قبل سنوات فقد الجنيه المصري نصف وزنه على الأقل بضربة واحدة.
كان ذلك في نهاية 2016.
لكنه يتعرض الآن للتراجع التدريجي.. والتعويم البطيء.
يصحو المصريون كل صبح تقريباً ليسألوا عن سعر الدولار، حتى يستعدوا لتداعيات هبوط عُملتهم.
وحتى يستعدوا لمزيد من تسونامي غلاء الأسعار وارتفاع نسب التضخم إلى معدلات غير مسبوقة.
يقف الاقتصاد المصري على حافة مشكلتين كبيرتين:
انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بصورة تدريجية.
وتراجع احتياطي العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية وعلى رأسها الغذاء، وأيضاً لسداد أقساط مستحقة من الديون بالعملة الصعبة.
الحقيقة التي لا مفر منها هي أن مصر بحاجة إلى جمع 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بحلول نهاية عام 2023.
والمؤسسات المالية العالمية تتوقع المزيد من خفض قيمة العملة.
المرحلة القادمة قد تكون أشد وطأة على الجنيه، بدليل ما ورد عن أن البنك المركزي ربما بدأ بالفعل في تنفيذ سياسة التعويم المُدار للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي.
تتجه مصر إلى تبني سعر صرف أكثر مرونة، إذ تتطلع الحكومة إلى الحصول على قرض جديد من الصندوق.
الانخفاضات الأخيرة في سعر صرف الجنيه، تأتي أيضاً في إطار محاولات مصر للتوافق مع متطلبات صندوق النقد الدولي، الذي يحث دائماً على اتباع سياسة سعر صرف مرنة.
هل صحيح أن انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار جاء "نتيجة ضغوط كبيرة ومتراكمة تعاني منها حالياً الأسواق الناشئة، ومصر ليست استثناء"، أم أن هناك "حالة" مصرية خاصة؟
هذا التقرير يستعرض مؤشرات أزمة الدولار في مصر، وأسبابها، وسيناريوهات التعامل معها.
أزمة 2022 بدأت قبل أعوام
بدأ الجنيه المصري عام 2022 بفقدان 15% من قيمته أمام الدولار، لكنه اعتاد أن يفقد بعض القروش كل يوم منذ بداية الصيف، فيما يبدو تحريراً تدريجياً لسعره.
الأزمة أعادت للأذهان انهيار الجنيه أمام الدولار في 2016، لدى تعويمه جزئياً بنهاية العام، ما ضاعف من سعر الدولار تقريباً.
وشهدت أسواق مصر وقتها تداعيات لا نهائية في صورة موجة تضخم عالية اكتسحت كل السلع والأسواق.
تعويم الجنيه قبل سنوات كانت له دوافع إجبارية في نظر صانع القرار، لكن تراجع العملة الوطنية الآن تحكمه عدة عوامل وأسباب تتجاوز حدود مصر.
هذه هي الأسباب الرسمية لقرار التعويم في 2016
محاولة خفض عجز الموازنة والدين العام.
استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي كأحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي.
خفض الواردات ووقف الاستيراد العشوائي.
زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وإلغاء الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء.
التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي لمحدودي الدخل.
زيادة حصيلة البنك المركزي من العملة الأجنبية.
إنهاء المضاربة على الدولار في السوق السوداء.
كشف حجم العرض والطلب الحقيقيين على الدولار.
وقف التصاعد في معدلات التضخم.
إنعاش البورصة المصرية التي شهدت خروج جزء كبير من السيولة للمضاربة على الدولار.