الدول النامية لا تستطيع منافستها.. هكذا تكدِّس أوروبا الغاز الطبيعي باهظ الثمن، وتخنق الإمدادات عن غيرها

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/09 الساعة 08:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/09 الساعة 08:33 بتوقيت غرينتش
تفاقمت أزمة الطاقة في أوروبا بعد انقطاع الغاز الغاز الروسي/ Getty

تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى حرمان الدول النامية النائية من الكهرباء، بالتزامن مع ابتلاع الدول الأوروبية لإمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية كبديلٍ للغاز الروسي في إنتاج الطاقة، بعد ارتفاع أسعاره بشكل جنوني. كيف ذلك؟

وحدها أوروبا تشتري الغاز الطبيعي باهظ الثمن

ارتفع سعر الغاز الطبيعي المسال، الذي يمكن نقله بالسفن حول العالم، بنسبة 1900% بعد بلوغه أدنى مستوياته قبل عامين، إبان تراجع الطلب مع انتشار جائحة كوفيد-19. وأصبحت أسعار الغاز الطبيعي المسال الحالية تساوي شراء النفط بسعر 230 دولاراً للبرميل، أي أكثر من ضعف سعر النفط الحالي. رغم أن الغاز الطبيعي المسال يجري تداوله بسعرٍ أقل من النفط عادةً.

وتقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إن الدول النامية لا تستطيع منافسة نظيرتها الأوروبية على شحنات الغاز بهذه الأسعار، التي وصلت إلى نحو 40 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. مما يعني أن الدول الأفقر، من الهند وحتى البرازيل، بدأت في تقليص وارداتها من الغاز الطبيعي المسال. كما ألغت حتى الصين بعض مشترياتها.

محطة كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي في برلين، ألمانيا/ Getty

وفي باكستان، قال المسؤولون يوم الخميس، 7 يوليو/تموز 2022، إن المناقصة الحكومية لشراء غاز طبيعي مسال بقيمة مليار دولار لم تجذب أي عطاءات. وتعاني المنازل والشركات من انقطاع الكهرباء الذي تفرضه الحكومة لساعات يومياً، نتيجة عجز البلاد عن استيراد الغاز الطبيعي المسال لإمداد محطات الطاقة بالوقود.

فيما لجأت بنغلاديش إلى قطع التيار الكهربائي لساعات معينة في اليوم. ولجأت الهند إلى استخدام الفحم والغاز الطبيعي المحلي بدرجةٍ أكبر. بينما جرى تغيير مسار الشحنات الخاصة بالدول الأفقر، وتوجيهها إلى أوروبا في بعض الحالات، وفقاً للخبراء. وأفاد الخبراء بأن هذه الصفقات تظل مربحةً حتى لو اضطر الموردون لدفع الشروط الجزائية المنصوص عليها في عقودهم مع الدول النامية.

"أوروبا اشترت كل ذرّة غاز طبيعي في منطقتنا"

يقول وزير النفط الباكستاني، مصدق مالك: "اشترت أوروبا كل ذرة غاز طبيعي مسال موجودة في منطقتنا بسبب الحرب في أوكرانيا، لأنهم يحاولون تقليل اعتمادهم على روسيا".

وسنحت أمام موردي ومتداولي الغاز الطبيعي المسال فرصةٌ لبيع إنتاجهم للدول الأوروبية صاحبة الجدارة الائتمانية الأفضل، بينما تسارع تلك الدول لتأمين مخزونها قبيل الشتاء.

وقال كاسبيان كونران، الخبير الاقتصادي في أسواق الطاقة بشركة Baringa الاستشارية لصحيفة وول ستريت جورنال: يمكن أن تقطع روسيا الإمدادات في أي لحظة. لهذا تسارع دولنا الأوروبية بيأس لتقليل اعتمادنا على مصدر الغاز المذكور. ويوفر الغاز الطبيعي المسال البديل الفعلي الوحيد الذي يمكن توسيع نطاقه سريعاً في الوقت الراهن".

وزادت الدول الأوروبية وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 49% منذ بداية العام وحتى الـ16 من يونيو/حزيران، وفقاً لبيانات شركة Wood Mackenzie لاستشارات الطاقة. وتراجعت على الناحية الأخرى واردات الهند بنسبة 16%، وواردات الصين بنسبة 21%، وواردات باكستان بنسبة 15% خلال الفترة نفسها.

إلى متى ستطول هذه الأزمة؟ وما الذي ينتظر العالم في الشتاء؟

من ناحيته، قال فاليري شاو، رئيس أبحاث الغاز في Wood Mackenzie: "تُجفّف أزمة الغاز الأوروبية ينابيع الغاز الطبيعي المسال في العالم. وتحملت أسواق الطاقة الآسيوية العبء الأكبر للوضع الراهن، الذي لا يبدو أنه سينتهي قريباً".

روسيا قلصت إمدادات الغاز لأوروبا/رويترز

أما روبين ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة Qamar Energy الاستشارية، فقال إننا لن نشهد إنتاج الكثير من إمدادات الغاز الطبيعي المسال الجديدة قبل عام 2025.

وأضاف ميلز لـ"وول ستريت جورنال": "نحن حالياً في الصيف، الذي يمثل فترة طلبٍ منخفض على الغاز في أوروبا. لكن دخول الشتاء سيمثل مشكلةً كبيرة للغاية بالنسبة لدول أوروبا وغيرها من الدول التي تعتمد على الغاز الطبيعي المسال مثل باكستان، خاصةً في حال تراجعت إمدادات الغاز الروسي أكثر".

إذ تُشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نحو ربع محطات الطاقة الحالية في باكستان تعمل بالغاز الطبيعي المسال. وتأخرت شركة الطاقة الإيطالية Eni SpA في تسليم خمس شحنات منذ أغسطس/آب من العام الماضي، بينما لم تُسلم مجموعة تداول السلع السويسرية Gunvor Group سبع شحنات متأخرة منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب المسؤولين الباكستانيين. 

وقال المسؤولون إن سعر الغاز بموجب تلك العقود الموقعة لم يتجاوز 12 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وأوضح المسؤولون في باكستان أن الشركتين وافقتا على سداد الشرط الجزائي المنصوص عليه في العقود بنسبة 30%.

ما الخيارات المتاحة أمام الدول النامية؟

ويُعتبر الغاز الطبيعي أقل ضرراً بالبيئة نسبياً، مقارنةً بحرق الفحم أو النفط، ولهذا فإن الضغط على إمدادات الغاز الطبيعي المسال قد يضر بأهداف الطاقة الخضراء.

حيث أوضح ريتشارد برونز، مدير الشؤون الجيوسياسية في شركة Energy Aspects الاستشارية: "تدرس بعض الدول الأفقر التحول إلى البدائل ذات الانبعاثات الأكبر، واستخدام الفحم أو الوقود المسال. وسيدفعهم ارتفاع أسعار الغاز أكثر من اللازم إلى إجراء هذا التحول".

تحميل المزيد