تسبب الغواصة النووية الروسية المسيرة "بوسيدون" في قلق عالمي وسط مخاوف من أن تستخدمها روسيا لإحداث تسونامي مشع، بعد أن اختفت غواصة بيلغورود التي تطلق بوسيدون من قاعدتها الرئيسية في القطب الشمالي.
يأتي ذلك بعد أن لوحت روسيا مراراً بأنها قد تستخدم الأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يمزح في هذا الأمر، بينما قال رئيس مجلس الأمن القومي والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إن بلاده من حقها استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن المقاطعات الأوكرانية الأربع التي ضمتها مؤخراً، فيما دعا رمضان قديروف، رئيس الشيشان، إلى الرد على الانتصارات الأوكرانية باستخدام أسلحة نووية تكتيكية.
رد الكرملين على دعوة قديروف، بقوله إنه يفضل "نهجاً متوازناً" وليس مدفوعاً بالعواطف فيما يتعلق بمسألة استخدام الأسلحة النووية.
في المقابل، حذر الجنرال ديفيد بتريوس، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، يوم الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول، قائلاً إن الجيش الأمريكي يمكنه تدمير القوات الروسية في أوكرانيا والبحر الأسود، إذا استخدمت الأسلحة النووية في الأراضي الأوكرانية.
وفيما يبدو أنه محاولة لتخفيف قلق الدول الغربية من بوسيدون، قال مسؤول عسكري أمريكي كبير في مؤتمر صحفي لوزارة الدفاع الأمريكية عُقد مساء الإثنين 3 أكتوبر/تشرين الأول إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ليس لديها تأكيد الآن حول اختبار الغواصة الروسية المسيرة التي تحمل طوربيد "بوسيدون" النووي، وهو ما قد يغير الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة.
جاء هذا التصريح رداً على تقارير نشرتها صحيفة la Repubblica الإيطالية تفيد بأن استخبارات الناتو حذرت الحلفاء من أن غواصة بيلغورود النووية كانت في بحر كارا القطبي من أجل تنفيذ اختبار محتمل "للطوربيد الفائق" بوسيدون، والذي يطلق عليه أيضاً "سلاح نهاية العالم"، أو سلاح يوم القيامة.
ما هي الغواصة المسيرة آليا بوسيدون؟
وبوسيدون (Poseidon) هي مركبة ذاتية القيادة تعمل بالطاقة النووية ومسلحة نووياً أيضاً، وتعمل تحت الماء، وقادرة على إطلاق الرؤوس التقليدية والنووية، ويطلق عليه أحياناً النظام البحري متعدد الأغراض ستيتس-6.
وهو عبارة عن غواصة روبوتية صغيرة على شكل طوربيد يمكنها التحرك تحت الماء بسرعة كبيرة وبضوضاء قليلة، ويبلغ طوله نحو 20 متراً، وقطره نحو مترين ووزنه نحو 100 طن.
وبحسب موقع Popular Mechanics، يستطيع بوسيدون السفر لمسافة تصل إلى 6200 ميل وبسرعة 56 عقدة بحرية (أي أسرع بقليل من 100 كم في الساعة)، وترفع بعض التقييمات سرعته إلى 185 كم/ساعة، فيما ترفع بعض التقييمات مداه إلى نحو 10000 كم وبعمق أقصى 1000 متر.
وبينما تصفه وسائل الإعلام الغربية بدرجة كبيرة بـ"سلاح يوم القيامة" أو سلاح نهاية العالم، فليس هناك يقين حول شدة الشحنة المتفجرة الحرارية النووية للصاروخ. تشير التقديرات إلى أنها تتراوح بين اثنين و100 ميغا طن. ويعادل كل ميغا طن 1000 كيلو طن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
ومن أجل الربط بمرجع محدد، كانت القنبلة النووية "الرجل البدين"، التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة ناجازاكي اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية تبلغ زنتها 21 كيلو طن، وأدت إلى مقتل نحو 140 ألف شخص.
بوسيدون يستطيع التسلل خفية للمدن الأمريكية دون رصده
يقال إن هذا السلاح قادر على السفر لمسافات طويلة تحت الماء، قبل أن ينفجر ويسبب تسونامي نووياً يمكن أن يبتلع المدن الساحلية مثل نيويورك، حسبما ورد في تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية.
وحسب عدة مصادر دفاعية سرية وخبراء شركة جنرال إلكتريك الأمريكية، فإنهم توقعوا أنها تعمل بمفاعل نووي مدمج مع تبريد بالغاز.
ويقول مصممو الغواصة الروسية إن المفاعل منخفض الطاقة حتى تكون المركبات أقل صخباً.
ولدى هذه المركبات خاصية التخفي لتفادي أجهزة التتبع الصوتية، كما تستخدم بوسيدون استراتيجية تشغيل صامت مثل الغواصات الأخرى، كما تحاكي ضجيج السفن المدنية.
أما ميزة التخفي الرئيسية الخاصة بها فهي سرعتها المنخفضة جداً قبل أن تصل إلى المنطقة المستهدفة، حيث يتم تنشيط وضع السرعة العالية عند الوصول إلى مدى قصير من الهدف (2-3 كيلومترات)، وعندما يكون احتمال اكتشاف المركبة أعلى بكثير، حيث تصل إلى سرعة عالية فقط في المرحلة النهائية، عندما تتوجه للموانئ المعادية.
قد يكون العمق النموذجي لغوص هذه المركبات حوالي 50-100 متر لزيادة ميزات التخفي في وضع التخفي منخفض السرعة.
يمكن لمركبات بوسيدون تفجير رأس حربي نووي تحت سطح الماء بـ"آلاف الأقدام"، بهدف توليد تسونامي مشع قادر على تلويث كل شيء داخل منطقة تأثير كبيرة.
أين تختفي الغواصة بيلغورود النووية التي تحمل بوسيدون؟
يعتقد أن غواصة بيلغورود النووية، وهي واحدة من أضخم الغواصات في العالم، كانت محملة بطوربيدات بوسيدون قبل أن تختفي من قاعدتها الرئيسية في القطب الشمالي.
تعد بيلغورود، التي يبلغ طولها أكثر من 184 متراً، أطول غواصة في المحيط اليوم، وهي أطول حتى من غواصات الصواريخ الباليستية والمُوجّهة، فئة أوهايو التابعة للبحرية الأمريكية، التي يبلغ طولها 171 متراً.
وقالت صحيفة The Times البريطانية إن السلاح يمكن أن تجري تجربته كذلك في البحر الأسود، حيث تشن البحرية الروسية هجمات بالصواريخ الباليستية ضد مواقع تمركز القوات الأوكرانية، ولكن حتى الآن أثبتت أنها ذات تأثير محدود.
وفي ظل الهزائم التي تتعرض لها موسكو في أوكرانيا، وجدت وسائل الإعلام الروسية في بيلغورود وبوسيدون وسيلة لاستعادة الهيبة، حيث أوردت أخبار بوسيدون بينما كانت تنشر فقراتها حول "مخاوف الناتو" من السلاح الفائق.
وفي محاولة أوكرانية للتخفيف من الذعر الذي أثاره بوسيدون، قال مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني إن التصريحات التي بلا أساس لوسائل الإعلام، عظّمت فقط من "الإرهاب المعلوماتي" الذي تمارسه روسيا الاتحادية، وذلك حسبما نقل عنه موقع Pravda الأوكراني.
فيما قال كريستوفر فورد، مساعد وزير الخارجية الأمريكي سابقاً: "إنه سلاح إرهاب.. إنه مصمم ليتسبب في قتل وصدمة سكان المدن الساحلية الأمريكية".
"تسونامي نووي".. الأمريكيون يصفونه بالسلاح البدائي، ولكن لماذا يخشون تأثيره على مدنهم؟
ادعى كريستوفر فورد، مساعد وزير الخارجية الأمريكي سابقاً، في عام 2021 أن السلاح قادر على التسبب في "تسونامي نووي" قد يضرب الساحل الأمريكي، وأن الإشعاع الناتج يمكنه جعل المدن الساحلية الأمريكية غير صالحة للسكن لمدة طويلة.
وصف فورد الطوربيد الفائق بأنه سلاح بدائي في مقابلة مع منصة Government Matters TV الإعلامية، وقال إنه غير متأكد مما أضافه فعلياً إلى القدرات القتالية لروسيا أكثر من منصات الأسلحة النووية أو التقليدية الأخرى.
وأضاف: "إنه سلاح إرهاب.. إنه مصمم ليتسبب في قتل وصدمة سكان المدن الساحلية الأمريكية".
كان تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي، في أبريل/نيسان الماضي، أنَّ طوربيدات بوسايدون تهدف إلى أن تكون أسلحة انتقامية، مُصمَّمة للرد على عدو بعد هجوم نووي على روسيا.
القدرات الأخرى لبوسيدون التي يتحدث عنها الروس
تفاخر ديميتري ليتوفكين، رئيس تحرير مجلة TASS العسكرية الروسية، بأن غواصة بيلغورود والمركبات الأخرى من فئتها يمكنها "إرسال ما يصل إلى 12 صاروخاً إلى ساحل الولايات المتحدة".
وادعى كذلك أن بوسيدون لديه قدرات ذخيرة متسكعة تحت الماء، ويمكنه البقاء خامداً في قاع المحيط لسنوات قبل تفعيله. وأوضح أيضاً أنه من المستحيل اكتشاف المركبة المسيرة الكامنة في هذا العمق.
أُعلن عن السلاح لأول مرة عن طريق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بجانب منصات أسلحة أخرى، مثل صاروخ كينجال الفرط صوتي، الذي يستطيع حمل رأس نووي.
لماذا لا يبدو الناتو قلقاً من بوسيدون؟
لا يعتقد مسؤولو الناتو أن مثل هذا السلاح جاهز للاستخدام.
وقال شاشانك جوشي، محرر شؤون الدفاع في The Economist، على تويتر، إن بوسيدون هو طوربيد روسي يعمل بالطاقة النووية، ويمكن أن يكون مسلحاً نووياً. لكن ما طرحه تقرير الصحيفة الإيطالية كان أن الروس سوف يجرون اختباراً محتملاً للطوربيد، و"ليس تجربة نووية متفجرة".
وقال: "من الجدير بالذكر أيضاً أن بوسيدون من المقرر تسليمه بشكل نهائي في عام 2027، وبالتالي فهو ليس سلاحاً يتوقع استخدامه في الحرب".
وتمنع معاهدة الحظر الدولي على تجارب الأسلحة النووية، الموقعة منذ سبتمبر/أيلول 1996، والتي وقعت عليها أغلب دول العالم، ومنها روسيا بطبيعة الحال، على الدول إجراء، أو المشاركة في أية تفجيرات نووية تجريبية.
وبطبيعة الحال، إذا كانت الغواصة الروسية في طريقها لإجراء مثل ذلك الاختبار النووي، فمن المستحيل ألا يشعر الغرب بتفجير كهذا.
أخطر من تسونامي.. لماذا يطلق عليه سلاح يوم القيامة؟
"أحد المخاوف هو ما تردد بأن السلاح يحتوي على كميات كبيرة من الكوبالت 59 الذي يتحول عند التفجير إلى كوبالت 60 المشع – والهدف من ذلك هو زيادة كمية النشاط الإشعاعي المنبعث إلى أقصى حد، والذي يدوم لفترة طويلة في الوقت ذاته، حسبما قال شون بورني، كبير المتخصصين النوويين في منظمة السلام الأخضر لمجلة Newsweek الأمريكية.
وقد صنع الاتحاد السوفييتي هذا السلاح خلال فترة الحرب الباردة ليكون أداة لما سمي بيوم القيامة من صنع البشر، أي وضع أكبر قدر من الكوبالت المشع في الغلاف الجوي العلوي؛ ليكون قادراً على جعل أجزاء كبيرة من الكوكب غير صالحة للسكن.
يمكن للكوبالت تلويث المياه وله آثار ضارة على الكائنات الحية المحيطة.
وقال بورني إن الصدمة الزلزالية أو الموجة الصوتية ستؤثر أيضاً على الحياة البحرية.
وأضاف بورني إن أكثر ما يثير القلق في سيناريو الاختبار هو الدفع الذي سيكون مفاعلاً نووياً صغيراً "يحتمل تبريده بالغاز"، لأنه سيطلق نشاطاً إشعاعياً عند اصطدام الطوربيد بأهدافه وتعرضه للتدمير، حسب بورني.
في حالة حدوث انفجار، سيكون للطوربيد تأثير مباشر وخطير على الحياة البحرية القريبة منه، حيث سيقتل الأسماك والثدييات البحرية التي تبعد كيلومترات عن القنبلة، حسب مارك فورمان، الأستاذ المشارك في الكيمياء النووية والمواد الصناعية وإعادة التدوير في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في جوتنبرج بالسويد.
وأضاف: "مما أعلم أن أي تفجير نووي تحت سطح الأرض هو أكثر ضرراً لهيكل السفن والكائنات البحرية من الانفجار الذي يحدث فوق سطح البحر، لكن أتوقع أن تكون الحرارة والإشعاع المباشر مشكلة أقل بالنسبة لانفجار تحت الماء من الانفجارات التي تحدث في الهواء".
وقال فورمان: "التفجيرات النووية تحت السطحية تكون قذرة للغاية، والنشاط الإشعاعي من الوقود الموجود في القنبلة إلى جانب النشاط الإشعاعي الناتج عن قصف مياه البحر بالنيوترونات سيكون مروعاً للغاية". "لدى الولايات المتحدة خبرة في إطلاق القنابل الذرية تحت الماء (خلال الاختبارات النووية)، حيث يؤدي ذلك إلى توليد رذاذ من الماء يكون شديد النشاط الإشعاعي. إذا سقط هذا الرذاذ على سطح سفينة أو أي شيء آخر ثم جف، فإنه يصبح من الصعب جداً إخراجه من السفينة".