تسبب الانفجاران اللذان وقعا في خطي أنابيب "نورد ستريم 1″ و"نورد ستريم 2" في بحر البلطيق بما يمكن وصفه بأنه أكبر حادثة تسرب لغاز الميثان في الغلاف الجوي، فهل يمكن لكمية الغاز المنبعثة تعزيز التغير المناخي؟
800 مليون متر مكعب من الغاز تسرّبت من خطوط نورد ستريم
يقول سيرغي كوبريانوف، المتحدث باسم شركة "غاز بروم" الروسية العملاقة للغاز، إن 800 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي تسربت، بعد أن أصابت انفجارات خطَّي أنابيب "نورد ستريم" تحت البحر، في وقت جددت فيه روسيا اتهامها للغرب بالمسؤولية عن التفجير.
وكالة "تاس" الروسية للأنباء، نقلت الجمعة، 30 سبتمبر/أيلول 2022، عن كوبريانوف قوله إنه أبلغ جلسة للأمم المتحدة، عبر اتصال مرئي، أن حجم الغاز المتسرِّب يعادل 3 أشهر من الإمدادات للدنمارك.
يأتي هذا، بينما اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، 30 سبتمبر/أيلول 2022، الولايات المتحدة وحلفاءها بتفجير خطَّي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2 تحت سطح البحر.
وتقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، في واقع الأمر إن التدفقات المفاجئة لغاز الميثان من خطوط أنابيب تحت الماء ليست أمراً مألوفاً، وليس للعلماء سوابق تُذكر لحوادث مماثلة يُقاس عليها، إلا أن أغلب العلماء يشيرون إلى أن كمية غاز الميثان المنبعثة في الغلاف الجوي من جميع أنحاء العالم كبيرة بالفعل، ومن ثم فإن تسرب عدة مئات آلاف الأطنان من خطوط الأنابيب في تلك الحادثة "قد لا تُحدث فرقاً لا يمكن استيعابه".
ويقول درو شِنديل، أستاذ علوم الأرض في جامعة ديوك الأمريكية، إن "الأمر ليس هيناً، إن التسرب بحجم مدينة أمريكية متوسطة المساحة، أو نحو ذلك. لكن الغاز ينبعث من مصادر عديدة في جميع أنحاء العالم، ومن ثم يصغر أي انبعاث منفرد إذا قيس إلى المجموع، وأظن أن هذا التسرب يندرج تحت هذه الفئة".
لكن لا يمكن الاستخفاف بأضرار هذا التسرب
وفي تقديرات أولية، خلص باحثون يوم الأربعاء، 28 سبتمبر/أيلول، من "مشروع المسح الجيولوجي الأمريكية لهيدرات الغاز"، إلى أن كمية الغاز المتسربة ستعادل نحو 0.1% من إجمالي انبعاثات الميثان المقدرة في العالم سنوياً.
وقالت كارولين روبل، رئيسة المشروع التي أجرت البحث مع زميلها بيل وايت، إن "الأمر جدير بالمراقبة من جهة كونه حادثة تسرب". وانتهى تقدير أجراه توماس لوفوكس، الباحث في مختبر علوم المناخ والبيئة في فرنسا، إلى أن كمية الغاز المنبعثة من التسرب تعادل كمية الميثان المنبعثة عن نحو مليون سيارة في السنة، ومن ثم فالكمية قليلة إذا استدعينا أن الاتحاد الأوروبي يضم 250 مليون سيارة عاملة وحده.
مع ذلك، حذر علماء آخرون من الاستخفاف بتأثير الميثان. وقال بول بالكومب، المحاضر البارز في الهندسة الكيميائية والطاقة المتجددة في جامعة "كوين ماري" بلندن، إن الميثان من "غازات الاحترار القوية حقاً، وإن تسرب أي كمية منه، وإن كانت قليلة، أمر له تداعيات كبيرة على المناخ".
وقد أشارت بيانات صادرة عن محطات المراقبة السويدية المعنية بقياس تركيز غازات الاحتباس الحراري، إلى حدوث ارتفاع في تركيز تلك الغازات منذ انفجار خطوط الأنابيب. وزاد تركيز الميثان زيادة غير معتادة بنسبٍ تصل من 20% إلى 25%. وقال توماس هولست، الباحث في جامعة لوند السويدية: "إنها زيادة جديرة بالنظر إذا قيست إلى البيانات طويلة الأجل المتوفرة لدينا، لكنها ليست كافية للتسبب في كارثة صحية عامة".
تسرب يعزز الاحتباس الحراري
من جهتها، أبلغت محطات مراقبة في فنلندا والنرويج عن ارتفاع في كميات الميثان بالغلاف الجوي. وأشارت روبل إلى أن "الميثان غاز جيد الاختلاط عموماً في الغلاف، لذا فإن هذه الزيادة في كميات الغاز في الغلاف الجوي لعدة مناطق سوف تتبدد فوق الكرة الأرضية".
وكشف فحص لصور الأقمار الصناعية نشره "المرصد الدولي لمراقبة انبعاثات الميثان التابع للأمم المتحدة" أن غاز الميثان مستمر في التسرب من أحد الخروق على الأقل. وأظهرت صور خط أنابيب "نورد ستريم 2" أن نصف قطر فقاعات الغاز في الموقع تقلَّص من نحو 700 متر يوم الإثنين، 26 سبتمبر/أيلول إلى نحو 521 متراً يوم الخميس 29 سبتمبر/أيلول.
استبعدت ياسمين كوبر، الباحثة المشاركة في معهد الغاز المستدام، أن يكون للتسرب تداعيات على الكائنات البحرية على نحو يماثل تأثيرات تسرب النفط. لكن "التأثير البيئي يصب في تعزيز ظاهرة الاحتباس الحراري".
لا تزال الصور التي نشرها خفر السواحل السويدي يوم الخميس، 29 سبتمبر/أيلول تُظهر كتلة كبيرة من فقاعات الميثان المنتشرة على سطح البحر، والناشئة عن أربعة خروق في خطوط الأنابيب، وليس ثلاثة كما قالت السلطات في البداية.
يقول الباحثون إن الحصول على صورة أوضح للتسريبات وحساب كمية الميثان المنبعثة في الغلاف الجوي أمور تحتاج بالضرورة إلى مزيد من الصور وتيسير وصول الباحثين إلى الموقع.
وقالت كوبر: "نعلم أن التسرب شديد لأننا نرى صوراً ومقاطع فيديو للغاز وهو يصعد إلى سطح الماء، لكننا لا نعرف أي شيء عن ثغرات التسرب نفسها. لا نعرف حجمها ولا مواقعها في خط الأنابيب، ومن ثم يصعب معرفة معدل التدفق".
متى سيتوقف التسرّب؟
بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فقد قال مسؤولون دنماركيون يوم الأربعاء، 28 سبتمبر/أيلول إنهم يتوقعون أن تفرغ خطوط الأنابيب ويتوقف التسريب بحلول يوم الأحد 1 أكتوبر/تشرين الأول، فقد أطلقت الأنابيب بالفعل أكثر من نصف كميات الغاز التي كانت موجودة فيها. وقال المسؤولون إنه بمجرد نضوب الغاز، يتيسر للعلماء ومسؤولي الأمن الوصول إلى الموقع، بعد أن كان الأمر مقيداً بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
ومن المنتظر أن يُتيح نضوب الغاز لخبراء الأدلة الجنائية فحص الموقع بحثاً عن أدلة على سبب الانفجارات، لا سيما أن الأمر استنفر اهتمام مسؤولي الأمن في جميع أنحاء أوروبا.
من المستفيد؟
من جهته، يقول الرئيس الروسي بوتين إن الولايات المتحدة مستفيدة من الهجمات على البنية التحتية للطاقة في أوروبا. وأضاف خلال خطاب ضم عدة مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، إن "العقوبات لم تكن كافية بالنسبة للأنجلو-ساكسون، (لذلك) تحولوا إلى التخريب، لكن الحقيقة أنهم دبَّروا الانفجارات التي استهدفت خطَّي نورد ستريم الدوليين للغاز".
وأردف بوتين قائلاً: "بدأوا تدمير البنية التحتية الأوروبية للطاقة، من الواضح للجميع مَن المستفيد من هذا، بالطبع مَن يستفيد مِن هذا هو مَن فعلها".
من جانبها، رفضت الولايات المتحدة أي حديث عن أنها المسؤولة عن التسرُّبات، في حين تعتبر دول الاتحاد الأوروبي، التي تعتمد بشدة على إمدادات الغاز الروسي وتحاول حالياً العثور على بديل لها، أن تسربات الغاز ناجمة عن تخريب، لكنها امتنعت عن تحديد أحد.
لم يكن خطَّا أنابيب نورد ستريم يضخان الغاز إلى أوروبا وقت اكتشاف التسربات، لكن كان هناك غاز فيهما، ويمثلان محور مواجهة بشأن الطاقة بين الغرب وروسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى أزمة تكاليف المعيشة في العالم.