في مقال رأي غير معتاد في صحيفة واشنطن بوست، نُشر في التاسع من يوليو/تموز 2022، دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن رحلته إلى الشرق الأوسط دفاعاً وقائياً، قائلاً إنها ستُظهر "الدور القيادي الحيوي لأمريكا في المنطقة". لكن يرى البعض أن هذه الرحلة قد تفعل العكس، فقد يستقبله مضيفوه في تل أبيب وجدة، ويرحبون به بشكل ودود، لكن "من المحتمل أن يرسلوه إلى البيت الأبيض مع عدد قليل من الصور الفوتوغرافية والهدايا التذكارية".
1- بايدن ليس لديه جديد يقدمه للإسرائيليين والفلسطينيين
على مدى عقود، فشل الرؤساء الأمريكيون في إيجاد أي حل حقيقي للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، أو تطبيق حلول أخرى مثل "حل الدولتين". وكان جورج بوش يأمل في العثور على "الحل" عام 2003 من خلال "خارطة الطريق للسلام" التي وضعها. ثم جاء باراك أوباما عام 2013، بينما كان وزير خارجيته جون كيري يحاول استئناف المحادثات الإسرائيلية-الفلسطينية، حتى جاء دونالد ترامب الذي عقَّد المسألة أكثر فأكثر دون إيجاد حلول.
والآن جاء دور جو بايدن، حيث يزور الرئيس الأمريكي إسرائيل وفلسطين في رحلة تستغرق 48 ساعة يوم الأربعاء 13 يوليو/ تموز 2022، دون أن يقدم جديداً غير مصافحة بعض الأيدي، ورؤية بعض المعالم، والعودة إلى المطار، كما تقول مجلة economist البريطانية. حيث من غير المحتمل أن يعلن بايدن عن خطط كبيرة أو يقدم على قرارات مثيرة، ولم يكن لأي رئيس أمريكي في الذاكرة الحديثة الكثير ليقوله عن الصراع الأكثر استعصاءً في المنطقة.
وترى المجلة أن العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في حالة اضطراب سياسي دائم، فحتى لو أراد السيد بايدن الخوض في "عملية السلام"، فليس هناك من سينضم إليه، كما لم يعد الصراع يبدو مهماً كما كان في السابق بالنسبة للأمريكيين، فبعد عقود من الإصرار على أن الوضع الراهن ليس مستداماً، قررت أمريكا أنه قد يكون كذلك.
عندما تم التخطيط لرحلة بايدن، كان اليميني نفتالي بينيت، رئيس وزراء إسرائيل، قبل أن تنهار حكومته الشهر الماضي، ومن المقرر إجراء انتخابات خامسة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019. فيما أصبح يائير لابيد، رئيس الوزراء المؤقت، الذي سيستضيف بايدن، ويأمل بينيت في أن يكون حاضراً ويلقي السلام على بايدن. فيما قد يخصص الرئيس الأمريكي وقتاً -وإن كان 15 دقيقة فقط- لبنيامين نتنياهو، الذي يأمل في العودة مرة أخرى رئيساً للوزراء، في نوفمبر/تشرين الثاني، وهذا يعكس الاعتراف بإمكانية عودته إلى السلطة.
وفي جميع الأحوال، فإن فريق بايدن سيبذل قصارى جهده لتقديم "صور فوتوغرافية جيدة" للرئيس لتعزيز حملته الانتخابية، التي من غير المستبعد أن يواجهه فيها دونالد ترامب مجدداً، كما تقول الإيكونومست.
2- الفلسطينيون سيحظون باهتمام أقل وزيارة عابرة
بالنسبة للفلسطينيين، فمن المتوقع أن يحصلوا على اهتمام أقل بكثير من الإسرائيليين، سيتوقف بايدن لفترة وجيزة في بيت لحم يوم 15 يوليو/تموز لرؤية محمود عباس، الرئيس الثمانيني المريض الذي يحكم الضفة الغربية.
ومن المحتمل أن يتعهد بايدن بتقديم 100 مليون دولار، مساعدات للمستشفيات في القدس الشرقية، التي تقدم رعاية متخصصة للفلسطينيين الذين لا يستطيعون العثور عليها في الأراضي المحتلة، متراجعاً عن قطع قاسٍ لا معنى له أمر به ترامب عام 2018.
تقول الإيكونومست، إن هذه الخطوة قد تكون جديرة بالثناء، ولكنها "تافهة"، لأنها تظهر كيف وصل كل شيء في الأراضي المحتلة إلى طريق مسدود وميئوس منه. ولا شك أن بايدن سيقدم خطاباً روتينياً بشأن عملية السلام، لكن قلبه لن يكون آبهاً لذلك.
ويتهم التقدميون، المنتقدون لزيارة بايدن للمنطقة، الإدارة الأمريكية بعدم الضغط بقوة كافية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية، بينما تحشد الإدارة في الوقت نفسه جهوداً كبيرة لمواجهة الغزو الروسي لأجزاء من أوكرانيا.
3- السعودية ليست في عجلة من أمرها للتطبيع الكامل مع إسرائيل
لكن في الوقت نفسه، سيكون بايدن أول رئيس أمريكي يسافر إلى المملكة العربية السعودية من إسرائيل، حيث تود الإدارة أن تتوج العلاقات السعودية-الإسرائيلية، التي تتوثق سراً لمدة عشر سنوات، لتصبح أكثر علنية.
وستكون صفقة التطبيع السعودية-الإسرائيلية بمثابة مكسب للسياسة الخارجية الأمريكية، ويعتقد مستشارو بايدن أن ذلك سيساعدهم أيضاً على تقليل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، كما سوف يحثون السعوديين على الاقتراب أكثر من إسرائيل، وضخ مزيد من النفط في السوق، على أمل تجنب الركود الاقتصادي الكبير الذي يحذِّر منه الخبراء.
لكن حتى الآن، يقلل المسؤولون الإسرائيليون من شأن الحديث عن انفراج مع السعودية، لسبب وجيه، هو أن المملكة ليست في عجلة من أمرها لعقد صفقة تطبيع على غرار الإمارات. لكن قد يتم الإعلان عن خطوات أخرى، مثل السماح لمزيد من الطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق المجال الجوي السعودي.
4- وقد لا يربح بايدن شيئاً من السعوديين فيما يتعلق النفط
قد تكون اللحظة الأكثر إثارة في الرحلة هي لقاء متوقع بين بايدن ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، حيث رفض بايدن التحدث معه منذ توليه منصبه العام الماضي، بسبب علاقاته الحميمة مع ترامب وسجله السيئ في مجال حقوق الإنسان.
حيث قال الرئيس الأمريكي إنه سيجعل من السعودية دولة "منبوذة" بعد مقتل الصحفي في واشنطن بوست عام 2018 جمال خاشقجي، ولذلك تثير زيارته للسعودية الآن غضب العديد من الأمريكيين.
حتى الآن، يصر الرئيس الأمريكي على أنه لن يذهب إلى جدة، العاصمة التجارية للسعوديين، للقاء الأمير محمد بن سلمان. وبدلاً من ذلك، سيحضر اجتماعاً أوسع مع قادة ست دول خليجية، بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن. لكن إذا كان الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، هو من ستعقد قمة دبلوماسية في بلاده، فمن المؤكد أنهما سيلتقيان وسيرحبان ببعضهما البعض، وهذا الأمر الهزلي المتناقض، يوضح مدى الجدل الذي تثيره الرحلة بين الديمقراطيين.
وفيما يتعلق بالنفط، حتى إذا وافق السعوديون على ضخ مزيد من الكميات في السوق، فمن غير الواضح كم من الوقت يمكنهم تشغيل الحقول بأقصى طاقة، وما إذا كان العالم لديه قدرة تكرير كافية لتحويل النفط الخام الإضافي إلى وقود يمكن استهلاكه.
وتأتي زيارة بايدن للسعودية الغنية بالنفط فيما أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى رفع أسعار الطاقة، مما أدى إلى ذلك التكهنات بأن النفط هو السبب الحقيقي لزيارة الرئيس الذي يحاول كسب الشارع الغاضب والمحبط لصالحه.
لكن بايدن يقول إن الهدف الحقيقي للزيارة هو "القمة الأوسع للزعماء العرب في السعودية"، وهو اجتماع يرى أنه يعزز مصالح الأمن القومي لإسرائيل. ويأمل الرئيس بأن تؤدي زيارته إلى انخفاض أسعار النفط في الولايات المتحدة. لكن استدعاء بايدن لإسرائيل كمحفز للرحلة مثير للفضول إلى حد ما، وربما يكون مبنياً على توقع أن هذا من شأنه أن يساعده في الحصول على الدعم العام للرحلة.
5- زيارة بايدن للشرق الأوسط لا تحظى بحماس شعبي بين الأمريكيين
يقول تقرير لمعهد Brookings الأمريكي، إن استطلاع رأي أجرته جامعة ماريلاند، في الفترة من 22 إلى 28 يونيو/حزيران 2022، أظهر أن زيارة بايدن للشرق الأوسط، لا تحظى بحماس شعبي بين الأمريكيين، حيث اتفق أقل من ربع الأمريكيين المستطلعة آراؤهم على رحلة الرئيس بشكل عام، فيما رفض 31% الرحلة عند الإشارة إلى زيارة بايدن إسرائيل. وفيما يتعلق بسؤال ركز على المملكة العربية السعودية والنفط، وافق ما يقرب من 23% على أهمية الرحلة، فيما رفض 33% الرحلة وقللوا من أهميتها.
ورفض الجمهوريون الذين شملهم الاستطلاع زيارة بايدن أكثر من الديمقراطيين. لكن رفض الجمهوريين للرحلة كان أعلى عندما أكد السؤال على المملكة العربية السعودية، من حوالي 41% في مجموعة العينة المحايدة إلى ما يقرب من 54%. وكان الرفض الديمقراطي أعلى عند الاحتجاج على إسرائيل، من حوالي 10% في مجموعة العينة المحايدة إلى 17%.
ويقول تقرير معهد بروكينغز، إنه على الرغم من قلق الرأي العام الأمريكي بشأن ارتفاع أسعار النفط، يبدو أن الأمريكيين قلقون أيضاً بشأن سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. وقد يكون هذا هو السبب في أن ذكر المملكة العربية السعودية أدى إلى ارتفاع أعداد الرفض، حيث تضمن هذا الخيار إشارة إلى بيان بايدن حول "نبذ المملكة".
في النهاية، مهما كانت نية الرئيس بايدن في الإعلان عن أن رحلته تهدف إلى تعزيز الأمن الإسرائيلي، فلا يبدو أن ذلك يساعده على الترويج لرحلته داخلياً لكسب أصوات الجمهور الأمريكي، بل في الواقع، قد يضر به بين دائرته الانتخابية الديمقراطية، كما يقول معهد بروكينغز.