تلويح بالحرب أم ذهاب لاتفاق؟ هكذا يستغل حزب الله حاجة الغرب للغاز لفرض شروط إيران

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/15 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/15 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله/ رويترز

بينما كل الأنظار شاخصة إلى انعكاسات زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة وما يمكن لنتائجها أن تنعكس على خريطة المنطقة وتحالفاتها، خصوصاً بعد دعمه المطلق لإسرائيل عبر توقيع إعلان القدس، تفاعلت الأوساط السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية مع مواقف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والمعادلة التي رسمها في شأن حقوق لبنان النفطية والغازية.

حسن نصر الله كان دعا المسؤولين اللبنانيين إلى التمسّك بهذه الحقوق واعتراف الأمريكيين والأمم المتحدة بها قبل سبتمبر/أيلول المقبل، أو الذهاب إلى "حرب بحرية تحمي حقوق لبنان في الطاقة المخبأة في البحر"، حسب قوله.

هذا الموقف أدى لتسريع التحرك الأمريكي عبر إعلان الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين أن ما رشح من محادثات مع الجانب الإسرائيلي حول الاقتراح اللبناني كان إيجابياً إلى حد كبير، وأنه سيعيد نشاطه سريعاً بعد انتهاء زيارة بايدن للمنطقة للإسراع في إنجاز الاتفاق مع لبنان.

فما هي خلفيات هذا الموقف لأمين عام حزب الله، وعلى ماذا تستند، وما السيناريوهات المطروحة لحل أزمة الغاز وترسيم الحدود البحرية؟

خلفيات مواقف نصر الله في موازين القوى

وفقاً لمصدر حكومي لبناني مطلع لـ"عربي بوست"، تأتي مواقف حسن نصر الله في إطار تركيزه على انتهاز الفرصة السانحة لإبرام اتفاق في ظل الأجواء التصالحية التي تلف المنطقة.

وأشار المصدر إلى أن نصر الله يراهن على الوقت وعلى حاجة كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا للطاقة عوضاً عن الغاز الروسي الذي توقف بشكل جزئي منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

هذا بالإضافة إلى أن تهديده بشن حرب هو "استعجال للاتفاق؛ لأنه يدرك رهان الجانب الإسرائيلي ومن خلفه الأمريكي على استخراج الغاز وبيعه لدول أوروبا، خاصة بعد توقيع اتفاق إسرائيلي- أوروبي منذ أسابيع قليلة".

وهذه المرة الأولى التي يخرج فيها نصر الله مهدداً بإشعال حرب ضد إسرائيل، فيما سابقاً كان يطلق مواقف دفاعية.

ويعتقد المصدر أن مواقف نصر الله تأتي انطلاقاً من أن لبنان المتورط بالفعل في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، يشترك معه الحزب في افتعال هذه المشاكل عبر تغطيته لفساد المنظومة السياسية، ويتجه نحو وضع أكثر كارثية، بل ربما يصل لخسارة كل شيء.

ويعتقد المصدر أن موقف حسن نصر الله يأتي في إشارة إلى فترة الشهرين، وهو التاريخ الذي قدمته السلطات الإسرائيلية لبدء استخراج الغاز من حقل كاريش.

وبحسب المصدر نفسه، فإن تبرير نصر الله بالتصعيد هو لتسليط الضوء على ما يعتبره ضعف دول الغرب، التي ترغب في الحصول على إمدادات الغاز والنفط، خاصة من إسرائيل، وهو ما يعتبره الحزب "موقف القوة" للبنان اليوم لتحسين شروط المحادثات لصالحه، وإلا ستكون المواجهة.

في إطار متصل يجمع المراقبون أن مواقف وخطوات حزب الله في لبنان أو المنطقة هي انطلاقاً من ارتباط الحزب بإيران والحرس الثوري، ما يعني أن هذا الموقف يعكس حاجة إيران للتلويح بتصعيد أو حرب عبر إحدى أهم أذرعها -حزب الله- كمحاولة للضغط على دول المنطقة للجلوس على طاولة التفاوض، إما للملف النووي أو ملفات إقليمية أخرى.

ويأتي هذا في ظل الحديث عن إعادة جلسات الحوار بين طهران والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بمساعٍ قطرية، عقب انتهاء زيارة بايدن للشرق الأوسط، لذا فإن موقف نصر الله التصعيدي يبقى مرتبطاً بهذا المسار التفاوضي.

آموس هوكشتاين يناقش مع الرئيس اللبناني ملف ترسيم الحدود
آموس هوكشتاين يناقش مع الرئيس اللبناني ملف ترسيم الحدود – الصفحة الرسمية للرئاسة اللبنانية

حزب الله والحرب

بالمقابل، يشير مصدر مقرب من حزب الله لـ"عربي بوست" إلى أن الحرب التي وعد بها حزب الله ستقتصر على المجال البحري وجميع الحقول الإسرائيلية، لكنها لن تستهدف مناطق إسرائيلية داخلية.

وأضاف المصدر أنه أمام اللامبالاة الحاصلة من الطبقة السياسية التي "فشلت حتى الآن في تحديد أي رؤية اقتصادية قادرة على إخراجنا من الركود الذي نكافح للخروج منه، أصبحت الخيارات محدودة الآن".

ويرى المصدر أن الحزب يدرك التوازنات ويعلم أن أي ضربة ستوجه إلى المناطق الداخلية الإسرائيلية ستكون لها عواقب كبرى ربما على لبنان، لأنه ومنذ سنوات صرحت إسرائيل بأن الرد على لبنان لن يقتصر بأي حال من الأحوال على المناطق التي يتفوق فيها الحزب كما حدث في عام 2006، ولكن هذه المرة ستكون المعركة إقليمية.

وأشار المصدر إلى أن أي مغامرة إسرائيلية في لبنان ستفتح الباب على معركة إقليمية كبيرة وسيشارك فيها كل محور المقاومة الذي تتزعمه إيران من لبنان إلى سوريا وغزة وربما في دول أخرى غير متوقعة، وستفاجئ إسرائيل وحلفاءها، لأنها ستفتح معركة الحق في الطاقة والنفط والغاز في المنطقة برمتها، على حد قوله.

وبحسب المصدر المقرب من حزب الله، فإن موقف نصر الله هو إعلان مستوى جديد من المواجهة، ليس مع الجانب الإسرائيلي فقط، بل مع كل حلفائها في العالم.

لكنه، وإلى جانب توضيحه حقائق تتصل بالاستعداد للمواجهة الشاملة، فتح الباب أمام أي مبادرة سريعة لإنقاذ الوضع والضغط على إسرائيل من أجل إنجاز عملية الإقرار بحقوق لبنان خلال ستة أسابيع على أبعد تقدير، وفتح الباب أمام العالم المحتاج للطاقة للتدخل مع الأمريكيين والإسرائيليين لتسهيل حصول لبنان على حقه في الاستخراج المباشر لثرواته النفطية والغازية وإطلاق عملية الإنقاذ الداخلي.

وفي الوقت نفسه، عمد نصر الله إلى إقفال باب المناورات الأمريكية والإسرائيلية الخاصة بالمفاوضات الجارية الآن. وكان شديد الوضوح، مع اللبنانيين وغيرهم، بأن الحزب قرر إيقاف عملية هدر الوقت الحاصلة من الجانب الأمريكي بالتواطؤ مع بعض الجهات الداخلية، على حد تعبيره.

مواجهة مرعبة وغير محسوبة

دولياً، يشير الباحث في مركز كارنيغي، مهند الحاج، إلى أنه ولسوء الحظ، في مثل هذا النوع من المواقف، هناك دائماً تقدير ضعيف للمخاطر التي قد تصيب الأبرياء، ومن الممكن حدوث انزلاق غير متوقع في أي وقت.

فالوضع الذي يتخوف منه الغرب، والذي يخشى بشدة من مواجهة عالمية في المنطقة، هو احتمال أكثر تكلفة لأن الوضع الاقتصادي العالمي لن يكون قادراً على دعم ارتفاع أسعار النفط التي ستشتعل بشكل كبير في حالة الحرب.

ووفقاً للحاج، فإن الأهم من ذلك كله أن هناك تاريخاً من وضع سياقات أو تبريرات داخلية في سياسات وتحركات تخدم غالباً أجندة إقليمية وليس محلية، مثل دعم حزب الله المعارضات الخليجية وعلى رأسها الحوثي، رغم أن مصلحة الدولة في مكان آخر تماماً.

تُضاف إلى هذه القائمة الأدوار العسكرية لـ"حزب الله" خارج لبنان، في سوريا أو في غيرها، إذ تأتي المشاركة في هذه النزاعات ضمن إطار خدمة ما يسمى محور المقاومة الذي تتزعمه إيران، وهي التي تدير المشهد في مواجهة إسرائيل الآن.

والواقع أن التصعيد الكلامي الأخير، وتحديداً تلويح الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بحرب ضد إسرائيل، بما أن المفاوضات معها بشأن ترسيم الحدود البحرية وصلت إلى خط مسدود، من المرجح ألا تؤدي إلى التعجيل باتفاق بين الجانبين، سيما أننا أمام اتساع دائرة التوتر بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية. 

وبحسب الباحث اللبناني، فإن السياق الحالي يشمل كذلك اتساعاً لدائرة الصدام الإيراني- الإسرائيلي، إما من خلال عمليات أمنية داخل إيران كاستهداف قادة في الحرس الثوري، والحديث الإسرائيلي العلني عن ذلك، أو القصف الإيراني على أربيل واستهدافه موقعاً تبين أنه كان فيه إسرائيليون.

ويعتقد الحاج علي أن هذا التصعيد لافت، رغم أن التقديرات كلها تشير إلى أن أياً من الأطراف لا يريد حرباً شاملة، لكن هامش وقوع خطأ خارج الحسبان بات عريضاً لدرجة صار فيها من الصعب الحسم بعدم وقوع مثل هذه المواجهة.

تحميل المزيد