منح الرئيس فلاديمير بوتين، عميلاً سابقاً للمخابرات الأمريكية، الجنسية الروسية، بعد 9 سنوات من العيش في المنفى بموسكو، فمن هو إدوارد سنودن الذي "فضح" تجسس واشنطن على مواطنيها؟
كان بوتين قد وقع، الإثنين 26 سبتمبر/أيلول، مرسوماً بمنح الجنسية الروسية لـ70 مواطناً أجنبياً، من بينهم الأمريكي إدوارد سنودن، الذي يعيش، منذ عام 2013، في روسيا كلاجئ سياسي.
وقال محامي الدفاع عن سنودن أناتولي كوشيرينا، لوكالة "ريا نوفوستي" الروسية للأنباء، إن ليندسي ميلز، زوجة سنودن، ستتقدم الآن بطلب للحصول على الجنسية الروسية.
ماذا فعل سنودن؟
يبلغ إدوارد سنودن من العمر 39 عاماً، وكان يعمل في وكالة الأمن القومي الأمريكي. وفي عام 2013، قام سنودن بتسريب معلومات تخص وجود برامج متطورة تستخدمها أجهزة الاستخبارات الأمريكية للتجسس على عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين داخل الولايات المتحدة وخارجها أيضاً، ونشرت صحيفتا واشنطن بوست الأمريكية والغارديان البريطانية تلك المعلومات وقتها.
اعتبرت تسريبات سنودن "الفضيحة الأكبر" التي تتعرض لها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وتسببت في ضجة ضخمة نتجت عنها تعديلات في بعض القوانين الأمريكية المنظمة لأعمال أجهزة الاستخبارات.
وبطبيعة الحال، اعتبرت المخابرات المركزية الأمريكية CIA سنودن "خائناً"، وطالبت بمحاكمته، بينما انقسم الأمريكيون أنفسهم بشأن ما أقدم عليه العميل السابق للمخابرات، بعد أن كشفت التسريبات المدى الواسع للغاية في عمليات جميع المعلومات والتنصت على الهواتف الأرضية والمحمولة ومراقبة الإنترنت، التي شملت عشرات الملايين من المواطنين دون إذن قضائي أو حتى شبهات بالضلوع في أنشطة مخالفة للقانون.
وعلى مدى سنوات، دافعت أجهزة المخابرات ووكالة الأمن القومي والإدارات الأمريكية، من الرئيس الأسبق باراك أوباما والسابق دونالد ترامب، عن تلك البرامج التي "فضحها" سنودن، لكن المحاكم الأمريكية أنصفت سنودن في نهاية المطاف.
الملفات السرية التي سربها سنودن في 2013 كشفت عن عمليات مراقبة محلية ودولية واسعة نفذها الأمريكيون ومثلت إحراجاً كبيراً لأجهزة المخابرات الأمريكية ولواشنطن بشكل عام، ولم تتوقف المحاولات الأمريكية لإعادة سنودن للولايات المتحدة ليواجه محاكمة جنائية لاتهامه بالتجسس.
لكن محكمة استئناف أمريكية أصدرت عام 2020 حكماً مفاده أن البرنامج الذي كشفه سنودن كان غير قانوني، وأن قادة المخابرات الأمريكية الذين دافعوا عنه علناً لا يقولون الحقيقة، وعلق سنودن مبدياً رضاه عن الحكم، الذي وصفه بأنه استوفى له حقه.
وكان مسؤولون كبار في الاستخبارات الأمريكية، يؤكدون أن وكالة الأمن القومي، لم تجمع معلومات حول مكالمات ملايين المواطنين الخاصة على الهواتف، حتى عرض سنودن أدلة مضادة لذلك.
قصة هروبه ولجوئه إلى روسيا
عندما سرب سنودن معلومات برنامج المراقبة الأمريكي للصحف عام 2013، وبطبيعة الحال بدأت محاولات تقديمه للمحاكمة، لكنه كان قد توارى عن الأنظار وبدأت رحلته للهروب خارج الولايات المتحدة، وقدم بالفعل طلباً للجوء السياسي إلى الإكوادور. وكان هناك حجز باسمه على طائرة متجهة إلى كوبا، إلا أنه لم يُر على متن الطائرة حين إقلاعها، وتركزت الأنظار على الإكوادور.
وقتها وجهت وزارة العدل في إدارة باراك أوباما اتهامات لسنودن بالتجسس لصالح دول أجنبية، والإضرار بالأمن القومي الأمريكي، ووجهت واشنطن تحذيرات لأية دولة تساعد سنودن على "الهروب من العدالة"، وقال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري إن بلاده ستشعر "بخيبة أمل" إذا ساعدت روسيا والصين سنودن في الهروب من محاولات القبض عليه وترحيله إلى واشنطن.
وحذر كيري وقتها من "عواقب لا يمكن تجنبها" إذا أقدمت موسكو وبكين على هذه الخطوة، داعياً روسيا إلى الالتزام بمعايير القانون "لأن ذلك في صالح الجميع".
لكن فجأة وصل سنودن إلى هونغ كونغ، ومنها سافر إلى روسيا، وظل هناك حتى اليوم. كانت موسكو قد منحت العميل الأمريكي حق اللجوء السياسي منذ عام 2014. تسبب وصوله بطبيعة الحال في صدمة للبيت الأبيض، الذي صعد من انتقاداته لروسيا والصين وهونغ كونغ، وأصر أوباما على أن بلاده تتبع "كل الطرق القانونية" للقبض عليه.
ووقتها قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن الدول التي لجأ إليها سنودن تدحض مزاعمه في أنه يسعى إلى الشفافية وتطبيق حرية التعبير وحرية النشر الإلكتروني، مضيفاً: "إذا كان سنودن يبحث عن شغفه بحرية الرأي والتعبير وما إلى ذلك في هذه الدول، فقد كان اختياره خطأً".
وهاجم كارني سلطات هونغ كونغ التي سمحت لسنودن بالسفر قائلاً إنه كان" اختياراً متعمداً من قبل الحكومة لإطلاق سراح هارب على الرغم من مذكرة توقيف سارية المفعول. هذا القرار سيكون له تأثير سلبي بلا شك على العلاقات الأمريكية الصينية".
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن مصدر مطلع، قوله إن موسكو تدرس طلباً أمريكياً بترحيل سنودن، لكن الأخير لم يعبر الحدود الروسية بشكل رسمي؛ لذا لا يمكن القبض عليه.
وقال وزير الخارجية الإكوادوري ريكاردو باتينو إنه يحتفظ بـ"صلات دبلوماسية تتسم بالاحترام" مع مسؤولي الحكومة الروسية التي "ستتخذ القرار المناسب بشأن سنودن، تماشياً مع قوانينها وسياساتها".
وأكد باتينو أن بلاده تبحث الآن طلب اللجوء الذي قدمه سنودن، وكشف عن الخطاب الذي بعث به رجل المخابرات الهارب إلى رئيس الإكوادور رافائيل كوريا وقال فيه: "إنه يتعرض لخطر الاضطهاد من قبل الولايات المتحدة وعملاء المخابرات".
الولايات المتحدة والإكوادور تجمعهما اتفاقية لترحيل المتهمين، إلا أنها لا تشمل "الجرائم والتهم ذات الطبيعة السياسية"، حسبما أوضح باتينو وقتها. لكن اتضح في النهاية أن تقديم سنودن طلب اللجوء إلى الإكوادور لم يكن أكثر من تمويه.
كيف جاء رد الفعل على منحه الجنسية الروسية؟
ريبيكا كوفلر، خبيرة الاستخبارات الإستراتيجية ومؤلفة كتاب "قواعد بوتين"، قالت إن منح سنودن الجنسية الروسية يشير على الأرجح إلى أن العميل الهارب يعمل بشكل أوثق مع الحكومة الروسية. وأضافت أنه من المحتمل أن يخضع سنودن الآن لأمر التعبئة الذي أصدره بوتين، لكنه سيساعد الاستخبارات الروسية بدلًا من الوجود في خطوط القتال الأمامية.
وقالت كوفلر لموقع قناة Fox News الأمريكية: "بينما كان سنودن في السابق يقدم المساعدة للمخابرات الروسية بمحض إرادته، فإنه اعتباراً من اليوم، سيتم توجيهه للقيام بالضبط بما تريده الحكومة والجيش الروسي أن يفعله".
وأضافت: "من المرجح أن يكون سنودن قد تم استجوابه من قبل وكالات التجسس الروسية، وقدم معلومات حساسة للغاية للروس يمكن أن تضر بالأمريكيين، بمن في ذلك عناصر في الجيش الأمريكي".
أما سنودن، فقد أعاد نشر تغريدة ترجع إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2020، جاء فيها أنه يريد أن تظل عائلته معاً، ويطلب منحهم الخصوصية: "بعد سنوات من الانفصال عن والدينا، لا أرغب أنا وزوجتي في الانفصال عن أبنائنا. بعد الانتظار لمدة عامين وما يقرب من 10 سنوات في المنفى، فإن بعض الاستقرار سيحدث فرقاً بالنسبة لعائلتي. أنا أدعو من أجل الخصوصية لها، ولنا جميعاً".
وفي روسيا، فقد دفعت الأخبار بعض الروس إلى التساؤل على سبيل المزاح عما إذا كان سيتم استدعاء سنودن للخدمة العسكرية، بعد 5 أيام من إعلان بوتين أول تعبئة عامة لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية لدعم الحرب في أوكرانيا، بعد تعرض القوات الروسية لانتكاسة هذا الشهر.
وتساءلت مارجريتا سيمونيان، وهي رئيسة تحرير شبكة روسيا اليوم الرسمية ومن مؤيدي بوتين، بمزاح على قناتها على تيليغرام قائلة: "هل سيجند سنودن؟"، بحسب رويترز.
الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، من جانبه، قال إن سنودن الذي واجه اتّهامات في قضايا عدة في الولايات المتحدة، ما زال مواطناً أمريكياً، وأضاف: "لا علم لديّ بشأن أي تغيّر طرأ على وضع جنسيته. الأمر الوحيد الذي تغيّر هو أنه نتيجة لجنسيته الروسية، يبدو أنّه الآن سيجنّد للقتال في حرب متهوّرة".
لكن وكالات الأنباء الروسية نقلت عن أناتولي كوشيرينا، محامي سنودن، قوله إن موكله لم يخدم أبداً في الجيش الروسي، وبالتالي لن يتم استدعاؤه، في عمليات التعبئة الجزئية التي تجري في البلاد، لدعم الجهد العسكري في أوكرانيا. كما أكد المحامي أن ليندسي ميلز زوجة سنودن التي أنجبت طفلاً في عام 2020، ستتقدم أيضاً بطلب للحصول على الجنسية.
كان سنودن قد أكد عام 2019 أنه على استعداد للعودة إلى الولايات المتحدة بشرط أن يحصل على محاكمة عادلة. وأوضح سنودن لبرنامج "CBS This Morning" في ذلك الوقت: "هذا هو هدفي الأساسي، ولكن إذا كنت سأقضي بقية حياتي في السجن، فإن مطلبي الأساسي الوحيد الذي يتعين علينا جميعاً الموافقة عليه هو أن أحصل على الأقل على محاكمة عادلة".
وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد قال إنه يدرس قضية سنودن للحصول على عفو محتمل في عام 2020، لكنه لم يتخذ أي إجراء في القضية. كما أن السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي، راند بول، كان أحد الداعمين الرئيسيين لسنودن في الولايات المتحدة. وقال بول إن سنودن كشف عن مخططات من قبل الحكومة الأمريكية لمراقبة المواطنين الأمريكيين في الداخل والخارج.