فشلت مساعي تجديد الهدنة في اليمن وعادت المعارك بين قوات الحكومة وقوات الحوثي، فماذا تعني عودة الحرب بالنسبة لليمنيين وأيضاً بالنسبة للسعودية والإمارات بعد تهديدات الحوثيين باستهدافهما؟
كان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ قد أعلن، الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول، عدم توصل الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين إلى اتفاق على تمديد الهدنة التي كانت سارية في البلاد منذ ستة أشهر.
وعلى الرغم من إشارة الدبلوماسي السويدي إلى أن المفاوضات مستمرة، إلا أن المعارك بين الجانبين تجددت بالفعل جنوبي البلاد، إذ أفاد مراسل وكالة الأناضول بأن اشتباكات اندلعت في جبهتي الضالع (جنوب) وتعز (جنوب غرب)، بين قوات الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، بعد ساعات فقط من انتهاء الهدنة الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش من مساء الأحد.
الأمم المتحدة تدين جماعة الحوثي
ومساء الأحد، أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة في البلاد (بدأت في 2 أبريل/نيسان الماضي وانتهت في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري).
حمل غروندبرغ في بيانه، بشكل غير مباشر، جماعة الحوثي المسؤولية عن عدم تمديد الهدنة، التي كانت قد دخلت حيز التنفيذ يوم 2 أبريل/نيسان الماضي لمدة شهرين تم تجديدها مرتين، حيث المبعوث الأممي موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحه بشكل إيجابي، مؤكداً "استمراره في العمل مع كلا الجانبين لمحاولة إيجاد حلول".
وقال الدبلوماسي السويدي في بيانه: "يأسف المبعوث الخاص للأمم المتحدة لعدم التوصل إلى اتفاق اليوم، حيث أن الهدنة الممتدة والموسعة من شأنها توفير فوائد هامة إضافية للسكان"، مضيفاً أنه قدم مقترحاً آخر إلى الأطراف السبت، لتمديد الهدنة لمدة ستة أشهر مع إضافة عناصر أخرى إضافية، وذلك بناء على النتائج الإيجابية التي حققتها في الستة أشهر الماضية.
وتضمن المقترح، وفقاً للبيان، "دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من والى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، كما تضمّن الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة".
دعا المبعوث الأممي في بيانه "الأطراف إلى الحفاظ على الهدوء والامتناع عن أي شكل من أشكال الاستفزازات أو الأعمال التي قد تؤدي الى تصعيد العنف (…) وعلى الوفاء بالتزاماتهم تجاه الشعب اليمني لمتابعة كل السبل المؤدية للسلام".
الحكومة اليمنية كانت قد أعلنت موافقتها على المقترح الأممي، لكن جماعة الحوثي أعلنت رفضها للمقترح، معتبرة إياه "لا يؤسس لعملية سلام". وقال بيان صادر عن المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، إن "المجلس استهجن تلكؤ الأمم المتحدة وطرحها لورقة (مقترح تمديد الهدنة) لا يرقى لمطالب الشعب اليمني ولا تؤسس لعملية السلام".
كانت الحرب في اليمن قد بدأت مع انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، ثم قادت السعودية والإمارات تحالفاً لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس/آذار 2015، بهدف القضاء على الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم.
لكن الحرب، التي لم تتوقف إلا خلال أشهر الهدنة، تسببت في نزوح ما يزيد على أربعة ملايين شخص، فيما يعتمد نحو ثلثي سكان اليمن، أي أكثر من 20 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية العاجلة، منهم نحو خمسة ملايين يعانون من مجاعة، إضافة إلى مقتل نحو 13 ألف مدني وإصابة 112 ألفاً آخرين، تقول منظمات حقوقية دولية إنهم ليسوا طرفاً في الحرب.
لماذا فشلت جهود تمديد الهدنة في اليمن؟
منذ الثاني من نيسان/أبريل، سمحت الهدنة بوقف القتال واتّخاذ تدابير تهدف إلى التخفيف من الظروف المعيشية الصعبة للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وشمل الاتفاق السماح برحلات تجارية من مطار صنعاء الدولي الذي كان يستقبل فقط طائرات المساعدات منذ 2016، ما مثّل بارقة أمل نادرة بعد حرب مدمرة.
وخلال فترة الهدنة، تبادلت الحكومة اليمنية والمتمردون اتهامات بخرق وقف النار، ولم يطبّق الاتفاق بالكامل وخصوصاً ما يتعلق برفع حصار المتمردين لمدينة تعز، لكنه نجح بالفعل في خفض مستويات العنف بشكل كبير.
وواجه الخصوم في اليمن دعوات دولية لتمديد الهدنة، بما في ذلك من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وحتى الولايات المتحدة وروسيا تلاقتا في مجلس الأمن لدعم وقف إطلاق النار هناك.
ومن جهته يرى عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عبد الله العليمي، أن ميليشيا الحوثي تعاملت مع الهدنة الإنسانية "كمعركة سياسية وفرصة للابتزاز، وقدمت مصالح إيران على مصالح اليمنيين". وأوضح العليمي، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، أن "ميليشيا الحوثي أبعد ما تكون عن أن تكون شريكاً في السلام". وأكد "أن الحكومة (المعترف بها دولياً) قدمت تنازلات واسعة ووافقت على مقترح المبعوث الأممي"، بحسب تقرير لموقع DW الألماني.
المبعوث الأممي قام بجولات مكوكية بين صنعاء وعُمان التي لعبت دور الوسيط في محاولة لتأمين تمديد لوقف إطلاق النار، والتقى غروندبرغ الأحد في الرياض رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمى، بعد أن كان قد التقى، قبل ذلك بأيام، في صنعاء مع عبد الملك الحوثي وزعماء آخرين للجماعة المدعومة من إيران.
ويرى محللون أن الحوثيين يشعرون أنهم في موقف قوي ويريدون استغلاله لتحقيق مكاسب أكبر، أهمها فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة أمام الملاحة بشكل كامل. "تجدد الحرب يعني أن الملايين سيواجهون الآن خطر الهجمات الجوية والقصف البري واستئناف الهجمات الصاروخية"، بحسب ما قاله فيران بويغ، مدير مؤسسة أوكسفام الخيرية في اليمن، لموقع VOANews الأمريكي.
ويتفق معه بيتر ساليزبري، خبير الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، الذي قال للموقع الأمريكي إن الحوثيين يتصرفون كما لو كانوا في موقف أقوى بسبب التشققات الموجودة داخل التحالف الداعم للحكومة اليمنية، بقيادة السعودية والإمارات.
ويرى ساليزبري أن قوات الحوثي، مقارنة بالقوات المدعومة من السعودية والإمارات، تعتبر أكثر تماسكاً وبالتالي أكثر استعداداً لاستئناف العمليات العسكرية، حيث ظهرت التشققات والخلافات داخل معسكر التحالف، في ظل رغبة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في الانفصال، وتلك القوات مدعومة من الإمارات.
ماذا يعني تجدد الحرب للسعودية والإمارات؟
وجهت جماعات الحوثي تهديدات مباشرة إلى السعودية والإمارات، حيث قال المجلس السياسي الأعلى للجماعة في بيان نشرته قناة المسيرة، إن "قواتنا المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدي إذا استمر العدوان والحصار" مهدّداً بوضع "مطارات وموانئ وشركات النفط التابعة لدول العدوان في مرمى نيرانها".
وسبق بالفعل أن نفّذ الحوثيون العديد من الهجمات بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة على السعودية والإمارات. وكان آخرها في آذار/مارس الماضي مع استهداف منشآت لمجموعة أرامكو السعودية العملاقة ما تسبب بحريق هائل. وكتب المتحدث باسم الحوثيين يحيى سريع في تغريدة مساء الأحد "كل شيءٍ محتمل ووارد".
كما كانت صواريخ ومسيرات الحوثي قد استهدفت العمق الإماراتي خلال يناير/كانون الثاني الماضي، رداً على مشاركة ألوية العمالقة الجنوبية في معارك تعز وشبوة، بحسب بيانات الحوثي وقتها.
كانت تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها العمق الإماراتي لهجمات الحوثيين منذ بدء الإمارات انسحابها من الحرب في اليمن، قبل أكثر من عامين، وقال محمد البخيتي عضو المكتب السياسي في جماعة أنصار الله إن "الإمارات كان لديها رغبة في الانسحاب من اليمن ووفرنا لهم الانسحاب الآمن وحفظ ماء الوجه بالفعل، لكنهم عادوا للتصعيد وتكثيف عدوانهم علينا، فكان هذا بداية الرد من جانبنا".
البخيتي كان يشير إلى التطورات الميدانية التي شهدها اليمن مطلع العام الجاري، خصوصاً سيطرة قوات الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف بقيادة السعودية على محافظة شبوة، وهو الانتصار الذي حققته ألوية العمالقة التابعة لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن.
ولا شك أن عودة برميل البارود اليمني للغليان يمثل كارثة حقيقية، ليس فقط لأطرافه المباشرة، وإنما للمنطقة وربما للعالم ككل. ففي حالة خروج الأمور عن السيطرة وعودة مسيرات وصواريخ الحوثي لاستهداف المنشآت النفطية في السعودية والإمارات، سيكون لذلك تأثير مباشر على أسعار الطاقة، التي أدى ارتفاعها منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا إلى إصابة الاقتصاد العالمي بالتضخم وبات شبح الركود يتهدد الجميع.
موقع اليمن الاستراتيجي على أحد أهم خطوط الشحن البحري في العالم، عبر باب المندب إلى قناة السويس المصرية، يمثل هاجساً آخر يزيد من قتامة الصورة حال تجدد الصراع، حيث إن تأثر هذا الممر الملاحي الحيوي في هذا التوقيت يمثل عنصر ضغط إضافي يزيد من حالة الارتفاع الجنوني في أسعار السلع، والتي يكتوي بنارها العالم أجمع، والشعوب العربية بصورة خاصة.
وربما تكون هذه المعطيات الخطيرة، التي ليست غائبة بطبيعة الحال عن جميع الأطراف، عاملاً محفزاً على نجاح جهود تجديد الهدنة، التي لا تزال مستمرة، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وينفجر برميل البارود مرة أخرى.