بعد أن أصبح الاتفاق النووي، "الميت دماغياً"، بحاجة إلى معجزة حقيقية لإعادته إلى الحياة، يبدو أن الرئيس جو بايدن يتحمل المسؤولية في اقتراب إيران من امتلاك قنبلة نووية، بحسب تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي، الذي كان نائباً لباراك أوباما عندما تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015، كان قد أعلن عن نيته العودة للاتفاق الذي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018، إلا أن المفاوضات بين واشنطن وطهران باءت بالفشل حتى الآن.
إيران أقرب إلى القنبلة النووية من أي وقت مضى
وفي تحليل عنوانه "كيف صار جو بايدن أبو القنبلة النووية الإيرانية؟"، يرى تحليل الموقع الأمريكي أن عناد بايدن ورفضه اتخاذ القرارات المطلوبة لإصلاح ما أفسده انسحاب ترامب قد أعطى إيران الفرصة كاملة للإسراع بتطوير برنامجها والاقتراب بشدة من "العتبة النووية".
إذ إنه بعد عقود من وقف التقدم في تطوير قدرات الأسلحة النووية، تدفع إيران حالياً للوصول بقدراتها إلى العتبة النووية. وصارت إيران الآن أقرب من أي وقت مضى إلى تطوير سلاح نووي فعلي- وصولاً إلى النقطة التي لا يمكن أن تؤدي عندها الاغتيالات أو التخريب أو حتى حملة الضربات الجوية إلى إعاقة قدرتها النووية كثيراً.
والاثنين 1 أغسطس/آب، نقلت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء عن محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، قوله إن إيران لديها القدرة التقنية على إنتاج قنبلة ذرية لكنها لا تنوي القيام بذلك، بحسب رويترز.
ويؤكد إسلامي بذلك تصريحات سابقة أدلى بها كمال خرازي، المستشار الكبير للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، في يوليو تموز. وتعد تصريحات خرازي بمثابة إشارة نادرة إلى أن الجمهورية الإسلامية قد تكون مهتمة بامتلاك أسلحة نووية، وهو أمر تنكره منذ فترة طويلة.
وقال إسلامي "كما ذكر السيد خرازي، إيران لديها القدرة التقنية على إنتاج قنبلة ذرية، لكن مثل هذا البرنامج غير مطروح على جدول الأعمال".
وتُخصّب إيران بالفعل اليورانيوم حتى درجة نقاء 60%، وهي أعلى بكثير من سقف 3.67% المحدد بموجب اتفاق طهران النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية. ويتطلب صنع قنبلة نووية توفر يورانيوم مخصب بنسبة 90%.
وتخلّى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 عن الاتفاق النووي والذي ينص على أن تكبح طهران عمليات التخصيب النووي في مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها.
هل انتهى الاتفاق النووي الأصلي فعلياً؟
تشير كل قطاعات الصحافة الأمريكية، سواء المناصرة للردود العسكرية أو السلمية، إلى حقيقة واضحة تدعم هذا التطور: الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015 قد أصبح منتهياً.
إنَّ طريق إيران إلى القنبلة النووية هو بالطبع من صنعها، لكن ساعدها على طول الطريق رفض بايدن العنيد تقديم التنازلات اللازمة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015. وقال بايدن خلال حملته الانتخابية للرئاسة إنه سيعود للاتفاقية، بعدما انسحب منها سلفه دونالد ترامب في خضم نوبة غضب. ومع ذلك، حينما جاء وقت اتخاذ القرار، رفض بايدن التراجع عن إجراءات ترامب العدوانية.
وإذا كان من الصعب القول إنَّ الاتفاق النووي قد انتهى تماماً؛ لأنه، من الناحية النظرية، يمكن للطرفين التوصل إلى اتفاق بأعجوبة في أي وقت، إلا أنه يمكن وصفه بدقة على أنه في غيبوبة: ليس ميتاً تماماً، لكن لا تدب فيه الحياة أيضاً.
وبحسب تقارير، قال منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك لمجموعة من خبراء مراكز الأبحاث، يوم الأربعاء 27 يوليو/تموز، إنَّ أية عودة إلى صفقة "غير مرجحة إلى حد كبير". وفي وقت سابق، قال كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل: "لقد استنتجت أنَّ مساحة التنازلات المهمة الإضافية قد استُنفِدَت".
وأضاف أنه يتعين على الجانبين الآن التوقيع على الاتفاق على الطاولة إذا كانا يريدان المضي قدماً. لكن المشكلة هي أنَّ كلاً من الأمريكيين والإيرانيين قالوا بالفعل إنَّ الصفقة المطروحة حالياً غير مقبولة.
كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين قال الأحد 31 يوليو/ تموز إن إيران استجابت لاقتراح جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الذي يرمي إلى إنقاذ الاتفاق النووي وتسعى لاختتام سريع للمفاوضات. وقال بوريل إنه اقترح مسودة نص جديد لإعادة إحياء الاتفاق.
وقال ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "بعد تبادل رسائل الأسبوع الماضي ومراجعة النصوص المقترحة، هناك احتمال بأن نتمكن في المستقبل القريب من التوصل إلى نتيجة بخصوص توقيت بدء جولة جديدة من المحادثات النووية".
وتم الاتفاق بشكل أساسي على الخطوط العريضة لإحياء الاتفاق في مارس/آذار بعد 11 شهراً من المحادثات غير المباشرة في فيينا بين طهران وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
لكن المحادثات انهارت بعد ذلك بسبب عقبات من بينها مطالبة طهران بضرورة أن تقدم واشنطن ضمانات بعدم تخلي أي رئيس أمريكي عن الاتفاق مثلما فعل ترامب. ولا يمكن لبايدن أن يتعهد بذلك لأن الاتفاق النووي عبارة عن تفاهم سياسي غير ملزم وليس معاهدة ملزمة قانوناً.
لماذا يتحمل بايدن الجزء الأكبر من المسؤولية؟
ويستحق الأمريكيون الجزء الأكبر من اللوم؛ فالولايات المتحدة هي التي انتهكت الاتفاقية في المقام الأول. والآن سيكون كلا الجانبين -وكذلك دول المنطقة- أسوأ حالاً وسط التداعيات المستمرة، بحسب تحليل موقع ذي إنترسيبت الأمريكي.
لكن يبدو أنَّ البيان الأكثر إثارة للاهتمام حول وفاة الاتفاق النووي جاء من الدولة التي كان لقيادتها السياسية المساهمة الأكبر في قتله؛ وهي إسرائيل. ففي مقال نُشِر في مجلة Time الأمريكية هذا الأسبوع، عرض إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، حُجته حول أنَّ إنهاء الصفقة يضمن تحول أسوأ مخاوف إسرائيل من إيران نووية إلى حقيقة واقعة.
وكتب باراك: "هذا الصيف ستتحول إيران بحكم الأمر الواقع إلى دولة نووية"، مضيفاً أنَّ برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم قد تقدم الآن إلى درجة لم يعد من الممكن فيها التراجع عن طريق الضربات العسكرية أو التخريب.
وجادل باراك، وهو شخصية أبعد ما تكون عن مناصرة الحلول السلمية، بأنه كان على الولايات المتحدة وإسرائيل التخطيط لمهاجمة إيران فوراً في 2018 بعد الانسحاب من الاتفاق النووي.
و"لأسباب غير قابلة للتفسير"، بحسب وصف الموقع الأمريكي، فشلت الاثنتان في اتخاذ هذه الخطوة، التي كان من شأنها إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء لسنوات. وبدلاً من ذلك، استمر التقدم النووي على الرغم من حملة "الضغط الأقصى" التي أطلقها ترامب. وقد تجاوزت برامج التخصيب الإيرانية الآن النقطة التي يمكن فيها استهدافها بفعالية من خلال هجوم خارجي.
وقال باراك إنَّ الأوان قد فات على وقف إيران نووية. وكتب أنه بدلاً من بعض الصفقات النووية الجديدة الأضعف والمحدودة، يجب على إسرائيل والدول المجاورة لها ببساطة محاولة احتواء دولة إيرانية تجاوزت أخيراً العتبة النووية.
كان رد بايدن على كل هذه الأحداث هو الأسوأ في جميع العوالم؛ فقد خيَّب آمال قاعدته المؤيدة للدبلوماسية بينما فشل في تهدئة أعدائه السياسيين.
عند توليه منصبه، أتيحت لبايدن فرصة سياسية قوية للعودة إلى امتثال الولايات المتحدة للاتفاق، وهو الحد الأدنى من الشروط التي واصل الإيرانيون التمسك بها على الرغم من حملة الضغط القصوى التي شنها ترامب.
وبدلاً من ذلك، في خوف واضح من إغضاب خصومه السياسيين من خلال الظهور بمظهر ضعيف، رفض بايدن الدخول على الفور في الاتفاقية التي وقعت في السابق، وهو أمر أشار المسؤولون الإيرانيون إلى أنهم كانوا سيقبلونه بمجرد توليه منصبه. بسبب الضغوط السياسية المحلية، واصل بايدن التصرف بقسوة بدلاً من محاولة إبداء حسن النية للدخول في الصفقة مرة أخرى. والآن، يبدو أنه لم يعد لديه ما يظهره من أي منهما.
في العالم الواقعي، بعيداً عن النقاشات المرحة في السياسة الأمريكية، من المرجح أن تؤدي إيران النووية إلى تقييد عملية صنع القرار الأمريكي في المنطقة لأجيال قادمة.
وصارت الولايات المتحدة الآن عالقة إلى حد كبير في فوضى طويلة الأمد من صنعها. وغالباً ما كان قادة الولايات المتحدة يصورون التفاوض مع إيران على أنه خدمة للجمهورية الإسلامية. لكن الحقيقة هي أنَّ الصفقة تخدم المصالح الأمريكية المشروعة؛ وهي منع الانتشار النووي، وتجنيب الأمريكيين صراعاً مسلحاً آخر في المنطقة.
على عكس تصريحات بنيامين نتنياهو، الذي شغل منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي لفترة طويلة، وداعميه في الولايات المتحدة، الذين يميلون إلى الهيمنة على منظمات اللوبي الإسرائيلية، خدمت الصفقة أيضاً مصالح إسرائيل، وفقاً لباراك والعديد من المسؤولين السياسيين والاستخباراتيين الإسرائيليين الحاليين والسابقين. وقال مدير الموساد السابق تامير باردو إنَّ الانسحاب من الصفقة لم يكن أقل من "مأساة".
وأصبحت تلك المأساة الآن حقيقة ملموسة، تحت أعين جو بايدن. وعلى الرغم من أنَّ ترامب هو من بدأ العملية التي أوصلتنا إلى هذه النقطة، لكن بفضل مزيج بايدن من الضعف والتردد، من المحتمل أن يواجه العالم الآن ما يعادل كوريا الشمالية في الشرق الأوسط، بدلاً من نسخة إيران، المعتمدة اقتصادياً على الغرب كما تصورها الاتفاق النووي، بحسب تحليل The Intercept.
ولهذا، لا يمكن لبايدن أن يلوم سوى نفسه. فهو لم ينجز الكثير في منصب الرئاسة، لكن يبدو أنَّ بايدن سيحظى بإرث واحد يستدعي تذكره؛ وهو أنه أبو القنبلة النووية الإيرانية.