أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأخيرة في مدريد بما أسماها "وحدة اللحظة"، وقال بايدن للصحفيين إنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "ظنَّ أنَّ بإمكانه كسر الحلف الأطلسي"، قبل أن يشير الرئيس الأمريكي إلى كيف أنَّ الغزو الروسي لأوكرانيا "لم يؤدِ إلا لشحذ الغرب ودفع الناتو إلى التوسع الفوري، من خلال انضمام دولتين شماليتين جديدتين". وأضاف: "سنتمسك بأوكرانيا، وكل الحلف سيتمسك بأوكرانيا مهما تطلَّب الأمر في الواقع للتأكد من عدم هزيمتها".
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن ذلك كان بيان نوايا والتزاماً تجاه الحكومة في كييف، بيانٌ ردَّده نظراء بايدن الأوروبيون. مع ذلك، تضمَّنت تصريحاته سؤالاً مفتوحاً: ربما تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بما في وسعهم لمنع الهزيمة الأوكرانية، لكن ماذا عن تسهيل "النصر الأوكراني"؟
الغرب يريد إنقاذ أوكرانيا من الهزيمة، لكن ماذا عن النصر؟
ضخَّت إدارة بايدن وحلفاؤها الأوروبيون بالفعل مساعدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات لأوكرانيا. لكنَّ بعض المسؤولين في كييف وواشنطن يجادلون بأنَّ ذلك بعيد عن كونه كافياً. وكانت الرسالة المهيمنة من الأوكرانيين وأشقائهم في شرق أوروبا واضحة طيلة أشهر: امنحوا أوكرانيا الأسلحة، وإذا ساوركم الشك، امنحوا أوكرانيا مزيداً من الأسلحة. وأعربوا عن أسفهم من التأخيرات في تسليم الأسلحة، وأصروا على أنَّ الغرب بإمكانه إرسال كميات أسلحة أكبر مما يرسَل حالياً.
قال الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، يوم الخميس 7 يوليو/تموز 2022، إنَّه يشعر بالارتياح من أنَّ المدفعية الغربية أخيراً "تعمل بقوة للغاية" لصالح قوات بلاده المسلحة، وتدك مستودعات الأسلحة الرئيسية ومنشآت تخزين الوقود الروسية بدقة. لكنَّه قال إنَّ بلاده لا تزال تفتقر إلى أنظمة الدفاع الجوي المتطورة لحماية المدن الأوكرانية من الضربات الصاروخية الروسية. ويستغرق شراء هذه الأنظمة وقتاً أطول.
وفي حين كشفت الحملات الروسية صدأ وصرير آلة حرب الكرملين، تظل أوكرانيا أقل عدداً وعتاداً في العديد من الجبهات، خصوصاً جنوب وشرق البلاد؛ حيث تلتهم روسيا المزيد من الأراضي. وتوسع القوات الروسية بصورة بطيئة، لكن مطردة قبضتها على إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، والذي تُعَد السيطرة الكاملة عليه إحدى الأهداف المعلنة للكرملين.
ويقول الجنرال فاليري زالوجني، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، متحدثاً عن الروس في منشور على تطبيق "تليغرام" في يونيو/حزيران: "إنَّهم يستخدمون المدفعية بالجملة، ولسوء الحظ، لديهم ميزة نارية أكبر بعشرة أضعاف. وعلى الرغم من كل شيء، ما زلنا نحتفظ بمواقعنا".
تقول "واشنطن بوست" إن المكاسب الروسية وطبيعة الصراع الذي يبدو عصياً على الحل منحت المتابعين الأمريكيين مدعاةً للقلق. ففي حين تريد قلة في مجتمع السياسة الخارجية الأمريكي الضغط على كييف لتقديم تنازلات لروسيا، فإنَّهم يخشون من أنَّه كلما طالت الحرب زاد ما يمكن أن تخسره أوكرانيا. ويجادل بعض الجمهوريين الصقوريين المنتقدين لبايدن بأنَّ فعل ما يكفي لمنع الهزيمة الأوكرانية قد يكون بمثابة هزيمة.
إذ صرَّح السيناتور جيمس ريش (الجمهوري عن ولاية أيداهو) للصحيفة: "إذا كنت فقط تقدم الأسلحة اللازمة للقتال حتى الجمود، فإنَّ ذلك ليس بالوضع الجيد، وله تداعيات. نريد إما أن ندعم أو لا ندعم. وإن كنا سندعم، فعلينا أن نمنحهم ما يحتاجونه للانتصار".
"يجب ضمان هزيمة روسيا".. هل تلاشت الفكرة؟
لكن الحاجة للانتصار تعني ضمنياً "إذلالاً عميقاً لروسيا، كما تقول الصحيفة، وكتب إليوت كوهين من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية أنَّه بدلاً من منع الهزيمة الأوكرانية، يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة هو "ضمان هزيمة روسيا، أي إحباط أهدافها لاحتلال المزيد من الأراضي الأوكرانية، وتدمير قواتها المسلحة، وعمل كلا الأمرين بطريقة مقنعة وعلنية، وبالتالي مذلة".
مع ذلك، فإنَّ بوتين سعيد بتبادل هذا الخطاب أيضاً. إذ قال: "لا نرفض محادثات السلام، لكنَّ أولئك الذين يرفضونها يجب أن يعلموا أنَّه كلما مضى الأمر أكثر، ازدادت صعوبة التوصل إلى اتفاق معنا". وكما هو الحال دوماً، صوَّر القتال الدائر بأنَّه معركة مع قوات وكيلة للناتو.
يعتقد بعض المحللين الأمريكيين أنَّه بسبب انخراط بوتين في لعبته من سياسة حافة الهاوية بشأن أوكرانيا –وبسبب أنَّ دحر التقدمات الروسية قد يتطلَّب استثماراً غربياً أكبر بكثير- فإنَّه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو التفكير بشأن إيجاد مخرج وفرض تسوية.
فكتب دانيال ديفيس، وهو عقيد متقاعد بالجيش الأمريكي ومعلق متكرر الظهور على شاشة Fox News اليمينية الأمريكية: "يتعين على القيادة في كييف وداعميها الغربيين أن يواجهوا الآن الحقائق الواقعية بأنَّ الدبلوماسية والتوصل إلى تسوية تفاوضية قد يكونان السبيل الوحيد لمنع سقوط المزيد من الأراضي الأوكرانية في يد روسيا".
"حرب وجودية"
وعلى الرغم من الخسائر، فإن ذلك النوع من التسوية ليس مطروحاً بالنسبة لكييف، إذ يصر المسؤولون الأوكرانيون على أنَّ الحرب وجودية، وأنَّ هدفهم يتعين أن يكون الاستعادة الكاملة للأراضي المفقودة، بما في ذلك ضم شبه جزيرة القرم حتى. لكن في واشنطن، هناك شخصيات نافذة بين الجمهوريين، ناهيك عن اليسار الأقل نفوذاً المناهض للحرب، تجادل بأنَّ الحرب المطولة في أوكرانيا تمثل تشتيتاً عن الأولويات الأمريكية في الداخل والخارج، أي الحاجة إلى مواجهة الصين.
وقد صوَّت 11 سيناتوراً جمهورياً و57 نائباً جمهورياً ضد حزمة مساعدات بقيمة 40 مليار دولار لأوكرانيا في مايو/أيار الماضي، ويمثل هؤلاء كامل المعارضة لمشروع القانون. وقال السيناتور جوش هاولي، الجمهوري عن ولاية ميزوري، آنذاك إنَّ هذا الإنفاق "ليس في مصلحة أمريكا، ويسمح بأن تكون أوروبا عالة".
ويحذِّر إلبريدج كولبي، مسؤول الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، منذ أشهر من أن تجهد الولايات المتحدة نفسها أكثر في أوكرانيا، بينما تتقاعس حيال التهديد المحتمل الذي قد تفرضه الصين بخصوص تايوان. وأعرب في مقال نُشِرَ مؤخراً عن أسفه من حماسة نظرائه في واشنطن الذين يقتنعون بسردية أنَّ الدفاع عن أوكرانيا هو دفاع عن حصنٍ كامل من الحضارة والقيم السياسية.