يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يواجه مأزقاً كبيراً بأوكرانيا، وهو الآن يفضل التوجه نحو التصعيد، وربما إلى حافة حرب نووية، على أن تتعرض روسيا للهزيمة في أوكرانيا. فها هو قد وقّع لأول مرة منذ بدء الحرب مرسوماً بشأن تعبئة جزئية للجيش الروسي، اعتباراً من الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول 2022، مشيراً إلى أن الغرب يريد تدمير البلاد، بينما كشف وزير دفاعه أن بلاده استدعت 300 ألف من جنود الاحتياط.
هل يخاطر بوتين بإشعال حرب نووية؟
بعد مرور 7 أشهر على شن بوتين الحرب على أوكرانيا، تتقهقر القوات الروسية إلى منطقة خاركيف، وتتقدم القوات الأوكرانية في لوهانسك وتضغط على قواته وخطوط إمداده في خيرسون. وليس مستحيلاً أن تخسر روسيا الأراضي التي أخذتها منذ عام 2014 إذا لم تستطع قوات بوتين وقف هجوم أوكرانيا المضاد، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
ورداً على هذه الأزمة الخطيرة، أطلق بوتين تهديداً جديداً: سنجري "استفتاءات" في أقاليم دونيتسك ولوهانسك وزابوروجيا وخيرسون لضمها إلى روسيا مطلع الأسبوع المقبل.
ويرى الزعيم الروسي أن هذا سيحول "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا إلى حرب دفاعية في روسيا، وهذا سيفتح الباب أمام تعبئة كاملة وإعلان الحرب وحتى توجيه ضربة نووية.
تقول مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير قناة RT المملوكة للدولة وعضوة جماعة ضغط تنادي بالحرب: "بالنظر إلى ما يحدث وما على وشك أن يحدث، فهذا الأسبوع إما سيكون بداية لانتصارنا الوشيك أو بداية حرب نووية. لا أرى خياراً ثالثاً".
فيما هدد سيرجي ماركوف، أحد أبرز مستشاري بوتين، أمريكا وبريطانيا بهجوم نووي في مقابلة إذاعية عبر "بي بي سي"، صباح الخميس 21 سبتمبر/أيلول 2022، قائلاً إن الرئيس بوتين "لا يخادع" بشأن استخدام أسلحة الدمار الشامل".
وقال ماركوف، العضو السابق في مجلس دوما الدولة الروسي والمستشار المقرب لبوتين، إن "الرئيس أوضح أنه سيكون مستعداً لاستخدام ترسانته ضد الدول الغربية، بما في ذلك بريطانيا".
وأضاف ماركوف، بحسب ما نقلت صحيفة Telegraph البريطانية، أن "جو بايدن وبوريس جونسون وليز تروس قد يكونون مسؤولين عن الحرب النووية بسبب سلوكهم المجنون فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا".
هل يكون إنذار بوتين الأخير إنقاذاً لروسيا من الهزيمة في أوكرانيا؟
لكن صحيفة الغارديان، تقول إن خطة روسيا لإجراء استفتاءات لضم مدن أوكرانية والتهديد بتصعيد عسكري واسع النطاق، لا تعدو عن كونها "ابتزازاً".
إذ سارع الأوكرانيون إلى اعتبارها محاولة لوقف الهجوم المضاد شرق البلاد. وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا: "لأوكرانيا كل الحق في تحرير أراضيها، وستواصل تحريرها مهما قالت روسيا".
ولكن منذ فبراير/شباط "أصبح واضحاً أن قلة محدودة تدرك فعلياً مدى هوس الكرملين بأوكرانيا أو استعداد بوتين للتضحية بحياة وراحة الروس، وحتى إرثه هو شخصياً، ليفرض إرادته على جارته"، كما تقول الغارديان.
لكن استراتيجية الكرملين محفوفة بالمخاطر، فإجراءات الضم الجديدة قد تزيد من تقويض السيطرة الروسية على مناطق مثل شبه جزيرة القرم، وذلك بأن تقتنع أوكرانيا والدول الغربية أن موسكو تطلق تهديدات جوفاء، وبالتالي تحسم ترددها في استعادة الأراضي التي ضمتها روسيا رسمياً.
فهل هذا التهديد الأخير إنذار نهائي هدفه إنقاذ روسيا من الهزيمة؟ أم أن روسيا مستعدة للمضي في طريقها حتى النهاية؟ ربما هو الأمران. يقول محللون غربيون إنه إذا تراجع أنصار أوكرانيا والغرب قريباً (وهذا مستبعد)، فبوتين سيكون راضياً. أما لو لم يفعلوا، فمهما حدث بعد ذلك ليس خطأنا، بلسان حال الكرملين.
تحويل غزو أوكرانيا لحرب دفاعية عن روسيا
تنقل صحيفة الغارديان عن ألكسندر باونوف، المحلل السياسي الروسي، قوله إن "تحركات موسكو، ستكون إما في اتجاه إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن أو، لو لم تنجح في ذلك، إلقاء اللوم على الآخرين، وتحويل الغزو الروسي لدولة مجاورة إلى حرب دفاعية. وموسكو تأمل أن يجعل هذا التغيير الحرب أكثر شرعية في أعين الروس العاديين، ويترك للكرملين مطلق الحرية في اتخاذ أية قرارات أو إجراءات يراها ضرورية".
ويُطلق على بوتين أحياناً خبير استراتيجية "التصعيد لخفض التصعيد"، أي تحاشي الحرب بالتهديد برد انتقامي غير مسبوق.
ولكن لا يبدو أن بوتين يرغب في التهدئة. والوصف الأنسب لاستراتيجيته ربما يكون "النصر أو التصعيد". وعلى حد تعبير مارغريتا رئيسة تحرير قناة RT: فإن "روسيا لن تتراجع".
"لا يسع بوتين أن يخسر الحرب.. يجب أن نستعد لمعركة أكثر بشاعة"
يقول السياسي البريطاني وعضو مجلس العموم، توبياس إلوود، في مقالة له بصحيفة Telegraph البريطانية، إن "الحرب في أوكرانيا قد ارتفعت إلى مستوى خطير، والهجوم الأوكراني المضاد الأخير قد أهان بوتين لدرجة أن هناك كل التوقعات بأنه سيلعب الآن بشكل أقبح مما فعل بالفعل".
ويرى إلوود أن السيطرة الأوكرانية على الأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة الروس على نطاق واسع، يمكن القول إنها أخطر نكسة لبوتين حتى الآن، وقد غذت شعوراً بالتفاؤل بأن أوكرانيا يمكن أن تفوز بالفعل. لكن سيكون من غير المسؤول افتراض أن نقطة التحول هذه في الحرب ستشهد الهزيمة الواضحة لروسيا.
ويخلص الكاتب في قوله إلى أن بوتين لا يستطيع تحمل الخسارة، ويجب أن يتوقع الغرب منه مواصلة تعزيز تكتيكاته الحربية غير التقليدية (إلى جانب الضربات العسكرية على البنية التحتية الأوكرانية) للتعويض عن الأداء السيئ لقواته على الأرض.
مشيراً إلى أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التهديد باستخدام روسيا لأسلحة الدمار الشامل، الكيماوية أو البيولوجية أو النووية التكتيكية. هذه خطوط لا يجب أن نفترض أن بوتين لن يتخطاها، لكن إذا فعل ذلك، فماذا سيكون رد الغرب؟".