بات اتفاق الدوحة، الذي أبرمته الولايات المتحدة وطالبان منذ نحو عامين، موضع نقاش محتدم، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أفغانستان.
وحتى قبل مقتل الظواهري كان الطرفان يتبادلان الاتهامات بانتهاك اتفاق الدوحة الذي نظم العلاقة بينهما، أو بالأحرى وفر إطاراً لإدارة الخلافات بينهما، بما في ذلك الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وجاء مقتل الظواهري ليزيد هذا الخلاف، حيث تعتبر واشنطن أن وجود الظواهري في أفغانستان هو انتهاك لتعهدات طالبان الواردة في الاتفاق، بينما تقدم الحركة الأفغانية تفسيراً لنص الاتفاق، يزعم حسب وجهة نظرها أن استضافتها للظواهري لا تمثل مخالفة، حسب ما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
كيف علق الطرفان على قتل الظواهري؟
قُتل الظواهري، صباح الأحد 31 يوليو/تموز، بعد أن استهدفته طائرة مسيرة أمريكية وهو واقف في شرفة منزله في العاصمة الأفغانية كابول.
في البيان الذي ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن الاغتيال، يوم الاثنين 1 أغسطس/آب، قال بايدن إن "العدالة قد تحققت"، وإن واشنطن لن تسمح لأفغانستان بأن تصبح "ملاذاً آمناً للإرهابيين" مرة أخرى.
لم يتطرق بايدن بالذكر إلى طالبان أو الاتفاقية، لكن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وجَّه بعد ذلك توبيخاً لاذعاً لطالبان بسبب "امتناعها أو عجزها" عن التزام التعهدات التي أبرمتها خلال اتفاقية الدوحة عام 2020 مع الولايات المتحدة.
وقال بلينكن: "إن استضافة زعيم تنظيم القاعدة وإيواءه في كابول تتضمن انتهاكاً شائناً من طالبان لاتفاق الدوحة والتعهدات المتكررة للعالم بأنهم لن يسمحوا باستخدام الإرهابيين للأراضي الأفغانية في تهديد أمن الدول الأخرى".
في المقابل، أدانت حركة طالبان الضربة الأمريكية في البلاد، من دون أي ذكر للظواهري، واتهمت الولايات المتحدة بأنها هي من انتهكت اتفاق الدوحة.
وقال المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، في بيان: إن "هذه الأفعال ليست إلا تكراراً للتجارب الفاشلة التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشرين الماضية، وهي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة وأفغانستان والمنطقة".
سارع الجانبان باستدعاء الحديث عن اتفاق الدوحة بعد يوم واحد من إعلان الاغتيال، ويدور منذ ذلك الوقت جدل كبير حول من خالف الاتفاق، وإن كان ثمة عواقب لهذا الانتهاك، فما هي تلك العواقب؟
قال غرايم سميث، المؤلف والخبير في شؤون أفغانستان، لموقع Middle East Eye: "الركن الأساسي الذي تقوم عليه هذه الاتفاقية هو قدر ما من الثقة القائمة بين الجانبين، وتلك الثقة قد تآكلت بشدة".
ما هو اتفاق الدوحة؟
أُبرم اتفاق الدوحة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واستند الاتفاق إلى دعمه بعد أن كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء "حروب أمريكا التي لا تنتهي".
بعد 17 عاماً من الحرب المهلكة في أفغانستان ومحاولات فاشلة كثيرة للتوصل إلى حل دبلوماسي، تم الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة في فبراير/شباط 2020، ووقَّع المبعوث الأمريكي الخاص، زلماي خليل زاد، وزعيم المكتب السياسي لحركة طالبان، الملا عبد الغني بَرادر، على الاتفاقية، في حضور وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو.
وافقت طالبان في الاتفاقية على عدم السماح لأي جماعة، مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان أو الجماعات الإرهابية الأخرى، باستخدام الأراضي الأفغانية لشنِّ هجمات "تهدد أمن الولايات المتحدة".
وأقرت طالبان أيضاً بالموافقة على المشاركة في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية المدعومة من الناتو، بعد أن كانت الحركة ترفض هذا الأمر مدة طويلة.
في المقابل، تعهدت الولايات المتحدة بتقليص عدد قواتها في أفغانستان تدريجياً، ثم الانسحاب الكامل لقوات حلف الناتو.
وبعد أن تولى بايدن منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، أخَّر البيت الأبيض موعد إتمام الانسحاب الأمريكي حتى 11 سبتمبر/أيلول 2021. لكن الحكومة الأفغانية انهارت خلال الأيام السابقة للانسحاب المخطط له، وفرَّ الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني من البلاد. ثم آل الأمر إلى سيطرة حركة طالبان على معظم أراضي أفغانستان.
كلاهما مرتاح لغموض نص الاتفاق ولا توجد طريقة للتحكيم في الاختلافات
وُصف اتفاق الدوحة بأنه إنجاز كبير، خاصة أنه دفع كلاً من طالبان والولايات المتحدة إلى تسوية تفاوضية بعد حرب استمرت طوال عقدين. ومع ذلك، فإن أحد الأسباب البارزة في توافق الجانبين على إبرام الاتفاق هو الطريقة المبهمة التي كُتب بها بنوده وقابليتها للتأويلات المختلفة.
يقول إبراهيم باهيس، الخبير في قسم الشؤون الآسيوية بمجموعة الأزمات الدولية، إن هذه اللغة المبهمة ذاتها هي التي تجعل الأمور ملتبسة وتصعِّب الحكم على أي من الجانبين بانتهاك اتفاق الدوحة، فنص الاتفاق مبهم للغاية من نواحٍ عديدة، وربما كان هذا الإبهام عن عمدٍ يستحسنه كلا الجانبين، حسب باهيس.
كيف يرى الطرفان قتل الظواهري من منظور اتفاق الدوحة؟
ترى الولايات المتحدة أن وجود الظواهري في العاصمة الأفغانية يعد انتهاكاً للاتفاق، مستندةً إلى أن الاتفاق ينص على أن طالبان "لن تسمح باستضافة أي مجموعات إرهابية دولية"، والتي تشمل تنظيم القاعدة.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض في بيان صحفي، يوم الاثنين 1 أغسطس/آب، إن طالبان سارعت بالعمل على إخفاء أي إشارة إلى وجود الظواهري بعد وقت قصير من الغارة الأمريكية.
وقال المسؤول الأمريكي: "سارع بعض رجال شبكة حقاني في طالبان بالتحرك لنقل زوجة الظواهري وابنته وأطفالهما إلى مكان آخر، وهو ما يتفق مع جهود أوسع من الحركة لإخفاء أي أثر يشير إلى أنها كانت تستضيف الظواهري في منزل آمن".
أما طالبان، فترى أن الاتفاقية تنص على منع التنظيمات، مثل القاعدة، من شنِّ أية هجمات دولية، لكنها لا تشترط طرد المنتمين إلى هذه المنظمات بالكامل من البلاد.
مع ذلك، يقول باهيس إنه "بعيداً عن تحديد الجانب الذي انتهك الاتفاق، فإن اتفاق الدوحة لم يتضمن في واقع الأمر آلية تنفيذ أو تحكيم معينة. ومن ثم لا توجد آلية لتسوية الخلافات بين الجانبين حول تفسير التعهدات الواقعة على كل منهما".
هل تكرر الولايات المتحدة مثل هذه الغارات؟
منذ سيطرة طالبان على السلطة، في أغسطس/آب الماضي، أثناء انسحاب الولايات المتحدة من البلاد، أخذ كل جانب يتهم نظيره بانتهاك الاتفاق لسبب أو لآخر.
وقال باهيس: "لقد اجتمع الجانبان على هذا الأمر منذ توقيع اتفاق الدوحة؛ كل جانب يتهم الآخر بارتكاب أفعال تمثل انتهاكاً للاتفاقية".
ينص اتفاق الدوحة على السماح لواشنطن بشنِّ عمليات عسكرية في أفغانستان ضد القاعدة، وغيرها من الجماعات المسلحة، "بموافقة حكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية"، وهو مصطلح يشير إلى نظام الحكم الموالي لأمريكا الذي كان موجوداً قبل الانسحاب الأمريكي، لكن لا يُعرف على وجه التحديد ما إذا كان الأمر نفسه يسري على حكومة طالبان، التي أصبحت السلطة الفعلية في البلاد. وقال مسؤول بالبيت الأبيض، يوم الاثنين 1 أغسطس/آب، إن الولايات المتحدة لم تُخبر طالبان بالغارة قبل وقوعها، ولم تشارك في أي تنسيق معها بشأن العملية.
إضافة إلى ذلك، لم يتبين بعد ما إذا كانت هذا الضربة بداية تُنذر بضربات أخرى من هذا النوع، أم أنها حدث عارض لمرة واحدة، خاصة أن إدارة بايدن بدأت بالفعل في الترويج لفعالية برنامج الاعتماد على الطائرات المسيرة لشن الهجمات على خصوم البلاد "في الخارج".
وكان لافتاً قول بايدن، يوم الاثنين 1 أغسطس/آب: "أينما كان المكان الذي تختبئ فيه، مادمت تمثل تهديداً لشعبنا، فستجدك الولايات المتحدة وتقضي عليك".
على الخلاف من ذلك، يقول سميث، الخبير في شؤون أفغانستان، إن التجارب السابقة أوضحت أن "قصف الدول الأخرى لا يجعلها أكثر أماناً واستقراراً".
هل تتوقف الاتصالات بين أمريكا وطالبان؟
ومع ذلك، فإن الغضب الملحوظ في اتهامات كل جانب للآخر لا يعني انقطاع كل السبل الدبلوماسية بينهما، حسب ما قال سميث المؤلف والخبير في شؤون أفغانستان.
وأضاف: "لحسن الحظ، لا يزال الجانبان يتحدثان. لقد تواصلت بعد الضربة مع مصادر من طالبان ومن الأمريكيين الذين يتفاوضون معهم. ويقول الجانبان إن ما حدث لن يغلق الباب أمام تعاونهما في المستقبل، حتى إن كان الانزعاج هو الغالب الآن على الجانبين".