من العطور والحاسب الآلي إلى النفط.. كيف تستعين إيران بالإمارات في التهرب من العقوبات الأمريكية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/07 الساعة 09:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/07 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني خلال استقباله مستشار الأمن القومي الإماراتي/ رويترز

منذ أكثر من 40 عاماً وإيران تعاني من عقوبات أمريكية وأوروبية بسبب النظام السياسي في البلاد، الذي يقوده رجال الدين، والذي تسبب في عداء كبير بين طهران والقوى الغربية.

هذه العقوبات شملت الكثير من الاحتياجات الإيرانية بما فيها التكنولوجيا وعلامات تجارية هامة تخشى على نفسها الوقوع تحت طائلة العقاب الغربي، لكن يحتال الإيرانيون على هذه العقوبات عبر منفذ بحري قادم من دولة الإمارات العربية المتحدة الجار الملاصق لإيران.

من العطور إلى الحاسب الآلي

ففي ميناءٍ صغير في إمارة الشارقة، يعبئ العمال عشرات الصناديق داخل مركب شراعي خشبي قبل انطلاقها ليمضي في طريقه فوق مياه الخليج متجهاً نحو إيران. وتضم الشحنة مجموعة من المنتجات الغربية بدءاً من العطور ومروراً بمجففات الشعر ووصولاً إلى الحواسيب المكتبية.

قال قائد المركب لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية: "نحن شركة أمازون الإيرانية. الأعمال تزدهر". 

وتسببت العقوبات المفروضة على طهران من جانب واشنطن في إيقاف غالبية العلامات التجارية الأمريكية والأوروبية من إرسال سلعها إلى إيران. أدى ذلك إلى نمو سوق رمادية يطلب فيها المستهلكون الإيرانيون سلعاً على الإنترنت، وتشحن إليهم عن طريق وسطاء في الإمارات. 

في 31 مارس/آذار من العام الماضي، توضح بيانات الجمارك الإيرانية أن الإمارات، التي تعد أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تجاوزت الصين في صدارة قائمة كبار المصدرين إلى الجمهورية الإسلامية، إذ بلغت صادرات السلع 16.5 مليار دولار، أو 68% من واردات إيران غير النفطية.

بضائع غربية متجهة إلى إيران/ رويترز

انتشرت على كلا الجانبين بنية تحتية لوجستية جديدة تماماً -بدءاً من التخزين ومروراً بالشحن ووصولاً إلى التوزيع والدفع- من أجل تيسير حركة التجارة. وتخرج عشرات المراكب الشراعية -وهي مراكب تقليدية تحمل شحنات خليجية- في رحلات بصورة منتظمة بين دول الخليج، فتحمل الثلاجات والمكانس، وطابعات الليزر وغيرها.

تعد الإمارات وإيران متنافستين إقليميتين على جبهات متعددة، بما في ذلك الحرب في اليمن، حيث تدعم كل واحدة منهما جبهة مناوئة.

لكن الجارتين المطلتين على الخليج تجمعهما كذلك علاقات تجارية وثقافية تاريخية، مما ساعد على منع اتساع التوترات من التحول إلى صراع شامل. تسيّر خطوط الطيران رحلات منتظمة بين البلدين ويعيش آلاف الإيرانيين في الإمارات، إذ يستخدمونها قاعدة لتعاملاتهم مع العالم الخارجي.

واشنطن تحذر.. والإمارات ترسل الشحنات

قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإماراتية: "إن السياسة الخارجية للإمارات تعتمد على المشاركة البناءة ونزع فتيل التصعيد". رفضت البلاد مؤخراً طلبات الولايات المتحدة للمساعدة في فرض عقوبات على روسيا بعد الهجوم الذي شنته موسكو ضد أوكرانيا.

سفينة تحمل نفط إيراني- getty images

وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن تحذر البلاد التي تجمعها أعمال تجارية بإيران من أنها عرضة لخطر فرض العقوبات عليها. وقد سافر وفد أمريكي إلى الإمارات في ديسمبر/كانون الأول لمناقشة الالتزام بالعقوبات. قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية: "نعتقد أننا على وفاق مع الإمارات".

تعرض كثير من مواقع التجارة الإلكترونية الإيرانية منتجات من شركات غربية، جنباً إلى جنب مع السلع اليابانية والكورية الجنوبية. تتلقى هذه المواقع الطلبات في إيران وتحولها إلى شركائها في الإمارات، وعديد من هؤلاء الشركاء مستقرون في إماراتي الشارقة ودبي.

الإمارات
الرئيس الأمريكي جو بايدن – Getty Images

تشتري تلك الشركات الإماراتية بعد ذلك هذه السلع محلياً أو حتى تطلبها عبر موقع شركة أمازون، وتشحنها عن طريق المراكب الشراعية إلى إيران. تحول شركات التجارة الإلكترونية الإيرانية عادةً الأموال إلى شركائها الإماراتيين عن طريق نظام يسمى الحوالة، وهي حركة غير رسمية لنقل الأموال.

تقول الشركات الغربية وموزعوها في المنطقة إن منتجاتهم تباع إلى شركات غير شرعية في الإمارات. ويقولون إنه من شبه المستحيل تقريباً بالنسبة إليهم اكتشاف ما إذا كان بعض من هذه السلع تُرسل إلى إيران.

تتخذ المنتجات في الغالب طريقاً ملتوياً. كان أحد القوارب الشراعية في إمارة الشارقة منشغلاً بتحميل طابعات ليزر ماركة HP مشحونة من هولندا. وكانت هناك شحنة أخرى من طابعات تحمل ملصقات توضح أنها جاءت من مركز توزيع منتجات شركة HP في مدينة بوبلينغين الألمانية.

قال متحدث باسم شركة HP إن الشركة لا تدخل في أعمال تجارية مع إيران، وإنها تطلب من موزعيها بموجب العقود الالتزام بنفس السياسة.

وفي موقع قريب، كانت هناك مكانس كهربائية من صنع شركة فيليبس الهولندية، وعصارات من صنع شركة باناسونيك اليابانية، تُحمَّل كذلك على مركب متجه نحو إيران.

قالت متحدثة باسم شركة فيليبس إنها لا تبيع منتجاتها إلى العملاء أو الموزعين في إيران. وكتبت: "نطالب موزعينا (بمن في ذلك موزعو الإمارات) بالالتزام بالقوانين الواجب تطبيقها أيضاً، ونمدهم بالتواصل الواضح فيما يتعلق بسياسات الرقابة على الصادرات الخاصة بنا".

تأتي إيران في المركز الثاني عشر في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات، وذلك وفقاً للبنك الدولي. ويقول رجال الأعمال الإماراتيون والقائمون على عمليات الشحن الإيرانيون إن صادارتهم إلى إيران لا تُعلَن في أغلب الأحوال أمام السلطات الإماراتية.

ويقول الربابنة الإيرانيون في ميناء الشارقة إنهم يحملون الأعلام الإماراتية -برغم أن مراكبهم مسجلة بوصفها قوارب إيرانية- ويغادرون المياه الإقليمية للبلاد بدون الكشف عن شحناتهم. وعندما يصلون إلى المياه الإقليمية الإيرانية يغيرون الأعلام إلى الإعلام الإيرانية، ويفصحون عن السلع فور وصولها.

قال عادل حمايزية، الزميل الزائر بمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد: "يضطلع الإماراتيون بعملية موازنة دقيقة بين الولايات المتحدة وإيران. يتوجب عليهم التعامل مع الحقائق الجغرافية والاقتصادية، بجانب مخاوفهم الأمنية".

الإمارات تخشى نفوذ إيران، ولكنها شريكها الخليجي الأول

إحياء الاتفاق النووي الإيراني من شأنه أن يثير مشاعر مختلطة في دول مجلس التعاون الخليجي، سلطنة عمان على علاقة ودية مع إيران، الإمارات أقرب إلى الوسط في الموقف الخليجي بين الموقف السعودي المتشدد ضد إيران وبين الموقف العماني الأكثر تساهلاً.

ترى الإمارات إيران كتهديد إقليمي، فلطالما نظرت الإمارات إلى الهيمنة الإقليمية الإيرانية على أنها واحد من أكبر التهديدات لأمنها الوطني. كما أن أبوظبي قلقة بشكل خاص من احتمال وجود إيران مسلحة نووياً.

فلدى الإماراتيين نزاع إقليمي على ثلاث جزر في الخليج الفارسي. لكن لديهم أيضاً أقوى العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى وجود مجتمع كبير من المهاجرين الإيرانيين في دبي.

البلدان شريكان تجاريان كبيران: تستحوذ إيران على حوالي 3% من الصادرات السنوية لدولة الإمارات العربية المتحدة. هناك حديث عن مضاعفة التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار في عام 2025. وتوجد مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية في البنوك الإماراتية.

لماذا اتجهت لتعزيز تجارتها مع طهران؟

في البداية كانت الإمارات سعيدة بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي، سرعان ما غيرت الإمارات رأيها. 

ولكن في عامي 2018 و2019، شنت إيران ووكلاؤها سلسلة من الهجمات في دول مجلس التعاون الخليجي، وخربت ناقلات النفط بالقرب من الفجيرة بالإمارات، وضربت طهران منشآت النفط السعودية بطائرات بدون طيار وصواريخ كروز في عملية استهدفت منشأة لشركة أرامكو النفطية العملاقة أدت إلى وقف 5% من إنتاج النفط العالمي لفترة.

أدى ذلك إلى تغيير السياسة الإماراتية.

ما الذي تستفيده الإمارات من توصيل نفط إيران للصين؟

على الرغم من العقوبات الأمريكية، كانت إيران تصدر ما يصل إلى مليون برميل من النفط يومياً، معظمها إلى الصين. يتم شحن بعض هذا الزيت عبر دول ثالثة لإخفاء مصدره.

أصبحت الإمارات العربية المتحدة جزءاً كبيراً من هذه التجارة: تقدر "البورصة والبازار"، وهي مؤسسة فكرية في لندن، أن ما قيمته 13 مليار دولار من الخام الإيراني وصل إلى الصين عبر الإمارات العربية المتحدة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021. يتم إنفاق الكثير من أموال النفط هذه على البضائع المستوردة من الإمارات.

تزدحم الممرات البحرية بين مضيق هرمز وبين موانئ دبي والسعودية بالقوارب الصغيرة التي تحمل الديزل المهرَّب، من أجل نقله إلى السفن الأكبر حجماً بحسب ثاكور. 

غرق سفينة إماراتية قرب سواحل إيران
غرق سفينة إماراتية قرب سواحل إيران/رويترز

وفي بعض الأحيان يتم تخزين الديزل مؤقتاً داخل ميناء الشارقة الإماراتي، حيث يجري تزوير الوثائق ليبدو وكأن الوقود قادمٌ من العراق، حسبما يقول لصحيفة Washington Post  الأمريكية فيكاش ثاكور، البحار الهندي صاحب الخبرة التي تمتد لعقدٍ من الزمن في هذا المجال.

ناقلة نفط مملوكة لشركة إسرائيلية هاجمتها إيران/رويترز

بينما يقول أندي بومان، المدير الإقليمي للشرق الأوسط وجنوب آسيا في جمعية Mission to Seafarers الخيرية: "وجود تجارةٍ غير مشروعة تجري في هذه المنطقة هو سرٌّ يعلمه الجميع، لكنهم لا يتحدثون عنه، حيث تزدحم المياه من عجمان الإماراتية إلى إيران، وخاصةً في الليل، بسفنٍ تتحرك في أوقات غير معتادة دون أن تدخل الميناء. وتقوم تلك السفن بتفريغ حمولتها أو الاتصال بالسفن الأخرى أثناء رسوّها".

ويتوقع أن تصل التجارة بين إيران والإمارات إلى أعلى مستوى في الفترة المقبلة. خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الإيراني (21 مارس/آذار – 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021).

كانت الإمارات المصدر الأول لواردات إيران بقيمة 10.1 مليار دولار من البضائع، وفقاً للأرقام الرسمية الإيرانية. كما تعد الدولة الخليجية رابع أكبر وجهة للصادرات الإيرانية غير النفطية بقيمة 2.9 مليار دولار، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.

المسؤولون الأمريكيون قلقون

كل هذا يثير قلق المسؤولين الأمريكيين. في ديسمبر/كانون الأول 2021، سافر وفد من وزارة الخزانة الأمريكية إلى أبوظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، للشكوى من خرق العقوبات.

قبل ذلك بوقت طويل، كانت إدارة ترامب غاضبة من قطر بسبب مزاعم روجها خصومها الخليجيون السابقون السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر تتحدث عن تقويض الدوحة لحملة "الضغط الأقصى" ضد إيران.

بعد أن فرضت ثلاثة من جيرانها الخليجيين حصاراً عليها في عام 2017، عززت قطر التجارة مع إيران، حيث قفزت الواردات خمسة أضعاف إلى 418 مليون دولار في غضون عام.

زيارة نادرة لمستشار الأمن القومي الإماراتي لطهران

ولكن تظل الإمارات أوثق دول الخليج في العلاقات الاقتصادية مع إيران، وبحركتها الدبلوماسية تجاه تركيا وإيران، تشير الإمارات إلى أنها ستكون أكثر براغماتية في علاقاتها الإقليمية لضمان أمنها.

في يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2022، قام مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، بزيارة نادرة إلى العاصمة الإيرانية طهران، للقاء نظيره الإيراني، علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وكذلك الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.

الخليج الفارسي الخليج العربي
زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد إلى إيران/ رويترز

قال مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومطلع على هذا اللقاء، لـ"عربي بوست": "الإماراتيون جادون للغاية هذه المرة لتحسين العلاقات مع إيران، هذه الرغبة نابعة من قلقهم من احتمالات زعزعة استقرار المنطقة".

وأضاف المصدر قائلاً: "كان ضمان أمن المنطقة على رأس أولويات لقاء طحنون بشمخاني، فقد عرضت الإمارات التعاون مع إيران للحفاظ على أمن الخليج، وفي المقابل، ناقش السيد شمخاني مع مستشار الأمن القومي الإماراتي ضرورة تقديم ضمانات إماراتية لطهران بعدم السماح لإسرائيل باستهداف الجمهورية الإسلامية من الأراضي الخليجية".

مصدر أمني إيراني قال لـ"عربي بوست"، معلقاً على زيارة طحنون بن زايد لطهران: "أكد الشيخ طحنون للسيد شمخاني أن الإمارات تسعى إلى تغيير نهجها تجاه إيران، كما أكد أن علاقات الإمارات مع إسرائيل يجب ألا تقلق الجمهورية الإسلامية".

تحميل المزيد