تستعد الصين لتنظيم أكبر مناورات عسكرية حول جزيرة تايوان؛ احتجاجاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي لتايبيه، وقد تشهد هذه المناورات تحليقاً للطائرات الصينية فوق المجال الجوي التايواني، وهو الأمر الذي قد يثير تساؤلاً، مفاده: هل لدى تايوان ما يمكن تسميته مجالاً جوياً مستقلاً، من وجهة نظر القانون الدولي؟
وأعلنت الصين أن هذه المناورات سوف تبدأ من يوم الخميس 4 أغسطس/آب 2022، وحتى يوم الأحد 7 أغسطس/آب 2022.
وعلى الأرجح فإن مناطق التدريبات التي أعلنت عنها بكين ستمتد إلى عمق منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، التي هي عبارة عن مجالٍ جوي عازل. بينما تتعدى المناورات في بعض الحالات على المجال الجوي الإقليمي للجزيرة، وهي المنطقة التي يعرّفها القانون الدولي بأنها تمتد لمسافة 22.2 كيلومتر من الشاطئ، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.
وقال كارل شوستر، قبطان البحرية الأمريكية السابق، إن الصين "تقطع شوطاً أطول من أي وقتٍ مضى"، على صعيد نشر أصولها العسكرية قرب شواطئ تايوان.
وأثارت تهديدات بكين كثيراً من النقاشات حول ماهية المجال الجوي التايواني تحديداً، وما إذا كان معترفاً به أمام القانون الدولي.
ما هو المجال الجوي الخاص بالدولة؟
تنص "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" على أن الحدود الإقليمية للدولة تمتد لمسافة 22.2 كيلومتر من ساحلها.
وتعتبر المنطقة الواقعة أعلاها بمثابة المجال الجوي الإقليمي للدولة بحسب "اتفاقية الطيران المدني الدولي"، التي تنص على عدم السماح للطائرات الحكومية والعسكرية بالتحليق فوق أراضي دولة أخرى دون الحصول على تصريح.
ووقَّعت الصين على "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول عام 1982، ثم صدَّقت على توقيعها عام 1996. لكن تايوان لم توقع على الاتفاقية.
هل تمتلك تايوان مجالاً جوياً خاصاً بها وهي ليست دولة مستقلة؟
من الصعب تقديم إجابة قاطعة عن هذا السؤال، بسبب وضعية تايوان المتنازع عليها.
إذ تعد تايوان "ديمقراطيةً ذاتية الحكم"، وهو توصيف غربي لهذه الجزيرة ذات الوضع السياسي الإشكالي، لكن البر الرئيسي للصين يصر على أن له سيادةً على الجزيرة ويعارض بشدةٍ أي مقترح لاعتبارها دولةً مستقلة.
ولا تعترف غالبية دول العالم بتايوان كدولةٍ مستقلة، بل تتمسك بعلاقاتها الدبلوماسية مع بكين بدلاً من تايبيه، وضمن ذلك الولايات المتحدة التي تعترف رسمياً بأن تايوان جزء من الصين الواحدة، وفقاً لبيان شنغهاي المشترك بين بكين وواشنطن والذي صدر عام 1972، ولكن الإدارات الأمريكية فسرت هذا الموقف لاحقاً بأنه رغم اعترافها بسياسة الصين الواحدة فإنها لا تعترف بسيادة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين على تايوان.
الأمم المتحدة اعترفت بالمجال الجوي التايواني في مجال الطيران المدني
ومع ذلك قال درو طومسون، الباحث الزائر بجامعة سنغافورة الوطنية والمسؤول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية، إن غالبية دول العالم تعامل تايوان كدولةٍ مستقلة. ولهذا يرى أنه يجب اعتبار أنها تمتلك مجالاً جوياً خاصاً بها.
وأوضح طومسون: "يقول الواقع إن تايوان موجودة، حيث تتمتع بالحكم الذاتي، وتعتبر مستقلةً فعلياً عن أي دولةٍ أخرى. إذ تنتخب حكومتها ذاتياً، وتجمع ضرائبها الخاصة، وتدافع عن حدودها بنفسها. ولهذا يمكن اعتبار تايوان دولةً من جميع الزوايا والمقاصد. وربما نجد أن القانون الدولي قابل للتطبيق هنا بناءً على هذا المبدأ، وعندها سيمتد المجال الجوي التايواني لمسافة 22.2 كيلومتر بعد خط ساحلها. وبذلك ستقع المياه الدولية والمجال الجوي الدولي بعد خط الـ22.2 كيلومتر".
وأردف طومسون أن "الصين تحترم المجال الجوي التايواني، رغم حقيقة عدم اعتراف جيش التحرير الشعبي والصين بتايوان".
كما تحترم شركات الطيران التجاري الصينية المجال الجوي التايواني أيضاً؛ اعترافاً منها بـ"اتفاقية تعامل تايوان كدولة مستقلة فعلياً بموجب توجيهات الطيران المدني" على حد قول طومسون.
لكن الصين تجادل بأن وقوع تايوان داخل أراضيها السيادية يعني أن طائرات الصين الحربية ليست بحاجة إلى ترخيص من تايوان أو غيرها للتحليق فوق المجال الجوي للجزيرة.
ماذا سيحدث من الناحية القانونية إذا حلقت الطائرات الصينية فوق تايوان؟
من وجهة نظر المراقبين الغربيين، مثل الباحث الأمريكي درو طومسون، فإن هذه الخطوة ستتعارض مع القانون الدولي. لكنه يستدرك قائلاً "القانون الدولي مطاط ورهن لتفسير كل دولة عندما تقرر ما إذا كانت تريد الالتزام به وتطبيقه أم لا".
ويقول موقع الأمم المتحدة إن القانون الدولي محميٌّ "من عدة نواحٍ بواسطة المحاكم، والهيئات القضائية، والمعاهدات متعددة الأطراف. أضف إلى هذه المؤسسات مجلس الأمن الذي يستطيع الموافقة على بعثات حفظ السلام، وفرض العقوبات، والترخيص باستخدام القوة عند تهديد الأمن والسلام الدوليَّين أو عندما تدعو الحاجة لذلك في رأيه".
لكن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن يتمتعون بحق الرفض (الفيتو)، وبينهم الصين والولايات المتحدة، مما يعني أن بإمكان تلك الدول حظر أي محاولة من جانب الأمم المتحدة لفرض القانون الدولي.
ما الفارق بين المجال الجوي ومنطقة تحديد الدفاع الجوي؟
تصدرت تايوان عناوين الأخبار بكثرة مؤخراً كلما دخلت الطائرات الحربية الصينية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية.
لكن هذه النوعية من المناطق تختلف عن المجال الجوي الإقليمي. إذ تعتبر بمثابة مناطق عازلة مُعلنة أحادياً تمتد إلى ما وراء المجال الجوي الإقليمي، وهي مصممة خصوصاً لمنح قوات الدفاع الوقت اللازم للاستجابة عند اقتراب الطائرات الأجنبية. وبالتالي لا توجد مناطق تحديد الدفاع الجوي لدى جميع الدول.
وتُعرّف إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية هذه المناطق بأنها "مناطق معينة من المجال الجوي تقع فوق البر أو البحر، وتطلب الدولة داخلها تقديم تعريفٍ إيجابي وفوري، مع تحديد المواقع وفرض المراقبة الجوية على الطائرات لحماية مصالح الأمن القومي لهذه الدولة".
بينما كتبت مرسيدس ترينت، من مؤسسة Federation of American Scientists البحثية، مراجعةً عام 2020 قالت فيها: "إنه من المعتاد أن تقوم الطائرات الأجنبية بتعريف نفسها وطلب التصريح المسبق من الدولة التي تسيطر على منطقة تحديد الدفاع الجوي، قبل أن تدخل حدود هذه المنطقة".
وفي حال دخول طائرة أجنبية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي دون تصريح، فسوف تسارع الدولة صاحبة السيادة القضائية بإرسال الطائرات الحربية؛ لإنذار المتسللين. وحدث هذا في عدة مناسبات عندما دخلت الطائرات الحربية الصينية منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية خلال السنوات الأخيرة.
كيف أنشأت تايوان منطقة تحديد الدفاع الجوي الخاصة بها؟ اختراع أمريكي
يُعتبر إنشاء منطقة تحديد الدفاع الجوي في الجزيرة من بنات أفكار الولايات المتحدة، التي أنشأت عدة مناطق مشابهة في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين؛ وذلك في محاولةٍ منها لحماية تلك الدول من تحليق الطائرات الصينية والروسية فوقها، وفقاً لمرسيدس.
ويمتد جزءٌ من منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية في الواقع فوق البر الرئيسي للصين. لكن تايوان لا تتصدى للرحلات الجوية الصينية إلا في حال اجتيازها خط المنتصف، وهي النقطة الواقعة في منتصف الطريق بين الجزيرة والبر الرئيسي فوق مضيق تايوان.
هل تمتلك الصين منطقةً لتحديد الدفاع الجوي؟
نعم، تمتلك الصين منطقة كهذه فوق بحر الصين الشرقي. وتغطي هذه المنطقة سلسلة جزر سينكاكو/دياويو المتنازع عليها، والتي تسيطر عليها اليابان.
وتتداخل منطقة تحديد الدفاع الجوي الصينية مع نظيرتها اليابانية، والكورية الجنوبية، والتايوانية. لكنها لا تغطي جزيرة تايوان نفسها، بل تنتهي حدود تلك المنطقة على بعد مسافةٍ قصيرة من طرف الجزيرة الشمالي.