أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي، الأربعاء 27 يوليو/تموز 2022، نصاً تشريعياً لتعزيز الإنتاج المحلي لـ"الرقائق الإلكترونية"، أو ما يُعرف بـ"أشباه الموصلات"، يصل إلى حوالي 280 مليار دولار، وسط نقص عالمي شديد فيها. وأشباه الموصلات عبارة عن قطع إلكترونية صغيرة جداً، لكنها تكاد تدخل في صناعة كل شيء اليوم، من الهواتف إلى السيارات، وحتى الأسلحة والصواريخ العابرة للقارات. فما هي هذه الصناعة، ومن يسيطر عليها اليوم، وما أهمية القرار الأمريكي بالنسبة الصين، أكبر المنافسين على هذه الصناعة؟
تمويل تاريخي لصناعة الرقائق الإلكترونية.. ما أهمية ذلك؟
صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 64 صوتاً مقابل 33، الأربعاء 27 يوليو/تموز، للموافقة على حزمة بقيمة 280 مليار دولار، تهدف إلى تحفيز تصنيع الرقائق الأمريكية، وهو ما يعتبر انتصاراً كبيراً لإدارة جو بايدن وصانعي الرقائق الأمريكيين، بحسب موقع axios.
ويهدف مشروع القانون إلى عكس اتجاه الانخفاض طويل الأجل في التصنيع المحلي لرقائق الكمبيوتر، التي تدخل في صناعة الهواتف والسيارات وأجهزة الكمبيوتر ومجموعة طويلة من العناصر اليومية الأخرى، بعد أن كشف الوباء عن هشاشة سلاسل التوريد.
وأثر هذا النقص خصوصاً على إنتاج السيارات العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ويُلحظ من النص التشريعي الذي أُقر لـ"خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات"، رصده عشرات المليارات لتمويل إقامة مصانع لإنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.
وبحسب آكسيوس، يقر التشريع حوالي 200 مليار دولار للبحث العلمي، بما في ذلك 81 مليار دولار لمؤسسة العلوم الوطنية لمديرية التكنولوجيا، التي تهدف إلى ترجمة البحوث الأساسية إلى منتجات تجارية مصنوعة في الولايات المتحدة.
وجاء تصديق مجلس الشيوخ على التشريع غداة إعلان المجموعة الكورية الجنوبية "إس.كي"، عن استثمار ضخم في أشباه الموصلات الأمريكية وغيرها من الصناعات المتطورة.
وجاء في بيان للمجموعة أنها تعتزم "زيادة استثمارها الجديد في الولايات المتحدة بمقدار 22 مليار دولار، في مجالات أشباه الموصلات والطاقة المتجددة (المراعية للبيئة) وعلوم الأحياء، بما يخلق للأمريكيين عشرات آلاف الوظائف المرتفعة الأجر في مجال التكنولوجيا المتطورة الحديثة".
ومارست إنتل وشركات تصنيع الرقائق الأخرى ضغوطاً شديدة على الإدارة الأمريكية، من أجل الحصول على الدعم لهذه الصناعة، بحجة أن الحكومة الأمريكية بحاجة إلى تحفيز إنتاج الرقائق على الأراضي الأمريكية، للحاق بركب البلدان الأخرى، مثل كوريا والصين وغيرها.
ما هي أشباه الموصلات ومَن يسيطر عليها؟
أصبحت الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات، أصغر منتج في العالم، والأكثر طلباً في الوقت نفسه، حيث مع تفشّي الوباء تراجَعَ مخزون الرقائق الإلكترونية لدى الصناعيين إلى حد مقلق، وتؤكد إدارة بايدن أن هذه الأزمة لها تأثير مباشر على التضخم المتزايد في الولايات المتحدة.
وتخوض الصين وأمريكا سباقاً في صناعة الرقائق الإلكترونية، كما تسعى كل من الدولتين إلى مزيد من المرونة في سلسلة التوريد، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، التي يمكن أن تتعطل في حالة انتشار جائحة كوفيد أو التوترات الدولية أو الحروب، بحسب موقع Axios الأمريكي.
حيث قالت شركة إنتل إن لديها صفقة لتصنيع رقائق لشركة ميديا تيك التايوانية، التي تصمم شرائح الهواتف الذكية. تمثل هذه الشركة أول عميل كبير لشركة إنتل، لجهودها في فتح مصانعها لتصنيع الرقائق، بناءً على تصميمات الآخرين.
في الوقت نفسه تمضي الصين قدماً في خططها لبناء 31 مصنعاً جديداً للرقائق بحلول عام 2024، وفقاً لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وينصبّ تركيز الصين إلى حد كبير على الرقائق الأقدم والأكثر نفعاً، بينما تتصدر تايوان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية العالم في عمليات صنع الرقائق الأكثر تقدماً.
وأكبر لاعب في هذه الصناعة، هو شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصِّلات، التي تضع تصاميم للعديد من أكبر صانعي أجهزة الكمبيوتر والهواتف في العالم، وإذا نجحت الصين في ضم جزيرة تايوان إليها كما تهدد دوماً فستصبح الدولة الأكثر سيطرة على هذه الصناعة الضخمة في العالم.
وتظل صناعة الرقائق عملاً تجارياً عالمياً مترابطاً بعمق، حيث يتطلب كل جيل جديد من الأجهزة معدات ومواد متخصصة، يجري الحصول عليها من جميع أنحاء العالم.
لكن تظل صناعة الرقائق الإلكترونية عملاً ضخماً يتطلب دقة هائلة، إلى جانب رهانات استثمارية ضخمة في مجال سريع التغيّر. تُصنع الرقاقات في مصانع تُكلّف المليارات للبناء والتجهيز، ويجب أن تعمل على مدار الساعة لاسترداد استثماراتها. ليس هذا فحسب، بل إن معدل الرقاقات الجيدة لكل دفعة هو ما يحدد نجاح المصنع من فشله. ويستغرق الأمر عدة سنوات لوصول معدل تصنيع الرقاقات الجيدة إلى 90%.
من هم اللاعبون الكبار في سوق إنتاج أشباه الموصلات؟
وتتصدر الرقاقات المنطقية المتقدمة عناوين الأخبار، باعتبارها أغلى منتجات السيليكون وأكثرها تعقيداً، والتي تمنح أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية ذكاءها. عندما تسمع عن شركات مثل Apple أو Qualcomm أو Nvidia، فإن تلك الشركات تتولى فقط تصميم أشباه الموصلات، أما التصنيع فيكون في مصانع يُطلق عليها "المسابك".
تحتل شركة TSMC التايوانية ريادة السوق بقدرات إنتاجية هائلة، وأصبح الجميع الآن يصطفون على أبوابها للحصول على أفضل الرقاقات المصنوعة في منشآتها داخل تايوان. وتبلغ الحصة السوقية للشركة أكثر من حصة منافِساتها الثلاث التالية مجتمعة.
فيما تهيمن شركة Samsung على سوق رقاقات الذاكرة، وتعمل على تحسين تكنولوجيا الإنتاج الخاصة بها، حتى تُصنَّف على نطاق واسع باعتبارها الخيار الأفضل بعد TSMC.
وتعد شركة Intel Corp، آخر شركة أمريكية ناجحة في هذا المجال، ولا تزال تجني أرباحاً أكثر من أي شركة تصنيع رقاقات أخرى، لكنها تركّز بشكل أكبر على معالجات الكمبيوتر.
وتواجه الشركتان TSMC وSamsung منافسة من بعض المنافسين الأصغر حجماً، مثل Globalfoundries الأمريكية، وشركة Semiconductor Manufacturing International Corp. (SMIC) الصينية، وشركة United Microelectronics Corp التايوانية. لكن هؤلاء المنافسين متأخرون بجيلين أو ثلاثة أجيال على الأقل خلف تقنيات TSMC. بينما انسحبت بعض الأسماء المشهورة مثل Texas Instruments Inc. وInternational Business Machines Corp. وMotorola من المنافسة.
ينفق العملاقان الآسيويان استثمارات ضخمة لتعزيز هيمنتهما على السوق؛ رفعت TSMC نفقاتها الرأسمالية المتوقعة لعام 2021 إلى ما يصل إلى 28 مليار دولار من 17 مليار دولار في العام الماضي، بينما خصصت Samsung حوالي 116 مليار دولار في مشروع ممتد لمدة عقد كامل من أجل اللحاق بالمنافس التايواني.
وفي المقابل، تضغط الصين بشكل قوي للتفوق في هذا السباق. على سبيل المثال، في قطاع صناعة السيارات، طورت الصين عدداً كبيراً من شركات تصميم الرقائق في السنوات الأخيرة، لكنها ما زالت غير قادرة على صنع الرقائق المتقدمة اللازمة لسيارات اليوم. وفي المقابل، أعلنت SMIC عن مخططاتها لبناء مصنع بتكلفة 2.35 مليار دولار بتمويل من الحكومة في مدينة شنتشن الصينية، وقد بدأت الإنتاج خلال العام الجاري 2022.