخصيب اليورانيوم. كما أبلغت إيران وكالة الطاقة الذرية أنها تخطط لإضافة ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-2إم)، لتنضم إلى 12 جرى الإعلان عنها وتركيبها بالفعل. ومن ضمن هذه المجموعات الثلاث من أجهزة (آي.آر-2إم)، بدأ تركيب مجموعتين بالفعل وفقاً للتقرير.

إيران
إيران تزيد امتلاكها من اليورانيوم المُخصب – getty Images

وهذه الأجهزة أكثر كفاءة بكثير من الجيل الأول (آي.آر-1)، وهو جهاز الطرد المركزي الوحيد الذي يسمح الاتفاق النووي لإيران باستخدامه لتنمية مخزونها من اليورانيوم المخصب. كما تقوم إيران بتركيب هذه الأجهزة في موقعين على الأخص تحت الأرض في نطنز وفوردو، قد يكون بوسعهما تحمل قصف جوي محتمل، في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة بتوجيه ضربة استباقية للمواقع النووية الإيرانية.

لكن إدارة بايدن لم تعلن "وقف" المفاوضات النووية مع النظام الإيراني وتواصلت الجهود للتوصل إلى اتفاق على أية حال، مع تأكيد الأمريكيين على نفس الموقف المتمثل في أن الطريقة الوحيدة لمنع طهران من حيازة سلاح نووي هي الاتفاق، الذي يعيد الرقابة الدقيقة والمستمرة لأنشطة إيران النووية ويقلصها بشكل كبير.

لماذا غيرت إدارة بايدن "تركيزها" إلى الاحتجاجات؟

لكن فجأة أعلنت الإدارة الأمريكية أن المفاوضات النووية مع إيران "ليس محور تركيزنا"، حيث رد نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بمواصلة المحادثات لإحياء الاتفاق النووي، بتلك العبارة نصاً.

وخلال إفادة صحفية مساء الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول، أضاف برايس: "ينصب تركيزنا الآن على تسليط الضوء على ما يفعلونه ودعمهم بالطرق الممكنة"، في إشارة إلى الاحتجاجات المناهضة للنظام الإيراني، والتي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني، يوم 16 سبتمبر/أيلول الماضي، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق الإيرانية، بحسب تقرير لموقع فويس أوف أميركا نيوز.

ويتزامن هذا التحول العلني في الموقف الأمريكي مع اتساع رقعة الاحتجاجات في إيران، والتي تتهم السلطات الإيرانية الولايات المتحدة وإسرائيل بالتشجيع عليها والتحريض على استمرارها بهدف الإطاحة بالنظام في طهران.

ونشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً عنوانه "كيف تحولت احتجاجات إيران إلى انتفاضة شعبية؟"، رصدت اتساع رقعة الاحتجاجات، التي تتركز بالأساس في المناطق الكردية في إيران، ونقلت شهادات لمشاركين في تلك الاحتجاجات والشعارات التي يرفعونها وتهاجم المرشد الأعلى للنظام على خامنئي ونجله والمؤسسة الدينية بشكل عام.

ومنذ فوز المتشدد إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية وتوليه المنصب، خلفاً لحسن روحاني، تم فرض "قانون الحجاب والعفة" في يوليو/تموز الماضي، وهو ما أضاف مزيداً من القيود على المرأة، مثل منع النساء من دخول بعض البنوك والمكاتب الحكومية وبعض وسائل النقل العام.

وزاد عدد سيارات شرطة الأخلاق في الشوارع، وظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لضباط يضربون النساء ويعاملونهن بطريقة سيئة أثناء احتجازهن.

خامنئي
المرشد الإيراني علي خامنئي – رويترز

كان برايس قد أوضح في إفادته الصحفية أنه "من الواضح جداً، والإيرانيون أوضحوا جيداً، أن هذا ليس اتفاقاً كانوا مستعدين لإبرامه. الاتفاق لا يبدو وشيكاً بالتأكيد"، مضيفاً: "لم نسمع شيئاً في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أنهم غيروا موقفهم. ولذا فإن تركيزنا الآن ينصب على الشجاعة الملحوظة التي يظهرها الشعب الإيراني من خلال مظاهراته السلمية".

وهذه التصريحات تثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد باتت تعتقد أن الاحتجاجات الحالية في إيران يمكنها أن تطيح بالنظام، وبالتالي قرر البيت الأبيض "وقف" المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي، ودعم تلك الاحتجاجات بهدف تحقيق هذا الغرض، لكن ماذا عن تداعيات ذلك على الوضع الداخلي في طهران؟

لا أحد يمكنه التكهن إذا ما كانت إدارة بايدن قد قررت فعلاً التخلي عن هدفها الاستراتيجي الخاص بتوقيع الاتفاق النووي، أم أنها أطلقت تلك التصريحات كنوع من الضغط على طهران، لكن الأرجح هو أن النظام الإيراني سيستغل تلك التصريحات لتشديد قبضته الأمنية في مواجهة الاحتجاجات من جهة، واستنفار المشاعر القومية من جهة أخرى، على أساس أن إيران تتعرض لمؤامرة أجنبية، وهو ما يروج له المسؤولون الإيرانيون بالفعل منذ بدأت الاحتجاجات، وألقوا القبض على العديد من المواطنين الأجانب، بينهم فرنسيون.

تحميل المزيد