تتعرض الشركات العملاقة للنفط والغاز لضغوط متصاعدة بسبب الانبعاثات الكربونية وتبعاتها المتمثلة في التغير المناخي، فإلى أين تتجه معركة التحول إلى الطاقة النظيفة قبل فوات الأوان؟
ونشرت مجلة The Economist البريطانية تحليلاً عنوانه "شركات النفط العملاقة هي التي ستُنجِح أو تُفشِل التحول في مجال الطاقة"، ألقى الضوء على تفاصيل الجهود المبذولة لإقناع تلك الشركات بمزيد من الجهود في مجالات الطاقة المتجددة.
وفي ظل تفاقم وتكرر ظواهر الطقس المتطرف، من فيضانات وسيول وجفاف وارتفاعات قياسية في درجة الحرارة، بفعل التغير المناخي الناجم عن ارتفاع حرارة الكوكب، ترتفع وتيرة هجوم نشطاء البيئة على الوقود الأحفوري واستخداماته، وترتفع المطالبات بالتوسع في مجالات أبحاث واستخدامات الطاقة النظيفة.
هجوم على شركات النفط العملاقة
وفي هذا السياق يواصل نشطاء المناخ انتقاد شركتي إكسون موبيل وشل، إذ كانت هاتان الشركتان وشركات الطاقة الخاصة الأخرى الطرف المتلقِّي في معارك الوكالة والطعون القانونية وأشكال الضغوط الأخرى لإجبارها على التخلي عن النفط والغاز لصالح الطاقة المتجددة، والتقنيات الخضراء الأخرى.
والمقصود بمصطلح التغير المناخي هو التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة، وهطول الأمطار بغزارة مُسببةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة، وربما في الأماكن نفسها؛ ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد وصف 2021 بأنه يمثل "جرس إنذار" للبشرية قبل أن يفوت أوان إنقاذ الكوكب من تداعيات التغير المناخي.
من المؤكد أنَّ الشركات العملاقة جداً تمثل هدفاً جذاباً، فلديها شبكات توزيع في كل مكان وعلامات تجارية مشهورة عُرضة لمقاطعات الزبائن، بحسب تحليل الصحيفة البريطانية. هذه الضغوط في معظم الأحيان محل ترحيب، فكل فعل قليل له أهميته في المعركة ضد الاحتباس الحراري، لكن في سوق النفط يُعَد القطاع الخاص مسؤولاً عن أقل مما قد يعتقد الكثيرون. وسيعتمد نجاح التحول في مجال الطاقة من عدمه في جزء كبير منه على شركات النفط العملاقة التي تديرها الدول.
تنتج شركات النفط الوطنية معاً ثلاثة أخماس النفط الخام في العالم ونصف الغاز الطبيعي به، مقارنةً بأكثر بقليل من العُشر تنتجها شركات النفط الدولية الكبرى (يُضَخ الباقي من خلال شركات أصغر مستقلة). وتسيطر شركات النفط الوطنية على نحو ثلثي الاحتياطيات المتبقية من النفط والغاز المُكتَشَفين عالمياً. وتملك أربعاً منها، شركة أدنوك الإماراتية، وأرامكو السعودية، وشركة النفط الوطنية الفنزويلية، وقطر للطاقة- موارد هيدروكربونية تكفي لمواصلة الإنتاج بالمعدلات الحالية لأكثر من أربعة عقود.
إذا كنتم تعتقدون أنَّ رجال النفط في القطاع الخاص يتصرَّفون مثل قُطَّاع الطرق مؤخراً بسبب أسعار النفط التي بلغت 100 دولار أو أكثر للبرميل، وهو ما يُتوقَّع أن تؤكده الأرباح الفصلية الأخيرة لإكسون موبيل والشركات العملاقة الأخرى في وقتٍ لاحق من هذا الأسبوع، فإنَّ غنائمهم تتضاءل مقارنةً بنظرائهم الذين ترعاهم الدول.
فوفقاً لشركة Wood Mackenzie، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة، إذا بلغت أسعار النفط متوسط 70 دولاراً للبرميل حتى عام 2030، ستجني أكبر 16 شركة نفط وطنية مكاسب أكبر بـ1.1 تريليون دولار مما ستجنيه في حال بلغ متوسط الأسعار 50 دولاراً للبرميل، وهي حالة الأساس. سيذهب نصف هذه الجائزة إلى شركات النفط الوطنية الإماراتية والكويتية والقطرية والسعودية.
وستحصل شركات الطاقة الروسية العملاقة، مثل Rosneft، والتي حظرها الغرب تقريباً بعد الهجوم على أوكرانيا، في فبراير/شباط الماضي، في حين احتضنتها الصين وزبائن آسيويون آخرون، على قرابة الخمس. وفيما يجري إحراج القطاع الخاص والضغط عليه من أجل تبنّي مستقبل أقل كربوناً، لن يزداد نفوذ شركات النفط الوطنية إلا نمواً.
ما تأثير شركات الطاقة في معركة المناخ؟
ولذا، من المثير للقلق أنَّ سجل شركات النفط الوطنية العملاقة في تخفيض انبعاثات الكربون كان ضعيفاً جداً. ففي حين استقرت انبعاثات الغازات الدفيئة من الشركات الغربية الكبرى أو وصلت إلى ذروتها، ينطبق الأمر ذاته على اثنتين فقط من الشركات التي تديرها الدول: Petrobras البرازيلية وEcopetrol الكولومبية.
وتُقدِّر كافيتا جادهاف من شركة Wood Mackenzie أنَّ الشركات العملاقة التي تديرها الدول تخصص أقل من 5% من إنفاقها الرأسمالي على التحول في مجال الطاقة، مقارنةً بمتوسط 15% للشركات الأمريكية والأوروبية.
ووفقاً لبحث أجرته آمي مايرز جافي وزملاؤها في مختبر سياسة المناخ بجامعة تافتس، قدَّمت شركات النفط الوطنية في العالم النامي بين عامي 2005 و2020 أيضاً عدداً أقل بكثير من طلبات براءة الاختراع لأفكار الطاقة الخضراء، مقارنةً بمنافسيها الدوليين.
لكن مثلما يشير دانيال يرغين، خبير الطاقة الذي يعمل الآن بشركة s&p Global، وهي شركة بحثية، فإنَّ شركات النفط الوطنية أكثر تنوعاً بكثير من الشركات الخاصة. وتحدد شركة s&p Global عدد 65 شركة بهذا الشكل على مستوى العالم، تتراوح بين تلك المنهارة مالياً مثل شركة النفط الوطنية الفنزويلية، وحتى الشركات المُدارة باحتراف والمُدرَجة ومسؤولة، على الأقل من حيث المبدأ، أمام مساهمي الأقلية (خصوصاً شركتي أرامكو السعودية أو Equinor النرويجية). ولا عجب إذاً أنَّها تختلف في انبعاثاتها الكربونية.
توجد أكبر شركات النفط الوطنية من حيث الانبعاثات الكربونية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. تتسم معظمها بسوء الإدارة ولديها احتياطيات غير جذابة. فتُخرِج الشركتان الجزائرية والفنزويلية انبعاثات كربونية أكبر بثلاثة إلى أربعة أضعاف خلال إنتاج النفط، مقارنةً بالشركات الأكثر حظاً من الناحية الجيولوجية والأفضل إدارةً مثل أدنوك وأرامكو السعودية، وتُشعِل ميثان، وهو غاز دفيء قوي آخر، أكثر بسبعة إلى عشرة أضعاف لكل برميل مقارنةً بما تفعل شركة قطر للطاقة.
يضع بن كاهيل من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث أمريكي، شركة Pemex المكسيكية، وسوناطراك الجزائرية، وPertamina الإندونيسية، وSonangol الأنغولية، وNnpc النيجيرية في هذا التصنيف. ويتمثَّل الخطر في أنَّ هذه الشركات المتعثرة قد تعزز إنتاجها الآن لتحقيق أكبر قدر ممكن من العائدات قبل أن تصبح أصولها مهجورة بالكامل.
أين وصل التحول إلى الطاقة النظيفة؟
على الجانب الآخر من الطيف الأخضر، تستخدم بعض شركات النفط الوطنية الطموحة أرباح نفط وغاز اليوم من أجل التوسع والدخول في الطاقة النظيفة، لاسيما في البلدان ذات الاحتياطيات المتضائلة والأهداف الطموحة نسبياً لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة.
ويُقدِّر أليكس مارتينوس، مدير شركة Energy Intelligence، أنَّ هذه الشركات متوسطة الحجم في معظمها حذت في السنوات الثلاث الماضية حذو الشركات الأوروبية الكبرى في تسريع الإنفاق على الطاقة الأنظف، وتجاوزت في كثير من الأحيان الاستثمارات المماثلة من جانب الشركات الأمريكية.
تشمل الأمثلة على هذه المجموعة الثانية شركتي Petronas الماليزية وPtt التايلاندية، اللتين توسعتا بسرعة ودخلتا مجال توليد الطاقة المتجددة. بل وتقوم شركة Ptt بجهود في مجال المركبات والبطاريات الكهربية.
وتشارك شركة Ecopetrol في مشروعات لطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتريد شركة Cnooc الصينية الآن أن تصل ذروة انبعاثاتها الكربونية بحلول عام 2028، وتتعهَّد بأن تُشكِّل الطاقة غير الأحفورية أكثر من نصف إنتاجها المحلي بحلول 2050.
تقع الفئة الأكبر في مكان ما في المنتصف. وهذه الشركات، ومعظمها يقع في الخليج وروسيا، هي التي تنعم باحتياطيات كبيرة منخفضة الكربون ومنخفضة التكلفة، وستستمر إلى ما بعد كل من شركات النفط الوطنية الأقل ثراءً والشركات الكبرى. وستستمر في ضخ النفط لسنوات، بل وحتى لعقود، قادمة، لكنَّ بعضها يحاول فعل ذلك بصورة أنظف.
ورغم أنَّ خطط الإنفاق الرأسمالي للمجموعة الوسطى تخفي أيضاً بقعاً خضراء صغيرة، لكن مثيرة للاهتمام، خصوصاً حين نحول تركيزنا من المشروعات الخاصة بالشركات إلى المشروعات التي تُسهم في رعايتها من خلال كيانات الدولة الأخرى.
ولنأخذ الإمارات على سبيل المثال. فيقول وزير الصناعة هناك، سلطان الجابر: "رأينا النُّذُر قبل 16 عاماً". كان ذلك حين أنشأت البلاد شركة "مصدر"، وهي شركة طاقة نظيفة رائدة لديها اليوم استثمارات في أكثر من 40 بلداً حول العالم.
تراهن مصدر، جنباً إلى جنب مع أدنوك ومبادلة، وهي صندوق ثروة سيادية إماراتي عملاق، بصورة كبيرة على الهيدروجين، فوقَّعت اتفاقاتٍ مع ألمانيا واليابان لتطوير سلاسل توريد خضراء لتصدير ذلك الوقود النظيف الواعد.
يتحدث الجابر عن "تحول طاقوي واقعي"، وهو ما يمكن القول إنَّه تحول طاقوي يشمل بعض الوقود الأحفوري لبعض الوقت، لكنَّه يُصِرُّ على أنَّ "عملياتنا النفطية والغازية التي تراعي المستقبل لطالما كانت في قمة أولوياتنا"، وتُعَد الإمارات مقراً لـIrena، وهي وكالة دولية مكرسة للطاقة المتجددة، وستستضيف البلاد قمة الأمم المتحدة السنوية بشأن المناخ العام المقبل.
ويشيد يرغين ببرنامج البحث والتطوير "الكبير المتنوع" لأرامكو السعودية. ويقول إنَّ هذا العملاق يُطبِّق "قدراته ونطاقه ومهاراته التنفيذية الهندسية ذات الطراز العالمي" على التحول الطاقوي. وبالإضافة إلى جهود أرامكو، تستثمر المملكة 5 مليارات دولار في مشروع هيدروجين أخضر في مدينة نيوم الصحراوية المستقبلية، بهدف أن تصبح أكبر مُصدِّر للهيدروجين في العالم.
ولا يجب أن نخلط بكل تأكيد بين الرهان التحوطي والتغيُّر الجوهري في الاستراتيجية، إذ أعلن وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، العام الماضي، رؤية بلاده الاستراتيجية بوضوح: "ما زلنا سنكون آخر الصامدين، وسيُستخرَج كل جزيء من الهيدروكربون". وهذا شعور تشاطره إيَّاه معظم شركات النفط الوطنية في المستقبل المنظور.