يشهد الوضع في السودان تعقيداً سياسياً وتدهوراً اقتصادياً وأمنياً منذ أن فرض قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إجراءات استثنائية يعتبرها المعارضون "انقلاباً" ويراها هو "تصحيحاً لمسار الفترة الانتقالية".
ولقرابة عشرة أشهر يزداد الوضع سوءاً يوماً بعد آخر باعتراف الجميع بما فيهم السلطة العسكرية الحاكمة التي تتهم القوى السياسية بأن تشرذمها وعدم توافقها هو ما أوصل البلاد إلى هذه المرحلة الخطرة.
وبوتيرةٍ شبه يومية، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وترفض إجراءات البرهان الاستثنائية ومنها حل مجلسي السيادة والوزراء وإقالة الولاة.
وفي 21 أغسطس/آب 2019، بدأت في السودان مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020.
نحو الأسوأ
والأحد، دعا البرهان وهو رئيس مجلس السيادة الانتقالي أيضاً، القوى السياسية إلى "تحمل مسؤولياتها الوطنية لأن البلاد لا تحتمل المزيد من التشرذم والتجاذب السياسي".
وأضاف أن "الفترة الانتقالية محاطة بكثير من التحديات والوقت يتسرب من بين أيدينا وشعبنا طال انتظاره".
ومطلع أغسطس/آب الجاري، ورداً على سؤال بشأن إن كان قادة الجيش نادمين على الإجراءات الاستثنائية، قال نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي): "للأسف الشديد، نحن لم ننجح في التغيير لأسباب لن أتحدث عنها الآن".
وتابع حميدتي في مقابلة صحفية: "عندما تفكر في التغيير يكون لديك هدف ورؤية.. لكن للأسف الشديد لم يتم الشيء الذي كان مخططا له، وفشل الأمر. والآن سرنا نحو الأسوأ".
وإلى جانب الأزمة السياسية، يعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه إلى أرقام قياسية في الأسواق الموازية.
كما تعاني البلاد انفلاتاً أمنياً في مناطق متفرقة، وبحسب أحدث إحصائية للأمم المتحدة فإن الصراع في عدة ولايات أدى إلى 322 قتيلاً و329 مصاباً ونزوح أكثر من 163 ألف شخص بين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز الماضيين.
حكومة مدنية
واعتبر المحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس أن "حل أزمة البلاد الحالية هو في تسوية سياسية بين الأطراف السودانية عسكر ومدنيين تأتي بحكومة مدنية متفق عليها".
وشدد، في حديث للأناضول، على ضرورة "أن تكون لدى الحكومة المدنية هذه قدرة على التعامل مع الأزمات الراهنة التي تحتاج إلى مجهودات كبيرة".
وتابع أبو إدريس: "هناك عامل آخر مهم في تطاول أمد الأزمة واستمرارها يتمثل في التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوداني".
وأردف: "على قوى إقليمية ودولية (لم يسمها) أن تتوقف عن التدخل في الشأن السوداني، لأنها تُصّعب عملية التسوية، وللأسف هي تعمل وفق أجندتها وليس لصالح السودان".
جدّية الأحزاب
أما وزير الثقافة والإعلام السابق بولاية الخرطوم يوسف حمد، فقال للأناضول إن "الحل يكمن داخلياً في موقف سياسي أكثر جدية تضطلع به الأحزاب".
وأوضح أن "هذا الموقف لا يعني إلغاء ما تقوم به قوى الثورة في الشارع، بل يترافق مع نشاط لجان المقاومة (نشطاء) والأجسام النقابية الأخرى الرامي للعودة إلى مسار انتقالي، خصوصا أنها في إطار حراكها الثوري دعت إلى إضراب عام في مقبل الأيام".
واعتبر أنه على القوى والمنظمات الدولية الانتباه إلى أن التحالف الحالي "من شأنه أن يجعل السودان أكثر هشاشة وموئلاً لأكثر الأنشطة تطرفاً وخرقاً للمواثيق الدولية".
ودعا حمد المجتمعين الدولي والإقليمي إلى "الاستثمار في توق الشعب السوداني الثائر إلى علاقة سليمة ومعافاة مع الأسرة الدولية، وذلك باستعادة المسار الانتقالي المنقطع".
ونفى البرهان، أكثر من مرة، صحة اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.
تدخل خارجي
وحذر الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد أمين إسماعيل مجذوب، من أن "السودان يسير سريعاً نحو الهاوية.. إما هاوية بفشل الدولة وإدارتها أو بالصراع المسلح".
وأضاف مجذوب للأناضول أنه "لا يوجد طريق الآن غير التوافق والجلوس والتنازلات الحاسمة وجعل مصلحة السودان هي العليا والتنازل عن المصالح الذاتية والحزبية".
وتابع: "هناك حالياً سوء وفشل في إدارة الدولة، ومن الواضح أن هناك تنافساً لفرض حالة معينة من الفوضى تساعد على السيطرة".
واستطرد: "هذا الفريق (لم يسمه) يعمل على الوصول بالبلاد إلى الهاوية، وفي تلك المرحلة يستطيع أن يحكم وهو أمر خطير في التفكير".
وأكد مجذوب أنه "لا بديل سوى بالاتفاق والابتعاد عن الخيارات الصفرية والسيناريوهات الظلامية، لأن استمرار الوضع الحالي يؤدي إلى خيارين أولهما هو فرض حل خارجي في شكل مؤتمر (الطائف) السوداني".
واتفاق الطائف في السعودية لعام 1989 أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وكرّس معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة التي توزع المناصب الرئيسية بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة.
وأكمل مجذوب أن الخيار الثاني هو "التدخل تحت ذريعة أسباب إنسانية" بمعنى أن يكون هناك "بريمر جديد" في السودان، ويتم تحجيم قدرات البلاد حسب ما يرى المجتمع الدولي من خلال "بريمر الجديد".
وهو يشير إلى بول بريمر الحاكم المدني في العراق الذي عيّنه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عام 2003، بعد أن أسقطت قوات تحالف دولي، بقيادة واشنطن، حكم الرئيس صدام حسين.
وأردف مجذوب: "ولذلك من المفترض أن يعلم السودانيون أن الحل في التوافق وعدم الإقصاء أو الذهاب إلى الخيارات الخارجية".
ورأى أن "كل المبادرات المطروحة في الساحة هي مبادرات تنافسية بين مجموعة وأخرى أو كيدية لإبطال مبادرات الطرف الآخر".
ومنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، طُرحت مبادرات محلية عديدة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين، لكنها لم تسفر عن أي حلول.
وهو المصير نفسه الذي لقيته مبادرة الحوار الخاصة بالآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا "إيغاد".
ولا تزال بعض المبادرات المحلية تحاول تحقيق اختراق في الأزمة، آخرها مبادرة "نداء أهل السودان" التي يقودها رجال دين من الطرق الصوفية وإدارات أهلية.