رفع قطار التطبيع بين المغرب وإسرائيل سرعته القصوى للوصول بالعلاقات إلى محطات متقدمة، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
تلاحقت زيارات المسؤولين الإسرائيليين للرباط وتوالت اللقاءات المشتركة مع وزراء ومسؤولين مغاربة على مختلف المستويات، بما يؤكد تسارع وتيرة التطبيع بين البلدين.. فما حصيلة هذه الزيارات ودوافعها وأفقها في المستقبل؟
زيارات مكثفة
في 25 يوليو/تموز الماضي تزامن وصول وزيرين إسرائيليين إلى المغرب هما: وزير العدل جدعون ساعر، ووزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج.
وقَّع "ساعر" مذكرة للتعاون القضائي مع نظيره المغربي عبد اللطيف وهبي، كما عقد لقاءات أخرى مع وزراء ومسؤولين مغاربة آخرين، من بينهم فوزي لقجع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وبحث معه سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
أما فريج فقاد وفد المباحثات مع مسؤولين مغاربة والتي تناولت سبل تعزيز التعاون في شؤون البلديات.
وفي الـ18 من يوليو/تموز الماضي، حلَّ في الرباط رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، في زيارة عمل، التقى فيها كبار المسؤولين العسكريين المغاربة، وناقشت تعزيز التعاون الثنائي في مجال الدفاع بين وزارتي الدفاع الإسرائيلية والمغربية.
مجالات مختلفة
لم تكن الزيارات المتتالية التي قادت مسؤولين إسرائيليين إلى المغرب، سوى مثال مصغر لزيارات أخرى تناولت مختلف المجالات.
نتجت عن هذه الوتيرة المتسارعة في العلاقات بين البلدين اتفاقات وتفاهمات على تطوير التعاون في الأمن والاقتصاد والتجارة والسياحة والبحث العلمي والصحة والثقافة، بل حتى الرياضة، وهو مؤشر على أن البلدين يسيران بخطى حثيثة نحو علاقات سياسية طبيعية لا مكان فيها لأي حرج من تهمة "التطبيع".
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد توقفها عام 2000، إثر تجميد الرباط العلاقات من جراء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
والمغرب رابع دولة عربية توافق على استئناف التطبيع مع إسرائيل خلال 2020، بعد تطبيع الإمارات والبحرين والسودان، بينما ترتبط مصر والأردن باتفاقيتي سلام مع تل أبيب، منذ 1979 و1994 على الترتيب.
غير أن تل أبيب تبدو أكثر سروراً بالتطبيع مع الرباط، وتركز جهودها على تطويره وتسريعه بطريقة أوسع؛ نظراً إلى المكانة التي يحظى بها المغرب لدى الإسرائيليين، الذين يتشبث آلاف منهم بأصولهم المغربية، بدليل حرصهم على زيارة المملكة بشكل دوري.
تأطير للعلاقة
في الوقت الذي يرى فيه البعض تسارعاً في وتيرة التطبيع بين البلدين، يرى آخرون أن العلاقات تسير بشكل اعتيادي بناءً على اتفاقات سابقة.
اعتبر محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي في طنجة، أن العلاقات الحالية بين البلدين "تنزيل عادي لما تم التوافق حوله من قبل".
وأضاف بوخبزة لـ"الأناضول": "تكثيف الزيارات ليس تسريعاً أو هرولة نحو التطبيع أو غير ذلك من التوصيفات".
وتابع: "أعتبر ما يجري مأسسة ووضع إطار للتوافق الذي تم بين الجانبين من قبل، واعتُمد قانونياً عبر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية".
وزاد: "بعد تأكيد طبيعة العلاقة بين البلدين تتضح الأمور أكثر، من خلال وضع القطار على السكة".
وأوضح بوخبزة: "العلاقات العادية بين دولتين تحتاج إلى مأسسة وإطار قانوني عبر اتفاقيات وتبادل مذكرات، وهو ما يحدث الآن".
معطيات جديدة
يرى محمد العمراني بوخبزة أن هناك معطيات جديدة تحكم العلاقات الدولية".
وأوضح أن "المغرب يُفترض أن يكون له موطئ قدم بالساحتين الدولية والإقليمية في إطار خدمة مصالحه المتعددة، سواء تعلق الأمر بوحدته الترابية أو مصالح أخرى".
وأضاف: "هذا يدفع المغرب إلى البحث عن توسيع علاقاته الدولية والأمر لا يتعلق بإسرائيل فقط، فالمغرب بدأ الانفتاحَ مثلاً على دول الكاريبي وأمريكا اللاتينية".
وبيَّن بوخبزة أن المغرب عمِل على تغيير استراتيجيته لكي يعيد ترتيب موقعه على المستوى الدولي، تحقيقاً لرغبات وطنية.
وتابع: "للمغرب تصور واضح ومصالح يحتاج الدفاع عنها وهي غير مرتبطة بدولة واحدة".
وزاد: "لهذا ينوّع المغرب تحالفاته وشراكاته، فإعادة ترتيب المواقع الإقليمية والدولية تحتاج إلى هذه التحركات الدبلوماسية".
إرادة مغربية
يجزم إسماعيل حمودي، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة تازة، بأن الوتيرة المتصاعدة للتطبيع بين الرباط وتل أبيب يتحكّم فيها الطرف العربي.
قال حمودي لـ"الأناضول": "لا يمكن أن تكون هذه العلاقات إلا بإرادة مغربية، لأنه (المغرب) المتحكم في هذه الدينامية".
وأضاف: "المغرب هو الذي يدير عملية تبطيء أو تسريع وتيرة التطبيع، فالزيارات الإسرائيلية تأتي بناءً على دعوات من أعضاء الحكومة المغربية".
وأوضح أن هذا الأمر يبيّن أن المغرب "منخرط ومتحمّس للعلاقة مع إسرائيل، خصوصاً أن هذه الزيارات شملت مختلف المجالات".
وتابع: "زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي للرباط مؤشر واضح على ذلك".
تطبيع أم تحالف؟
يرى إسماعيل حمودي في العلاقات المغربية الإسرائيلية تجاوزاً لمفهوم "التطبيع" إلى "التحالف".
قال: "نحن إزاء تحالف سياسي أمني عسكري اقتصادي، بدعم ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف: "يُتوقع من هذا التحالف تجاوز العلاقات الثنائية إلى علاقات متعددة الأطراف".
وتابع: "زيارة وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي تشير إلى تعاون مغربي إسرائيلي أمريكي خارج المغرب، خصوصاً في إفريقيا".
ورجّح حمودي أن يتوجه البلدان، بدعم أمريكي، نحو إفريقيا في مشاريع مشتركة، وهو أمر يعزز مكانة المغرب وموقعه الإقليمي".
المستفيد الأول
يرى إسماعيل حمودي أنَّ تسارع التطبيع العربي يصبُّ في مصلحة إسرائيل بالمقام الأول.
وقال حمودي إن دينامية العلاقات المغربية الإسرائيلية "لم تقدم للقضية الفلسطينية أي شيء حتى الآن، رغم التعهدات المغربية بالتوسط لاستئناف مفاوضات السلام".
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن العلاقات الثنائية بين الرباط وتل أبيب "تصب في مصلحة الإسرائيليين حتى الآن".
وأضاف: "تل أبيب تفضّل هذا النوع من العلاقات الثنائية، وتطمح إلى علاقات عربية متعددة الأطراف بدون فلسطين".
وتابع: "تسعى إسرائيل للتحالف مع العرب على حساب فلسطين، وهذا أمر لن تقبل به الشعوب والنخب العربية".
وزاد حمودي: "هذا الأمر سيشكل باستمرارٍ ورقة ضغط لتستغلها القوى الرافضة لهذه العلاقات".
وأردف: "تلكُّؤ إسرائيل في الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس يضر المغرب والأنظمة العربية".