منصات التواصل الكبرى تحاول قمع الدعاية الروسية.. فكيف وجدت موسكو ثغرات لتجاوز ذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/11 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/11 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
كيف وجدت روسيا ثغرات في "حصار الدعاية" الذي فرضته منصات التواصل عليها؟، تعبيرية/ TASS

في أوكرانيا هناك معركة على الأرض، لكن هناك حرب دعائية حول من يقع اللوم عليه في ارتكاب فظائع، مثل تلك التي وقعت يوم الجمعة 29 يوليو/تموز، عندما قُصِفَ مركز اعتقال، أسفر عن مقتل العشرات من أسرى الحرب الأوكرانيين.  شجب المسؤولون الأوكرانيون ما وصفوه بجريمة حرب من جانب روسيا، بينما اتهم المسؤولون الروس أوكرانيا بذبح أسرى حربها. لكن على منصة تويتر، بدا أن حساباً حكومياً روسياً واحداً على الأقل يشير إلى سقوط أسرى الحرب القتلى، وكثير منهم من "فوج آزوف اليميني المتطرف" في أوكرانيا.

تقول صحيفة Washington Post الأمريكية، إنه رداً على احتجاج المستخدمين، أخفت منصة تويتر التغريدة خلف ملصق تحذير وحظر مشاركتها، لكنها تركت كلاً من التغريدة وحساب السفارة الروسية في المملكة المتحدة يظلان على المنصة، واستشهدت باعتبارات المصلحة العامة. قامت منصة يوتيوب، المملوكة لجوجل، في وقت لاحق بإزالة الفيديو الذي ارتبطت به التغريدة، مشيرةً إلى قاعدتها التي تمنع إعادة تحميل المحتوى من قنوات الإعلام الحكومية الروسية المحظورة، على الرغم من أن السفارة الروسية في لندن لا تزال قناتها على يوتيوب قائمة على الإنترنت. 

كيف وجدت روسيا ثغرات في "حصار الدعاية" الذي فرضته منصات التواصل عليها؟

توضح التغريدة، واستجابة منصات التكنولوجيا، كيف تستمر الدعاية الروسية ضد أوكرانيا في الانتشار على منصات التواصل الاجتماعي العالمية بعد 6 أشهر تقريباً من الحرب، حتى مع اتخاذ هذه المنصات مجموعة من الإجراءات للحد من ذلك. 

في حين نجح عمالقة التكنولوجيا، بما في ذلك فيسبوك ويوتيوب وتويتر وحتى "تيك توك"، في تقليص وصول أكبر وسائل الإعلام الحكومية الروسية، جزئياً استجابة للعقوبات الأوروبية، يسلط بحث جديد الضوء على النقاط العمياء في جهودهم. ويدعوهم المسؤولون الأوكرانيون إلى الالتفات إلى التكتيكات الروسية المتغيرة والتكيف معها. 

تلقت حسابات السفارة الروسية في دول حول العالم تفاعلاً أكبر على فيسبوك وتويتر منذ بدء الحرب أكثر مما كانت عليه قبل الهجوم الروسي في 24 فبراير/شباط، وفقاً لتقرير جديد صادر عن مجموعة الأبحاث غير الحزبية Advance Democracy. على فيسبوك وجدت هذه الحسابات طرقاً لغسل الدعاية الروسية من حسابات وسائل الإعلام الحكومية الخاضعة للعقوبات، مثل نسخ وتضمين مقاطع الفيديو التي أنتجتها الدولة في الأصل "روسيا اليوم" بدلاً من ربطها.

وتقول واشنطن بوست إن مثل هذه الثغرات تجعل منصات التكنولوجيا الأمريكية الرئيسية وسيلة للدعاية الروسية، بما في ذلك الهجوم على المقاتلين الأوكرانيين ووصفهم بالنازيين، والتي قد لا تجد مكاناً في وسائل الإعلام الغربية السائدة.

التكتيكات الروسية في الحرب الدعائية على منصات التواصل

من جهته، قال جورج دوبينسكي، نائب وزير التحول الرقمي الأوكراني للصحيفة الأمريكية: "تعرف روسيا جيداً بالفعل مدى ضعف قواعد بعض المنصات الإعلامية. لدينا حرب إعلامية الآن". 

وقالت المتحدثة باسم تويتر، إليزابيث بوسبي، إنه اعتباراً من أبريل/نيسان، فإن الشركة "لا تضخم أو توصي بالحسابات الحكومية للدول التي تحد من الوصول إلى المعلومات المجانية وتنخرط في نزاع مسلح"، بما في ذلك حسابات السفارة الروسية. وبموجب هذه القواعد، لا توصي الشركة بحسابات السفارة الروسية في "المخططات الزمنية للصفحة الرئيسية"، وهي تضيف تسميات توفر سياقاً إضافياً.

وقالت المتحدثة باسم يوتيوب، إيفي تشوي، إن الشركة حظرت أكثر من 750 قناة و4 ملايين مقطع فيديو بموجب حظرها العالمي على مصادر الأخبار الروسية التي تمولها الدولة. ولم تستجب منصة فيسبوك لطلبات التعليق. 

وقال دوبينسكي: إن "التكتيكات الروسية تطورت منذ بداية الحرب في الوقت الذي تسعى فيه لتقويض الدعم لأوكرانيا بين حلفائها الغربيين". وقال أيضاً: إن "الكرملين ووكلاءه، بما في ذلك السفارات الروسية، ينشطون بشكل متزايد في نشر الأكاذيب في إفريقيا والشرق الأوسط. وتتضمن إستراتيجية الدولة عبر الإنترنت استخدام كل من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، لإنشاء نقاط نقاش رئيسية، وبرامج الروبوت، أو حسابات الوسائط الاجتماعية الآلية التابعة لها وتضخيمها"، بحسب تعبيره.

بينما تميل وسائل الإعلام الغربية، مع استثناءات ملحوظة، إلى التعامل مع ادعاءات روسيا بتشكك، وتقدم المنصات الاجتماعية لروسيا فرصة للوصول إلى الجماهير العالمية من خلال "دعاية غير مصفاة، وأحياناً شريرة". وشمل ذلك مزاعم بأن الأوكرانيين هم "فاعلون في الأزمات" يصنعون صوراً لمعاناة كاذبة، وأن الأوكرانيين مسؤولون عن قصف المدنيين، وأن الأشرار الحقيقيين على أية حال هم "نازيون" أوكرانيون.

وتضمنت جهود الدعاية الروسية المؤثرة الأخرى على الإنترنت الترويج لفكرة أن أوكرانيا تطور أسلحة بيولوجية، وإلقاء اللوم على أوكرانيا في نقص الحبوب، والقول إن الفساد الأوكراني يعني أن شحنات الأسلحة من الحلفاء ستقع في الأيدي الخطأ.

هذه أكثر المناطق حول العالم التي تتعاطف مع الرواية الروسية

وقالت لاريسا دوروشينكو، باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة نورث إيسترن التي تبحث في المعلومات المضللة، إن روسيا تعمل على نحو متزايد على نشر مثل هذه الرسائل في إفريقيا وأجزاء أخرى من الجنوب العالمي، حيث يميل تطبيق تعديل المحتوى لشركات التكنولوجيا إلى التراخي.

وقالت: "أعتقد أنها ربما كانت خطوة في الاتجاه الصحيح عندما اتخذت جميع منصات وسائل التواصل الاجتماعي الغربية، مع بداية الحرب، موقفاً أكثر حزماً مما كانت عليه من قبل" إزاء وسائل الإعلام والدعاية الحكومية الروسية. وأضافت: "لكن ما لم يدركوه هو أن انتشار هذه المعلومات كان أكثر تخفياً وإبداعاً بكثير من مجرد امتلاك حساب رسمي والنشر من هذا الحساب". 

وفقاً لأبحاث مجموعة Advance Democracy، فإن تغريدات حسابات السفارة الروسية تحظى بإعجاب أو إعادة تغريد حوالي 279 مرة في المتوسط​​، بزيادة 240% منذ ما قبل الهجوم الروسي. كانت هناك قفزة مماثلة على فيسبوك، حيث ارتفع متوسط ​​عدد ردود الفعل أو التعليقات أو المشاركات على منشور على حساب السفارة بنسبة 108% منذ الهجوم. 

في أحد المنشورات على فيسبوك في أبريل/نيسان الماضي، شاركت السفارة الروسية في إندونيسيا جدولاً زمنياً يُزعم أنه يثبت أن روسيا لم تكن مسؤولة عن مذبحة واضحة للمدنيين في ضاحية بوكا في كييف، حيث حدد المسؤولون 458 جثة بعد أسابيع من الاحتلال الروسي. حُدِّدَ جميعهم تقريباً على أنهم مدنيون، وتفاصيل كل حالة قيد التحقيق الآن.

روسيا أعدت نفسها جيداً لهذه الإجراءات

يُظهر بحث Advance Democracy أيضاً أن روسيا اتخذت خطوات لتفادي الدفاعات التي أقامتها شركات وسائل التواصل الاجتماعي الغربية ضد الدعاية ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة.

منذ عام 2020، قامت شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، بإلحاق ملصقات لوسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومة، مثل شبكة روسيا اليوم. ولكن عندما تقوم السفارة الروسية بتضمين مقاطع فيديو مباشرة من إنتاج "روسيا اليوم"، لم تطبق الشركة التحذيرات. 

وفي منشور بتاريخ 26 أبريل/نيسان، نشرت السفارة الروسية في أستراليا على صفحتها على فيسبوك مقطع فيديو زعم أنه "لا توجد دلائل على وجود مقابر جماعية مزعومة" بالقرب من ماريوبول، وهي مدينة ساحلية جنوبية. أظهرت صور الأقمار الصناعية التي قدمتها شركة Maxar Technologies إلى صحيفة Washington Post الأمريكية صفوفاً من القبور في قرية تحتلها روسيا على بعد حوالي 12 ميلاً غرب المدينة، ويقول المسؤولون الأوكرانيون إنها أدلة على ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين.

وجد التقرير ما لا يقل عن 26 قناة تابعة لسفارات روسية تعمل على منصة تليغرام، أُنشِئ أكثر من 80% منها منذ الغزو في 24 فبراير/شباط. ولدى هذه القنوات مجتمعةً أكثر من 50 ألف مشترك، ولم ترد منصة تليغرام على طلبات التعليق بشأن الأمر. 

قالت كاتي هارباث، المديرة التنفيذية لشركة استشارات التكنولوجيا المدنية أنكور تشينج، والمديرة السابقة للسياسة العامة في فيسبوك، إن تطور تقنيات الدعاية الروسية عبر الإنترنت كان أمراً لا مفر منه، ولا يمكن توقع قيام شركات التكنولوجيا العالمية بتعديل كل حساب أو منشور مرفوض في جميع أنحاء العالم. وأضافت أن هذا لا يعني أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ما هو أفضل. 

وأشارت هاربات إلى جهود المنصات لتحديد وسائل الإعلام الحكومية الروسية والحد من انتشارها في زمن الحرب، قائلةً: "هذه هي نيتنا لما نريد القيام به. إن بناء الخوارزميات والمصنفات والمعرفة والأشخاص على نطاق واسع أمر آخر تماماً لتتمكن من العثور على هذا المحتوى واتخاذ أي إجراء تريده". 

قلق أوكراني

لكن هاربات أضافت أن هناك أيضاً أسباباً تجعل شركات التكنولوجيا حذرة من المبالغة عندما يتعلق الأمر بتقييد وسائل الإعلام الحكومية أو الحكومية من البلدان المحرومة.

تمنع العقوبات الأمريكية المنافذ الإعلامية الحكومية الروسية الكبرى من تلقي دولارات أمريكية للإعلانات، لكن خبراء العقوبات قالوا إن هناك القليل من الإجراءات الحكومية لتوضيح المسؤولية التي تتحملها شركات التكنولوجيا لإزالة الحسابات أو المنشورات المرتبطة بالكيانات المدرجة في القائمة السوداء.

قامت منصات فيسبوك ويوتيوب وتيك توك بحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية في أوروبا بعد فترة وجيزة من الغزو، تحت ضغط من المنظمين الأوروبيين، وهي خطوة قللت بسرعة من جمهورها على الإنترنت، وفقاً لتحقيق أجرته صحيفة Washington Post. ومع ذلك لم تُمدَّد الكثير من القيود لتشمل حسابات السفارة الروسية. 

وقالت دوروشينكو من جامعة نورث إيسترن إن هناك أسباباً وجيهة لعدم حظر المنصات الرقمية لحسابات السفارة الروسية تماماً. هناك روس يعيشون في بلدان في جميع أنحاء العالم، ولديهم مصلحة مشروعة في أن يكونوا قادرين على مراسلة سفاراتهم، والعكس صحيح. لكنها تقول إن المنصات يمكن أن تكون أكثر استباقية واستجابة عندما يتعلق الأمر بضمان ألا تصبح حسابات السفارات هذه أدوات للأكاذيب والدعاية للحرب. 

ويشعر المسؤولون الأوكرانيون أيضاً بالقلق بشأن جهود الإشراف على المحتوى "الحسن النية" لشركات التكنولوجيا التي تمنع نشر رسالة الحرب الخاصة بهم. أرسلت وزارة التحول الرقمي في أوكرانيا خطاباً إلى شركة ميتا الشهر الماضي تحذر فيه من "حملة واسعة النطاق" لحظر قادة الرأي والمدونين والنشطاء في البلاد على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام. 

تحميل المزيد