ما هو فشل القلب؟ قد يُساء فهم مصطلح فشل القلب أو القصور القلبي عادةً. وربما تظن أن هذا المصطلح يعني توقف القلب عن العمل بالكامل، لكنه يعني أن القلب لم يعد يضخ الدماء بالكفاءة المطلوبة في الواقع. وتتراوح أعراض هذه الحالة من ضيق التنفس وصولاً إلى تليف الكبد أو الكلى، وربما تؤدي الحالة إلى الوفاة في حال عدم علاجها -أو وصولها لمراحل متقدمة. ولهذا يُعتبر فشل القلب من التشخيصات التي تصعب مواجهتها. علاوةً على أنها حالةٌ تؤثر على ذوي البشرة السمراء بدرجةٍ غير متكافئة. كيف ذلك؟
لماذا ذوو البشرة السمراء أكثر عرضة للإصابة بفشل القلب؟
تقول مجلة SELF الأمريكية إن الأبحاث وجدت مراراً أن حالة فشل القلب تُعَد أكثر شيوعاً لدى الأمريكيين ذوي البشرة السمراء مقارنةً بالأمريكيين البيض، وتنتشر وسط النساء السمراوات تحديداً. كما أن فشل القلب يؤدي لوفاة ذوي البشرة السمراء أكثر من أي مجموعة عرقية أخرى.
وتُعتبر أسباب ذلك معقدةً ومتعددة الطبقات كما هو الحال مع بقية الفوارق العرقية في النظام الصحي الأمريكي، فهي عبارةٌ عن عاصفةٍ متكاملة من الاستعداد الوراثي، والمحددات الاجتماعية للصحة، والعنصرية المؤسساتية في نظام الرعاية الصحية.
وتُشير الكلية الأمريكية لأمراض القلب إلى أن فوارق الرعاية الصحية على صعيد أمراض القلب آخذةٌ في الزيادة مع الأسف.
1- العوامل الوراثية تلعب دورها
تجدر الإشارة أولاً إلى أننا سنناقش الفوارق بين الأمريكيين ذوي البشرة السمراء وبين الأمريكيين البيض بشكلٍ أساسي، لأننا نمتلك أفضل كمية من البيانات العلمية عن هاتين المجموعتين. وتقول الدكتورة سعدية خان، أستاذة أمراض القلب والطب الوقائي المساعدة في كلية فينبيرغ للطب بجامعة نورث ويسترن، لمجلة SELF الأمريكية: "ليس لدينا الكثير من المعلومات عن الأمريكيين من أصل إسباني وآسيوي". أي أننا لا نعرف ما يكفي عنهم بعد.
مع ذلك يميل الباحثون للاتفاق على أن بعض المصابين بالقصور القلبي ربما يكون لديهم استعدادٌ وراثي للإصابة بهذه الحالة؛ حيث تقول الدكتورة سعدية: "نعلم أن هناك خطراً وراثياً يسبب الإصابة بفشل القلب، وأن هناك بعض المتحورات الوراثية المحددة التي تُهيئ الفرد للإصابة بالقصور القلبي. لكن هذه المتحورات تختلف بناءً على السلالة".
بينما قالت الدكتورة ألانا موريس، أستاذة أمراض القلب المساعدة، للمجلة الأمريكية: "تُشير السلالة إلى سمات شيفرتك الجينية الموروثة عن أسلافك تحديداً. وترتبط هذه السمات بالبناء الاجتماعي لعرقك من بعض النواحي، لكنها لا تماثله تماماً".
ولهذا السبب لا يُعتبر العرق نفسه العنصر الأهم عند الحديث عن خطر فشل القلب. كما أن الأمر ليس ببساطة أن نقول: "ينتقل فشل القلب وراثياً لدى مجموعات بعينها" وفقاً لألانا. وإليكم السبب: إذ تكون بعض التحورات الجينية المرتبطة بفشل القلب أكثر شيوعاً لدى المنحدرين من أصول أفريقية؛ ولهذا سنجد أن مثل هذه الطفرات تنتشر أكثر بين الأشخاص الذين يُعرِّفون أنفسهم بأنهم من ذوي البشرة السمراء.
ومع ذلك يوجد العديد من العوامل التي تلعب دورها هنا أيضاً مثل الديناميات الاجتماعية التي تمتد لأجيال، ومنها العنصرية والفصل العنصري على سبيل المثال. وأوضحت ألانا: "من المرجح أنني ورثت بعض السمات بعينها بصفتي أمريكيةً من أصلٍ أفريقي. لكن سبب هذا يرجع جزئياً إلى أن المجتمع أبعد الأعراق عن بعضها البعض بشكلٍ متعمد".
2- عوامل الخطر "التقليدية" الأخرى التي تستحق الانتباه
تشير عوامل الخطر "التقليدية" إلى الأشياء الأكثر شيوعاً التي نعرف أنها تساهم في خطر الإصابة بفشل القلب، وذلك بفضل الأدلة التي جمعناها من الأبحاث على حد قول الدكتورة سعدية؛ إذ نُدرك مثلاً أن ارتفاع ضغط الدم يمثل عامل خطرٍ رئيسي يسبب فشل القلب؛ لأن قلبك سيضطر للعمل بقوةٍ أكبر عندما يكون ضغط دمك مرتفعاً؛ مما سيؤدي إلى تيبُّسه وضعفه بمرور الوقت وفقاً لموقع Mayo Clinic الأمريكي. ويُعاني نحو 55% من الأمريكيين ذوي البشرة السمراء من ارتفاع ضغط الدم وفقاً لتقديرات جمعية القلب الأمريكية.
وتتضمن الحالات وعوامل الخطر الأخرى التي تندرج تحت هذا التصنيف مرض السكري من الدرجة الثانية، وزيادة الوزن، وعدم تناول ما يكفي من الخضروات والفاكهة والحبوب الكاملة، وعيش أسلوب الحياة الخامل. وأوضحت الدكتورة سعدية أن هذه العوامل يمكنها أن تساعد طبيبك في تحديد ما إذا كنت عرضةً لخطر الإصابة بفشل القلب بصورةٍ أكبر. بينما أفادت جمعية القلب الأمريكية بأن غالبية هذه العوامل تؤثر على المجتمعات الملونة بدرجةٍ غير متكافئة.
وأوضحت الدكتورة سعدية: "من الصعب الفصل بين مختلف الأسباب نظراً لترابطها الشديد". وذكرت أن بعض الأسباب قد ترجع إلى العوامل الوراثية. علاوةً على أن عوامل الخطر التقليدية تنتشر أكثر وسط المجتمعات الملونة نتيجةً للعوامل المجتمعية.
3- المحددات الاجتماعية للصحة لها دورها الكبير
تتضمن المحددات الاجتماعية للصحة أشياءً مثل الاستقرار المالي للشخص، ووصوله إلى الرعاية الصحية، وجودة الرعاية الصحية التي يحصل عليها، وقدرته أن يحصل على أطعمة مغذية، وفرص التدريب في مجتمع، بالإضافة إلى احتمالية مواجهة العنصرية أو التمييز أو العنف في حياته اليومية.
وشاركت الدكتورة سعدية في كتابة ورقةٍ بحثية منشورة بتاريخ 2022 في دورية Clinical Cardiology العلمية، حيث أشار الباحثون فيها إلى ارتباط العديد من المحددات الاجتماعية للصحة بخطورة فشل القلب. وتشمل هذه المحددات أشياءً مثل قلة جودة التعليم، والعيش في أسر أو مجتمعات منخفضة الدخل، أو الحياة داخل مناطق ذات بنية تحتية ضعيفة للصحة العامة، أو نقص التأمين الصحي، وغيرها من الأشياء.
ولا يمتلك الأفراد تحكماً كبيراً في مثل هذه العوامل، كما يواجه الأمريكيون من ذوي البشرة السمراء هذه المحددات الاجتماعية المؤذية بأعدادٍ كبيرة، ويرجع السبب جزئياً إلى تأثيرات العنصرية الهيكلية.
4- التحيز المؤسسي والعنصرية المؤسساتية في الرعاية الصحية
يحتوي نظام الرعاية الصحية على الكثير من التحيزات الكامنة؛ مما يجعل التشخيص في الوقت المناسب وتقديم الرعاية اللازمة لفشل القلب يمثلان تحدياً جاداً.
وتقول الدكتورة ألانا: "توجد أشياء بسيطة لكنها تظل بالغة الأهمية، مثل نوعية التأمين الذي يقبل به الأطباء. حيث توقفت المستشفيات والأطباء عن قبول تأمين Medicaid الحكومي لمحدودي الدخل لأنه يدفع مبالغ تعويض أقل، لكننا نعلم أن غالبية أصحاب هذا التأمين يكونون من ذوي البشرة الملونة على الأرجح. وحتى إذ كان الشخص من أصحاب التأمين الساري، فسنجد أن ذوي البشرة السمراء الذين يصلون إلى المستشفى مع شكاوى مرتبطة بفشل القلب سيجري إرسالهم إلى المنزل على الأرجح، بدلاً من إيداعهم المستشفى".
وليس هناك سببٌ جذري بسيط لأي من هذه النقاط البيانية، بل هي عبارة عن خليط من التحيزات الفردية للأطباء، والعنصرية المؤسساتية في تدريب الكليات الطبية، وإجراءات المستشفيات التفضيلية، والعنصرية المنهجية الكامنة في هوية المشاركين في التجارب السريرية والدراسات الأخرى التي تزود الأطباء بالمعلومات اللازمة لعلاج فشل القلب. وتتضافر كل هذه العوامل معاً لتعميق الهوة على صعيد هوية من يُصاب بفشل القلب ويموت بسببه.
أما العامل الآخر الذي يستحق الملاحظة فهو التحيزات المنهجية التي زرعت بذور الشك في أوساط المجتمعات المهمشة، مما يزيد معوقات العلاج أكثر. وأوضحت الدكتورة سعدية: "هناك انعدام ثقة متأصل بين بعض المجتمعات التي استغلها المجال الطبي، مما يفتح الباب على مصراعيه تلقائياً أمام التحديات". أي إننا لسنا ملزمين بإصلاح تلك المؤسسات فقط، بل يجب على المجتمع الطبي إجمالاً أن يكتسب الثقة من جديد حتى يتمكن من تضييق فجوة علاج الفشل القلبي الحالية بشكلٍ فعال.
ما الحل لهذه المشكلة؟
قد يبدو كل هذا غير قابلٍ للإصلاح، لكن أستاذتا أمراض القلب سعدية وألانا لديهما أمل؛ حيث قالت سعدية: "لن يأتي الحل أو الاستجابة على مستوى الأفراد، بل يجب أن يأتي على مستوى نظام الرعاية الصحية والمجتمعية في الواقع".
ويجب أن تكون هناك جهودٌ مكثفة في البداية لتضمين المجتمعات المهمشة في أبحاث فشل القلب؛ إذ أردفت ألانا: "عندما ننظر إلى التجارب السريرية المنشورة عن علاجات الفشل القلبي الجديدة، فيجب أن تتضمن هذه التجارب الكثير من المرضى ذوي البشرة السمراء والبنية، لأنهم الأكثر عرضةً للنقل إلى المستشفى والوفاة نتيجة هذه الحالة".
ويجب على الأطباء أن يثقفوا أنفسهم حول مسألة التحيزات العرقية اللاوعية أيضاً. حيث قالت ألانا: "نحن بحاجةٍ إلى التدريب على التحيزات المؤسساتية".
والأهم من ذلك هو أننا بحاجةٍ إلى الدعم المؤسسي لكافة هذه التغييرات؛ إذ تقول ألانا: "ليس بإمكاننا فعل الكثير داخل كليات الطب وأنظمة الرعاية الصحية. لأن الجزء الأكبر من هذه المشكلة يتعلق بالسياسة المتبعة". مما يعني أن ضمان حصول الجميع على رعايةٍ صحية عالية الجودة، أو العمل على تقليل تكاليف الأدوية الموصوفة طبياً، هي أشياء لا يمكن تحقيقها بشكلٍ فعال إلا من خلال التشريعات الشاملة. ويعني هذا أيضاً ضرورة التصويت لمشرعين يدعمون مثل هذه المبادرات على المستوى الفردي.
وأخيراً، تنصح الدكتورة ألانا أن تفعل ما بوسعك لتكون سفيراً مدافعاً عن صحتك. حيث تقول: "حاول الحرص على تكوين علاقة مع طبيب يحترمك ويستمع إليك، ولا يقوم بصدك". وإذا لم تنطبق هذه المواصفات على طبيبك، فابحث عن طبيب آخر يناسبك أكثر.