تعتزم الجزائر عقد حوار وطني فلسطيني شامل خلال الأيام القليلة القادمة، في إطار جهودها المتواصلة لإنهاء الانقسام وإحداث اختراق في ملف المصالحة بين الفصائل الفلسطينية. فما فرص نجاح الجزائر في ذلك؟
في يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت الجزائر عقد لقاءات منفردة مع فصائل فلسطينية للتباحث حول الرؤى التي يحملونها لإنهاء الانقسام. وفي الإطار، عقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في يوليو/تموز الماضي، لقاءً جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، على هامش مشاركتهما في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال الجزائر عن فرنسا.
ولم تنجم عن ذلك اللقاء أية نتائج إيجابية مرتبطة بملف المصالحة العالق منذ عام 2007، حيث وصفه محللون سياسيون آنذاك بـ"البروتوكولي". وخلال الأشهر القليلة الماضية، عقدت الجزائر لقاءات منفصلة مع حركتي "فتح" و"حماس" في إطار مساعيها لإنجاز المصالحة إلا أنها لم تعلن بشكل رسمي عن نتائج.
هل تنجح مساعي الجزائر في إنجاح الحوار بين الفصائل الفلسطينية؟
في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن لدى حركة "فتح" التي يرأسها "قراراً بالتجاوب مع الجهود العربية لتحقيق المصالحة الفلسطينية".
وأضاف عباس، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية "وفا": "هناك قرار مركزي في حركة فتح بالتجاوب مع جهود المصالحة المبذولة من قبل مصر والأشقاء العرب والعمل على إنجاحها". فيما قالت حركة "حماس"، إنها "تتعاطى بجدية وإيجابية مع الجهد الجزائري بشأن المصالحة".
من جهته، قال حازم قاسم، المتحدث باسم الحركة لوكالة الأناضول التركية إن "رعاية الرئيس الجزائري لهذه الحوارات يعطيها قوة وأهمية، والحركة تقدر الجهد الجزائري وتبذل جهداً متواصلاً لإنجاحه".
وأوضح أن حركته "تقدّمت برؤية متكاملة للجزائر لتحقيق وحدة وطنية حقيقية، وصولاً إلى توافق على صيغة جامعة لكل الأطراف".
فيما قال خضر حبيب، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، إن "إنجاز المصالحة صعب لكنه ليس مستحيلاً حال توفّرت الإرادة الصادقة في بناء البيت بشكل وطني بعيداً عن نهج الاستفراد". وأضاف حبيب للأناضول: "إنجاز هذا الملف بحاجة إلى جهد كبير وحالة من الانفتاح".
وعبّر حبيب عن مخاوفه من فشل هذه الجولة، لكنّه قال: "نأمل أن يتم التوافق على استراتيجية ورؤية وطنية تصطف جميع الفصائل خلفها، بما يحقق مصالح الشعب".
والإثنين 4 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت كل من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تلقيهما دعوة من الجزائر للمشاركة في حوارات المصالحة.
"الجزائر تعمل بصمت وسرية مع الفصائل الفلسطينية"
يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني العقّاد، إن الجزائر تعمل منذ فترة طويلة لـ"إعادة الفلسطينيين إلى مسار الوحدة الطبيعية وترتيب البيت الداخلي، انطلاقاً من حكومة فلسطينية موحدة وترتيب مؤسسات منظّمة التحرير".
مشيراً إلى أن "الجزائر تعمل بصمت وسرية مع الفصائل، حيث سبق لها الالتقاء بقيادة الفصائل بشكل منفرد، وهي تقوم بعملية دبلوماسية كبيرة نأمل أن يكتب لها النجاح".
يضيف العقاد للأناضول أن "معايير نجاح هذا الحوار مرتبطة بتطبيق مخرجاته على أرض الواقع، مع وجود رقابة عربية بهذا الخصوص، كما أنه مرتبط أيضاً بالإرادة السياسية لدى الفصائل، وتفضيلهم للمصلحة الوطنية العُليا على المصالح الخاصة".
لكنه يصف هذا الحوار بـ"الطلقة الأخيرة في ملف المصالحة"، مستبعداً "تدخّل أي طرف عربي لاحقاً لإنجاز هذا الملف". نافياً وجود مؤشرات لدى الفصائل في الوقت الحالي حول "إمكانية الخروج من نفق الانقسام، في ظل حالة من الإحباط تسود الشارع الفلسطيني الذي لم يعد لديه ثقة بهم".
معيقات كبيرة أمام المصالحة الفلسطينية
أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العربية الأمريكية في جنين شمالي الضفة الغربية، يرى أن المعيقات التي كانت تحول دون تحقيق المصالحة خلال السنوات الماضية، ما زالت موجودة.
مشيراً في حواره مع الأناضول أن "المبادرة الجزائرية جيدة، لكنها تأتي في وقت صعب ومعقّد تستمر فيه الظروف الميدانية والسياسية على ما هي عليه، الأمر الذي يؤسس لفشل هذه الجولة".
وهناك عدم إجماع بين حركتي فتح وحماس، على آلية موحّدة لمواجهة الاحتلال، وهذا يشكّل إحدى المعيقات الميدانية التي تقف في طريق المصالحة، حيث إن "الظروف السياسية وغياب الحوارات والاجتماعات الوطنية بين الحركتين، إضافة للاستقطابات الإقليمية والدولية هي أيضاً من أسباب عدم اكتمال المصالحة"، بحسب يوسف.
في الوقت نفسه، فإن "الواقع الانقسامي" ما زال مستمراً، ولا توجد نقاشات جادة بين الحركتين في هذا الملف أو أي ملف يتعلق بالشأن الفلسطيني. والساحة الفلسطينية ستشهد مزيداً من التصعيد الإسرائيلي الذي ستكون له ردود فعل فلسطينية فردية وعفوية غير منظّمة.
مؤشرات مفقودة وإسرائيل هي المستفيد الأكبر
وفي ظل المؤشرات الحالية وغياب الضغط الشعبي على الفصائل، فمن المستبعد الوصول لحل في ملف المصالحة إلا في حال وقوع حدث كبير، بحسب يوسف.
وخلال السنوات الماضية، شكّلت عدة ملفات أبرزها "ملفات الأمن والمعابر، وملف الانتخابات وموظفي حكومة حماس بغزة"، عائقاً أمام تحقيق المصالحة.
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد المجيد سويلم أن "الواقع الانقسامي أصبح له مصالح ومؤسسات، بالتالي لا أعتقد أن الأمور ستسير نحو المصالحة"، مشيراً إلى أن "نتائج حوارات الجزائر ستسير غالباً باتجاه المجاملات السياسية".
وترتبط "السياسة الإسرائيلية المستقرّة بالفتك بالفلسطينيين ومحاولة تمرير المشروع الإسرائيلي والإبقاء على غزة والضفة منفصلتين"، لذلك يرى سويلم أن "الأزمة السياسية بين الفصائل مُفتعلة، فلا يوجد خلاف سياسي جذري يجعل كلاً منها يحاول فرض نفسه على الواقع".