"أمريكا لن تضحي بنيوريوك لحماية باريس"، كانت هذه العبارة المنسوبة للرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول، هي السبب الذي جعله يبني ترسانة نووية فرنسية مستقلة؛ لأنه كان يؤمن بأن واشنطن لن تخوض حرباً نووية لحماية أوروبا من الأسلحة النووية الروسية، والآن باتت باريس من جديد في مرمى التهديد النووي الروسي لأوروبا.
ومنذ بداية الحرب يتجاهل المسؤولون الأمريكيون عمداً تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحرب النووية، معتبرين أن إدخال هذا التهديد في المعادلة من شأنه أن يفسد خططهم لدعم أوكرانيا وهزيمة الروس.
والآن بعد أن تعرض الروس لهزيمة جزئية في خاركيف ما زال الأمريكيون مُقلين في الحديث عن هذا التهديد"، ولكن الأوروبيين هم من يشعرون بالقلق؛ حيث قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل: "يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اعتبار استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية في أزمة أوكرانيا احتمالاً حقيقياً".
من جانبه، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن موسكو تعلم أنه ستكون هناك "عواقب وخيمة" إذا تم استخدام أسلحة نووية في أوكرانيا، دون أن يحدد هذه العواقب.
لماذا أصبح خطر استخدام بوتين للأسلحة النووية أكبر من أي وقت مضى؟
وبات احتمال استخدام بوتين لأسلحة نووية في أوكرانيا مرتفعاً إلى حد كبير، ولم يعد السؤال: هل يستخدم بوتين الأسلحة النووية في أوكرانيا؟، بل أصبح السؤال: كيف سيستخدمها ومتى وبأي حجم؟ وماذا ستفعل دول أوروبا، المجاورة لأوكرانيا؟ وكيف سيرد الناتو، والأخطر ماذا لو هاجمت روسيا دولة أوروبية صغيرة عضوة بالناتو، هل يرد الحلف فعلاً كما ينص ميثاقه؟.
لم تعد هذه مجرد سيناريوهات بعيدة المدى، بل احتمالات قائمة يفكر فيها المسؤولون الأوروبيون، فيما يركز القادة الأمريكيون والبريطانيون على توصيل الأسلحة لأوكرانيا لهزيمة بوتين، ويبدو أنهم يتجاهلون عن عمد الهلع الأوروبي، لأن واشنطن تحديداً لم تعلن عن قرارات لو شكلية لحماية حلفائها بعد تهديدات بوتين بما في ذلك إرسال حتى أسلحة جديدة لحلفائها في أوروبا الشرقية.
أما فرنسا، الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، التي تمتلك أسلحة نووية، فما زال رئيسها يهاتف بوتين، وعلاقتها بروسيا هي الأدنى برودة من بين كل الدول الأوروبية، وهي بعيدة عن مسرح الحرب، وتحمى نفسها بأسلحتها النووية الخاصة.
أمريكا وروسيا خالفتا تعهداتهما لأوكرانيا
تجدر الإشارة إلى أن واشنطن وموسكو على السواء سبق أن تعهدتا بحماية سلامة الأراضي الأوكرانية؛ حيث سلمت كييف بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1994 أسلحتها النووية لروسيا، وهي بيلاروسيا وكازاخستان، كجزء من ترتيبات التسليم في ذلك الوقت. وقعت روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى جانب أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان مذكرة بودابست لتقديم ضمانات أمنية لهذه الدول السوفيتية السابقة، كما اتفقوا على اتخاذ إجراء فوري من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمساعدة بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا إذا كانوا "ضحية لعمل عدواني أو هدفاً للتهديد بالعدوان باستخدام الأسلحة النووية".
ولكن هذا لم يمنع روسيا من غزو أوكرانيا في عام 2014، وضم القرم وفصل إقليم دونباس، دون أن تدافع عنها الولايات المتحدة وأوروبا وهي الدول التي شجعها على التمرد على موسكو.
واليوم يدعم الغرب أوكرانيا، بالسلاح والمال، ولكنه دعم قد ينتهي بكارثة لوجود أوكرانيا كدولة؛ إذ قد ترفع الانتصارات الأوكرانية في خاركيف احتمالية بأن تستخدم روسيا ترسانتها النووية في أوكرانيا لوقف الدعم العسكري الغربي لكييف ومنح روسيا اليد العليا في الصراع.
روسيا تستطيع تدمير لندن خلال 20 دقيقة
وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين، تمتلك روسيا مخزوناً إجمالياً للرؤوس الحربية النووية يبلغ 5977 – وهذا هو الأكبر في العالم.
وبالمقارنة، تمتلك الولايات المتحدة 5428 بينما تمتلك فرنسا 290 بينما تمتلك المملكة المتحدة 225.
وتقول نشرة العلماء الذريين إن الترسانة الروسية تضم 4447 رأساً حربياً منها 1588 منتشرة على صواريخ باليستية وقواعد قاذفات ثقيلة.
وتقول إن هناك ما يقرب من 977 رأساً حربياً استراتيجياً إضافياً، إلى جانب 1912 رأساً حربياً غير استراتيجي محتفظ بها في الاحتياط.
ومع ذلك، قال الخبراء إن العدد الدقيق للرؤوس الحربية والأسلحة غير معروف بسبب السرية المحيطة بالاستراتيجيات والمخاوف الأمنية، حسبما ورد في تقرير لشبكة Sky News البريطانية.
الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) التي بحوزة روسيا لديها القدرة على الوصول وتدمير المدن العالمية الكبرى؛ مثل لندن أو واشنطن.
يمكن أن تصل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات إلى سرعة قصوى بعد حوالي 10 دقائق من الإطلاق؛ مما قد يؤدي إلى إطلاق صاروخ واحد من روسيا يصل إلى المملكة المتحدة في غضون 20 دقيقة فقط.
فالصاروخ الباليستي العابر للقارات الذي يستطيع ضرب الولايات المتحدة وبطبيعة الحال أوروبا، تبلغ زنة رأسه الحربي الموجود في مقدمته ما بين 300 و 800 كيلو طن [من مكافئ مادة تي إن تي].
وثلاثمائة كيلو طن فقط تكفي لتدمير واشنطن أو لندن أو باريس.
وتمتلك تفوقاً لافتاً في الأسلحة النووية التكتيكية
تمتلك روسيا ميزة نسبية كبيرة في مجال الأسلحة النووية قصيرة المدى ومنخفضة الكثافة، وهي الأسلحة التي لا تخضع لأي قيود قانونية بموجب المعاهدات الدولية.
إذ تتمتع روسيا بميزة 10: 1 تقريباً على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الأسلحة النووية غير الاستراتيجية (أي منخفضة القوة وقصيرة المدى) (NSNWs)، حسبما ورد في موقع The heritage Foundation.
التقديرات المستندة إلى مصادر مفتوحة تقدر أن روسيا لديها حوالي 2000 رأس منخفض القوة وقصير المدى، بينما لدى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حوالي 200 رأس مماثل فقط في ترسانتهما. من المفترض أن نصف تلك الأسلحة موجودة في الولايات المتحدة ونصفها موجود في أوروبا كجزء من القوات النووية لحلف شمال الأطلسي.
في حين أن هذه الأسلحة النووية التكتيكية قادرة على تدمير كبير، إلا أنها أقل قوة من الأسلحة الاستراتيجية، وهي مخصصة للاستخدام في ساحة المعركة ضد المنشآت العسكرية أو القوات والمعدات بدلاً من استخدامها ضد الأهداف الاستراتيجية للصواريخ الباليستية العابرة للقارات؛ مثل حقول الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، عقد القيادة والسيطرة ، و/أو المراكز السكانية (مثل المدن).
ويُعتقد أن روسيا يمكنها نشر هذه الأسلحة على أنظمة تكتيكية متعددة بما في ذلك الصواريخ الباليستية قصيرة المدى أو مسرح العمليات، والطوربيدات، والصواريخ المضادة للسفن. في الواقع.
من المتوقع أن تكون الصواريخ الروسية الجديدة الفرط صوتية ذات قدرة مزدوجة الاستخدام (أي مسلحة تقليدية أو مسلحة نووياً) أيضاً، وستكون لديها ميزة أنها قادرة على اختراق الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ.
ومن بين الأسلحة التي تمتلكها روسيا لتوصيل الأسلحة النووية الأصغر والأقصر مدافع من عيار 203 ملم – مداها حوالي 37 كيلومتراً وتطلق قذيفة تزن 110 كجم، ويمكنها أيضاً إطلاق قذيفة نووية يبلغ إنتاجها حوالي كيلو طن واحداً.
وهناك صاروخ إسكندر – الذي يبلغ مداه حوالي 500 كيلو متر، وهو صاروخ ضخم ودقته تصل إلى حوالي خمسة أمتار.
"يمكن استخدامه لإطلاق سلاح نووي يولد ما بين خمسة و 50 كيلو طن، مما يجعله شديد التدمير للغاية."
وقالت الدول الحائزة للأسلحة النووية الكبرى، بما في ذلك روسيا، إنه لا يمكن أبداً الانتصار في حرب نووية، وبالتالي لا ينبغي خوضها أبداً. ومع ذلك، هناك مخاوف عميقة بين صانعي السياسة والمحللين الأمنيين خارج روسيا حول ما إذا كانت موسكو تتبنى هذه الفكرة تماماً، أم أنها مجرد خطاب دبلوماسي مناسب.
روسيا لديها عقيدة تسمح باستخدام الأسلحة النووية في الحروب التقليدية
في أواخر مارس/آذار 2022 ، بعد وقت قصير من الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا ، حدد ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق والنائب الحالي لمجلس الأمن الروسي، سياسة موسكو بشأن استخدام الأسلحة النووية.
وقال ميدفيديف: لدينا وثيقة خاصة بالردع النووي. تشير هذه الوثيقة بوضوح إلى الأسس التي بموجبها يحق للاتحاد الروسي استخدام الأسلحة النووية، من بين الحالات هو الهجوم على البنية التحتية الحيوية الذي من شأنه أن يشل قوات الردع النووي لدينا. والحالة الرابعة هي عندما يُرتكب عمل عدواني ضد روسيا وحلفائها؛ مما يعرض للخطر وجود الدولة نفسها، حتى بدون استخدام الأسلحة النووية، أي باستخدام الأسلحة التقليدية ".
ومما يثير القلق أيضاً تقارير عن وجود عقيدة عسكرية روسية مرتبطة بالأسلحة النووية في ساحة المعركة تُعرف باسم "التصعيد للتخفيف من حدة التصعيد"، وفقاً لمراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة لعام 2018
على الرغم من أن الروس يدحضون وجود هذه العقيدة باسمها الأمريكي على الأقل، إلا أن بعض المصادر تؤكد أن السياسة ربما تم تطويرها بالفعل في أواخر التسعينيات، عندما كان الرئيس الروسي الآن فلاديمير بوتين رئيساً لمجلس الأمن القومي الروسي في عهد الرئيس. بوريس يلتسين.
الفكرة وراء التصعيد للتخفيف من التصعيد هي أن روسيا قد تستخدم سلاحاً نووياً تكتيكياً واحداً (أو أكثر) أثناء نزاع تقليدي مع قوات الناتو لأغراض منع هزيمة جيشها، أو تعزيز المكاسب الإقليمية، أو حتى تجميد صراع قائم دون احتمال حدوث المزيد من القتال.
في الواقع، بسبب التباين الكبير الذي يقارب 10: 1 بين عدد الأسلحة النووية التكتيكية الروسية والأمريكية ، قد تعتقد موسكو أن الرد النووي من الناتو ليس تهديداً موثوقاً به بسبب تفوقها في المجال النووي التكتيكي. قد تلعب عوامل أخرى أيضاً دوراً في الحسابات الروسية، بما في ذلك التصور بأن أعضاء الناتو الكبار سيجدون صعوبة في إيجاد إجماع سياسي-عسكري على الرد المناسب، بما في ذلك الخيار النووي.
يعتقد أن هذه العقيدة يمكن استخدامها بشكل محدود ضد أعضاء صغار بالناتو مثل جمهوريات البلطيق؛ على أن أمل أن يتجنب الأعضاء الكبار التورط في حرب نووية لا تبقي ولا تذر من أجل دول صغيرة كانت أصلاً جزءاً من الاتحاد السوفييتي.
ويعتقد أن العقيدة تقترح إمكانية تفجير موسكو سلاحاً نووياً تكتيكياً منخفض القوة في مكان ما في مسرح القتال كتحذير من تصعيد روسيا المحتمل من المجال التقليدي إلى المجال النووي للحرب، بما في ذلك إمكانية الاستخدام المستقبلي للأسلحة النووية الاستراتيجية عالية القوة.
باستخدام تفوقها في الأسلحة النووية التكتيكية على الناتو وامتلاكها تكافؤاً نووياً استراتيجياً مع واشنطن، يمكن لموسكو أن تهدد بضربات نووية إضافية منخفضة القوة ما لم ينتهِ القتال بشروط روسيا.
من الناحية المثالية بالنسبة لموسكو، قد يقرر الناتو أنه لا يوجد خيار جيد متاح للرد ويختار وقف الأعمال العدائية، مما يؤدي إلى تحقيق مكاسب لموسكو.
هل ينفذ بوتين هذه العقيدة ضد أوكرانيا؟
قد يلجأ بوتين لهذه العقيدة أولاً ضد أوكرانيا ويستخدم أسلحة نووية قصيرة المدى منخفضة الكثافة NSNW (قنبلة واحدة أو أكثر) لتعزيز أهداف روسيا في إخضاع الحكومة الأوكرانية والشعب الأوكراني سياسياً ونزع سلاح الجيش الأوكراني.
هناك جدل قوي حول كفاءة وفاعلية استخدام NSNW في ساحة المعركة الأوكرانية لتعزيز الأهداف الروسية، وخاصة احتمالات أن يصل التلوث الإشعاعي للجنود الروس أو حدود روسيا نفسها، كما أن القوات الأوكرانية منتشرة على نطاق واسع بطريقة تقلل من تأثير ضربة نووية تكتيكية عليها، إضافة لقرب الجنود الأوكرانيين من القوات الروسية، ولذا قد يستهدف بوتين مدناً أوكرانية رئيسية مثل العاصمة كييف.
وقد يكون خيار بوتين الأفضل توجيه ضربة نووية تكتيكية إلى هدف عسكري في غرب أوكرانيا ليس بعيداً عن حدود بولندا- الممر الرئيسي للسلاح لكييف- وقد تستهدف الضربة مخزناً لأسلحة مقدمة من الناتو، وهذا يحقق له عدة أهداف، أن الهجوم سيكون بعيداً عن حدود روسيا وأنشطة الجيش الروسي، وكذلك سيمثل رسالة لدول الناتو، وقد يسهم فعلياً في وقف تدفق الأسلحة لكييف.
ستقوم الحسابات الروسية على الأرجح على أن كييف ستضطر إلى وقف نشاطها العسكري وسيتبع ذلك مفاوضات. وقد تفترض روسيا أن الغرب سيرفض دعم أوكرانيا عسكرياً، خوفاً من تصاعد الصراع النووي، حسبما ورد في موقع euobserver.
التهديد النووي الروسي لأوروبا، قد يبدأ بهذه الدول
ومع ذلك، هناك خيارات أخرى أوسع من أوكرانيا قد ينفذها بوتين، خاصة إذا رد الغرب بعقوبات قاسية على أي هجوم نووي على أوكرانيا.
ويشير الخطاب الروسي بشكل متزايد إلى أن تهديداته النووية موجهة إلى حلف شمال الأطلسي- ليس فقط أوكرانيا- ويمكن أن تشير إلى أسلحة نووية ذات مدى أطول وأكبر قوة.
على سبيل المثال، يمكن لروسيا تفجير سلاح نووي تكتيكي منخفض القوة على منطقة غير مأهولة بالسكان من أجل إحداث تأثير سياسي ونفسي، بما في ذلك ضرب قنبلة نووية في مياه المحيط المتجمد الشمالي، بهدف إرسال إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وغيرهما ممن يدعمون أوكرانيا بأن دعمهم السخي يجب أن ينتهي – على الفور.
إذا اختار هؤلاء المؤيدون لأوكرانيا التصعيد، فهذا يعني حدوث احتمال حرب نووية قد تبدأ باستهداف المناطق المأهولة بالسكان في البلدان الأوروبية الأعضاء بالناتو المجاورة لأوكرانيا.
فقد تبدأ روسيا بمهاجمة جمهوريات البلطيق أو بولندا، أكثر دول أوروبا الشرقية دعماً للناتو، وهي ستراهن على أن الرأي العام في أوروبا الغربية والولايات المتحدة قد يضغط لعدم التورط في محرقة نووية مهلكة من أجل الأوروبيين الشرقيين الذين كان ينظر لهم كأعضاء درجة ثانية أو ثالثة في الناتو والاتحاد الأوروبي (الدرجة الثانية هي دول جنوب أوروبا)، بل إن دولاً أوروبية شرقية أخرى قد تنأى بنفسها عن المعركة.
هل يمكن أن يمنع الناتو ضربة نووية روسية قبل إطلاقها؟
تمثل ميزة موسكو في الرؤوس النووية القصيرة المدى ومنخفضة الكثافة وعقيدة "التصعيد لخفض التصعيد" مشكلة خطيرة بالنسبة للناتو والدول الأوروبية خصوصاً.
يمكن أن يؤدي عدم التوازن الكبير والاستعداد المحتمل لاستخدام هذه الأسلحة إلى تشجيع روسيا على المخاطرة بشكل أكبر الآن وفي المستقبل، مما يقوض بشدة الأمن الأوروبي ومصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
رغم أن أي تحرك لتجهيز ونشر أسلحة نووية روسية يمكن رؤيته ومراقبته من قبل الولايات المتحدة والأقمار الصناعية الأخرى، بالإضافة إلى المعلومات الاستخبارية والتحليلات الأخرى، لذا يمكن أن تبادر دول الناتو بالتدخل لمنع الإطلاق عن طريق قصف مواقع التخزين ومواقع نشر الصواريخ مسبقاً، حسب موقع Chatham House.
الخيار الأكثر واقعية أن تحمي كل دولة نفسها
تمتلك الولايات المتحدة حوالي 150 قنبلة جاذبية نووية من طراز B-61 متمركزة في خمس دول تابعة لحلف شمال الأطلسي- بلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا وتركيا- ولدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا أيضاً قدرة طويلة المدى على شن هجمات نووية تحت رعاية الناتو.
وهناك اتفاق بين دول الناتو يسمح للدول غير النووية، بالوصول للأسلحة النووية الأمريكية الموجودة على أراضيها في حال الضرورة لاستخدامها، وطائرات بعض دول الناتو غير النووية مثل ألمانيا وتركيا مؤهلة لإطلاق أسلحة نووية، ويمكن اعتباره واحداً من أكثر الطرق فاعلية وواقعية للدول الأوروبية لحماية نفسها في ظل الشكوك في أن واشنطن قد تتورط في حرب نووية من أجلها.
لكن هذا الاتفاق، يقتصر على عدد محدود من دول الناتو القوية والتي يوجد بها أسلحة نووية، ولا ينطبق على دول أوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا وأوكرانيا، التي لا يوجد بها أسلحة نووية أمريكية، وهي دول في الأصل ضعيفة جداً، وخاصة دول البلطيق.
ومما يزيد من ضعف تأثير حق الوصول النووي بين دول الناتو، أن ألمانيا التي تعتبر عضواً أساسياً به، والدول التي يفترض أن تتحمل العبء الأكبر في أي حرب مع روسيا، تعتمد على قاذفات تورنادو القديمة لتنفيذ المهام النووية، وما زال أمامها وقت قبل وصول طائرات إف 35 الأمريكية التي اشترتها لتنفيذ هذه المهمة.
والآن مع توسع آمال أوكرانيا من حماية نفسها إلى تحرير أراضيها، واشتداد الاحتجاجات في روسيا ضد الحرب، فإن هذه السيناريوهات قابلة للحدوث بنسبة أعلى حتى مما كان عليه الأمر خلال أسوأ أيام الحرب الباردة.
قد تحاول الولايات المتحدة تجنب مثل هذا السيناريو النووي المتصاعد من خلال نشر قوة أمريكية تقليدية كبيرة في أوكرانيا، ولكن هذا سيكون تصعيداً من منظور روسيا قرب من تنفيذ هجوم نووي.
نتيجة ما سبق، فإن التوصل لوقف إطلاق النار أمر شديد الأهمية لوقف المسار الصاعد للحرب النووية، لكن إقناع الأوكرانيين بقبول ذلك سيكون صعباً للغاية الآن بعد أن أصبح لديهم هذا الزخم في ساحة المعركة. كما أن خطة روسيا لضم المناطق تجعل المفاوضات أقل جاذبية، لأنها تزيل هذه المناطق بشكل فعال عن الطاولة.
ولكن يجب على العواصم الغربية على الأقل أن تشير للزعماء الأوكرانيين أن آفاقهم في استعادة كل أراضيهم قد لا تكون واقعية كما يأملون، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
المشهد النووي في أوروبا سيتغير
حتى لو لم يستخدم بوتين الأسلحة النووية، فإن المشهد النووي في أوروبا سيتغير.
يقال إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سبق أن رفضت عرضاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن تصبح ألمانيا تحت المظلة النووية الفرنسية، رغم أن ما ورد عن الاقتراح لا يوضح هل يقصد أن تصبح برلين شريكاً في التحكم في هذه الترسانة أم تخضع لحماية نووية وفقاً للمشيئة الفرنسية.
خلال الستينيات فكرت ألمانيا في امتلاك أسلحة نووية لمواجهة الخطر السوفييتي، ولكن اليوم يبدو أن برلين قد تعيد التفكير في هذا الخيار، رغم أنه سيكون أمراً صادماً ليس فقط لأوروبا التي عاشت فيها أجيال تتربى لعقود على دموية النازيين الألمان، ولكن الأمر سيكون صادماً للألمان أنفسهم الذين يتبنون الخطاب الأكثر حدة ضد الاستخدام السلمي للطاقة النووية وليس الأسلحة النووية فقط.
في الأغلب فإن الأوروبيين لن يراهنوا أبداً على الترسانة النووية الفرنسية وأنهم يشكون في التزام باريس بحمايتهم أكثر مما يفعلون مع الولايات المتحدة، بالنسبة لكثير من الأوروبيين الشرقيين باريس هي صديق روسيا الخفي في الاتحاد الأوروبي، كما أن أوروبا الشرقية التي تدور فيها هذه الصراعات لم تكن يوماً من اهتمامات فرنسا، الجيوسياسية.
وحتى امتلاك ألمانيا لأسلحة نووية لن يوفر الأمن لدول أوروبا الشرقية، فبرلين ما زالت أقل دول الناتو رغبةً في التصدي لموسكو، وهي دوماً في نهاية صف المعاقبين لموسكو.
تشعر بولندا ودول البلطيق والدول الإسكندنافية وبصورة أقل رومانيا بوطأة الخوف من روسيا أكثر من غيرها، بينما تبدو دول وسط أوروبا مثل المجر والتشيك أقل قلقاً، كذلك دول البلقان التي بعضها لا يخفي تعاطفه مع موسكو علناً مثل صربيا وسراً مثل اليونان وقبرص.
يعني ذلك أنه ليس هناك أوروبا موحدة ضد روسيا.
وحتى الآن، كانت الأسلحة النووية شيئاً تمتلكه الدول الكبيرة والقوية عسكرياًِ، ولكن مع تهديد بوتين بالنووي قد نجد انتشاراً للأسلحة النووية في الدول الأوروبية المتوسطة والصغيرة التي تعلم أنها لا تستطيع المراهنة على الآخرين لردعه حتى أشد محرضيها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي ظل حقيقة أن دولة مثل أوكرانيا لديها برنامج نووي سلمي واسع النطاق، وكذلك أن كثيراً من دول أوروبا الشرقية تمتلك قدرات علمية تحديداً في المجال النووي، فإنه لا يمكن استبعاد أن تسعى هذه الدول لامتلاك ترسانات من الأسلحة النووية.
وبالفعل بعد الحرب العالمية الثانية، كانت العديد من الدول الأوروبية تفكر في الأسلحة النووية، وبدأت دول مشهورة بسلميتها مثل السويد برامج في هذا الاتجاه بالفعل.