جميع المؤشرات تؤكد أن مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني قد فشلت، وأنه بات في حكم "الميت"، لكن هناك مقترح ربما يعيده إلى الحياة، وكلمة السر فيه دولة نووية، فهل تقبل الأطراف بذلك المقترح؟
الاتفاق النووي هو المصطلح الإعلامي الذي يشير إلى خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالتعامل مع برنامج إيران النووي، وتم التوصل إليها عام 2015، خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وأطراف تلك الخطة، المعروفة أيضاً باتفاق 6+1، هي أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى إيران.
والهدف الرئيسي من ذلك الاتفاق كان وضع برنامج إيران النووي تحت رقابة دولية صارمة، تضمن عدم اقتراب طهران من تصنيع أسلحة نووية في مقابل رفع العقوبات الأمريكية والدولية المفروضة على إيران منذ ثورة الخميني عام 1979.
لماذا ترفض إيران إعادة إحياء الاتفاق النووي؟
بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية، يتمحور الرفض الإيراني لإعادة إحياء الاتفاق النووي في تجارب دول أخرى تخلت عن برنامجها النووي فوقعت فريسة للتدخلات الغربية في شؤونها، أو وقعت فريسة للهجوم من جانب دول أخرى.
وترى المجلة الأمريكية في تحليلها أن أصل الأسباب في موقف إيران المتصلب من العودة للاتفاق النووي هو اعتبارها بما تعلمته من تجارب الدول الأخرى، فهي تستحضر مثال ليبيا، التي ما إن تخلت عن برنامجها النووي بالكامل حتى تحولت إلى دولة فاشلة بعد تدخل عسكري غربي.
وفي الوقت نفسه، أصبحت الأخبار الواردة من أوكرانيا تذكيراً يومياً بالخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ارتكبه مسؤولوها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد استجابت أوكرانيا للضغوط الغربية، وسلَّمت ترسانتها النووية لروسيا نظير ضماناتٍ على الورق بحماية سيادتها، ومع ذلك فإنها تتعرض الآن للتدمير على يد جارتها، بحسب تقرير المجلة الأمريكية المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية.
وكانت روسيا قد شنت هجوماً على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط الماضي، فيما تصفه موسكو ورئيسها فلاديمير بوتين بأنه "عملية عسكرية خاصة" تهدف إلى منع عسكرة كييف وانضمامها إلى حلف الناتو، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو" وعدوان غير مبرر على دولة ذات سيادة.
وعلى كل الأحوال فإن الأزمة الأوكرانية هي في الأصل أزمة جيوسياسية تمثل في جوهرها صراعاً بين موسكو وواشنطن، فالأولى ترى في تمدد حلف الناتو في شرق أوروبا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، بينما ترى الثانية أن الحلف العسكري الغربي هو حلف دفاعي، وأن من حق أي دولة أن تنضم له.
لكن تقرير مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية يربط بين موقف إيران في المفاوضات، الذي يصفه الغرب بأنه موقف متصلب ومتعنت، وبين فقدان أوكرانيا لأسلحتها النووية، التي كانت على الأرجح ستمثل رادعاً أمام روسيا يمنعها من شن الحرب. وفي هذا السياق يبدو أن إيران قد اتخذت قرارها بألا تتخلى عن برنامجها النووي تحت أي ظرف من الظروف، بحسب المجلة الأمريكية.
اقتراح "نووي" قديم يعود إلى الحياة
ومن هذا المنطلق، ترى المجلة الأمريكية أن إيران تبدو وكأنها عازمة على ألا تقع في مثل هذا الخطأ. ومع ذلك قد يكون من حسن الحظ أن هناك اقتراحاً ما يمكن للغرب أن يعرضه على إيران، وهو في الوقت نفسه اقتراح قابل للتفاوض بشأنه من جانب إيران، لا سيما أنها لا تريد أن تكون فريسة لتدخل غربي يغيِّر نظام الحكم فيها.
فعندما بدأت المفاوضات النووية الغربية مع إيران في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كانت أول فكرة اقترحها الدبلوماسيون الغربيون هي أن تنقل إيران دورة الوقود النووي لديها إلى أراضٍ أجنبية.
وكان الاقتراح أن تتولى فرنسا تخصيب اليورانيوم الإيراني، وأن تتكفل روسيا بتدوير النفايات النووية. وكان من الممكن أن يتحول هذا الاقتراح إلى حل مستدام، لكن إيران رفضته، وسرعان ما استُبعد من على طاولة المفاوضات.
بعد ذلك، اتفقت الدول الغربية وإيران على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، والتزمت إيران بتجميد برنامجها النووي مدة عشر سنوات، لكن بعض المعارضين للاتفاقية شككوا في إمكانية تجديدها بعد انتهاء أمدها.
ثم تحججت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بما وصفتها بأنها عيوب ينطوي عليها الاتفاق النووي، وأعلن ترامب الانسحاب منه. تعسرت الأمور، وحاولت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، العودة للاتفاق، لكنها لم تنجح في مساعيها حتى الآن.
كانت العاصمة النمساوية فيينا قد استضافت، منذ مطلع أبريل/نيسان العام الماضي، جولات متعددة بين الأطراف التي كانت قد وقَّعت على اتفاقية العمل الشاملة المشتركة عام 2015، في مفاوضات كان يفترض أنها تمهيد لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، بعد أن كانت إدارة ترامب انسحبت منه عام 2018، لكن تلك الجولات فشلت في تحقيق الهدف الرئيسي منها.
والخلاصة من ذلك أن اتفاق 2015 النووي أصبح الآن في حكم الميت. ومن ثم يجب على الولايات المتحدة وإيران العودة إلى الاقتراح الأول، والذي كان يجدر بالولايات المتحدة ألا تتخلى عنه قط، بحسب مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية.
تعديلات مقترحة على الاقتراح النووي
مع ذلك، يمكن للدول الغربية أن تستحدث تعديلين على اقتراح نقل دورة الوقود النووي إلى خارج إيران لجعلِ الصفقة أكثر قابلية للتحقق، فقد كانت فرنسا البلد المضيف في العرض الأول لأنها تملك القدرة والاستعداد اللازم لأداء المهمة، لكن هذا العرض غير كافٍ لإرضاء إيران، فهي لن تدخل في اتفاق كهذا مع دولة أقوى منها مثل فرنسا، وهي إن كانت ستنقل مخزونها من اليورانيوم إلى بلد آخر فغالب الأمر أنها ستريد أن يكون لها بعض النفوذ على هذا البلد، بحسب المجلة الأمريكية.
هناك بالفعل مرشح مناسب للاضطلاع بهذا الأمر، وهي باكستان. فقد سبق أن وافقت إيران وجارتها باكستان على بناء خط أنابيب غاز عبر الحدود، وقد أتمَّت إيران بناء نصيبها من خط الأنابيب، أما باكستان فلم تتمكن من ذلك بسبب العقوبات على طهران، تقول ناشيونال إنترست.
ومن ثم، فإن السماح بإكمال خط الأنابيب، ثم نقل الغاز من خلاله، يمنحان إيران بعض النفوذ المعتد به على باكستان، وعندها يصبح الاقتراح منطقياً، ويمكن لإيران أن تثق بوضع مخزونها من اليورانيوم وتخصيبه تحت وصاية باكستان وسيطرتها.
أما التعديل الثاني فهو توسيع دور الوصي الذي تختاره إيران حارساً على برنامجها النووي، ومن ثم يمكن لباكستان أن تتولى تخصيب اليورانيوم الإيراني بدرجات منخفضة للأغراض الطبية وتوليد الطاقة، ويمكن أن تعتمد إيران عليها أيضاً في تخصيب جزء من اليورانيوم إلى مستوى صنع الأسلحة النووية والاحتفاظ به في باكستان.
ويُسمح لباكستان بالإفراج عن مخزونها من تلك الأسلحة بناءً على هذين الشرطين: إذا شنَّت أي دولة مسلحة نووياً ضربة غير قانونية وغير مبررة ضد إيران، أو إذا حصلت أي دولة أخرى في الشرق الأوسط (مثل مصر أو تركيا) على أسلحة نووية. وهكذا تتيح هذه التعديلات فرصة للولايات المتحدة لمنح إيران ضمانات أمنية يُعتد بها.
يقدم هذا الاقتراح حلاً دائماً للنزاع حول البرنامج النووي الإيراني، فهو يضمن للعالم منع إيران من حيازة أسلحة نووية إلى أجل غير مسمى، ما دام لم يتحقق أي من هذين الشرطين. وهو يطمئن إيران في الوقت نفسه بأن لديها الردع النووي اللازم إذا تبدَّلت الأحوال واحتاجت إلى وسيلة للدفاع عن نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاقتراح له سابقة، والواقع أنه شبيه باتفاق سابق بين باكستان والسعودية، فقد كان السعوديون هم الراعي المالي لبرامج باكستان النووية والصاروخية، وبات لديهم الحق في حيازة أسلحة نووية جاهزة من باكستان إذا طورت إيران أسلحة نووية.
عُرض هذا الاقتراح على مستشار سياسي كبير لرئيس إيران الحالي، وكان رده بأن الاقتراح "جدير بالنظر فيه". وبناء على ذلك قد تكون إيران منفتحة على الاقتراح، ومن ثم إذا قبل الغرب أيضاً التفاوض على هذا الأساس فإن الاتفاق بين الجانبين قد يكون ممكناً.
وربما يكون هذا الاقتراح بمثابة ورقة إقناع لتيار المحافظين الذي يتزعمه بالأساس قادة الحرس الثوري، الذين يتبنون وجهة نظر تتمثل في أن حصول إيران على سلاح نووي هو الطريقة الأفضل للتعامل مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر). وكان انسحاب ترامب من الاتفاق قد زاد موقف ذلك التيار قوة، ورغم أن العقوبات تسبَّبت في خنق الاقتصاد الإيراني وانهيار العملة، فإن الصمود النسبي وتحسن الأمور تدريجياً، بسبب الدعم الصيني وشراء بكين للنفط الإيراني (أظهرت تقارير أن الصين اشترت مليون برميل من النفط الإيراني يومياً خلال مارس/آذار 2021) على الأرجح أدى لمزيد من تشبُّث هذا الفريق بموقفه الرافض للعودة للاتفاق أو على الأقل رفع سقف المطالب أمام إدارة بايدن.