دخلت الحرب في أوكرانيا شهرها السابع، وبعد عدة أسابيع تحول تركيز معظم القتال من شرق أوكرانيا إلى جنوبها. وعلى الرغم من هجوم الجيش الروسي المتجدد في إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، فلا يزال حتى اللحظة يحاول تحقيق أي شيء مهم هناك دون فائدة. وخلال الشهرين الماضيين، تقدمت القوات الروسية فقط بين ستة إلى عشرة أميال، واستولت فقط على منطقتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك بعد معارك ضارية، فيما تخوض أوكرانيا الآن معركة شرسة لمحاولة استعادة مدينة خيرسون الاستراتيجية.
لماذا تعتبر استعادة خيرسون أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لأوكرانيا؟
يستخدم الجيش الأوكراني نيرانه الجديدة بعيدة المدى، بما في ذلك أنظمة الصواريخ الأمريكية هيمارس (HIMARS)، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة M270 MLRS، ومدافع الهاوتزر، بشكل كبير، مما أدى إلى تدمير مستودعات الذخيرة الروسية والمراكز اللوجستية في جميع أنحاء دونباس، وألحق أضراراً كبيرة بآلة الحرب الروسية، كما يقول تقرير لموقع sandboxx العسكري الأمريكي.
ولكن في نفس الوقت الذي ركزت فيه القوات الروسية على دونباس في أوائل مايو/أيار، كان الجيش الأوكراني يضع الأساس لهجومه المضاد في اتجاه مدينة خيرسون، ذات الأهمية الاستراتيجية في الجنوب.
والآن، مع بدء الهجوم المضاد الأوكراني والاقتراب من خيرسون مع مرور كل يوم، بدأ الجيش الروسي في تحويل القوات من جبهة دونباس الراكدة إلى خيرسون، حيث يهاجم الجيش الأوكراني.
عندما قرر الجيش الأوكراني إرساء الأساس لهجومه المضاد في اتجاه خيرسون بعد أيام قليلة فقط من بدء الجيش الروسي هجوماً على دونباس، فقد واجه مخاطرة كبيرة. وإذا لم تصمد الدفاعات الأوكرانية في دونباس، لكان الهجوم المضاد في الجنوب محكوم عليه بالفشل، لكنها كانت مخاطرة محسوبة.
وبحسب موقع sandboxx، تدرك كييف أن خيرسون الآن أهم من الناحية الاستراتيجية من دونباس. حيث تعد المدينة الواقعة في جنوب أوكرانيا موطئ قدم وحيداً للجيش الروسي شمال وغرب نهر دنيبرو، الذي يمر عبر أوكرانيا، من كييف إلى البحر الأسود. وربما يكون نهر دنيبرو أهم حاجز استراتيجي في ساحة المعركة الأوكرانية حيث يقسم البلاد إلى قسمين.
خيرسون هي العاصمة الإقليمية الوحيدة وأهم مركز حضري استولى عليه الروس
يقول محللون عسكريون غربيون إن الجيش الروسي أثبت أنه يفتقر إلى القدرات القوية لعبور الجسور اللازمة للعمليات الهجومية الحديثة. قبل بضعة أشهر، عندما حاولت القوات الروسية اجتياح نهر في دونباس من أجل تطويق المواقع الأوكرانية، فقد الجيش الروسي مئات الرجال وأكثر من 80 دبابة وعربة قتال مشاة وناقلات جند مدرعة وعربات أخرى دون تحقيق أي شيء. لذا، فإن أي موطئ قدم عبر نهر دنيبرو هو أمر ذو قيمة استراتيجية كبيرة بالنسبة للروس.
علاوة على ذلك، تقود مدينة خيرسون إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها في عام 2014. وأصبحت القرم مؤخراً هدفاً للهجمات الأوكرانية. ومع ذلك، لمزيد من التقدم نحو شبه جزيرة القرم في المستقبل، ستحتاج أوكرانيا أولاً للسيطرة على خيرسون.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، استخدمت القوات الأوكرانية نيرانها بعيدة المدى لاستهداف مستودعات الذخيرة الروسية والمراكز اللوجستية ومراكز القيادة والسيطرة – مثل المقرات الرئيسية ورادارات الدفاع الجوي – في مدينة خيرسون.
وقد يجبر هذا الجيش الروسي على إعادة خطوط الإمداد والمراكز اللوجستية الرئيسية إلى الخلف، مما يعني استنزاف القوات الروسية على طول خط التماس للاحتياجات الأساسية، مثل الذخيرة والتعزيزات، لأن خط الإمداد الآن أطول بكثير ويتطلب المزيد من المركبات لتغطيته.
ويقول تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إنه إذا نجحت أوكرانيا في استعادة خيرسون، فقد يرسل ذلك إشارة إلى حلفاء كييف الغربيين مفادها أن أوكرانيا يمكنها تحقيق نتائج جديدة في الحرب. ومع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء أوروبا بسبب خفض روسيا لإمدادات الغاز الطبيعي، فإن ضمان استمرار الدعم الغربي سيكون أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لأوكرانيا.
ما أهمية مدينة خيرسون الاقتصادية والصناعية؟
يبلغ عدد سكان مدينة خيرسون 280 ألف نسمة (عام 2021)، ويتحدث نصف سكانها اللغة الروسية، فيما تقدر الأقلية الروسية فيها بنحو 20%، بحسب التعداد الوطني الأوكراني لعام 2001. وهي المركز الإداري لمقاطعة "أوبلاست خيرسون" التي تعتبر مركزاً اقتصادياً كبيراً تعتمد عليه أوكرانيا.
وتمتلك المدينة أكبر ميناء في أوكرانيا لبناء السفن في البحر الأسود وهي مركز رئيسي للشحن، وقد نمت المدينة بشكل مطرد خلال القرن التاسع عشر بسبب الشحن وبناء السفن، وظلت مركزاً رئيسياً لبناء السفن طوال القرن العشرين.
وشملت الصناعات الأخرى فيها الهندسة وتكرير النفط وتصنيع المنسوجات القطنية وغيرها من الصناعات. وسياحياً، تعد المدينة أهم المدن الأوكرانية التي تستقطب السياح لطبيعتها المميزة وإطلالتها على نهر دنيبر وبحر آزوف والبحر الأسود.
تأسست مدينة خيرسون بمرسوم من الإمبراطورة الروسية كاترين العظمى يونيو/حزيران 1778 على الضفة العليا لنهر دنيبر كحصن مركزي لأسطول البحر الأسود.
وشهد عام 1783 افتتاح حوض بناء محلي للسفن أصبح لاحقاً الأهم في أوكرانيا، وقد احتلها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية من 19 أغسطس/آب 1941 إلى 13 مارس/آذار 1944، قبل أن يتم تحريرها من قِبَل الجيش السوفييتي.
وأهمية المدينة الاستراتيجية بالنسبة لروسيا، أنها أحد أهم مراكز إعادة إحياء مشروع "نوفوروسيا"، أو "روسيا الجديدة" التاريخي، والذي يتحدث عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عام 2014، حيث تسعى روسيا لإقامة جسر بري من أراضيها مروراً بالمناطق الشرقية في إقليم دونباس وما حولها، إلى شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها إليها في عام 2014، بالإضافة إلى امتداد ذلك نحو مدينة أوديسا ومينائها الاستراتيجي، أي بمعنى الاستيلاء على مئات الكيلومترات من الأراضي على طول ساحل بحر آزوف والبحر الأسود.