بكتيريا مقاومة للأدوية تمنع شفاء الجروح، تنتشر في العالم العربي بسبب الأسلحة الأمريكية والغربية والروسية، حيث يعتقد أن الشرق الأوسط بات بؤرة لهذه البكتيريا الخطيرة.
يتذكر توم بوتوكار عودة المرضى إلى مستشفى الشفاء بغزة للاستشارات بعد جراحة في الأطراف لعلاج إصابات البنادق والقنابل؛ حيث يتناقض تعافيهم الظاهري مع الإصابات الكامنة الخطيرة- وهي جزء من اتجاه متزايد مع انتشار الصراع من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا وخارجها.
يقول بوتوكار، كبير الجراحين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إنَّ المرضى "يتجولون على عكازين وليسوا على مشارف الموت. لكن جروحهم تبدو غريبة: الحواف غير ملتئمة والقيح يتسرب منها. ونعلم أنَّ هذه مشكلة كبيرة. وهي مقدمة لشيء أخطر"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
وقد أُجبِر على تقديم متابعة مكثفة وإعادة فتح وتنظيف الجروح ووصف مضادات حيوية قوية لمعالجة الالتهابات التي يمكن أن تكون قاتلة للمرضى ويمكن أن تنتقل للآخرين.
العالم يشهد جائحة صامتة من بكتيريا مقاومة للأدوية
بوتوكار هو واحد من عدد متزايد من الاختصاصيين الطبيين الذين يشعرون بالقلق من النمط الناشئ من البكتيريا المقاومة للأدوية المنتشرة داخل مناطق الحرب وخارجها.
وفي حين أنَّ الموضوع لا يزال غير مفهوم جيداً، هناك أدلة متزايدة على أنَّ الحرب تسبب تركيز وتضخيم العديد من العوامل التي تسهم في "الجائحة الصامتة" لمقاومة مضادات الميكروبات (AMR). وتقتل هذه الجائحة أكثر من مليون شخص سنوياً حول العالم.
لطالما كانت هناك تقارير سردية عن بكتيريا مميزة مقاومة للأدوية في المرضى في مناطق النزاع؛ أبرزها الراكدة البومانية، التي يُطلَق عليها اسم "بكتيريا العراق"، ورُصِدَت في الجرحى الأمريكيين الذين عولجوا في حروب الخليج. والآن، ترد أدلة مؤكدة عن وجودها من مكان آخر.
الشرق الأوسط قد يكون بؤرة لها
يقول بوتوكار، الذي كان من بين مرضاه فلسطينيون أصيبوا بطلقات نارية من أسلحة عسكرية عالية السرعة، وكذلك بالسكاكين والبنادق خلال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين: "ربما يكون الشرق الأوسط هو البؤرة الساخنة عالمياً لمقاومة مضادات الميكروبات. وهذه بلا شك مشكلة كبيرة".
وأظهر بحث في مشروع جراحة ترميمية تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان أنَّ المرضى الذين أودعوا المستشفيات خلال الفترة من 2016-2019 أظهروا نسبة عالية من البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة في عينات مأخوذة من جلدهم وأنسجتهم الرخوة وعظامهم.
وتدير منظمة "أطباء بلا حدود" الطبية الخيرية برنامج الجراحة الترميمية الإقليمي في الأردن للمرضى المصابين في النزاعات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين. وتشير إلى أنَّ أكثر من نصف مرضاها يصلون مصابين بعدوى مزمنة، وأكثر من 60% منهم مقاومون للأدوية المتعددة.
إنها تتفاعل مع المواد التي تصنع منها الأسلحة
يقول أنطوان أبو فياض، الأستاذ المساعد في الجامعة الأمريكية في بيروت، إنه بدأ دراسة هذه الظاهرة في عام 2018. ومنذ ذلك الحين، عَكَف على تحليل عينات من المرضى في عدد من البلدان التي مزقتها النزاعات في المنطقة، بما في ذلك سوريا وليبيا والعراق.
وصرح: "لقد لاحظنا إصابات لم تكن نموذجية لمقاومة مضادات الميكروبات في المناطق غير المتنازعة. كانت هناك أنماط غريبة- وليس سلالة واحدة فقط- لا تراها عادةً في المرضى في أوروبا أو الولايات المتحدة أو أستراليا".
ويشير إلى التفاعل بين هذه البكتيريا المقاومة للأدوية والمعادن الثقيلة مثل النحاس والرصاص والزنك، التي توجد في الرصاص والقذائف وكذلك مواد البناء، والتي تُطلَق في البيئة عند قصف المباني.
غياب البنية التحتية يفاقم انتشارها
يقول بوتوكار إنَّ الاختراق العميق للرصاص القوي يعرض الجسم لمخاطر معينة من العدوى، لأنه يتسبب في أضرار داخلية كبيرة ويخلق فراغاً يجذب الملوثات.
وبالإضافة إلى السبب المباشر من الجروح، فإنَّ سوء النظافة أثناء العلاج هو عامل مساهم آخر. إذ غالباً ما تحدث إصابات النزاع بعيداً عن المرافق الطبية؛ مما يتطلب نقل المرضى لعدة ساعات أو أيام دون وقت كافٍ لتنظيف جروحهم أو تضميدها أو علاجها.
وحتى في المراكز الطبية الأكثر استقراراً البعيدة عن جبهة القتال، يمكن أن تؤدي البنية التحتية غير الملائمة مثل ضعف إمدادات المياه أو مرافق الصرف الصحي إلى تفاقم المشكلة.
وحدّدت دراسة أجرتها المختصة الصحية ريم توفيق أبو شومر اليازوري أنَّ أكثر من ثُلث المسحات المأخوذة من المياه والأسطح في مستشفيين في غزة تحتوي على مستويات عالية من التلوث الجرثومي.
كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، يمكن أن تفتقر مراكز العلاج إلى إمكانية الوصول إلى التشخيصات الموثوقة والمضادات الحيوية الفعالة والآمنة والمناسبة. وقد يأخذ المرضى- حتى بدون وصفات طبية أو إشراف متخصص- أدوية غير مناسبة أو دورات علاج قصيرة جداً أو أدوية منتهية الصلاحية أو دون المستوى أو مزيفة. وهذه كلها عوامل مُحرِّكة لمقاومة مضادات الميكروبات.
وحدّدت دراسة نشرتها، العام الماضي، هاتي لوي من مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي، بالتعاون مع موظفين في مراكز اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي ونيجيريا ولبنان واليمن وأفغانستان، سلسلة من المخاطر لانتشار مقاومة مضادات الميكروبات.
وتشمل هذه المخاطر تردي البنية التحتية للمستشفيات، وعدم كفاية الموارد والقوى العاملة، ونقص تعليم الموظفين، وضعف التدريب والإشراف، وأعداد الزوار الكبيرة، فضلاً عن اضطرابات سلسلة التوريد، وارتفاع معدلات الإصابة، والهجمات المباشرة على البنية التحتية للرعاية الصحية.
وتقول كلوديا تروبا، منسقة الصحة باللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان: "عندما ينشأ صراع، إلى جانب الدوافع الموجودة مسبقاً لمقاومة مضادات الميكروبات، تحصل على مزيد من الاضطراب. وغالباً ما يفر العاملون الطبيون الأكثر خبرة، بينما الآخرون الباقون لديهم تدريب أقل".
ويتطلب فهم الروابط بين الحروب ومقاومة مضادات الميكروبات مزيداً من البحث.
وتدعو الدكتورة علا عبّارة، استشارية الأمراض المعدية والرئيس المشارك لشبكة الصحة العامة السورية، منذ فترة طويلة إلى اتخاذ تدابير لتحسين التدريب والمراقبة والوصول إلى الأدوية المناسبة.
وتقول: "قبل ثماني سنوات، عندما بدأنا هذه التوعية، شعرت أنني أفرض ذلك. لكن صار الضغط الآن يأتي من الأطباء العاملين في الميدان، الذين يقولون إنهم يعانون من فشل العلاج لدى جرحى الحرب وحتى أولئك غير المرتبطين بالنزاع".