"حرب نووية تصاحبها مجاعة نفطية".. تبدو هذه نتيجة محتملة بشكل كبير للتطورات الأخيرة للأزمة الأوكرانية مع تعجل روسيا في إجراء الاستفتاءات على ضم مناطق أوكرانية جديدة والذي يبدو أنه بمثابة تهديد باستخدام الأسلحة النووية إذا حاولت أوكرانيا استعادة هذه المناطق.
كانت روسيا قد بدأت، الجمعة 23 سبتمبر/أيلول 2022، استفتاءات في أربع مناطق بشرق أوكرانيا، بهدف ضم الأراضي الأوكرانية التي احتلتها والمناطق هي دونيتسك، ولوغانسك شرقاً، وخيرسون، وزابارويغيا جنوباً، وهي تمثل ما يقرب من 15% من أراضي أوكرانيا، أو ما يعادل تقريباً مساحة المجر أو البرتغال، وغالبية سكان تلك المدن يتحدثون الروسية ويحمل كثير منهم جنسية روسيا (خاصة مناطق الدونباس)، وخلال السنوات الثماني الماضية وجهت موسكو اتهامات متكررة لكييف باضطهاد سكان تلك المناطق.
الاستفتاءات على ضم مناطق أوكرانية تمهد لوضعها تحت المظلة النووية
وجاء إجراء روسيا لهذه الاستفتاءات على عجل كرد على انتكاستها العسكرية في خاركيف، ومع توسع الهجوم الأوكراني ليستعيد أول قرية في إقليم لوهانسك،
وهددت موسكو باستخدام الأسلحة النووية إذا دخلت قوات كييف مناطق تعتبرها روسيا جزءاً من أراضيها.
وكان لافتاً في هذا الصدد أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال إن المناطق الأوكرانية التي يجري ضمها ستكون تحت "الحماية الكاملة" لموسكو بما في ذلك إمكانية استخدام الأسلحة النووية التي باتت المسؤولون الروس يكثرون من التلويح بها.
والاختيار المتاح أمام الناخبين في الاستفتاءات على ضم مناطق أوكرانية سيكون حول استمرار هذه المناطق كدول مستقلة (لا يعترف بها أحد غير موسكو)، أو الانضمام رسمياً إلى الاتحاد الروسي.
وتسيطر روسيا على أغلب أراضي إقليم دونباس، وليس جميعها، والأمر نفسه في إقليم زابورويغيا، حيث توجد أكبر محطة نووية لتوليد الكهرباء في أوروبا، إذ تسيطر القوات الروسية على جزء كبير من المنطقة، بينما تسيطر قوات أوكرانيا على جزء أصغر منها. وفي إقليم خيرسون الجنوبي، تسيطر روسيا على المدينة نفسها، لكنها لا تسيطر على الإقليم كاملاً.
وتصر موسكو على أن الاستفتاءات تقدم فرصة لسكان تلك المناطق للتعبير عن رأيهم.
بينما قال مسؤولون أوكرانيون إن سكان بعض المناطق المحتلة مُنعوا من الخروج منها لحين انتهاء التصويت على مدى أربعة أيام، وإنه يتم إجبار السكان على التصويت، وأضافوا أن جماعات مسلحة تدخل للمنازل وتم تهديد موظفين بالفصل إذا لم يشاركوا في الاستفتاءات.
وذكرت وكالة تاس الروسية الرسمية للأنباء أمس السبت أن مجلس النواب الروسي (الدوما) ومجلس الاتحاد (الغرفة العليا بالبرلمان) قد يبحثان مشروع القانون في الخميس، كما ذكرت وكالة ريا نوفوستي عن مصدر لم تسمه أن بوتين ربما يعد لخطاب رسمي أمام جلسة استثنائية مشتركة للمجلسين يوم الجمعة.
وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء بأول تعبئة عسكرية في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وهي خطوة تسببت في احتجاجات في أنحاء البلاد ودفعت بعض الروس في سن التجنيد إلى محاولة الخروج من البلاد عبر الحدود والمعابر، حسب تقارير إعلامية أغلبها غربية.
لافروف يلوح بالنووي مجدداً إذا تمت مهاجمة الأراضي التي سيتم ضمها
وألقى لافروف خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية أمس السبت دافع فيه عن مبررات الهجوم الروسي على أوكرانيا، وكرر ما قالته موسكو عن أن حكومة كييف تولت السلطة بشكل غير مشروع وتعج بالنازيين الجدد، وأنها تضطهد الناطقين بالروسية في شرق البلاد.
وقال لافروف في مؤتمر صحفي بعد أن ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "بعد تلك الاستفتاءات، ستحترم روسيا بالطبع التعبير عن إرادة أولئك الأشخاص الذين عانوا لسنوات عديدة من انتهاكات نظام النازيين الجدد".
ورداً على سؤال عما إذا كان لدى روسيا مبررات لاستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن المناطق التي ضمتها من أوكرانيا، قال لافروف إن الأراضي الروسية، بما في ذلك الأراضي "التي سترد لاحقاً" في الدستور الروسي، "تخضع لحماية الدولة بشكل كامل"، وأن "جميع قوانين ومبادئ ومفاهيم واستراتيجيات روسيا الاتحادية تسري على جميع أراضيها" مشيراً أيضاً على وجه التحديد إلى مبدأ روسيا بشأن استخدام الأسلحة النووية.
وجاءت هذه التصريحات بعد أن وجه الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحذيراً صريحاً يوم الخميس من أن أي أسلحة في ترسانة موسكو، بما في ذلك الأسلحة النووية الاستراتيجية، يمكن استخدامها للدفاع عن الأراضي التي تم ضمها في روسيا.
وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولون روس آخرون، بمن فيهم وزير الخارجية سيرجي لافروف، إلى الأسلحة النووية كخيار في حالات الضرورة القصوى.
وأوكرانيا تطالب بمحاسبة موسكو
وقال وزير خارجية أوكرانيا على تويتر إن "تصريحات بوتين ولافروف غير المسؤولة بشأن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية غير مقبولة على الإطلاق. "أوكرانيا لن تستسلم. نحن ندعو جميع القوى النووية للتحدث علناً الآن، ونوضح لروسيا أن مثل هذه اللهجة تعرض العالم للخطر ولن يتم التغاضي عنها".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية أوليج نيكولينكو على تويتر يوم السبت إن كييف طلبت عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي بشأن الاستفتاءات، وحثت على "محاسبة روسيا على محاولاتها الإضافية لتغيير حدود أوكرانيا المعترف بها دولياً في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة".
وتتهم روسيا الولايات المتحدة وآخرين بأنهم أطراف في الصراع لأنهم يرسلون أسلحة لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. ويثير الضم المحتمل لأراض أوكرانية تساؤلات حول كيفية رد روسيا على استخدام الأسلحة الغربية في تلك المناطق.
موسكو في مأزق بعد معركة خاركيف
يأتي تعجل روسيا في إجراء استفتاءات الضم في وقت تبدو هناك شكوك بشأن قدرتها على وقف الهجوم الأوكراني، الذي تحقق بفضل تدفق الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية من الغرب بشكل كبير، مع تمتع كييف بميزة في العدد نظراً لأنها تعتمد منذ بداية الحرب على الاحتياطي، ومنعت سفر الرجال في سن القتال، بينما لم تكن موسكو قد قررت استدعاء الاحتياطي بعد، مما خلق حالة قتالية يتوفر فيها لكييف نحو مليون جندي، مقابل ما يتراوح بين 200 إلى 250 ألف جندي روسي.
وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إنه اعتباراً من 22 سبتمبر/أيلول ، فقدت القوات الروسية حوالي 55510 جنود في الحرب، بينما قال وزير الدفاع سيرجي شويخو في 21 سبتمبر /أيلول إن روسيا فقدت 5937 جندياً منذ بداية الحرب، حسبما ورد في تقرير لموقع "راديو أوروبا" الحرة.
وإلى جانب الجيش الروسي ميزة التفوق العددي، نتيجة حاجاتها لاستخدام جزء من جيشها في حماية حدود ومناطق روسيا الشاسعة، وتؤخر قرار استدعاء الاحتياطي، فلقد فقدت موسكو ميزة التفوق في المعدات، بعد أن دمرت الأسلحة الصاروخية المحمولة على الكتف أعداداً كبير من الدبابات الروسية وأجبرت أنظمة إس 300 الأوكرانية الصاروخية السوفييتية الصنع، والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الأكتاف التي قدمها الغرب لكييف المقاتلات والقاذفات الروسية عن العمل عن قرب، مما قلل من فاعلية قدرتها على دعم القوات البرية الروسية، كما أدى تدفق المدفعية والمدفعية الصاروخية خاصة هيرماس الأمريكي، إلى تحييد التفوق النوعي الروسي في المدفعية.
أوكرانيا تدخل أول قرية بإقليم لوهانسك الذي تسيطر عليه روسيا بالكامل
واستعادت أوكرانيا قبل عدة أيام لأول مرة قرية في إقليم لوهانسك وهو أحد الإقليمين المشكلين لمنطقة الدونباس بشرق أوكرانيا التي تقول موسكو إن أحد أسباب حربها ضد أوكرانيا هو حماية سكانها الذين يتحدث أغلبهم الروسية.
وسبق أن أعلنت روسيا أنها سيطرت بالكامل على إقليم لوهانسك
بعد خمسة أشهر من الحرب، وكان هذا بمثابة انتصار معنوي كبير لبوتين.
والسيطرة على القرية الأولى في إقليم لوهانسك التي تدعى بيلوغوروفكا (Belogorovka) هي إحدى نتائج الهجوم المضاد المستمر لأوكرانيا الذي دفع روسيا بعيداً عن مدينة خاركيف.
وتقع القرية على بعد عشرة أميال فقط من مدينتي ليسيتشانسك (Lysychansk) وسيفيرودونتسك (Severdonestsk)، وهما من المراكز الاقتصادية الإقليمية الرئيسية في منطقة دونباس الأوسع التي وعد الكرملين بالدفاع عنها بأي ثمن.
وتقع القرية أيضاً على بعد 45 ميلًا شرق نهر أوسكيل حيث فرت القوات الروسية بعد هجوم أوكراني حول خاركيف استعاد منطقة كبيرة في غضون أيام قليلة.
قال سيرهي غايداي، الرئيس الأوكراني لإقليم لوهانسك، إن الجنود الأوكرانيين أصبح لديهم سيطرة كاملة على بيلوغوروفكا.
وقال: "يجب علينا جميعاً التحلي بالصبر تحسباً لإنهاء احتلال واسع النطاق لمنطقة لوهانسك"، حسب قوله.
وتمرد إقليما لوهانسك ودونيتسك على أوكرانيا في عام 2014 وخاضا حرباً لتأسيس دولتين مواليتين لروسيا بعد أن أدت تظاهرات موالية للغرب إلى عزل الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانكوفيتش الموالي لموسكو، مما أدى إلى ثورة مؤيديه في الأقاليم التي انتخبته والتي يقع أغلبها في شرق وجنوب البلاد (مناطق ذات غالبية ناطقة بالروسية).
الروس يخشون قطع الإمدادات ومحاصرة الإقليم
ويتخذ الروس وضعاً دفاعياً في مدينة سفاتوف بعد الهجوم الأوكراني السريع في منطقة خاركيف شرق أوكرانيا، وكذلك يحاولون استعادة مواقعهم في كريمينا، لأنهم إذا لم يتمكنوا من ذلك، فيمكن عندئذٍ محاصرة ليسيتشانسك وسيفيرودونتسك من الشمال.
وهذا أمر مهم في المعركة، لأن سفاتوف تسيطر على آخر طريق إمداد جيد من بيلغورود في روسيا إلى قواتهم في الجنوب.
كما ردت روسيا على هذه النكسات بشن المزيد من الهجمات الصاروخية على الأهداف المدنية والبنية التحتية.
وتعرض السد ومحطات الطاقة الكهرومائية في كريفي ريه للهجوم بشكل متكرر، حيث أدى تخريب السد إلى فيضانات نهر Inhulets إلى تدمير بعض الجسور العائمة التي يعتمد عليها الأوكرانيون في عبور النهر.
وتم إصلاح السد بسرعة، واستبدال الجسور العائمة، ولكن من المحتمل أن تستمر الهجمات الروسية على السد.
كل هذا جزء من معركة الخدمات اللوجستية – والتي تلعب دوراً مهماً في معارك في الخطوط الأمامية.
كييف تستعد لتطوير الهجوم على الدونباس، فهل تستطيع روسيا وقفها؟
والآن، القوات الأوكرانية المسلحة بأسلحة غربية عالية التقنية، ومعلومات استخباراتية أمريكية من الدرجة الأولى ومعنويات عالية، وعدت باستعادة لوهانسك بأكملها.
سيكون هذا إهانة أخرى لفلاديمير بوتين، الذي احتفلت قواته بطرد القوات الأوكرانية من لوهانسك في بداية يوليو/تموز 2022.
والقوات الأوكرانية يمكنها الآن التوقف للراحة ثم الضغط لاستعادة لوهانسك بأكملها وخطوط الإمداد الأساسية التي تنطلق من مدينة بيلغورود بجنوب روسيا إلى دونباس، حسبما نقلت صحيفة Telegraph البريطانية عن فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة سانت أندروز الاسكتلندية.
وقال: "إذا عبر الأوكرانيون نهر أوسكيل بأعداد كبيرة، فقد يضطر الروس إلى التراجع كثيراً".
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن القوات الأوكرانية قامت بتأمين رؤوس الجسور على الضفة الشرقية لنهر أوسكيل في الجزء الشرقي من منطقة خاركيف، حيث حاولت القوات الروسية إنشاء خط دفاع موحد بعد انسحاباتها المتسرعة في مواجهة الهجوم الأوكراني.
يتدفق نهر أوسكيل جنوباً إلى نهر سيفرسكي دونتس، الذي يقسم منطقة لوهانسك.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية في نشرتها الاستخباراتية اليومية في 23 سبتمبر/أيلول 2022 إن الوضع في ساحة المعركة ما زال معقداً في شرق أوكرانيا، لكن القوات الأوكرانية تضغط الآن على المناطق التي "تعتبرها روسيا ضرورية لأهدافها الحربية".
وقال الجيش الأوكراني إن الروس يحشدون الرجال بالقوة من الأراضي الواقعة تحت سيطرته "لتعويض الخسائر في القوى البشرية".
لماذا تتعجل روسيا إجراء الاستفتاء؟ فتش عن الأسلحة النووية
في الأشهر الأولى للحرب تمكن الجيش الروسي استناداً لميزته الهائلة في المدفعية من السيطرة على لوهانسك، عبر هجوم قوي ومدمر في شرق أوكرانيا. على الرغم من ذلك، تراجعت القوات الأوكرانية، وأعادت تنظيم صفوفها وخططت لهجوم مضاد واسع النطاق بناءً على خدع فاجأت القوات الروسية المنهكة، حسب الصحيفة البريطانية.
عندما هاجمت القوات الأوكرانية المنطقة المحيطة بخاركيف قبل أسبوعين، انهار الخط الدفاعي الضعيف لروسيا وفر جنودها.
نشرت وزارة الدفاع الأوكرانية الآن صوراً لدبابة T90-M تم الاستيلاء عليها، وهي الدبابة الأكثر تطوراً في الجيش الروسي، والتي تخلى عنها الجنود الروس.
ولقد فقد الروس أكثر من 6000 قطعة من المعدات المهمة – وفقد الأوكرانيون حوالي ربع هذه الكمية.
لكن هذه الخسائر الروسية الكبيرة لا تزال صغيرة بشكل عام من حيث كمية المعدات المتاحة لهم. في حين أن الخسائر الأوكرانية نسبتها أكبر بالنسبة لحجم المعدات التي يحتاجها الأوكرانيون، وهذا يعني أن أوكرانيا ستحتاج إلى معدات عسكرية غربية لاستمرار خوض هذه الحرب، وهو ما قد يؤدي إلى أننا سنشهد عودة الحروب ذات النطاق الصناعي إلى أوروبا – لأول مرة منذ جيلين، حسبما ورد في تقرير شبكة Sky News البريطانية.
ولكن المشكلة الكبرى أنه لو واصل الغرب تقديم أسلحة ومعدات متقدمة لأوكرانيا تجعلها قادرة على تطوير الهجوم على المناطق التي ضمتها روسيا بما في ذلك منطقة الدونباس، فإن هذا قد يؤدي لهزيمة جديدة لموسكو، في وقت ما زالت تحتاج فيه إلى وقت لتدريب وحشد قوات الاحتياط التي تقرر استدعاءها، والتي تقدر بنحو 300 ألف جندي لحماية مواقعها على الجبهة.
ويعني هذا أن موسكو تواجه مشكلة حقيقية في الدفاع عن أراضي تعتبرها رسمياً جزءاً من أراضيها، ومن هنا فإن أي هجوم أوكراني ناجح قد يدفعها لاستخدام أسلحة نووية ضد كييف، حتى لو كانت أسلحة نووية تكتيكية، منعاً لهزيمة محرجة أخرى أو على الأقل استخدام أسلحة كيماوية وهي أسلحة تأثيرها المدمر أقل على الجيوش (لأنها غالباً ما تكون مستعدة لها بالأقنعة والأدوات المضادة) ولكن تأثيرها المعنوي خطير، وقد تكون بمثابة جرس إنذار لاستخدام أسلحة نووية.
لماذا أصبح احتمال الحرب النووية أقرب إلينا من أي وقت مضى؟
ويزيد من احتمالات هذه السيناريوهات السوداء، أن الغرب ليس لديه أي وسيلة ردع ضد استخدام موسكو لأسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا، فهو لن يرد على موسكو بالسلاح ذاته لأن كييف ليست عضواً بالناتو، أما التلويح بالعقوبات والحصار فلم يعد له جدوى، لأن فعلياً الغرب فرض أقصى عقوبات ممكنة على موسكو، وهو يصفها بنفسه كأكبر حزمة عقوبات في التاريخ، ولم يبق في جعبة الغرب إلا فرض حظر شامل على تصدير النفط الروسي (بعد حظر استيراده من قبل الغرب) عبر التهديد بعقوبات لأي مشترين آخرين له، كما فعل ترامب مع النفط الإيراني.
وهذا الخيار- أي فرض حظر شامل على تصدير النفط الروسي لأي جهة- يبدو خيار الغرب الوحيد إذا استخدم بوتين أسلحة دمار شامل، سواء كيماوية أو نووية (استراتيجية أو تكتيكية).
وهو خيار إضافة إلى أنه قد يواجه مقاومة من دول مثل الهند والصين، خاصة الأخيرة التي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية بشكل كبير، إلا أنه أيضاً بمثابة انتحار جماعي اقتصادي للغرب، لأن وقف صادرات النفط الروسي التي تقدر بنحو 5 ملايين برميل يعني صعود أسعار النفط لأرقام فلكية في وقت تعاني الدول الغربية والعالم كله من تضخم غير مسبوق منذ عقود يصاحبه مؤشرات قوية على احتمال حدوث ركود عالمي.
وفي ظل استمرار العقوبات الأمريكية على إيران أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم وفنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، وهما دولتان يتشدد معهما الغرب رغم حاجته لهما، فإن حظر تصدير النفط الروسي سيكون بمثابة طريق لمجاعة نفطية عالمية.
ويعني هذا أن تطوير الهجوم الأوكراني قد يؤدي إلى حرب كيماوية أو نووية محدودة قد تعقبها أزمة طاقة لم يعرفها العالم منذ عام 1973.