مثلت الحرب الروسية على أوكرانيا، هدية لا تقدَّر بثمن لليوان الصيني في منافسته الخفية مع الدولار الأمريكي، فحاجة روسيا إلى اليوان تجعلها أكثر الدول دعماً له، أكثر من الصين نفسها.
وتعد الصين أكبر حائز في العالم للدولار، وهي أكبر مستفيد من قوة العملة الأمريكية، لأنها تجعل المنتجات الصينية رخيصة، فتغرق الأسواق الأمريكية بصادراتها ليحقق التبادل التجاري الصيني مع أمريكا أكبر فائض للتجارة الصينية مع العالم، وهو الفائض الذي يمثل أحد أسباب نهضة الصين الحديثة.
ولكن من ناحية أخرى، تطمح الصين لتحويل اليوان لمنافس تدريجي للدولار كعملة تداول عالمية، ليس فقط لما ذلك من فوائد اقتصادية لها، ولكن أيضاً لما يحققه ذلك من أمان لها في ظل مخاوفها من تعرضها لعقوبات غربية كما جرى مع روسيا.
وفي هذا الإطار، اتخذت الصين عدة خطوات منها إطلاق يوان إلكتروني وكذلك، أسست مع عدة دولة آسيوية مؤخراً نظام لتجميع احتياطات باليوان الصيني (الرنمينبي)، وعند الحاجة إلى السيولة، فإن البنوك المركزية المشاركة به لن تتمكن من سحب مساهماتها فحسب، بل ستتمكن أيضاً من الحصول على تمويل إضافي من خلال نافذة سيولة مضمونة" لمواجهة تقلبات الأسواق، حسبما قال البنك المركزي الصيني.
في البداية، سيشارك في هذا النظام البنك المركزي الصيني، الذي يُعرف باسم بنك الشعب الصيني (PBOC)، وبنك إندونيسيا، والبنك المركزي لماليزيا، وهيئة النقد في هونغ كونغ، والسلطة النقدية في سنغافورة، والبنك المركزي التشيلي.
ولكن اليوم أكبر داعم لليوان الصيني، يبدو أنه ليس الصين نفسها، بل روسيا، فمع فرض الدول الغربية أكبر عقوبات في التاريخ على روسيا، فإن الأخيرة تجد نفسها ليست في حاجة فقط لإبرام صفقتها التجارية باليوان، بل أيضاً أن تدخر باليوان.
التوجه الروسي لليوان قبل حرب أوكرانيا
حتى قُبيل اندلاع الحرب، صارت روسيا من أكبر حائزي الاحتياطيات النقدية بالعملة الصينية على مستوى العالم.
كما بدأت روسيا تستغني ببطء عن الدولار في التعامل التجاري قبل الحرب، وتتجه نحو اليوان.
فلقد أفاد البنك المركزي الروسي أن حصة المدفوعات بالدولار للواردات الصينية قد تجاوزت 90% عام 2013، لكنها انخفضت إلى أقل قليلاً من 60% عام 2021، حسبما ورد في تقرير لموقع Asia Nikkei الياباني.
حصة ما يسميه "العملات الأخرى" – بما في ذلك اليوان وليس الروبل أو اليورو- ارتفعت من ما يزيد قليلاً على 2% عام 2013 إلى 27% عام 2021.
لماذا يريد بوتين شراء ما قيمته 70 مليار دولار من اليوان؟
ولكن هذا التوجه اكتسب زخماً كبيراً بعد الحرب، وفي هذا الصدد، ذكرت تقرير لوكالة بلومبرغ مؤخراً أن تدرس روسيا شراء ما يصل إلى 70 مليار دولار من اليوان الصيني والعملات الأخرى من الدول "الصديقة" لكبح ارتفاع الروبل، الذي بدأ يرتفع ثمنه بشكل يؤثر على اقتصاد البلاد.
فمنذ فرض الغرب عقوبات على موسكو بعد غزوها لأوكرانيا، نفذت روسيا عدداً من الإجراءات لحماية الروبل، منها فرض قيود على حركة الأموال، كما قللت الصادرات ورفع أسعار الفائدة على الروبل، أدى كل ذلك بالإضافة إلى تزايد قيمة الصادرات الروسية من النفط والغاز بسبب ارتفاع الأسعار في تزايد قوة العملة الروسية بشكل كبير حيث زادت بنسبة 40% (لتصبح أفضل عملات العالم أداءً)، ولكن بشكل بدأ يتحول للإضرار باقتصاد البلاد، لأنه قد يؤدي لإضعاف تنافسية الصادرات الروسية (غير النفطية) لأنها أسعارها زادت كما سيبدأ في تقليل ميزانية البلاد عندما تحتسب بالروبل؛ لأن الدولار أصبح أضعف من العملة الروسية.
لسنوات، ركزت روسيا سياستها الاقتصادية على تكوين احتياطيات من العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو. لكنها تعمل على التحول إلى عملات أخرى منذ أن أدت العقوبات الغربية إلى تجميد نصف احتياطياتها البالغة 640 مليار دولار، حيث خضعت الأرصدة الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما للتجميد.
"في الوضع الجديد، فإن تكديس احتياطيات النقد الأجنبي السائلة للأزمات المستقبلية أمر بالغ الصعوبة وغير مناسب".
وتدعو الاستراتيجية إلى تحويل روسيا مزيد من الاحتياطات إلى عملات قوية توصف بالصديقة، ومنها الصين، وتعتبر الليرة التركية والراند الجنوب إفريقي والدرهم الإماراتي عملات "صديقة" أخرى محتملة.
وحين تحتاج روسيا هذه الاحتياطات، فإنها سوف تبدأ في بيعها.
روسيا تريد تحويل اليوان إلى عملة احتياط وتجارة دولية
وقالت موسكو في يونيو/حزيران 2022، إنها تعمل على خطة لتطوير عملة احتياطي دولية جديدة إلى جانب البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا ، والتي لم تفرض عقوبات واسعة النطاق على الكرملين.
كما أن روسيا تحتاج إلى إيجاد وسيلة أخرى غير الدولار واليوان، من أجل المضي قدماً في تجارتها الخارجية.
ويواجه الاقتصاد الروسي مشكلة ملحة فحتى الشركات الروسية التي لم تُعاقب بشكل مباشر لا تزال تواجه صعوبات كبيرة عند محاولة تسوية حساباتها مع شركاء أجانب. قد يتم تجميد حساباتهم المصرفية بالدولار واليورو، والمدفوعات المرسلة بالعملات الأجنبية تستغرق وقتاً طويلاً حتى تتم معالجتها ، وحتى البنوك في "البلدان التي تصفها موسكو بالصديقة" ترفض إجراء المعاملات، متذرعة بمجموعة من الأعذار.
تسعى السلطات المالية الروسية إلى إيجاد طرق للتغلب على هذه المشكلات وخاصة حقيقة ترسخ التجارة العالمية على الدولار واليورو.
لماذا لا تلجأ موسكو للتجارة بالروبل بعدما ازدادت قوته؟
روج المسؤولون الروس للقدرة على بدء التداول بالعملات الوطنية، بما في ذلك الروبل في الصفقات المختلفة مع الدول، لكن في الوقت الحالي، أعلنت قلة من الشركات فقط عن صفقات لمرة واحدة ثابتة بالروبل. وافقت تركيا على أن تدفع جزءاً من ثمن الغاز الروسي بالروبل، لكن لم يتم حتى الآن معرفة آلية القيام بذلك ولا الكميات المعنية. يبدو أن قدرة تركيا على التكيف مرتبطة بحقيقة أن أنقرة هي الشريك الرئيسي لموسكو في الوقت الحالي من حيث الواردات الموازية، مما يعني أن العديد من الشركات التركية ستستخدم الروبل بنشاط على أي حال، حسبما ورد في تقرير لمركز Carnegie الأمريكي.
من الناحية النظرية، يظل الروبل عملة قابلة للتحويل بحرية مع كل البنية التحتية اللازمة للمدفوعات عبر الوطنية، لذلك لا يوجد شيء تقنياً يمنع المصدرين الروس من المطالبة بدفع ثمن سلعهم بالروبل. ومع ذلك، من الناحية العملية، هذا ببساطة لا يعمل، ويؤدي فقط إلى مزيد من التأخير في إتمام المعاملات.
تكمن المشكلة الرئيسية في هذا الخيار في تدني سيولة العملات الوطنية مقارنة بالعملات الاحتياطية، فضلاً عن مخاطر الاقتصاد الكلي وأسعار الصرف. لهذا السبب، يطلب المشترون تخفيضات كبيرة للموافقة على صفقة ثابتة بعملة مثل الروبل. تستخدم الأنظمة المصرفية في مختلف البلدان للعمل بالعملات الاحتياطية في التجارة الخارجية، ولا تفتح حسابات بعملات أخرى إلا إذا كان ذلك ضرورياً للغاية.
العملات الاحتياطية مثل الدولار واليورو هي ببساطة أكثر ملاءمة للتجارة من العملات الوطنية.
من المربح أكثر للمصدرين أن يتم الدفع لهم بعملة يمكنهم استخدامها لدفع ثمن أكبر عدد ممكن من أنواع الواردات.
على عكس العملات الاحتياطية يصعب استخدام العملات الوطنية عند التداول مع البلدان الأخرى. في حين أنه من الممكن من الناحية الفنية ، فإن الشركات الصينية لن تستخدم الروبل الروسي لشراء البضائع من تركيا مثلاً.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الدور الأكبر للروبل في التجارة الدولية إلى خلق مشاكل إضافية للسلطات المالية الروسية. بمجرد أن تصبح العملة الوطنية مهمة في التجارة الدولية ويبدأ استخدامها أكثر في الخارج، يفقد بلد منشأه بعض سيطرته على سعر الصرف.
لهذه الأسباب، من المحتمل أن تكون روسيا قادرة على التجارة بنجاح بالروبل فقط مع البلدان التي تعد دائناً لها بالفعل، أي دول آسيا الوسطى وبعض الدول الأفريقية. الآن سيتم إصدار القروض لتلك البلدان بالروبل بدلا من الدولار.
بينما تبتكر السلطات والشركات الروسية طرقاً جديدة للتوقف عن الاعتماد على الدولار واليورو، يتحول الاقتصاد الروسي بشكل متزايد إلى اليوان. بلغ استخدامه في أحجام التجارة في بورصة موسكو في يوليو/تموز 2022 نحو 20 في المائة على عكس ما لا يزيد عن 0.5 في المائة في يناير/كانون الثاني 2022، أي قبل الحرب بشهر،، مما جعله يتقدم على عملات "الدول الصديقة" الأخرى بهامش كبير.
البنوك الروسية تنضم لنظام المدفوعات الصيني
واستبعدت العقوبات الغربية العديد من أكبر البنوك الروسية من نظام سويفت ، مما دفعها للسعي للانضمام إلى شبكة الصين البديلة.
وفقاً لوسائل الإعلام الروسية، تم ربط أكثر من 20 مؤسسة مالية روسية بنظام الدفع عبر الحدود بين البنوك (CIPS) اعتباراً من منتصف يوليو. تم تقديم نظاك CIPS من قبل بنك الشعب الصيني، البنك المركزي للبلاد ، في عام 2015 بهدف تدويل اليوان. يمكن استخدامه للمدفوعات المقومة باليوان عبر الحدود.
في حين أن نظام (CIPS) يتضمن قدراً محدوداً من أحجام المعاملات مقارنة بنظام "سويفت"، فإنه ينمو بصورة منتظمة.
متوسط قيمة المعاملات اليومية التي يجري التعامل معها بواسطة نظام "سي آي بي إس" في النصف الأول من 2022 بلغ الضعف مقارنة بـ2016، وغالبية البنوك الخارجية التي تستخدم اليوان لتسوية المعاملات مرتبطة فعلياً أو ستُربط قريباً بنظام "سي آي بي إس"، حسب الرئيس التنفيذي شو زي يوهيي.
الصين تزود روسيا باليوان، ولكن بتحفظ
في الوقت الحالي، لا يوجد ما يكفي من اليوان في روسيا لكل من أرباح التجارة وخاصة صادرات الطاقة.
يمكن توفير المزيد من اليوان من خلال مقايضة العملات التي من شأنها أن تمكن البنك المركزي الروسي من زيادة احتياطياته من السيولة باليوان عبر الحصول على العملة الصينية من بنك الشعب الصيني.
يتوقع البعض ألا توافق بكين على ذلك حيث يمكن اعتباره شكل من أشكال تقديم تقديم الدعم المالي لروسيا مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات غربية على الصين. حاولت روسيا إقناع الصين بالموافقة على تبادل العملات مرة أخرى في مارس/أذار، ولكن دون جدوى، حسب تقرير مركز كارنيغي.
ولكن في أغسطس/آب 2022، قال سفير الصين لدى روسيا، تشانغ هانهوي، إنه يتوجب على البلدين تكثيف عمليات التنسيق لحل مصاعب تسوية التجارة المترتبة على العقوبات على روسيا. أوضح تشانغ في أثناء مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية أن الصين ستستمر في تدعيم استخدام العملة المحلية بمزيد من عمليات تسوية التجارة الثنائية.
ويجري فعلياً تسوية معاملات باليوان بقدر أكبر، حسبما ورد في تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية، حيث قالت شركة الغاز العملاقة "غازبروم" الروسية التي تديرها الدولة إنها ستحوّل تعاقدها لإمداد الصين بالغاز إلى الروبل واليوان من اليورو. استحوذت المؤسسات الروسية على 4% من كل مدفوعات اليوان الخارجية التي جرت عبر "سويفت"، نظام المدفوعات العالمية، في يوليو/تموز الماضي، مما جعلها تحتلّ المرتبة الثالثة بعد هونغ كونغ والمملكة المتحدة.
باتت سندات العملة الصينية أيضاً مصدراً لتمويل بعض الشركات الروسية. ذكرت وسائل إعلام روسية أن شركة النفط المملوكة للدولة "روسنفت" طرحت سندات عامة بقيمة 10 مليارات يوان (1.44 مليار دولار) مؤخراً. يأتي ذلك في أعقاب عرض لبيع سندات بقيمة 4.6 مليار يوان من قبل أكبر شركة تعدين للذهب في روسيا ، بوليوس ، في أواخر أغسطس/أب 2022.
أصبح منتج الألمنيوم الرئيسي روسال في يوليو/تموز أول شركة روسية تصدر سندات باليوان داخل البلاد. ورد أن الإصدار ، الذي يحتوي على شريحتين بقيمة ملياري يوان لكل منهما وآجال استحقاقه لمدة خمس سنوات، الطلب عليهما قد تجاوز الاكتتاب فيهما.
قال أليكسي جرينكوف، رئيس تمويل الشركات في روسال: "إننا نرى طلباً كبيراً على مثل هذه الأدوات المالية ، سواء من البنوك الروسية أو من مستثمري القطاع الخاص، الذين يعتبر التحول إلى اليوان بديلاً جيداً لاستثمارات النقد الأجنبي التقليدية".
في حين أن إجمالي المبالغ التي تتعامل بها روسيا باليوان ما زال متواضعاً، وتصف روسيا صعود طلبها على اليوان بأنه مؤقت، فإن التطور يعزز من تنامي استخدام العملة الصينية في الاقتصاد العالمي، إذ يأتي على خلفية انتعاش الصادرات الصينية الذي استمرّ لأعوام.
وفي مطلع شهر مارس/آذار 2022، قال المحلل الإستراتيجي في كريدي سويس لبودكاست بلومبرغ Odd Lots لموقع Bloomberg إن الدولار الأمريكي وصل إلى نقطة انعطاف حرجة بسبب الحرب الأوكرانية.
ولكن تمادى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية في استخدام العقوبات، وتلويحهم بعزل الصين (رغم أنه تهديد لم ينفذ فعلياً) بالتزامن مع العقوبات المفروضة على روسيا، يجعل هناك رغبة لدى بكين وكثير من الدول النامية (إضافة لموسكو) في إيجاد بديل للدولار أو على الأقل أنه يكون هناك خيار موازٍ له.
وقد يشكل استعمال روسيا المتصاعد لليوان نموذجاً للشركاء التجاريين الصينيين الآخرين الذين يطمحون إلى الحد من اعتمادهم تدريجياً على الدولار، الذي يهيمن على التجارة العالمية.
التجارة تزيد بشكل كبير بين البلدين
وشكلت الصين حوالي 18% من إجمالي التجارة الروسية في عام 2021 – بقيمة تقارب 147 مليار دولار (110 مليارات جنيه إسترليني).
منذ غزو موسكو لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، شهدت التجارة الروسية انخفاضاً في مدفوعات الدولار واليورو بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية. في غضون ذلك، تزداد التسويات الروسية المقومة باليوان مع الصين.
في مارس/أذار 2022، بعد أن شنت روسيا غزوها لأوكرانيا، ارتفع إجمالي التجارة بين البلدين بأكثر من 12% عن العام السابق.
وصعدت روسيا إلى المرتبة الثالثة في حصتها من تسويات اليوان بين الولايات القضائية خارج الصين، وفقاً لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT)، وهي شبكة مراسلة دولية بين البنوك.
وتضخم حجم المعاملات اليومية باليوان في سوق موسكو بمقدار 12 ضعفاَ في النصف من يناير/تموز 2022 إلى يونيو/حزيران 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
التسويات المقومة باليوان بارزة بشكل خاص في قطاع الطاقة. حيث قررت شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة مؤخراً التحول إلى التسويات باليوان والروبل لصادرات الغاز الطبيعي إلى الصين – ويعتقد أن المعاملات تمت بالدولار من قبل. ينطبق هذا على العقود المبرمة مع شركة البترول الوطنية الصينية، والتي يتم تصدير الغاز إليها عبر خطوط الأنابيب.
لم تنشر السلطات الروسية إحصاءات التجارة منذ الغزو. لكن الصين أفادت بأن وارداتها من النفط الخام الروسي تجاوزت تلك الواردة من السعودية في مايو لتحتل المرتبة الأولى.
موسكو مستعدة للاقتراض باليوان أيضاً
موسكو مستعدة لجمع الأموال السيادية باليوان أي الاقتراض باليوان.
وذكرت صحيفة فيدوموستي الروسية في أغسطس/أب 2022 أن وزارة المالية الروسية تدرس إصدار سندات حكومية باليوان، بهدف جذب المستثمرين الصينيين وكذلك المشترين المحليين، ويقال أن الاستعدادات تستغرق من عام إلى عامين.
وتكافح روسيا لتسديد مدفوعات سنداتها الحكومية المقومة بالدولار بسبب العقوبات، الأمر الذي يجعل الدولة الروسية غير قادرة على الاقتراض.
هل تحاول أمريكا محاربة اليوان برفع أسعار الفائدة؟
بلغت قيمة التجارة الصينية باستخدام الرنمينبي مستوى قياسياً عند 2.5 تريليون يوان خلال الربع الثاني من العام الجاري، حسب بيانات بنك الشعب الصيني، مما يعكس طفرة صادرات بدأت فقط في التباطؤ مؤخراً، وفقاً لما ورد في تقرير بلومبرغ.
في غضون ذلك، تُنوِّع بنوك مركزية حول العالم تدريجياً حيازاتها التي يهيمن الدولار عليها. وبالفعل صعدت حصة اليوان في احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية إلى 2.88% خلال الربع الأول من السنة الحالية، ارتفاعاً من 1.2% خلال 2017، حسب بنك الشعب الصيني.
ولكن في مقابل توجه روسيا وبعض الدول الآسيوية لليوان كبديل للدولار، فإن رفع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي من قبل مجلس احتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) يدفع المستثمرين الدوليين بعيداً عن اليوان بعد أن أصبح العائد على الدولار أكبر، إضافة إلى تباطؤ القطاع العقاري في الصين والخسائر الاقتصادية المتواصلة جراء فرض قيود للحد من تفشي وباء كوفيد-19، إضافة للمخاوف من أزمات القروض الداخلية الصينية.
الأمر الذي يثير تساؤلاً حول هل تعمد أمريكا إلى محاربة اليوان من خلال رفع سعر الفائدة.
هل تريد الصين أن تجعل اليوان بديلاً للدولار؟
الأغرب أن الصين نفسها عمدت إلى تخفيض سعر الفائدة على اليوان، مقابل رفع معظم البنوك المركزية حول العالم لأسعار الفائدة على عملاتها في مواجهة رفع الفوائد الأمريكية.
ولكن الصين وضعها مختلف، قام النموذج الاقتصادي الصيني، مثله مثل دول نمور آسيا الأخرى، (وعلى غرارهم النموذج التركي) على توسع الصادرات بشكل أساسي، وكانت إحدى أدوات ذلك خفض سعر العملة لتعزيز تنافسية الصادرات.
واليوم ما زال التصدير هو قاطرة الاقتصاد الصيني، الذي يدخل في منافسة مع دول آسيوية أخرى بدأت تصبح أكثر جاذبية للمصنعين، مثل إندونيسيا وفيتنام والهند، بفضل رخص الأيدي العاملة بها مقارنة بالصين وعلاقتها بأمريكا.
ويجعل هذا الصين ما زالت في حاجة ألا يصبح اليوان قوياً أكثر مما ينبغى، وهي القوة التي يحتاجها في الوقت ذاته ليكون بديلاً أو منافساً للدولار كعملة تداول واحتياط عالمية.
ولكن الصين على الأرجح لم تحسم قرارها، أو تريد ترك الخيارات مفتوحة فيما يتعلق بوضع اليوان.
وسيتوقف ذلك على تطور العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب.
فلو استمرت أبواب التجارة مفتوحة مع الغرب ولاسيما أمريكا، واستمر تدفق الصادرات الصينية الرخيصة، فإن الأفضل أن يظل اليوان أضعف من الدولار، ولكن إن بدأ الغرب في فرض عقوبات على الصين أو تقليل الواردات منها، مثلما يحدث مع روسيا، فهذا يعني أن الصين سوف تحتاج إلى توسيع معدلات استهلاكها الخارجي وتقديم الدعم لكتلة من الدول الحليفة لها لتكون سوقاً بديلاً، وسوف يعني هذا أن الصين قد تكون مستعدة لأن تدعم أن يكون اليوان بديلاً للدولار ليصبح عملة التداول لهذه الدول.
كما أن الصين كعادتها دوماً ليست في عجلة من أمرها.
فهي تقوم بخطى بطيئة ولكن ثابتة في اتجاه تقوية وضع اليوان الدولي، دون أن تحارب الدولار المستفيدة من قوة الأخير لتعزيز صادرتها لأمريكا، وهذه الخطى تتزامن مع انفصال اقتصادي تدريجي بطيء بين الصين والغرب، يسير بالتوازي معه، توجه الصين لقدر كبير من الأموال لتطوير البحث العلمي، وتطوير بكين لمنتجاتها لتصبح قادرة على البيع بسبب تميزها في الجودة والابتكار وليس الأسعار فقط، وعند الوصول لهذه النقطة لن تصبح الصين في حاجة لإضعاف اليوان، ليكون وسيلة لتعزيز تنافسية صادراتها، لأنه في هذه اللحظة ستكون تنافسية الصادرات الصينية نابعة من التقدم التكنولوجي والجود والابتكار، مثلما يحدث مع دول مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة.