مع التضخم وتدهور العملات والأسهم.. هل تتكرر أزمة 2008 المالية العالمية؟ إليك رأي الخبراء

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/10/02 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/02 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
مخاوف من تكرار الأزمة المالية العالمية، التي حدثت عام 2008، صورة تعبيرية/رويترز

يبدو أن تكرار الأزمة المالية العالمية، التي حدثت عام 2008، أصبح بمثابة شبح يطارد المستثمرين الدوليين والمحللين الاقتصاديين.

فلقد حملت كثير من أخبار الاضطراب الاقتصادي الحالي، التي انتشرت طوال الأسبوع الماضي، هذا العنوان: "لم يحدث ذلك منذ [أزمة] 2007-2008″، أو "لأول مرة منذ الأزمة العالمية في عام 2008″، حسبما ورد في تقرير لموقع CNN International الأمريكي.

لماذا يخشى الاقتصاديون من تكرار الأزمة المالية العالمية؟

ولكي نعلم إلى أي مدى يخيف سيناريو تكرار الأزمة المالية العالمية الاقتصاديين في العالم، تجدر الإشارة إلى أنه في الولايات المتحدة فقط أدت الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى فقدان 8.8 مليون وظيفة، وارتفعت نسبة البطالة إلى 10% بحلول نهاية 2009، وتبخرت 19.2 تريليون دولار من ثروات الأسر، وانخفضت أسعار المساكن بنسبة 40% في المتوسط، ​ بل زادت عن ذلك في بعض المدن الأمريكية، وانخفض مؤشر ستاندرد أند بورز S&P 500 بنسبة 38.5% عام 2008، واختفت 7.4 تريليون دولار من قيمة الأسهم بين عامي 2008-2009، أو 66200 دولار لكل أسرة أمريكية في المتوسط.

وخلال الأسبوع الماضي، دقت شخصيات بارزة، من رئيس منظمة التجارة العالمية (WTO) إلى الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان، ناقوس الخطر بشأن احتمال حدوث انكماش عالمي.

في استطلاع نشره المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره سويسرا يوم الأربعاء الماضي، قال 7 من كل 10 مشاركين في عينة من 22 اقتصادياً بارزاً في القطاعين الخاص والعام إنهم يعتقدون أن الركود العالمي كان محتملاً إلى حد ما، على الأقل في عام 2023.

وفي الوقت نفسه، رفعت شركة Ned Davis Research، وهي شركة أبحاث مقرها ولاية فلوريدا الأمريكية معروفة بنموذج احتمالية الركود العالمي، احتمالية حدوث ركود عالمي العام المقبل إلى 98.1%، وهي أعلى نسبة منذ الانكماش المرتبط بوباء COVID-19 في عام 2020، والأزمة المالية العالمية في 2008-2009.

إليك العوامل التي تدفع لهذا الاحتمال

في حين أن الحرب في أوكرانيا، وإغلاقات الصين الوبائية الصارمة، والتضخم الجامح، كلها تفسد الآفاق الاقتصادية، يشعر المستثمرون بالقلق بشكل خاص من احتمال قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة بقوة، لدرجة قد تجعل أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو الركود، الأمر الذي يجر بقية العالم، إلى تكرار الأزمة المالية العالمية التي حدثت في عام 2008.

تاريخياً، وجدت الولايات المتحدة والبنوك المركزية الأخرى صعوبة في إدارة مهمة رفع أسعار الفائدة دون توجيه ضربة قاسية للنمو الاقتصادي، لأن رفع الفائدة يزيد تكلفة الاقتراض والاستثمار للشركات والأسر. 

فترات الركود السابقة، والتي تُعرَّف عادةً على أنها ربعين متتاليين من النمو السلبي، تم إلقاء اللوم عليها على جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي لتهدئة التضخم المرتفع، بما في ذلك فترات الركود المتتالية في أوائل الثمانينيات.

وقد اتهم النقاد، بمن فيهم الاقتصاديون المشهورون مثل جيريمي سيجل، بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذه المرة بالانتظار لفترة طويلة جداً لبدء رفع أسعار الفائدة، مما أدى إلى لجوئه لارتفاعات جذرية مؤخراً للتعويض عن تقاعسه السابق، حسبما ورد في تقرير لموقع قناة الجزيرة الإنجليزية.

على الرغم من الأمل في حدوث "هبوط ناعم" للاقتصاد، أقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول مؤخراً بأن مسؤولي مجلس الاحتياط الفيدرالي "لا يعرفون" ما إذا كانت جهودهم لكبح التضخم ستؤدي إلى الركود، أو مدى شدة هذا الركود المحتمل.

تكرار الأزمة المالية العالمية
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول/رويترز

تجاوزت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات نسبة 4% لمدةٍ وجيزة، وهو مستوى لم نشهده منذ عام 2008. وأدى ذلك إلى زيادة معدلات الرهن العقاري إلى أعلى مستوى لها، أي نسبة 6.7%، لأول مرة أيضاً منذ يوليو/تموز 2007. وفي بريطانيا، انهارت قيمة الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار، حتى قال أحد المصرفيين في لندن لصحيفة The Financial Times: "لقد خشيت عند لحظة معينة هذا الصباح أن تكون هذه بداية النهاية. لم يكن الأمر بشدة أزمة إفلاس بنك (ليمان) في عام 2008، لكنه أوشك على ذلك".

إن توقيت هذه الأحداث كلها واجتماعها معاً مخيف بعض الشيء، فيومُ 29 سبتمبر/أيلول من هذا العام يوافق مرور 14 عاماً على اليوم الذي انهارت فيه أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم عام 2008، وقد أعقبه أشد أزمة مالية يشهدها العالم منذ أزمة "الكساد العظيم" في ثلاثينيات القرن الماضي.

من الطبيعي أن يسوقنا هذا التشاؤم والاضطرابات التي تلوح في الأجواء إلى السؤال عن مآل ما يحدث، وإذا كان التاريخ على وشك أن يعيد الأزمة مرة أخرى.

هناك اختلاف في الظروف بين المأزق الحالي وأزمة 2008

للرد على ذلك، يجدر بنا أن نوضح أولاً أن أسواق الاقتصاد تعافت تماماً من أزمة 2008، وإن استغرق الأمر سنوات، فضلاً عن أن أسباب المخاوف الاقتصادية والمالية المنتشرة في جميع أنحاء العالم الآن تختلف اختلافاً تاماً، ومن أوجهٍ كثيرة، عن الأسباب التي أفضت إلى أزمة "الكساد العظيم".

لكن لأن آثار أزمة 2008 لا تزال كامنة في أذهان كثيرين، وذكرياتها تُستدعى طوال الوقت بين أغلب الناس، فإن الاقتصاديين والخبراء يشتد توترهم عندما تضطرب الأمور على نحو مشابه لما حدث من قبل، وعلى غرار ما حدث في الأسابيع الماضية.

الخوف هو المزاج السائد بين الناس الآن، فالاقتصاد متعثر بسبب التضخم، وتكلفة الاقتراض مرتفعة لأن الاقتصاد يعاني آثار الضربات المتوالية التي لحقت به ويهيمن عليه الخوف من أزمات أخرى، سواء جاء الأمر من إعصار كارثي، أم قوة عظمى تعلن الحرب على جارتها، أو برنامج تخفيض جذري للضرائب دون توفير مصادر التمويل اللازمة [تنتهي إلى زيادة التضخم]، أو -لا سمح الله- جائحة أخرى.

نتيجة لذلك، فإن فرص الاستثمار المربحة شحَّت على المستثمرين في الوقت الحالي، فالأسهم والسندات في هبوط، ويقول كثير من المحللين إن السوق معرضة للاستمرار في التقلب إلى أن يعود التضخم تحت نطاق السيطرة.

وانخفض مؤشر S&P 500، وهو أحد المقاييس الأوسع لصحة الشركات الأمريكية، بنسبة 2.1%، مسجلاً مستوى منخفضاً جديداً لهذا العام. ولم يعد مؤشرا Dow وS&P 500 بعيدين عن أدنى مستوياتهما منذ نوفمبر 2020.

3 من أكبر اقتصادات أوروبا مقبلة على ركود طويل

خارج الولايات المتحدة، لا تقدم الرياح الاقتصادية المعاكسة سبباً كبيراً للتفاؤل.

قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مؤخراً إنه من المتوقع أن تشهد ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وهي 3 من أكبر اقتصادات أوروبا، ركوداً طويلاً العام المقبل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مشكلات إمدادات الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. 

وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تنمو منطقة اليورو بنسبة 0.3% فقط في عام 2023 ، مما يشير إلى أن العديد من اقتصادات الكتلة ستكون في حالة ركود طوال فترات العام.

وآسيا ستتجنب الانكماش، ولكن قيود الصين تهددها

في حين أنه من المتوقع أن تتجنب منطقة آسيا والمحيط الهادئ الانكماش، أصبحت عمليات الإغلاق والقيود على الحدود التي تفرضها الصين "خالية من COVID" عبئاً خطيراً على إمكانات النمو في المنطقة.

يوم الثلاثاء، خفض البنك الدولي توقعاته الاقتصادية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 3.2%، انخفاضاً من 5% في أبريل/نيسان الماضي، وخفض توقعاته للصين إلى النصف تقريباً إلى 2.8%.

قال ترين نجوين، كبير الاقتصاديين في مجال اقتصادات آسيا الناشئة في مؤسسية Natixis في هونغ كونغ، إن الاقتصادات الآسيوية لن تسلم من تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة، على الرغم من أن المنطقة كانت تتطلع إلى أنها ستعاني من التباطؤ، وليس الانهيار".

تكرار الأزمة المالية العالمية، التي حدثت عام 2008
الاقتصادات التي تعتمد على التصدير في آسيا أكثر تعرضاً للمخاطر إذا حدث ركود في أمريكا/رويترز

ونعتقد أن النمو الآسيوي سيتباطأ، بالفعل، حسبما قال نجوين لقناة "الجزيرة الإنجليزية" موضحاً أنه بالنسبة للاقتصادات الأكثر تعرضاً للدورة التجارية العالمية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، فإن تأثير ضعف الطلب الخارجي سيصبح أسوأ".

في اقتصادات آسيا الناشئة باستثناء الصين، سيؤدي تشديد الأوضاع المالية إلى تراجع الاستثمار. ومن المتوقع أن يتباطأ الاستهلاك".

قال هارفي، الأستاذ في جامعة ديوك الأمريكية، إنه على الرغم من أن لديه "ثقة أكبر بكثير" في أن أوروبا ستقضي 2023 في حالة ركود، مقارنة بالولايات المتحدة، فإن العالم يواجه توقعات اقتصادية غير مستقرة.

ولكن الخوف الأكبر يأتي من أمريكا

فالتضخم ظاهرة عالمية، وغالباً ما ترتبط ارتفاعات التضخم بالركود الاقتصادي، وإذا دخلت الولايات المتحدة في حالة ركود، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ركود عالمي- لا سيما بالنظر إلى أن أوروبا من المحتمل أن تكون بالفعل في حالة ركود".

وتعتمد كثير من الاقتصادات التصديرية في العالم، لاسيما في آسيا وبصورة أقل أوروبا، على السوق الأمريكية الواسعة، وبالتالي أي ركود في أمريكا سينعكس على بقية العالم بسرعة.

لماذا يجب علينا ألا أن نشعر بالذعر؟

لكن أزمة الكساد العظيم التي لنا فيها عبرة جديرة بالاستحضار الآن، هي نفسها سبب ألا يشعر العالم  بالذعر، حسب جين سهادي، الكاتبة البارزة في موقع CNN Business المتخصص في الشؤون الاقتصادية العالمية.

فرغم الخسائر التي سببتها أزمة 2008، فإن نظرة أوسع على الاقتصاد العالمي بعد وقبل الأزمة تشير إلى المحصلة العامة كانت إيجابية.

إذ تقول سهادي"إذا افترضنا أنك استثمرت 10 آلاف دولار عند بداية عام 1981 في أسهم مؤشر "ستاندر آند بورز 500" الأمريكية، فإن هذا المبلغ كان من الممكن أن ينمو إلى ما يقرب من 1.1 مليون دولار بحلول نهاية مارس/آذار 2021. لكن لو فاتتك أفضل 5 أيام للتداول خلال تلك السنوات الأربعين، فإن رصيدك يكون  قد نما أيضاً، حتى وإن كان لما يقرب من 676 ألف دولار [أي إنك لن تبلغ أقصى ربح ممكن، لكنك رابح في الحالتين].

بعبارة أخرى: تخاطب جين سهادي المستثمرين الأمريكيين قائلة "ينبغي التمهل، وتجنب الذعر، وعدم المساس برصيدك في حسابات التقاعد على المدى القريب ما دمت لا تحتاج إلى المال لأمر طارئ، وحتى تتضح الأمور".

تحميل المزيد