كابوس لأوروبا وبشرى سارة لبوتين.. ماذا يعني فوز مرشحي “ترامب” في انتخابات الكونغرس المقبلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/12 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/12 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب/ رويترز

تمثل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل منعطفاً مهما بالنسبة للأمريكيين وربما للعالم أيضاً، لكنها تمثل مفترض طرق حاسماً بالنسبة لفرص ترامب في العودة للرئاسة.

ومنذ النهاية الدرامية لفترة رئاسته (2016-2020)، أصبح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الرقم الأصعب على الإطلاق في الحياة السياسية الأمريكية، إذ يتمتع بشعبية كبيرة داخل الحزب الجمهوري، وهذا ما أثبتته الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب لانتخابات الكونغرس المقبلة.

الرئيس السابق ملاحَق من جانب الأجهزة القضائية الفيدرالية لعدد من الأسباب، منها ما يتعلق بالتهرب الضريبي ومنها ما يتعلق باقتحام أنصاره الكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، ومؤخراً تعرض منزله لغارة نفذتها قوات مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب نقل ترامب مستندات مصنفة على أنها "سرية للغاية" من مكانها داخل البيت الأبيض إلى منزله الخاص.

ترامب.. "صانع الملوك"

لا أحد يمكنه التشكيك في أن ترامب هو الشخصية الأقوى والأكثر شعبية وتأثيراً بين الجمهوريين، وقد استغل الرجل هذه المكانة وبرهن عليها بما لا يدع مجالاً للشك خلال الانتخابات التمهيدية التي يجريها الحزب الجمهوري لاختيار مرشحيه لانتخابات الكونغرس المقبلة، سواء لمجلس الشيوخ أو مجلس النواب.

فعندما غادر ترامب البيت الأبيض ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، بدا أن الرئيس السابق يتجه نحو غياهب النسيان وربما ينتهي به الحال سريعاً خلف القضبان أيضاً. فهناك تحقيقات جارية تتعلق بتهربه من الضرائب، وهناك كارثة اقتحام الكونغرس والدماء التي سالت خلالها وهزت أسس الديمقراطية الأمريكية حول العالم، ودور ترامب المحتمل في التحريض على تلك الأحداث، إضافة إلى وجود أصوات داخل الحزب الجمهوري نفسه تصف الرئيس السابق بأنه يمثل "خطراً داهماً"، ليس فقط على مستقبل الحزب، ولكن على مستقبل الولايات المتحدة نفسها.

كان ترامب، ولا يزال، "محظوراً" من الوجود على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً منصته المفضلة "تويتر"، إذ جرى وقف حساباته على جميع منصات التواصل، وليس "تويتر" فقط، في أعقاب أحداث اقتحام الكونغرس الدامية. كما أوقفت شبكات التلفزيون ووسائل الإعلام التقليدية بث أي فعالية أو خطاب له، وبدا أن نجم الرئيس الأكثر صخباً في التاريخ قد بدأ رحلة الأفول.

في ذلك الوقت، تعالت المطالبات من جانب الديمقراطيين وبعض نشطاء الديمقراطية لإدارة بايدن ووزارة العدل كي تلاحق ترامب بتهم جنائية، لكن بايدن رفض ذلك؛ تجنباً لشبهات اتهام إدارته بالاضطهاد "السياسي" لرئيس سابق.

لكن مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أواخر أغسطس/آب 2021، والذي تم بطريقة فوضوية أغضبت الحلفاء، بدأت عودة ترامب تدريجياً إلى الأضواء، حيث وصف الرئيس السابق الانسحاب بتلك الطريقة بأنه "هزيمة مهينة" للولايات المتحدة، وفي المقابل تعرضت شعبية جو بايدن لضربة مؤلمة.

وبعد أقل من ثلاثة أشهر، شهدت بعض الولايات الأمريكية انتخابات، كانت الأكبر منذ انتخابات 2020 الدرامية، ومعها بات شبح عودة ترامب يزداد قوة ووضوحاً، حيث حقق الجمهوريون انتصارات لم يكن يتوقعها أي من المراقبين، وظهر ترامب منتشياً ولمَّح لعودته إلى الترشح للرئاسة مرة أخرى عام 2024.

ليز تشيني فقدت ترشيح الحزب الجمهوري

ومع عودة ترامب إلى استعادة نشاطه داخل أروقة الحزب الجمهوري، بدا كما لو أن هناك تيارين، أحدهما يدعمه بقوة والآخر يرفضه، لكن العام الجاري شهد عدة أحداث داخل الحزب نفسه أظهرت مدى قوة التيار الداعم للرئيس السابق. كان أبرز تلك الأحداث ما حل بالنواب الجمهوريين العشرة، الذين صوتوا لصالح عزل ترامب في المرة الثانية بسبب أحداث اقتحام الكونغرس.

فمن هؤلاء العشرة، أعلن أربعة أنهم لن يترشحوا مرة أخرى في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وسعى الستة الباقون إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، خسر منهم أربعة، كانت آخرهم وأبرزهم النائبة ليز تشيني، التي فقدت تأييد الحزب مساء الثلاثاء 16 أغسطس/آب، ولم يفز سوى اثنين من العشرة، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الأمريكية.

وليز تشيني هي العدوة اللدود لدونالد ترامب، ومثَّلت هزيمتها النكراء في السباق لنيل ترشيح حزبها لإعادة انتخابها نائبة عن ولايتها وايومينغ، مؤشراً لافتاً إلى مدى تأثير الرئيس السابق على الحزب، بعد أن فازت بهذا الترشيح هارييت هيغيمن المدعومة من ترامب نفسه.

وتحولت تشيني (56 عاماً)، إلى واحدة من أشد أعداء ترامب منذ أن انضمت إلى لجنة الكونغرس الخاصة بالتحقيق في دور الرئيس السابق في هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول. وكانت استطلاعات الرأي في ولاية وايومينغ، في أعقاب تصويت تشيني لعزل ترامب وانضمامها للجنة التحقيق، قد أظهرت تراجع شعبيتها من أكثر من 77% قبل إعلان موقفها إلى أقل من 26% فقط بعد موقفها المعادي لترامب.

ماذا تعني انتخابات الكونغرس إذاً؟

الآن وقد أصبحت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس على الأبواب، إذ ستجري يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني (أي خلال أسابيع قليلة)، أصبح السؤال الأهم حالياً هو: ماذا لو خسر المرشحون الجمهوريون المدعومون من ترامب في تلك الانتخابات؟، بحسب تقرير لشبكة Foxnews المحافظة، التي تؤيد ترامب والجمهوريين.

إذ إنه بعد نحو عامين من هزيمته أمام جو بايدن، لا يزال ترامب يلعب دور صانع الملوك في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، ويستغل ذلك للتحضير لإعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2024، في ظل فوز الغالبية الساحقة من مرشحي الحزب الذين دعمهم.

لكن الآن وقبل أقل من شهرين على انتخابات التجديد النصفي، تظهر استطلاعات الرأي وحملات جمع التبرعات أن هؤلاء المرشحين الجمهوريين متأخرون عن منافسيهم الديمقراطيين في تلك الانتخابات. ومن هؤلاء بليك ماسترز في أريزونا وجي. دي. فانس في أوهايو ومحمد أوز في سباق مجلس الشيوخ الحاسم في بنسلفانيا ودوغ ماستيريانو في مجلس النواب في بنسلفانيا أيضاً وتيودور ديكسون في ميشيغن.

ويقوم ترامب حالياً بجولات نشطة لتقديم المساندة المكثفة لهؤلاء المرشحين الجمهوريين الذين يدعمهم، وخلال نهاية الأسبوع القادم سيكون في أوهايو لدعم فانس، الذي يواجه منافسة شرسة من الديمقراطي تيم رايان للفوز بمقعد السيناتور الجمهوري المتقاعد روب بورتمان.

لكن في الوقت نفسه تزداد المخاوف لدى الجمهوريين من أن يظل ترامب محتفظاً لنفسه فقط بالأموال التي جمعتها اللجنة السياسية "أنقذوا أمريكا"، والبالغة 100 مليون دولار، لاستخدامها فقط في دعم مرشحيه المفضلين بدلاً من توزيع الدعم على جميع المرشحين الجمهوريين، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.

وفي هذا السياق، إذا ما خسر بعض المرشحين الجمهوريين المدعومين من ترامب أمام منافسيهم الديمقراطيين في نوفمبر/تشرين الثاني، يرى كثير من الخبراء الاستراتيجيين الجمهوريين وبعض المخضرمين في أروقة الحزب الجمهوري أن هذا سيؤدي على الأرجح إلى ضربة مؤثرة بالنسبة لسعي ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة.

جو بايدن السعودية
بايدن ونائبته هاريس وبيلوسي في الكونغرس/رويترز

"إذا خسر المرشحون الجمهوريون الذين دعمهم ترامب وأدى ذلك إلى فشل الحزب في استعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، سيؤذي ذلك الرئيس السابق بشدة لأنه لن يكون قادراً على تبرير لماذا يجب أن يدعمه الحزب كمرشح رئاسي، بعد أن خسر من دعمهم"، بحسب أحد خبراء الاستراتيجية في الحزب، والذي تحدث لشبكة فوكس نيوز شريطة عدم الكشف عن هويته.

واتفق بعض المخضرمين في الحزب الجمهوري مع ذلك الرأي، وأيضاً طلبوا من فوكس نيوز حجب هويتهم، حتى لا يتعرضوا لغضب الرئيس السابق، بحسب وصف الشبكة الأمريكية.

ماذا يعني فوز الجمهوريين لأوروبا وبوتين؟

لكن بالنسبة لترامب وأنصاره داخل الحزب، يبدو أنه لا مجال للتفكير في الهزيمة من الأساس، فالرئيس السابق لا يهمه سوى نسبة نجاحه، بمعنى كم من المرشحين الذين دعمهم يفوزون، بحسب ما قاله مصدر داخل معسكر ترامب لفوكس نيوز. "إنه لا يهتم سوى بنسبة النجاح في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب (الجمهوري). لا يشعر (ترامب) أن خسارة مرشح جمهوري في نوفمبر/تشرين الثاني سترتد عليه. إنه لا يشعر بهذا على الإطلاق!".

ويحظى الرئيس الحالي جو بايدن وحزبه الديمقراطي بأغلبية هشة للغاية في الكونغرس. فمقاعد مجلس الشيوخ المئة مقسمة بالتساوي مع الجمهوريين، والأغلبية للديمقراطيين فقط بحكم أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، تترأس جلسات مجلس الشيوخ ويكون لها الصوت المرجح عند الحاجة. أما مجلس النواب، الذي ترأسه حالياً الديمقراطية المخضرمة نانسي بيلوسي، فيتمتع فيه الديمقراطيون أيضاً بأغلبية بسيطة.

بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/ رويترز

في هذا السياق، يعول الجمهوريون كثيراً على الفوز بالأغلبية في المجلسين، وهو ما يعني أن الرئيس جو بايدن سيقضي العامين المتبقيين من رئاسته أشبه بالبطة العرجاء، غير قادر على تنفيذ كثير من أجندته وجدول أعماله. ففي ظل حالة الانقسام غير المسبوق على الساحة السياسية في واشنطن، سيكون الشغل الشاغل لكونغرس يسيطر عليه الجمهوريون هو عرقلة أي أمر يريد الرئيس الديمقراطي تمريره.

من هنا تنبع أهمية تلك الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بالنسبة للسياسة الأمريكية بشكل خاص، وبالنسبة للعالم بشكل عام. ففي الحرب الأوكرانية الحالية، اتخذ بايدن كثيراً من القرارات، التي ربما لا يكون قادراً على الاستمرار فيها إذا ما خسر الديمقراطيون الأغلبية، والأمر نفسه بالنسبة للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط.

ولا شك أن فوزاً جمهورياً في تلك الانتخابات سيعني بصورة كبيرة أن ترامب أصبح في طريقه للعودة مرة أخرى إلى البيت الأبيض، وبالتالي العودة إلى سياسة "أمريكا أولاً" الانعزالية، وهو ما يسبب كابوساً للحلفاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وخبراً ساراً بالنسبة لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.

تحميل المزيد