قبل 20 عاماً، ألقت أمريكا القبض على الباكستاني خالد شيخ محمد، المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، قضى منها 15 عاماً في معتقل غوانتانامو، فلماذا لم تتم محاكمته حتى الآن؟
خالد شيخ محمد أحد القيادات البارزة في تنظيم القاعدة، وتقول واشنطن إنه "أقر بأنه العقل المدبر" للهجمات الدامية، التي راح ضحيتها نحو 3 آلاف شخص، وعلى إثرها أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ما سمتها "الحرب على الإرهاب".
مرت تلك "الحرب على الإرهاب" بمحطات بارزة، منها غزو أفغانستان والعراق وإنشاء معتقل غوانتانامو، حيث أرسلت إليه الاستخبارات المركزية الأمريكية المتهمين بالإرهاب، الذين صنفتهم "مقاتلين أعداءً"، إضافة إلى القيام بعمليات اغتيال باستخدام الطائرات المسيرة والضربات الصاروخية في قارات العالم الست، أدت إلى تشريد عشرات الملايين وتدمير دول بأكملها.
أين المحاكمات للمتهمين بالإرهاب؟
مع حلول الذكرى الحادية والعشرين لهجمات سبتمبر/أيلول، لا تزال حقيقة عدم إجراء محاكمات لأي من المعتقلين المتهمين من جانب الولايات المتحدة بأنهم من المخططين والمنفذين لتلك الهجمات، تثير التساؤلات والشكوك أيضاً.
ونشرت مجلة Newsweek الأمريكية تقريراً عنوانه "بعد 21 عاماً، لماذا لم يصدر حكم ضد مَن أقر أنَّه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول"، ألقى الضوء تحديداً على حالة خالد شيخ محمد وأسباب عدم تقديمه للمحاكمة.
فقد مضى ما يقرب من 20 عاماً منذ أن ألقت المخابرات الأمريكية القبض على المتشدد الباكستاني، خالد شيخ محمد، أحد أبرز القياديين في تنظيم القاعدة، والذي تقول السلطات الأمريكية إنه "أقرَّ بنفسه أنَّه العقل المدبر" لهجمات 11 سبتمبر/أيلول التي راح ضحيتها ما يقرب من 3 آلاف مواطن أمريكي. مرَّ أكثر من 15 عاماً منذ نقل خالد شيخ محمد إلى المعتقل الأمريكي سيئ السمعة "غوانتانامو" في كوبا.
لكن على الرغم من مرور كل تلك السنوات، لا أحد يعرف حتى الآن كم من وقت متبقٍّ حتى يصدر حكم ضده في الجرائم المتهم بارتكابها، جنباً إلى جنب مع متشددين آخرين تتهمهم الولايات المتحدة الأمريكية بالتورط في تنفيذ تلك الهجمات.
وفي هذا السياق، كان التصنيف الذي اعتمدته أمريكا لمن ترسلهم إلى غوانتانامو "مقاتل عدو" يُفترض أن يعني "أسير حرب"؛ وبالتالي تنطبق عليه قوانين معاهدة جنيف لطبيعة المعاملة التي يخضع لها أسرى الحروب، لكن حقيقة الأمر أن ذلك لم يحدث على الإطلاق، حيث تعرض نحو 800 شخص للاحتجاز والتعذيب في سجن عسكري لا يخضع لأية قواعد على الإطلاق، بحسب ما تكشفه أحداث أكثر من 20 عاماً هي عمر غوانتانامو حتى الآن.
وعلى الرغم من عدم الكشف رسمياً عن عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم جرّاء التعرّض للتعذيب، فإن هذا الرقم يُقدَّر بنحو 100 شخصٍ على الأقل. وكان حُراسٌ وسُجناء سابقون في معتقل غوانتانامو قالوا إن الوفيات التي ادّعى الجيش الأمريكي أنها حالات انتحار آنذاك، هي في الواقع جرائم قتل تحت التعذيب، رغم عدم توجيه أي تُهم بالقتل إلى مرتكبي تلك الجرائم، بحسب مئات التحقيقات الاستقصائية التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية وغربية خلال عقدين من الزمان.
متى يحاكم خالد شيخ محمد؟
لا يزال خالد شيخ محمد، الذي قد يواجه عقوبة الإعدام، وعدد من كبار أعضاء تنظيم القاعدة المحتجزين خلف القضبان، منهمكين في صراع قانوني نسيه الجميع تقريباً باستثناء محاميهم وعائلات الضحايا، التي لا تزال تنتظر تحقيق العدالة، بحسب تقرير المجلة الأمريكية.
خلال شهر أغسطس/آب الماضي، ألغيت جلسات استماع ما قبل المحاكمة للعديد من المتورطين في تلك الهجمات، مع عدم وجود موعد محدد يلوح في الأفق، بينما تحيي الولايات المتحدة الأمريكية الذكرى الـ21 لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
هناك العديد من الأسباب لتأخر مسار هذه القضية، من بينها تعليق جلسات المحاكمة فترة طويلة بسبب الإجراءات المرتبطة بجائحة كوفيد-19، وفضائح مختلفة تشمل تنصت الحكومة على قاعة المحكمة وغرف عقد المقابلات بين المحامي وموكله، ومحاولة زرع مخبر سري وسط أعضاء فريق الدفاع عن أحد المحتجزين، والتغيير المتكرر للقضاة العسكريين المختصين بالنظر في القضية.
ومع ذلك، فإنَّ العامل الرئيسي المُتسبّب في إطالة أمد القضية هو استخدام الحكومة الفيدرالية للتعذيب ضد خالد شيخ محمد ومتهمين آخرين في سجون سرية معروفة باسم "مواقع اعتقال سوداء" تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في أماكن عديدة حول العالم.
يقول خبراء قانونيون إنَّ استخدام التعذيب قد عرقل جهود مقاضاة هؤلاء المتهمين بالإرهاب. قبل عقد من الزمان، قال موريس ديفيس، كبير المدعين العامين الأمريكيين السابق في معتقل "غوانتانامو"، والذي قاد الجهود المبكرة لمحاكمة خالد شيخ محمد، إنَّ قرار تعذيب المعتقلين قد يضعف مصداقية اللجنة العسكرية الأمريكية المكلفة بمقاضاتهم في المحاكم.
أصدرت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، بعد عدة سنوات لاحقة، تقريراً شاملاً يوضح بالتفصيل برامج التعذيب، التي تنفذها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في مواقع احتجاز خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ووجدت اللجنة أنَّهم كانوا يعذبون المحتجزين ليس من أجل تقديمهم للمحاكمة في المستقبل، وهو أمر مرفوض في المحاكمات، لكن للحصول عل معلومات استخباراتية.
التعذيب للحصول على "الاعترافات"
على الرغم من أنَّ الحكومة الفيدرالية حاولت إخفاء ممارسات التعذيب بتشكيل فرق استجواب تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي سميت بـ"الفرق النظيفة"، لإعادة استجواب المحتجزين في بيئات يُفترض أنَّها غير قسرية. من جانبهم، جادل محامو المعتقلين بأنَّه لا يوجد شيء اسمه إعادة استجواب غير قسري من جانب الحكومة نفسها التي عذّبت موكليهم على مدار سنوات.
قال ديفيد لوبان، أستاذ القانون الدولي بجامعة "جورجتاون" الأمريكية لمجلة "Newsweek": "إخبار المحتجزين أنَّ المحققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وليسوا من وكالة الاستخبارات المركزية، لن يقلل خوفهم من حدوث مزيد من الانتهاكات".
يقول خبراء قانونيون إنَّ تبعات تلك القرارات لا تزال محسوسة حتى يومنا هذا. لا تعترف المحكمة بأي أقوال أو أدلة ثَبُت الحصول عليها من خلال التعذيب، وهي حقيقة دفعت الحكومة الفيدرالية إلى خوض معارك بحث واستقصاء استمرت لسنوات، حيث تتبع محامو خالد شيخ محمد ومتهمين آخرين تفاصيل محددة عن ممارسات التعذيب التي تعرَّض لها موكلوهم في معتقل وكالة الاستخبارات المركزية.
وأدت حقيقة خضوع المعتقلين للتعذيب إلى تشويه كل جوانب القضية تقريباً، وهو ما أعطى محامي المتهمين فرصاً عديدة للطعن في نزاهة وسلامة الأسس التي بنت عليها الحكومة الفيدرالية قضيتها ضد موكليهم.
قال لوبان في سجلات قانونية إنَّ الدفاع ركَّز بشدة على أوجه التشابه بين الاستجوابات في "المواقع السوداء القذرة" وعمليات إعادة الاستجواب "النظيفة"، جنباً إلى جنب مع التأثيرات المطولة للتعذيب على نفسية المعتقلين، بدعوى أنَّ المعتقلين كانوا ما زالوا يعانون من حالة "العجز المكتسب" عندما أعاد فريق مكتب التحقيقات الفيدرالي استجوابهم.
قال لوبان إنَّ هذا أدى إلى المزيد من الدعاوى القضائية طويلة الأجل تخص إمكانية وصول المحامين إلى شهود مثل الاختصاصيين النفسيين، الذين أُخذت استشارتهم بشأن البرنامج، أو موظفي وكالة الاستخبارات المركزية المتورطين في تعذيب السجناء. ومع ذلك، يجادل آخرون بأنَّ العدو الأكبر لقضية الحكومة الفيدرالية هو وجود شبهة انتهاك الحكومة للعديد من القوانين التي اعتمدت عليها لتحقيق العدالة.
من جانبه، قال سكوت روم، مدير منظمة "The Center for Victims of Torture" المعنية بإعادة تأهيل الناجين من التعذيب والنزاعات العنيفة، لمجلة "Newsweek": "لا يوجد أي احتمال واقعي لإجراء محاكمة في هذه المرحلة، ناهيك عن محاكمة عادلة"، مضيفاً أنَّ "السبيل الوحيد للخروج من هذه الفوضى المحزنة هو تنفيذ ما تحاول إدارة بايدن والمتهمون تنفيذه، وهو التفاوض على صفقة إقرار بالذنب. هناك على الأقل احتمالية أنَّ توقيع مثل هذه الصفقة قد يمنح ضحايا 11 سبتمبر/أيلول وأفراد أسرهم قدراً من الحقيقة والعدالة، بالإضافة إلى فعل ذلك دون التعدي على حقوق المتهمين".