ظهر محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، مرتدياً عمامة بيضاء وينظر مباشرة إلى الكاميرا، على تيك توك، مساء الأربعاء 17 أغسطس/آب 2022، في فيديو قصير، أطلقه الرجل الثاني في السودان، على حسابه بخدمة استضافة الفيديو الصينية، التي تستخدمها أعداد هائلة من الشباب في السودان والعالم. وهذا أحدث عنصر في استراتيجية اتصالات متعددة الجوانب.
حميدتي يلمع صورته دولياً تحضيراً للسباق الرئاسي
وفي 1 أغسطس/آب 2022، اختار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وسيلة إعلام أخرى ذات امتداد عالمي مماثلة -الخدمة العربية لشبكة BBC البريطانية- لانتقاد رئيسه عبد الفتاح البرهان علانية. ورغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك فإنه لم يكن قد تواصل مع مثل هذا الجمهور الواسع بهذا القدر في المرة السابقة.
في المقابلة، أعلن حميدتي أن انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول "كان فاشلاً"، وادعى أنه "بدون دعمه"، لم يكن البرهان قادراً على إزاحة المدنيين من السلطة بهذه السهولة. تصريحه هو تأكيد إضافي على التنافس المتزايد بين الرجلين القويَّين في السودان، لكن ذلك في المقام الأول جزءٌ من مناورةٍ أوسع بدأها حميدتي منذ فترة طويلة لتجميل صورته على المسرح الدولي، تحضيراً لترشيح نفسه للرئاسة، كما يقول تقرير لموقع African Intelligence الفرنسي.
ويقول الموقع ذو المصادر الاستخباراتية، إنه حتى بداية أغسطس/آب، أقام حميدتي حوالي خمسين يوماً في الجنينة، عاصمة إقليم غرب دارفور. كان هناك في شهر يونيو/حزيران، حيث استقبل إمام ضاحية درانسي في باريس، المواطن الفرنسي التونسي حسن شلغومي. ويُعَد شلغومي، المنتقد العنيف للتطرف الديني، أيضاً مدافعاً قوياً عن اتفاقات أبراهام، التي سمحت في عام 2020، برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإسرائيل بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
حميدتي يستعين بشركات علاقات عامة فرنسية وكندية لتلميع صورته
مثل حميدتي، المقرب من رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، يعمل شلغومي في دائرة نفوذ أبوظبي. الإمام الفرنسي التونسي يحظى أيضاً بدعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يشاركه نفس الرؤية للإسلام. بهذا النشاط السياسي الخفي يرسل حميدتي إشارة إلى باريس وعواصم أوروبية أخرى بأنه لا يؤيد عودة السودان إلى "الإسلاميين" و"الإسلاموية" التي سادت في عهد عمر البشير، الذي كان رئيساً من عام 1989 حتى عام 2019.
بالتوازي مع ذلك، استعان حميدتي بخدمات وكالة العلاقات العامة الفرنسية "آن تستوز" لمحاولة تسهيل المقابلات مع وسائل الإعلام الفرنسية وتلميع صورته دولياً.
ولفترة وجيزة في عام 2019، استخدم حميدتي الشركة الكندية ديكينز آند مادسون ومديرها الكندي الإسرائيلي آري بن ميناش، لكي يصل صوته إلى واشنطن. ويعتبر بن ميناش أن من بين عملائه زعيم المجلس العسكري في بوركينا فاسو بول هنري سانداوغو داميبا، والرجل القوي في شرق ليبيا خليفة حفتر، المقرب أيضاً من الإمارات، والمرشح الرئاسي التونسي الفاشل نبيل القروي المقرب من شلغومي.
"رجل من الأطراف في مواجهة جنرالات الوسط"
في الخرطوم، يتولى إدريس مدلل، مهندس من قوات الدعم السريع، أكبر قوة شبه عسكرية في البلاد، علاقات حميدتي الإعلامية. يمول حميدتي قوات الدعم السريع من خلال تعدين الذهب والتجارة ويستخدمها لتأسيس وتعزيز سلطته كما يقول موقع "أفريكان إنتلجنس".
ومنذ صعوده إلى منصب رفيع في عام 2019، سعى إلى تعريف نفسه على أنه "رجل من الأطراف"، في مواجهة الجيش والجنرالات المهنيين من الوسط والشمال، وعلى رأسهم البرهان.
هذه هي الرسالة التي كان يأمل في تعزيزها بإقامته الطويلة في غرب دارفور. المنطقة الواقعة على الحدود مع تشاد تعاني منذ شهور من دوامة من العنف القاتل، ويسلط حميدتي الضوء على جهوده لإنهاء الاضطرابات. ويقال إنه كان يعمل على الوساطة بين المجتمعات البدوية والمستقرة خلال موسم الأمطار، وهي فترة ازدياد خطر حدوث اشتباكات دامية، وعاد بالفعل إلى الخرطوم بعدما توصل إلى أربع اتفاقيات مصالحة بين مختلف الجماعات المعارضة.
وبحسب موقع African Intelligence، كان زواجه الأخير من امرأة من جماعة العبابدة العرقية، التي تعيش على جانبي الحدود المصرية السودانية وفي سيناء، جزءاً من استراتيجيته لإظهار شرعيته المحلية مقارنة بالنخب العسكرية في الخرطوم.
هكذا استمال حميدتي الجماعات المسلحة لصفوفه
من معقله في الجنينة، كان حميدتي يحاول أيضاً تعزيز روابطه المحلية، لا سيما مع الجماعات المسلحة التي وقعت اتفاق جوبا للسلام وانتقل مؤخراً إلى دارفور. يريد على وجه الخصوص الاقتراب من حاكم المنطقة، سليمان أركو ميناوي، المعروف أيضاً باسم ميني ميناوي.
في غضون أيام من وجودهما إلى جوار بعضهما، زار ميناوي وحميدتي في وقت سابق من هذا الشهر الزعيم التشادي المؤقت محمد إدريس ديبي، المعروف أيضاً باسم كاكا، الذي كان والده، الرئيس الراحل إدريس ديبي إيتنو، من منطقة على الحدود مع دارفور، وحافظ على علاقات وثيقة مع السودان.
وخوفاً من فقدان موطئ قدمه والعودة إلى أساليب البشير التي امتدت لثلاثة عقود، والتي تخلى خلالها المركز العربي إلى حد كبير عن مناطق الأطراف، شرع البرهان أيضاً في الانخراط مجدداً مع الجماعات المسلحة في دارفور. وبمساعدة منظمة Promediation الفرنسية غير الحكومية اتصل بالجماعات المسلحة الدارفورية، التي لم تكن قد وقَّعت على اتفاق جوبا للسلام، بهدف التفاوض على عودتهم إلى السودان.
هل يتغاضى الغربيون عن علاقات حميدتي مع روسيا؟
قد ينكر حميدتي ذلك، لكن هجومه الدبلوماسي والسياسي يهدف بشكل أساسي إلى تلميع صورته الدولية ووضعه كمرشح ذي مصداقية إذا أجريت انتخابات رئاسية. لكن من غير المرجح أن يتغاضى الغربيون عن علاقاته الوثيقة مع موسكو، حيث كان في زيارة رسمية، في نهاية فبراير/شباط.
تعمل قوات الدعم السريع أيضاً جنباً إلى جنبٍ مع مجموعة فاغنر شبه العسكرية المرتبطة بالكرملين، والتي غالباً ما يزور زعيمها يفغيني بريغوزين الخرطوم. وتراقب واشنطن هذه العلاقات عن كثب، ما قد يؤدي إلى عقوبات مالية أمريكية ضد زمرة دقلو. وهذا تهديدٌ لا يستهين به حميدتي.