تحولت تفجيرات خطَّي نورد ستريم 1 و2 إلى سبب جديد للتوتر بين روسيا وأوروبا، وسط تساؤلات حول من يقف وراءها، وكيف ستؤثر على إمدادات الغاز لأوروبا، وهل تؤدي لتصعيد الأوضاع وتكون بداية لتوسيع الحرب خارج أوكرانيا.
ووقعت تفجيرات خطَّي نورد ستريم (ثلاث تفجيرات) أمس الأول الإثنين في بحر البلطيق قرب حدود المياه الإقليمية للدنمارك الدولة العضو في حلف الناتو.
وخط أنابيب نورد ستريم 1 الذي يصل بين روسيا وألمانيا مملوك بنسبة 51٪ لشركة غازبروم، عملاق الطاقة الروسي ومقره سانت بطرسبرغ، في حين أن نورد ستريم 2 مملوك لشركة تابعة سويسرية لنفس الشركة.
وبدأت الأزمة، عندما قالت وكالة الطاقة الدنماركية أمس الأول الإثنين إنها عثرت على تسريبين على خط أنابيب نورد ستريم 1 شمال شرق جزيرة بورنهولم، وثالث في خط أنابيب نورد ستريم 2 في المياه السويدية جنوب شرق الجزيرة. وقالت وكالة الطاقة "إنه تسريب كبير".
وأعقب هذا التصريح إعلان من الشركة المشغلة لخط نورد ستريم تعرض 3 خطوط بحرية من نظام نورد ستريم في قاع البلطيق لأضرار غير مسبوقة في يوم واحد.
ثم أعلنت هيئة مسح الزلازل السويدية أنه تم رصد انفجارات قوية تحت سطح البحر في مناطق محيطة بخط أنابيب نورد ستريم بالتزامن مع رصد تقلص تدفقات الغاز.
إليك الأدلة على أنه تفجيرات تفجيرات خطَّي نورد ستريم ليسا حادثاً
علَّق الكرملين على تلك التطورات قائلاً إنه لا يستبعد أن يكون التخريب سبباً وراء الأضرار التي لحقت بشبكة أنابيب نورد ستريم التي بنتها روسيا في بحر البلطيق.
وجاءت المؤشرات بأن تفجيرات خطي نورد ستريم ليست مجرد حادث، حين أثار الظهور شبه المتزامن لتسريبات على خطوط الأنابيب الثلاثة التي تشكل نورد ستريم 1 و2 شكوكاً في أن الحادث كان متعمداً.
وقال الباحث في معهد بوتسدام الألماني لدراسات الاستدامة المتقدمة يوهان ليليستام لوكالة فرانس برس: "لا أستطيع أن أتخيل أي احتمال لحدوث تسرب لثلاث أنابيب غاز واحدة تلو الأخرى، إلا إذا كان ذلك تخريباً".
وقال رئيس الوزراء الدنماركي ميت فريدريكسن إن التسريبات لم تكن ناجمة عن حادث.
انفجارات وقعت قبل التسريبات
قال علماء الزلازل إن انفجارات قوية سبقت التسريبات، مما زاد من التكهنات بأنه تفجير مدبر، حسبما ورد في تقرير لموقع ABC News.
وبلغت قوة أحد الانفجارات 2.3 على مقياس ريختر، والذي وصفه خبراء دنماركيون بأنه يتماشى مع قنبلة قوية من الحرب العالمية الثانية.
وقال بيورن لوند، مدير الشبكة الوطنية السويدية لرصد الزلازل، إن الانفجار الأول سُجل في ساعة مبكرة من صباح الإثنين (بالتوقيت المحلي) جنوب شرق جزيرة بورنهولم الدنماركية.
كان الانفجار الثاني الأقوى شمال شرق الجزيرة في تلك الليلة مكافئاً لزلزال بقوة 2.3 على مقياس ريختر.
كما سجلت محطات رصد الزلازل في الدنمارك والنرويج وفنلندا الانفجارات.
ونقل التلفزيون السويدي عن بيورن لوند، مدير الشبكة الوطنية السويدية لرصد الزلازل SNSN، التي تقيس الزلازل والانفجارات السويدية، لقناة SVT التلفزيونية إن الحدث – الذي سجل أحدها قوته 2.3 درجة – ربما كان ناجماً عن انفجارات تحت سطح البحر.
يمكنك أن ترى بوضوح كيف ترتد الأمواج من الأسفل إلى السطح. لا شك في أنه كان انفجاراً. قال لوند، الذي يحاضر أيضاً في علم الزلازل في جامعة أوبسالا السويدية.
قال لوند: "ليس هناك شك، هذا ليس زلزالاً".
في غضون ذلك، وصف المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الأخبار بأنها "مقلقة للغاية"، وقال إنه "لا يمكن استبعاد أي خيار في الوقت الحالي"، بما في ذلك التخريب.
كما أن سيناريو وقوع حادث غير مرجح؛ لأن خطوط الأنابيب مصنوعة من فولاذ شديد المقاومة.
فكل قسم من خط أنابيب نورد ستريم 1، كما جاء في منشورات الشركة، يحتوي على غلاف فولاذي بسمك 27 إلى 41 ملم، وهو بدوره محاط بطلاء خرساني من 60 إلى 110 ملم.
ونورد ستريم 1، في الخدمة منذ عام 2011، لم يبلغ عن أي حوادث مماثلة، في حين أن نورد ستريم 2 جديد تماماً.
أوروبا تلمح ضمناً لروسيا ولكن أوكرانيا تصرح
وسط مزاعم التخريب، وجهت أصابع الاتهام في أوروبا إلى روسيا في مؤشر على أن إمدادات الطاقة إلى أوروبا سوف تكون ساحة للصراع أكثر في الفترة القادمة، وسط مخاوف من أن تكون تفجيرات خطي نورد ستريم رسالة روسية محتملة لأوروبا حول ضعف البنية التحتية للغاز البحري الأخرى، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
وقال زعماء أوروبيون إن التخريب هو السبب الأكثر احتمالاً للتسريبات في خطي أنابيب غاز بحر البلطيق بين روسيا وأوروبا، بعد أن أبلغ علماء الزلازل عن انفجارات حول خطوط أنابيب نورد ستريم.
وتعد السويد والدنمارك وألمانيا الأقرب لمواقع تفجيرات خطَّي نورد ستيرم.
وقالت وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي إنها لن "تتكهن بالدوافع أو الجهات الفاعلة".
وجاءت أقوى ردود الفعل الأوروبية من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين التي حذرت من "أقوى رد ممكن" على الهجمات على البنية التحتية للطاقة الأوروبية بعد أن أكدت أن التسريبات حدثت نتيجة التخريب.
وحذرت من أن "أي تعطيل متعمد للبنية التحتية للطاقة الأوروبية النشطة هو أمر غير مقبول وسيؤدي إلى أقوى رد ممكن"، وحثت على إجراء تحقيق للحصول على توضيح كامل بشأن الأحداث.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، إن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن تحدث إلى وزير الخارجية الدنماركي جيبي كوفود بشأن "التخريب الواضح". وقال: "تظل الولايات المتحدة متحدة مع حلفائنا وشركائنا في التزامنا بتعزيز أمن الطاقة الأوروبي".
وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيكي إن التسريبات كانت بمثابة عمل تخريبي "ربما يمثل الخطوة التالية لتصعيد الوضع في أوكرانيا".
وأضاف رئيس الوزراء البولندي، الذي كان يتحدث في افتتاح خط أنابيب غاز جديد بين النرويج وبولندا: "اليوم واجهنا عملاً تخريبياً. لا نعرف كل تفاصيل ما حدث، لكننا نرى بوضوح أنه عمل تخريبي مرتبط بالخطوة التالية لتصعيد الوضع في أوكرانيا".
كانت وزارة الخارجية البولندية أكثر صراحة، حيث أشارت إلى أن الضرر يمكن أن يكون عملاً استفزازياً نيابة عن الكرملين.
وقال نائب وزير الخارجية البولندي، مارسين برزيداتش، في وارسو: "من المؤسف أن شريكنا الشرقي يتابع باستمرار مساراً سياسياً عدوانياً". "إذا كانت روسيا قادرة على مسار عسكري عدواني في أوكرانيا، فمن الواضح أنه لا يمكن استبعاد أعمال الاستفزاز في أوروبا الغربية أيضاً".
واتهمت أوكرانيا روسيا بأنها المسؤولة عن الحادث الذي وصفته بهجوم إرهابي مخطط له، حيث وصف مسؤول أوكراني كبير الهجوم بأنه هجوم روسي لزعزعة استقرار أوروبا، دون إعطاء دليل.
كيف تم تنفيذ التفجيرات المحتملة؟
لم يتضح على الفور كيف تم تنفيذ تفجيرات خطي نورد ستريم.
كان من المفترض أن يتم اكتشاف أي غواصة تستهدف خطوط الأنابيب في المياه الضحلة نسبياً في بحر البلطيق، حيث نادراً ما تتجاوز الأعماق 100 متر. لكن لم يرد ذكر لغواصات من الدول التي تحقق في الحوادث.
كما أن بحر البلطيق ليس المكان المناسب لنشر غواصات "لوشاريك"، التي يمكن أن يستخدمها الروس في مثل هذه الأعمال.
تكهن أحد المطلعين الداخليين في المملكة المتحدة بأنه من غير المحتمل أن تكون أي انفجارات ناجمة عن غواصة أو مركبة تحت الماء، لأنه كان من الممكن اكتشاف وجودها في مياه البلطيق الضحلة نسبياً.
فأجزاء من خطوط الأنابيب يتراوح عمقها بين 80 متراً و 110 أمتار، مما يجعل استهدافها بغواصة دون كشفها أمر غير محتمل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian.
قد يكون السيناريو البديل هو إسقاط الألغام من سفينة تجارية مزيفة قبل أيام أو أسابيع من الهجوم، ثم يتم تفجيرها عن بُعد لإحداث الانفجارات. وشددت المصادر البريطانية على أن هذا السيناريو ما زال افتراضياً تماماً.
وقال مصدر عسكري بريطاني آخر: "قد تكون هذه عملية يجب إجراؤها ببعض العناية، ولكن ليس بموارد عسكرية متخصصة بشكل خاص".
لماذا قد تنفذ روسيا هجوماً على أنابيب غاز مملوكة لها؟
يجب ملاحظة أن خط نورد ستريم هو خط روسي بالأساس تم تشييده بالتعاون مع ألمانيا، الأمر الذي يثير تساؤلاً هو لماذا تفجر روسيا خطاً مملوكاً لها؟ حسب السيناريوهات التي يلمح لها الأوروبيون.
وفي هذا السياق، قالت سيموني تاغليابيترا من مركز الأبحاث الاقتصادي في بروغل إن "الأسباب التي تدعم فرضية هجوم روسي هو لخلق مزيد من الضغط في سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي".
وأضاف:"أو أنه إشارة إلى أن روسيا تنفصل إلى الأبد عن أوروبا الغربية وألمانيا تحديداً في مجال الغاز"، مشيرة إلى أنها "ستكون خطوة رمزية"، بالنظر إلى أن بولندا افتتحت خط الأنابيب مع النرويج يوم الثلاثاء، الذي يقع في منطقة قريبة.
وقال سيباستيان هيرولد من جامعة دارمشتات الألمانية للعلوم التطبيقية: "ما حدث في بحر البلطيق ممكن أيضاً في بحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط".
مما قد يعزز الشكوك الأوروبية رد فعل موسكو الهادئ على إلحاق الضرر بالخط الذي قد بنته نفسها ويمثل درة تاج إمبراطورية الطاقة الروسية.
من جانبها، أعلنت الشركة المشغلة لـ"نورد ستريم" رصد موقع الأضرار، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنه لا يمكنها تقدير إطار زمني لاستعادة تدفقات الغاز نتيجة حجم الأضرار.
وصف خافيير بلاس، معلق الطاقة والسلع في بلومبيرج، خطوط أنابيب الغاز تحت البحر في المنطقة باعتبارها واحدة من أهم الأصول الإستراتيجية في أوروبا. حيث تضم خطوط الأنابيب التي تربط حقول غاز بحر الشمال، ثم النرويج ببقية القارة، وكذلك بالمملكة المتحدة.
ويظهر الهجوم أنه حان الوقت لأقصى قدر من الحماية لهذه الخطوط، كما أن الهجمات الإلكترونية على أصول الطاقة تشكل أيضاً خطراً رئيسياً على أوروبا، على حد قوله.
هل ستتأثر إمدادات الغاز بأوروبا؟
قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "هذه قضية تتعلق بأمن الطاقة في القارة بأكملها".
لكن واقعياً، لم يتم افتتاح خط Nord Stream 2 مطلقا رغم الانتهاء منه وتم إغلاق خط الأنابيب نورد ستريم الأصلي من قبل موسكو إلى أجل غير مسمى لإجراء إصلاحات في بداية سبتمبر/أيلول الجاري.
وسارعت السلطات الألمانية إلى طمأنة الناس بأن التسريبات لن تؤثر على خطتها لملء صهاريج تخزين الغاز في الوقت المناسب لفصل الشتاء، نظراً لعدم تدفق الغاز عبر أي من خطي الأنابيب منذ بداية الشهر.
ولكن قالت المنظمات البيئية غير الحكومية إن التسريبات من المحتمل أن تتسبب في أضرار واسعة النطاق بالبيئة؛ حيث ذكرت ساشا مولر-كرينر من مجموعة الضغط البيئية بألمانيا: "بمجرد أن يتصاعد غاز الميثان من سطح البحر إلى الغلاف الجوي، فإنه سيساهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري".
هل يكون هناك رد فعل غربي عسكري؟
رغم تهديدات بعض المسؤولين الغربيين وخاصة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، فإن خطي نورد ستريم مملوكان للروس، ولن تؤثر التفجيرات على إمدادات الغاز لأوروبا، وبالتالي ففي الأغلب يكون هناك أي نوع من رد فعل الناتو أو أي رد عسكري غربي آخر تجاه ما حدث رغم أنه جرى أمام السواحل الأوروبية.
ولذا إذا صحت التقييمات الغربية بأن روسيا تقف وراء تفجيرات خطي نورد ستريم، فإن الأخيرة اختارت بعناية هدفاً ليكون بمثابة رسالة لما يمكن أن تفعله بالأصول الأوروبية في المستقبل، ولكن دون خلق أزمة قد تدفع الأوروبيين للرد في الوقت نفسه.
تشبه رسالة روسيا المحتملة سلسلة من الحوادث التي طالت ناقلات النفط في الخليج قبل ثلاث سنوات، والتي يعتقد أن إيران كانت وراءها، وتمت معايرة هذه الهجمات بعناية لإثارة الخوف أو بثه، ولكن ليس لإحداث أضرار جسيمة، حسب تقرير the Guardian.
بل إن أغلب الهجمات الإيرانية المحتملة في الخليج كانت أعلى في مقدار خطورتها؛ لأنها استهدفت أصولاً تابعة لدول منافسة لها مثل السعودية والإمارات، واليابان وإسرائيل (نادراً ما استهدفت أمريكا) بينما الهجوم الأخير إذا صح أن وراءه موسكو فقد استهدف أصولاً روسية، كما أن الأمر اللافت أن التفجيرات وقعت في المياه الدولية.
فلقد وقعت الحادثة بالقرب من -ولكن خارج- المياه الإقليمية الدنماركية، وهو اختيار يمكن توقعه من جهة فاعلة حكومية تضع في اعتبارها عضوية الدنمارك في حلف الناتو.
يؤشر ذلك إلى أن روسيا (إذا كانت هي الفاعلة) تصعد بشكل محسوب، وبهدف توصيل رسائل دون إشعال حرب روسية – أوروبية، ولكن الرسالة على الجانب الآخر، مفادها أن موسكو قادرة، إذا واصلت أوروبا دعمها لكييف، على ضرب أصول أوروبية حساسة، قد تجعل مواطني القارة يتجمدون من البرد القارس في الشتاء.