إيران “تنوي” تسريع تخصيب اليورانيوم.. رداً على الاحتجاجات أم تعثر الاتفاق النووي أم كلاهما؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/11 الساعة 15:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/11 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
إيران تزيد امتلاكها من اليورانيوم المُخصب - getty Images

أظهر تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تمضي في توسيع عمليات تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة، فهل ترد طهران بذلك على تعثر مفاوضات الاتفاق النووي، أم للأمر علاقة باحتجاجات "الحجاب" أو كلا الأمرين معا؟

التقرير السري للوكالة التابعة للأمم المتحدة، والذي اطلعت عليه رويترز الإثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول، يتزامن من جهة مع تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع بين إيران والغرب، ومن جهة أخرى مع اتساع نطاق احتجاجات داخلية تمثل التحدي الأكبر للنظام الحاكم في طهران منذ ثورة الخميني عام 1979.

ماذا كشف تقرير وكالة الطاقة الذرية؟

يظهر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تمضي في طريقها بشأن توسع مزمع في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة تحت الأرض في نطنز، وتعتزم الآن المضي قدماً بصورة أكبر.

فقد أدخلت طهران إلى الخدمة عدداً أكبر من أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي يحظر الاتفاق النووي، الموقع مع القوى الست الكبرى عام 2015، استخدامها في إنتاج اليورانيوم المخصب.

هذه الأجهزة أكثر كفاءة بكثير من الجيل الأول (آي.آر-1)، وهو جهاز الطرد المركزي الوحيد الذي يسمح الاتفاق النووي لإيران باستخدامه لتنمية مخزونها من اليورانيوم المخصب. وتقوم إيران حالياً بتركيب هذه الأجهزة في موقعين على الأخص تحت الأرض في نطنز وفوردو، قد يكون بوسعهما تحمل قصف جوي محتمل، في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة بتوجيه ضربة استباقية للمواقع النووية الإيرانية.

وأظهر تقرير، صادر يوم 6 سبتمبر/أيلول الماضي، عن الوكالة الذرية الدولية، المعنية بمراقبة أنشطة إيران النووية، أن إيران أكملت أيضاً تركيب سبع مجموعات من أجهزة الطرد المركزي التي كانت إما غير مكتملة أو في مرحلة مبكرة للغاية من عملية التركيب.

وأوضح التقرير أن هذه المجموعات السبع، وهي عبارة عن جهاز طرد مركزي واحد من طراز (آي.آر-4) وست من طراز (آي.آر-2إم)، تم تركيبها بالكامل ولكن لم تبدأ بعد في تخصيب اليورانيوم.

كما أظهر التقرير أن إيران أبلغت وكالة الطاقة الذرية أيضاً بأنها تخطط لإضافة ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-2إم)، لتنضم إلى 12 جرى الإعلان عنها وتركيبها بالفعل. ومن ضمن هذه المجموعات الثلاث من أجهزة (آي.آر-2إم)، بدأ تركيب مجموعتين بالفعل وفقاً للتقرير.

إيران الاتفاق النووي
وكالة الطاقة الذرية تتهم إيران بالمماطلة في الكشف عن أنشطتها النووية /رويترز

كان آخر تفتيش أجرته الوكالة وورد في تقرير السادس من سبتمبر/أيلول، أظهر أيضاً أن الوكالة تأكدت من أن الجهاز الثالث من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-6) يقوم بتخصيب اليورانيوم. بينما ذكر التقرير الصادر الإثنين، 10 أكتوبر/تشرين الأول، أن المجموعات الثلاث جميعها تقوم بتخصيب اليورانيوم.

وقال التقرير إن كل أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في التخصيب في نطنز ما زالت تنتج سداسي فلوريد اليورانيوم مخصباً إلى مستوى 5%، ولكن الآن يتم تغذيتها بسداسي فلوريد اليورانيوم الطبيعي.

ويتناقض ذلك مع التقرير ربع السنوي الذي صدر في سبتمبر/أيلول، والذي قال إن أجهزة الطرد المركزي يتم تغذيتها بسداسي فلوريد اليورانيوم المخصب إلى مستوى 2%. ولم يفسر التقرير هذا التغيير، بحسب رويترز.

أين وصلت المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا؟

كانت إيران والقوى العالمية الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) قد توصلت للاتفاق النووي، أو خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، عام 2015، وبموجبه وافقت طهران على تقليص أنشطتها النووية بشكل كامل ووضع برنامجها النووي تحت المراقبة الدقيقة والمستمرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي المقابل، رفعت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما العقوبات الأمريكية عن إيران، كما تم رفع العقوبات المفروضة في إطار الأمم المتحدة. لكن الرئيس السابق دونالد ترامب انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، وأعاد فرض العقوبات وزادها بشكل خانق، في إطار استراتيجية "الضغط الأقصى" لإجبار طهران على إعادة التفاوض لتوقيع اتفاق جديد لا يشمل فقط تقييد برنامجها النووي، وإنما يتسع ليضم برنامج الصواريخ الباليستية وكذلك التوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة.

وقبل أن يتولى جو بايدن منصبه رسمياً، أعلن خلال الحملة الانتخابية عام 2020 عن رغبته في إعادة إحياء الاتفاق النووي، وبالفعل بدأت المفاوضات بوجود ممثلين لأطراف الاتفاق جميعاً، بما فيهم الولايات المتحدة، في العاصمة النمساوية فيينا، منذ 6 أبريل/نيسان 2021، دون أن تتوصل واشنطن وطهران لاتفاق.

الرئيس الأمريكي جو بايدن/ رويترز

وتؤكد إيران مراراً تمسكها بالاتفاق النووي، لكنها في الوقت نفسه ترفض الانصياع لشروط واشنطن الجديدة حيال نسب تخصيب اليورانيوم المسموح بها، وكذلك صلاحيات فرق مراقبي الطاقة الدوليين، بالإضافة إلى ملف الحرس الثوري الإيراني وأنشطته في المنطقة، حيث تريد طهران رفعه من قائمة الإرهاب الأمريكية.

وشهدت تلك الفترة الممتدة من أبريل/نيسان 2021 وحتى الآن تطورات كبيرة بشأن التزام إيران بالاتفاق الأصلي، حيث رفعت طهران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60%، بحسب التقارير الغربية، علماً أن النسبة في اتفاق 2015 كانت لا تتخطى 3.67% فقط. وأيضاً راكمت إيران أطناناً من الماء الثقيل واليورانيوم المخصب، بينما كان ينص الاتفاق على إخراجهما من طهران أولاً بأول، على ألا تحتفظ بكميات محدودة للغاية.

وعلى الرغم من نفي طهران المتكرر سعيها لإنتاج قنبلة نووية من الأساس، فإن واشنطن وتل أبيب تؤكدان على أن هذا ما يسعى إليه الإيرانيون، وتتحدث تقارير استخباراتية أمريكية وإسرائيلية عن أن إيران باتت قريبة للغاية من "العتبة النووية".

وفي هذا السياق فإن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي لم تعد تسمح لها إيران بمراقبة الأنشطة النووية على مدار الساعة من خلال كاميرات المراقبة أو بزيارات تفتيش مفاجئة كما كان الحال قبل أن تنسحب إدارة ترامب من الاتفاق، أصبحت المؤشر الوحيد على مدى التقدم في البرنامج النووي، وبخاصة تخصيب اليورانيوم، وإن كان الإيرانيون يبدون اعتراضهم على "التقارير السرية" للوكالة ويتهمونها بالانحياز لواشنطن.

ويوم 7 سبتمبر/أيلول الماضي، قالت الوكالة إنها لم تعد قادرة على تأكيد كون برنامج إيران النووي "ليس له طابع عسكري"، فردت طهران بالهجوم على الوكالة واتهامها بإصدار تقارير واستنتاجات "لا أساس لها من الصحة"، بحسب تقرير لموقع فرانس24.

أين وصلت احتجاجات "النقاب" في إيران؟

أما على المستوى الداخلي، فقد استمرت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في إيران، الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي دبابات تُنقل إلى المناطق الكردية التي كانت مراكز محورية في حملة قمع الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني في حجز الشرطة، بحسب تقرير لرويترز.

واجتاحت الاحتجاجات التي تطالب بإسقاط المؤسسة الدينية بإيران منذ وفاة أميني، وهي شابة كردية إيرانية كانت تبلغ من العمر 22 عاماً، في 16 سبتمبر/أيلول، في أثناء احتجازها لدى الشرطة لارتدائها "ملابس غير لائقة".

وفي مواجهة أجرأ تحدٍّ للجمهورية الإسلامية منذ ثورة 1979، استخدمت السلطات القوة لقمع أكبر موجة معارضة منذ عام 2019. ولقي ما لا يقل عن 185 شخصاً، بينهم 19 قاصراً حتفهم، وأُصيب المئات واعتقلت قوات الأمن الآلاف، حسبما قالت منظمات حقوقية. وتقول الحكومة الإيرانية إن أكثر من 20 من قوات الأمن قتلوا. وقالت السلطات إنها ستحقق في مقتل المدنيين.

إيران
صورة من احتجاجات في إيران – Getty Images

واستمرت الاضطرابات في ساعة متأخرة من مساء الإثنين وخلال الليل، بعد أن امتدت المظاهرات إلى قطاع الطاقة الحيوي في البلاد، وفقاً لما أظهرته مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لم يتسن لرويترز التحقق من صحتها.

وقال حساب (تصوير 1500) الذي يحظى بمتابعة على نطاق واسع إن حركات إضراب نُظّمت بمنشآت الطاقة في جنوب غرب إيران لليوم الثاني، اليوم الثلاثاء، إذ احتج العمال في مصفاة نفط عبادان، وكانجان ومنشأة بوشهر للبتروكيماويات.

وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على الحساب عشرات العمال وهم يهتفون "الموت للديكتاتور"، في إشارة إلى الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي. لكن مسؤولاً إقليمياً قال لرويترز الثلاثاء إن العمال في مصنع عسلوية كانوا غاضبين بسبب خلاف يتعلق بالأجور وليس بسبب وفاة أميني.

وبشكل عام، تصاعدت التوترات بشكل خاص في المناطق الكردية التي تنحدر منها أميني، وتقول منظمات حقوقية إن الأقلية الكردية في إيران تتعرض للقمع منذ فترة طويلة وهو اتهام تنفيه الجمهورية الإسلامية.

وتلقي السلطات الإيرانية باللوم في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ ما يقرب من شهر على "مثيري شغب" تصفهم بأنهم مرتبطون بـ"أعداء أجانب"، ووجهت اتهامات لجماعات معارضة كردية إيرانية مسلحة تعمل في العراق المجاور بالتسلل إلى المناطق الكردية في إيران "لزرع انعدام الأمن". وقصف الحرس الثوري الإيراني بطائرات مسيرة، قبل نحو أسبوعين، 10 قواعد على الأقل لأكراد إيرانيين بالقرب من السليمانية في كردستان العراق.

ماذا تريد إيران من تسريع تخصيب اليورانيوم إذاً؟

ربما تبدو هذه التطورات المتزامنة كأحداث منفصلة لا يوجد ما يربطها معاً، وإن كان ذلك أمراً غير مرجح. فالسلطات الإيرانية تلقي باللائمة على الغرب، وبخاصة إدارة جو بايدن، في تأجيج نيران الاحتجاجات الداخلية.

وجدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتهامات طهران لجهات خارجية، على رأسها الولايات المتحدة، بالوقوف وراء الاحتجاجات التي تشهدها بلاده، مشدداً على أنه سيجري التعامل بشكل حاسم مع الذين شاركوا في أعمال الشغب.

وفي الوقت نفسه، يتحدث المسؤولون الإيرانيون عن وجود مؤامرة خارجية هدفها زعزعة استقرار البلاد ونشر الفوضى، وفي هذا السياق تم إلقاء القبض على مواطنين أجانب واتهامهم بالمشاركة في الاحتجاجات والتحريض عليها.

خامنئي
المرشد الإيراني علي خامنئي – رويترز

وزارة الاستخبارات الإيرانية أصدرت بياناً قبل أيام، قالت فيه إنه تم "توقيف 9 مواطنين أجانب من ألمانيا وبولندا وإيطاليا وفرنسا وهولندا والسويد في أماكن التظاهرات أو ضالعين في أعمال الشغب". والثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إن هناك خمسة فرنسيين محتجزين الآن في إيران.

وبث التليفزيون الإيراني مقاطع فيديو لاثنين من المواطنين الفرنسيين، سيسيل كولر وجاك باريس، وهما "يعترفان" بالمشاركة في "التخطيط والتحضير لقيام ثورة في إيران والإطاحة بالنظام الإسلامي"، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

ويرى كثير من المسؤولين الغربيين أن إيران تستخدم الأجانب الذين تلقي القبض عليهم كورقة ضغط على الحكومات الغربية في مفاوضات الاتفاق النووي المتعثرة، بهدف الحصول على أفضل الشروط الممكنة قبل العودة للاتفاق، الذي يحتاجه الاقتصاد الإيراني بشدة.

وفي هذا السياق يرى البعض أن تسريع إيران لتركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم يأتي أيضاً كورقة تفاوض للضغط على الولايات المتحدة.

الخلاصة هنا هي أن ما تشهده إيران هذه الأيام، من احتجاجات داخلية وتقارير أممية للوكالة الذرية تتحدث عن تسريع طهران خطواتها للاقتراب من العتبة النووية، تبدو مترابطة إلى حد كبير، وفي سياق واحد، هو الحصول على أفضل شروط ممكنة قبل العودة للاتفاق.

تحميل المزيد