تراقب تايوان بأعين مفتوحة ما يحدث في أوكرانيا، وتترقب في الوقت نفسه حدودها البحرية؛ حيث تهددها الصين باجتياح على حين غرّة، حيث باتت الجزيرة تضع الخطط لمواجهة حرب أو حصار طويل، فهي تخزن الإمدادات الحيوية من غذاء وطاقة، وتسعى لتأمين نفسها ببنية تحتية قوية للإنترنت أيضاً كي لا تنقطع عن العالم في حال نشوب الحرب.
تايوان تستعين بإيلون ماسك لتأمين بنية تحتية للإنترنت في حال غزوها من الصين
استخدمت أوكرانيا خدمة ستارلنك، وهي خدمة ذات نطاق واسع عبر الأقمار الاصطناعية أنشأتها شركة سبيس إكس، لمالكها إيلون ماسك، لضمان الاتصال بالإنترنت في مواجهة القصف والهجمات الإلكترونية الروسية.
أثارت الحرب في أوكرانيا مخاوف من اندلاع صراع عسكري في تايوان، وسط تصاعد التوترات مع الصين، التي لطالما طالبت بالجزيرة، رغم أن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لم يسيطر على الإقليم أبداً.
ولم يذكر أودري تانغ، وزير الشؤون الرقمية في تايوان، الصين بالاسم في حديثه إلى صحيفة Washington Post الأمريكية، لكنه قال إن تايوان بحاجة إلى خطة للحفاظ على البنية التحتية للإنترنت في حالة "عدوان عسكري مكثف" أو تهديدات أخرى، مثل الكوارث الطبيعية أو مشاكل الكابلات البحرية.
وتستعد الحكومة لمراجعة تطبيقات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية وستكون مفتوحة للمناقشات مع "أي مقدم خدمة مؤهل". وقال تانغ إن وزارة الشؤون الرقمية التايوانية ستخصص ما يقرب من 18 مليون دولار لتأمين النسخ الاحتياطي عبر الإنترنت خلال العامين المقبلين. وسألت صحيفة Washington Post سبيس إكس عما إذا كانت الشركة تنوي تقديم عرض ولم تتلقَّ رداً على الفور.
كيف يمكن لهذه الأقمار الاصطناعية خدمة تايوان؟
تقول صحيفة واشنطن بوست إن الأقمار الاصطناعية غير المستقرة بالنسبة إلى الأرض مثل تلك المستخدمة من قِبل ستارلنك تدور حول الأرض في مدارات منخفضة نسبياً وهي أسرع من الأقمار الاصطناعية التقليدية المستقرة بالنسبة إلى الأرض. أصبحت التكنولوجيا شائعة بشكل متزايد في المناطق التي تكون فيها إشارات النطاق العريض ضعيفة أو غير موجودة.
بعد غزو روسيا لأوكرانيا، قام ميخايلو فيدوروف، وزير التحول الرقمي في البلاد، بتغريد نداء إلى إيلون ماسك للحصول على مساعدة النطاق العريض، وسط مخاوف من أن القصف قد يعطل الوصول إلى الإنترنت أو يرسل البلاد إلى وضع عدم الاتصال. وكان مؤسس سبيس إكس، جنباً إلى جنب مع الحلفاء الأوروبيين، قد أرسلوا آلاف الهوائيات إلى كييف -العديد منها الآن على أسطح المنازل في جميع أنحاء أوكرانيا.
وفي الأشهر الأخيرة، عززت بكين وجودها على مضيق تايوان؛ حيث هددت الجزيرة بطائرات عسكرية وطوَّقتها بسفن حربية خلال تدريبات مكثفة. في أغسطس/آب من هذا العام، قبل أيام من زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة، تسبب هجوم إلكتروني على ما يبدو في تعطيل الموقع الإلكتروني للمكتب الرئاسي في تايوان.
وقال تانغ إنه رغم أن الهجوم "لم يسبب ضرراً كبيراً، جعلنا أكثر يقظة بشأن أمن الاتصالات والمعلومات".
في مقابلة مع محطة الإذاعة التايوانية BaoDao؛ حيث أعلن تانغ لأول مرة عن الخطط، قال الوزير إنه طالما كان بإمكان الناس "رؤية السماء" فسيكونون قادرين على الوصول إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض.
يمكن للصين عزل تايوان عن العالم بشكل تام
وهذه الخطوة منطقية بالنسبة لتايوان، وفقاً لبعض الخبراء. قال جون هولتكويست، رئيس تحليل المعلومات الاستخباراتية في شركة الأمن السيبراني الأمريكية مانديانت، إن تايوان معرضة بالفعل للتجسس الإلكتروني. وقال إن جغرافية الجزيرة، مقارنة بجغرافية أوكرانيا، تعرضها لخطر انقطاع الإنترنت التام.
وقال هولتكويست: "بالنظر إلى الوضع الجيوسياسي وتاريخ تايوان من الكوارث الطبيعية، فقد يتعين عليهم التفكير في احتمالية أن يصبحوا معزولين تماماً… لقد رأينا الكثير من الهجمات الخطيرة في أوكرانيا، قبل الغزو الفعلي". اكتسب هذا المنطق زخماً في تايوان وأجزاء من المنطقة تشعر بالقلق من الصراع مع الصين.
خلال حوارات شانغريلا، وهو منتدى أمني سنوي عقد في سنغافورة في يونيو/حزيران، حذر رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا قائلاً: "أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غداً"، مكرراً عبارة شائعة ظهرت في تايوان في الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا.
بينما شدد المسؤولون التايوانيون على الاختلافات الجيوسياسية الهائلة بين المواقف، فإن الضغط من أجل الإنترنت الاحتياطي يشير إلى الاعتراف بالتوازيات التي تستحق الدراسة.
لكن تواجه خطة الإنترنت الاحتياطية عقبة: قد يرى بعض المستثمرين المحتملين، بما في ذلك ماسك، أن التعاون مع تايوان يمثل خطراً على الأعمال التجارية في الصين.
قال بيك شريمبتون، مدير معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي: "مجموعة مصالح ماسك التجارية الأوسع مكشوفة بالتأكيد في الصين أكثر من روسيا؛ لذا فإن قرار إجراء مناقشات (مع تايوان)، خاصة إذا كان سيُعلَن عنها، سيكون أكثر تعقيداً مما كان عليه الحال في أوكرانيا".
تايوان تحضر نفسها لحصار محتمل
في الوقت نفسه، صرح مسؤول كبير في تايوان بأنَّ البلاد تخزن الإمدادات الحيوية للاستعداد لحصار محتمل من البر الرئيسي للصين، أو في حالة اندلاع صراع؛ كما قال نائب وزير الاقتصاد، تشين تشيرن تشي، إنَّ هناك حاجة لأن تحتفظ الدولة الجزيرة بمخازن معقولة من الإمدادات المهمة، حسب ما نشرته صحيفة The Times البريطانية، يوم الجمعة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وأضاف المسؤول التايواني: "فيما يتعلق بنزاع عسكري محتمل، أجرينا استعدادات الغذاء والطاقة والإمدادات الحيوية، بما في ذلك إمدادات التصنيع. لدينا نظام، ونجري جرداً كل شهر"، وتابع: "نريد التأكد من أنَّ لدينا مخزوناً يغطي فترة معينة في تايوان، بما في ذلك المواد الغذائية، والإمدادات الأساسية والمعادن والمواد الكيميائية والطاقة بالطبع".
وتنظر الصين إلى تايوان ذات الحكم الديمقراطي على أنها من بين أراضيها، وقد كثّفت من الضغط السياسي والعسكري لتأكيد مطالبها بالسيادة.
وتعرضت تايوان لضغوط من تدريبات بكين العسكرية حول الجزيرة منذ تولى الرئيس تساي منصبه في عام 2016 ورفض قبول مبدأ "الصين الواحدة". وعلّقت بكين منذ ذلك الحين الاتصالات الدبلوماسية بين الجانبين.
فيما أجرى الجيش الصيني تدريبات بالذخيرة الحية حول تايوان وأطلق صواريخ باليستية فوق الجزيرة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إلى تايبيه في أغسطس/آب؛ التي اعتبرتها بكين انتهاكاً لسيادتها.