عامٌ كاملٌ مضى على انتهاء الانتخابات التشريعية في العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ولا تزال الأطراف السياسية بعيدة عن التوافق على تشكيل حكومة جديدة.
الخلاف في المشهد السياسي العراقي يتركز بين القوتين الشيعيتين الرئيسيتين، "الإطار التنسيقي" و"التيار الصدري"، والتنافس بينهما على أشدّه للاستحواذ على السلطة والموارد بالدرجة الأولى.
إلى جانب ذلك، تأتي التفاصيل المتعلقة بتبعات الخلافات الشخصية بين رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، القيادي الأبرز والأكثر نفوذاً في الإطار التنسيقي الذي يضمّ أكبر القوى السياسية الشيعية الفاعلة.
وبعد 8 أشهر من الفشل في مفاوضات تشكيل حكومة غالبية وطنية، ومناورات سياسية وإعلامية على أكثر من صعيد، دعا رئيس التيار الصدري نواب الكتلة الصدرية الـ73 إلى تقديم استقالاتهم في يونيو/حزيران الماضي.
واعتباراً من 30 يوليو/تموز، دعا الصدر أتباعه لاقتحام المنطقة الخضراء والاعتصام داخل مبنى مجلس النواب، لمنع عقد أي جلسات ستفضي حتماً إلى تشكيل حكومة تقودها قوى الإطار التنسيقي التي أصبحت مؤهّلة دستورياً بتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء وتكليفه من قبل رئيس الجمهورية المنتخب بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي محاولة أخيرة للاستيلاء على السلطة وإقصاء الإطار التنسيقي، اقتحمت مجاميع مسلّحة من الأجنحة العسكرية للتيار الصدري الممثلة بسرايا السلام ولواء "اليوم الموعود" وجيش المهدي، المنطقة الخضراء لأكثر من 18 ساعة يومَي 29 و30 أغسطس/آب الماضي.
لكن هذه الاقتحامات لم تحقق أي نجاحات ميدانية في الوصول إلى أهدافها بالاستيلاء على القصرين الرئاسي والحكومي، أو مبنى التلفزيون الرسمي وغيره من المؤسسات السيادية، في عملية مسلحة صنّفها مراقبون بأنها "محاولة انقلابية مكتملة الأركان تهدف للاستيلاء على السلطة كاملةً وتقويض النظام السياسي القائم منذ عشرين عاماً".
التيار الصدري.. حل وعائق أمام تشكيل حكومة عراقية
الواقع أن جميع القوى السياسية تتفق على خيارات التيار الصدري في حلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكن ثمة خلافات حول آليات حلّ المجلس.
فغالبية الأطراف السياسية ترى أن أيّ حل للمجلس يجب أن يكون وفق الآليات الدستورية التي تفرض وجود حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، بديلة عن حكومة مصطفى الكاظمي التي تعدّ بحكم المستقيلة، أو بتوصيف أدقّ هي حكومة تصريف أعمال يومية لا تمتلك صلاحيات كاملة.
ولدى جميع الأطراف السياسية، بما فيها معظم قوى الإطار التنسيقي، رغبة حقيقية بمشاركة التيار الصدري في الحكومة المنتظر تشكيلها برئاسة محمد شياع السوداني مرشح الإطار التنسيقي، والذي يعارض التيار الصدري ترشيحه أو القبول بأي مرشح من قوى الإطار.
لكن التنافس السياسي على السلطة والموارد بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، أدى إلى منع تشكيل الحكومة الجديدة بعد عام كامل على إجراء الانتخابات.
ومع كثرة التصريحات عن قرب الإعلان عن تحالف جديد يحمل اسم "ائتلاف إدارة الدولة"، إلا أنه لم يُعلن عنه رسمياً بعد، فيما يُرجح أن حراكاً حقيقياً شهدته الأيام الأخيرة لوضع أسس تفاهم جديد بين القوى السياسية لإدارة الدولة في المرحلة القادمة عبر تحالف واسع في حال نجح مجلس النواب بانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وكما كان متوقعاً، أعاد مجلس النواب في 28 سبتمبر/أيلول، تجديد الثقة لرئيسه محمد الحلبوسي الذي اتخذ قراراً في 26 سبتمبر/أيلول، بدعوة أعضاء المجلس للتصويت على استقالته، أي بعد يوم واحد من تصريحات لقيادات في الإطار التنسيقي في 25 سبتمبر/أيلول عن تشكيل تحالف ائتلاف "إدارة الدولة".
ائتلاف "إدارة الدولة".. بديلاً!
وتداولت وسائل إعلام محلية منذ 25 سبتمبر/أيلول، أنباء تفيد بتوقيع قوى سياسية وثيقة اتفاق للإعلان عن تحالف جديد يضمّ أبرز القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، والقوى السنية ممثلةً بتحالفَي "السيادة" و"العزم"، والقوى الكردية الممثلة بالحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة إلى حركة "بابليّون" وقوى أخرى لم تحسم موقفها بعد.
وأشارت قوى الإطار التنسيقي لأول مرة رسمياً إلى اسم "ائتلاف إدارة الدولة"، في بيان أصدرته في 28 سبتمبر/أيلول بمناسبة استئناف مجلس النواب جلساته الاعتيادية، حيث قال البيان إن الائتلاف يتولى المفاوضات مع من قالت عنهم باقي الكتل الراغبة في تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات.
لكن تحالف "ائتلاف إدارة الدولة" قد يكون كياناً حقيقياً غير معلن عنه رسمياً، أو على الأقل فإن قوى الإطار التنسيقي قد تتخلى عن هذا الإطار وتعلن عن نفسها لاحقاً باسم "ائتلاف إدارة الدولة" الذي ورد اسمه لأول مرة في بيان الإطار التنسيقي الذي صدر بعد انتهاء جلسة مجلس النواب لتجديد الثقة برئيس المجلس وانتخاب نائب أول له بدلاً من النائب عن الكتلة الصدرية حاكم الزاملي، الذي استقال مع زملائه نواب الكتلة في 12 يونيو/حزيران.
8 أشهر من الانسداد السياسي
وطيلة 8 أشهر، فشل التيار الصدري في تشكيل حكومة عراقية غالبية وطنية عابرة للطائفية والعرقية ضمن تحالف "إنقاذ وطن" الذي يضمّ ممثلين عن العرب السنّة والأكراد، لأسباب تتعلق بموقف الإطار التنسيقي الذي لعب دوراً في تعطيل عقد مجلس النواب جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية مخوّل دستورياً بتكليف مرشح الكتلة الصدرية لتشكيل الحكومة الجديدة.
لكن الإطار التنسيقي هو الآخر فشل في تشكيل حكومة جديدة، بعد 4 أشهر من استقالة أعضاء الكتلة الصدرية، وتسمية مرشح الإطار محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.
ويعود فشل قوى الإطار التنسيقي لأسباب تتعلق بلجوء التيار الصدري إلى خيار الشارع وتعطيل جلسات مجلس النواب، والتهديد بمنع أي جلسة للتصويت على انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو تكليف السوداني.
التيار الصدري لاعب أساسي
ومع حقيقة إعلان رئيس التيار الصدري اعتزاله العمل السياسي "نهائيًا" في 29 أغسطس/آب الماضي، إلا أن التيار لا يزال اللاعب السياسيّ الأهم في معادلة تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي هذا السياق، تدرك قوى الإطار التنسيقي والقوى السياسية الأخرى حقيقة أن أي حكومة يشكلها الإطار دون قبول من التيار الصدري، لن يكتب لها الاستمرار طويلاً لإتمام مهامّها التي ستكون حتماً التهيئة لانتخابات مبكرة بعد استيفاء المستلزمات الدستورية.
وأبرز هذه المستلزمات وجود حكومة كاملة الصلاحيات، ومجلس نواب قادر على عقد جلساته الاعتيادية لتعديل قانون الانتخابات، وتعيين أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومن ثم إعلان مجلس النواب حلّ نفسه.
سيناريو التوافق
المسار السياسيّ يمضي نحو تشكيل حكومة توافقية تضمّ جميع القوى السياسية الفائزة بالانتخابات الأخيرة من جميع المكونات وفق المحاصصة السياسية، أي أنها ستكون حكومة "ائتلاف إدارة الدولة"، بدلاً من حكومة الإطار التنسيقي.
يأتي ذلك مدعوماً بإصرار من الإطار التنسيقي، وقبول ضمنيّ من "تحالف السيادة" والحزب "الديمقراطي الكردستاني" شريكا التيار الصدري في تحالف "إنقاذ وطن"، ورغبةً منهما بالخروج من حالة الانسداد السياسي وتشكيل حكومة تتولى إقرار القوانين الخاصة بالموازنة العامّة وتسيير شؤون الدولة ومؤسساتها.
لذلك، فإن ائتلاف "إدارة الدولة" سيُنظر إليه على أنه التحالف السياسي الأوسع في تاريخ العملية السياسية، وأن محمد شياع السوداني هو مرشح ائتلاف إدارة الدولة، وأن حكومته هي حكومة هذا الائتلاف وليست حكومة الإطار التنسيقي.
وعلى ما يبدو، فإن الإطار التنسيقي بتبنّيه إنشاء ائتلاف إدارة الدولة، إنما يسعى لخلق حالة تجعل التيار الصدري في موقف شائك في حال سعى لإسقاط حكومة تضمّ شركاء الأمس، تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتضمّ كتلاً سياسية من جميع مكوّنات الشعب العراقي.