"بدأت أمريكا في وضع خطة الحرب الباردة الجديدة، التي ستستهدف روسيا لسنوات قادمة"، والتي ستتولى فيها أوكرانيا دوراً مهماً، ولكن أصعب هدف أمام المخططين الأمريكيين هو إسقاط بوتين.
وأثارت الانتكاسات التي تتعرض لها روسيا في أوكرانيا بعد استعادة كييف لبعض أراضيها، شهية الغرب على ما يبدو للمضي قدماً في خطة الحرب الباردة الجديدة.
ففي وقت تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصراع ممتد، ألمح القادة الدبلوماسيون والعسكريون والاستخباراتيون الأمريكيون كلهم هذا الأسبوع إلى مستقبل طويل الأجل للحرب الأمريكية الباردة ضد روسيا، تكون أوكرانيا بمثابة قلعة حصينة في القلب منها، حسبما ورد في تقرير شبكة CNN الأمريكية.
خطة البنتاغون لإطلاق الحرب الباردة الجديدة أُرسلت لأوكرانيا
لدى "البنتاغون" خطة حول كيفية دعم أوكرانيا على المدى الطويل، حتى بعد انتهاء الحرب مع روسيا، حسبما أفادت شبكة CNN.
يجري التحليل بالاشتراك مع الأوكرانيين، وفي حال وافق عليه الرئيس جو بايدن، قد يؤدي ذلك إلى سنوات من مبيعات السلاح المستقبلية، وإنشاء الولايات المتحدة لبرنامج تدريب عسكري طويل المدى لأوكرانيا.
وسيجري تقديم التخطيط إلى كييف باعتباره تقييماً، لكنَّه سيُقدِّم خارطة طريق واضحة، تُظهِر إلى أي مدى تؤمن الولايات المتحدة بأنَّ عليها تطوير جيش أوكرانيا.
قال بيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، في مؤتمر للأمن السيبراني في واشنطن، الخميس الماضي، 8 سبتمبر/أيلول: "ستدفع روسيا ثمناً باهظاً جداً، وأعتقد أنَّه سيكون على مدى فترة طويلة".
حرب باردة دون الشيوعية
الحرب الباردة الجديدة بدأت تدخل إلى مرحلة صارخة، حسبما يقول ستيف هول، مدير عمليات روسيا السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمحلل بشكة CNN.
وأضاف أنَّه حين ترى أموراً مثل لجوء روسيا إلى إيران أو كوريا الشمالية من أجل مساعدتها في تسليح جيشها، وحين يسافر الرئيس الروسي لمقابلة الرئيس الصيني، ويقول كلاهما صراحةً تقريباً إنَّهما سيتكاتفان لمحاربة قضية انتشار الليبرالية، التي تقودها الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير، في مختلف أنحاء العالم، يبدو كما لو أنَّها حرب باردة جديدة، لكن دون العنصر الشيوعي. ففي حقبة الحرب الباردة، كان يمكنك القول حسناً، "الشيوعيون" هم الأشرار، وبقيتنا أخيار.
وأضاف هول أنَّه يعتقد أنَّ هذا صحيح إلى حدٍّ ما، لأنَّه بإمكاننا الآن استبدال الشيوعية بالاستبداد والديكتاتوريات. مع ذلك، يُقسِّم العالم نفسه إلى معسكرات غربية ليبرالية متفاوتة الدرجة، ومعسكرات أكثر استبداداً.
هل تشن الولايات المتحدة حرباً بالوكالة على روسيا مثلما تزعم موسكو؟
يقول هول إنَّ جزءاً كبيراً من ذلك يتوقف على كيفية تعريف حرب الوكالة. فهنالك تلك الفكرة التي ترى أنَّ الولايات المتحدة هي المهيمنة على العالم ويمكنها أن تتزعم الدول الأخرى حولها وتخبرها بما تفعله. لكنَّ جزءاً من ذلك مجرد تضليل من جانب الروسي، حسب تعبيره
ويضيف هول إنَّ شن الولايات المتحدة لحروب بالوكالة هو شيء تحب تلك الدول المستبدة مثل الصين وروسيا قوله.
وفي حالة أوكرانيا، وهي الاستثناء الوحيد الكبير لدى هول، على الأقل من حيث تعريفه لحرب الوكالة، فإنَّ الأوكرانيون هم مَن يطلبون الدعم في مواجهة غزوهم من جانب روسيا.
لكنَّه يرى أنَّ ذلك ليس المقصود هنا، ما يقصده الروس هو أنَّ الولايات المتحدة تأمر دولاً أو جهات تعمل كوكلاء لها أو تابعين لها وتخبره بأن يفعل هذا أو ذاك فينطلق هذا الطرف ويفعل ما طُلِبَ منه فعلاً. هذه هي نظرة هول لحديث الروس عن الحرب بالوكالة، وهو يعتقد أنَّ أوكرانيا ليست مثالاً مناسباً لها.
ويضيف أنَّ الروس سيواصلون إطلاق هذه الادعاءات كمناورة من مناورات التضليل لأطول فترة ممكنة.
وضع الصين أقوى من روسيا
روسيا بالتأكيد قوة آخذة في الضعف، حسبما يرى هول.
في المقابل، تملك الصين بالطبع قوة أكبر، والنتيجة أن العديد من الدول تُوضَع في موقف صعب في مواجهة الصين، كأن تقول بكين إنَّها مستعدة للاستمرار في تمويل مشروعات البنية التحتية أو ما شابه، لكن في المقابل يتعين أن تكون هذه الدول ضد تايوان وداعمة للمواقف الصينية.
الغرب بدأ يقع في فخ غطرسة النصر
نقرأ في وسائل الإعلام الغربية كيف يُبلي الأوكرانيون حسناً، وعدد الضحايا الذي يتكبَّده الروس ومدى سوء أدائهم في الحرب، ويبدو أن الغرب بدأ يقع في فخ غطرسة النصر، حسب تقرير الشبكة الأمريكية.
يقول هول إنَّه يتفق في أنَّ الغرب الليبرالي لديه نوع من غطرسة النصر عند الحديث عما يجري في أوكرانيا. ويعتقد أنَّ الغرب لا يزال متفاجئاً من حقيقة مَن كانوا يُعتَبَرون في السابق قوة عسكرية كبيرة، ممثلة في روسيا، فكان هناك اعتقاد حين هاجم الروس أوكرانيا بأنَّ الأمر سينتهي سريعاً، ويعتقد هول أنَّ الروس كانوا يظنون ذلك أيضاً.
ويقول هول إنَّ الغرب يتعين أن يكون أكثر توازناً وأكثر حذراً. فحين تبدأ في القراءة لأشخاص كانوا يتابعون شؤون روسيا وأوكرانيا ومنطقة أوراسيا الوسطى لفترة طويلة، تبدأ حينها في سماع نبرات أكثر حذراً.
نعم، كان أداء الأوكرانيين أفضل من التوقعات وأبلوا بلاءً أفضل مما كان يعتقد أي أحد آخر. مع ذلك، يعتقد هول أنَّ الأمر سيطول. ويقول إنَّ المواطنين الروس لا يسمعون ذلك بسبب هيمنة الكرملين على المعلومات التي تصل إلى المواطنين. تراجع ذلك قليلاً في عصر الإنترنت، لكن ليس كثيراً.
في المقابل، الروس يتباهون بقدرتهم في التغلب على العقوبات
ويرى أنَّ الروس يتباهون بشيء آخر، وهو أنَّ تلك العقوبات المروعة التي كان من المفترض أن تُغرِق الاقتصاد الروسي لم تترك ذلك التأثير المنتظر، وأنَّهم يبلون بلاءً أفضل بكثير مما توقَّع أي أحد.
لكنَّ هول يرى أنَّ العقوبات الغربية ستُعجِّل من سقوط روسيا على الساحة الدولية بصفتها قوة كبرى على المدى الأطول.
الشعب الروسي لن يطيح ببوتين كما يتصور الرأي العام الغربي
التغيير في روسيا على الأرجح لن يأتي نتيجة انتخابات أو انتفاضة، بل ممَّن هم حول بوتين، حسبما كتب هول في صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ويقول هول لشبكة CNN إنَّ الاعتقاد الذي يميل إليه الناس سريعاً جداً هو أنَّه الشعب الروسي سينزل إلى الشوارع بمجرد أن يبدأ الجنود الشباب الروس في العودة إلى بلادهم في أكياس جثث. لكنَّ هول لا يعتقد أنَّ الأمور تجري على هذا النحو في روسيا. فحين يكون هنالك تهديد جدي لبوتين، على شاكلة التهديد من الصحفي الروسي السجين أليكسي نافالني، ما يفعله بوتين هو ببساطة المزيد من القمع.
الخطر على الرئيس الروسي يأتي من المحيطين به
الصحافة الغربية تكون متحمسة للغاية حين يبدو أنَّ هنالك بعض التظاهرات في أنحاء روسيا. وهذا بالطبع أمر يستحق المراقبة لأنَّ روسيا شهدت ثورات من قبل. مرَّ أكثر 100 عام، لكنَّ هذا أمر ينبغي مراقبته".
ولكن هول يعتقد أن الأمر الأكثر ترجيحاً سيكون في الدائرة من المستشارين المقربين لبوتين، أو مُن يُعرَفون باسم (سيلوفيكي)، ويشمل هؤلاء الرؤساء الحاليون والسابقون لأجهزة الاستخبارات". ويرى هول أنَّ هؤلاء حين يرون أنَّ الضعف بدأ يعتري النظام الذي يشاركون فيه ويدعمونه في روسيا، قد يرون أنَّه لا يمكنهم السماح بانهيار النظام كاملاً.
وقد تعرَّض الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف لانقلاب حين شعر "السيلوفيكيون" حوله أنَّ الاتحاد السوفييتي ينهار. وقد انتظروا حتى خرج في عطلة وقاموا بانقلاب، لكنَّه لم ينجح في النهاية.
وقال هول إنَّه يعتقد أنَّ بوتين يتذكَّر ذلك جيداً، ويعتقد أيضاً أنَّ احتمال إقدام مستشاريه المقربين على ذلك في حال قرروا أنَّ الأمور قد تجاوزت الحد، أكبر من احتمال نشوب ذلك النوع من الانتفاضات الناجحة في شوارع روسيا.
لكنَّ المسؤول الأمريكي السابق يعود ويؤكِّد على أنَّه لا يتوقع حدوث ذلك ما لم يحدث شيء مروع حقاً في روسيا.
إنه يتجسس على مساعديه لوأد أي انقلاب محتمَل
يرى هول أنَّنا بدأنا نرى مؤشرات على أشياء قد تدفع القوى في روسيا، السيلوفيكيين ورجال بوتين، إلى التفكير في التخلص من بوتين عاجلاً وليس آجلاً، مثل سوء الأوضاع في أوكرانيا والأوضاع الاقتصادية في روسيا على المدى الطويل. مع ذلك، يعتقد أنَّ الأمور يجب أن تزداد سوءاً قبل أن يتوقع أحد حدوث تحرك جاد.
لكنَّه يقول إنَّ الأشخاص الذين قد يخططون لإخراج بوتين من الحكم هم خبراء في القيام بالأمور سراً، فهم في الغالب رجال استخبارات سابقون، وهم يتفهَّمون التداعيات الجسيمة في حال اكتُشِفَ أنَّهم يفكرون في انقلاب. ويضيف هول أنَّ بوتين بكل تأكيد يُبقي قنوات استخباراته مفتوحة للتجسس على مساعديه المقربين للتأكد من عدم حدوث ذلك.
ويرى هول أنَّ المشكلة هي أنَّه في حين توجد الكثير من النُذُر، فإنَّ تنبؤ الغرب بتوقيت حدوث ذلك وفهمه سيكون صعباً للغاية. يقول هول: "تماماً مثلما حدث حين استيقظ غورباتشوف فجأة ليجد نفسه قيد الإقامة الجبرية في سوتشي. لا أعتقد أنَّ أي أحد في الغرب توقع حدوث ذلك أيضاً".
ما مدى نجاح تجربة مشاركة أجهزة الاستخبارات الأمريكية لمعلوماتها مع أوكرانيا؟
كان الشيء الذي ميَّز الانخراط الأمريكي في أوكرانيا وروسيا حتى الآن هو الانفتاح الاستخباراتي بشأن روسيا.
وسألت شبكة CNN هول هل يرى خطراً في مواصلة هذه الاستراتيجية على الرغم من نجاحها حتى الآن؟
يقول هول إنَّه، بصفته رجل استخبارات سابق، يشعر دوماً ببعض الانزعاج حين تقرر أي إدارة تحقيق استفادة علنية أكبر من المعلومات الاستخبارتية. لكنَّه متفاجئ من مدى نجاح عملية تشارك المعلومات مع أوكرانيا، ويرى أنَّ ذلك كان فعَّالاً للغاية في تقويض التضليل الروسي، حسب تعبيره.
ويرى أنَّه نهج مقبول، لكنَّه يريد أن تكون الولايات المتحدة حذرة جداً فيه. ويتوقَّع أن تستمر واشنطن في هذا المسار بسبب نجاحه.
الرهان الغربي الواهم على المعارضة الروسية
انتقد أشخاص في المعارضة الروسية الانسحاب الشامل للشركات الأمريكية من روسيا. وتريد المعارضة الروسية على وجه التحديد مزيداً من المساعدة النشطة للحصول على المعلومات داخل البلاد. هل من الأفضل فرض حظر أم أنَّه من الأفضل أن تبقى هذه الشركات مفتوحة في روسيا؟
يقول هول إنَّه يؤيد بشكل عام فكرة وجود حاجة لتقليل هذه الشركات أعمالها في روسيا.
فهنالك مغزى سياسي يتحقق حين تغادر شركات مثل ماكدونالدز وستارباكس روسيا، أو حتى فيسبوك وتويتر.
لكن هنالك حجة مقابلة ألمحت إليها في السؤال، وهي أنَّك في حال حاصرت دولاً مثل روسيا وكوبا تماماً، فإنَّها لن تحصل أبداً على المعلومات الصحيحة.
ويضيف أنَّ هذا يفترض مسبقاً الوهم الغربي القائل بأنَّنا في حال حصلنا على ما يكفي من المعلومات الصحيحة المتدفقة إلى داخل روسيا، سيراود مئات الآلاف من المواطنين الروس داخل روسيا فجأة فكرة الانتفاض وعمل شيء ما.
ويرى أنَّ هذا خيال لطيف، لكنَّه لا يعتقد أنَّه سينجح. إذ تنفق أجهزة الاستخبارات الروسية، لا سيما جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، الكثير للغاية من الموارد على مركز واحد فقط في جهاز الأمن الفيدرالي مُكرَّس لتحديد واختراق تنظيمات المعارضة. وهم يقومون بذلك منذ مئات السنين في روسيا، ويعرفون كيف يقومون بالأمر.