أيام قليلة ويجد ملايين السوريين في إدلب أنفسهم في مواجهة المجهول، والسبب تداعيات حرب روسيا في أوكرانيا، فما تأثير الأزمة على مرور المساعدات عبر الحدود التركية؟
نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية تقريراً حول القصة بعنوان "الحرب في أوكرانيا قد تهدد شريان مساعدات للسوريين"، رصد عملية الشد والجذب في أروقة الأمم المتحدة بشأن واحدة من أكبر عمليات الإغاثة الإنسانية حول العالم.
إذ تحذر وكالات الإغاثة الدولية من كارثة وشيكة في شمال غربي سوريا في حال عدم تمديد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يسمح بمرور إمدادات الإغاثة عبر الحدود التركية السورية لعام آخر، قبل انتهائه في 10 يوليو/تموز. ويقول مسؤولو الإغاثة إن هذا القرار جوهري بالنسبة لحياة ملايين السوريين.
ما قصة القرار الأممي والمساعدات؟
ما يقع على المحك في هذا الأمر هو استخدام الأمم المتحدة معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا، والذي استخدمته المنظمة الدولية لإرسال نحو ألف شاحنة مُحمَّلة بالمساعدات شهرياً إلى منطقةٍ في شمال غربي سوريا، يبلغ عدد سكَّانها أكثر من أربعة ملايين سوري.
وتقول الولايات المتحدة وحلفاؤها إن إغلاق الحدود أمام الأمم المتحدة سيعرِّض المدنيين للخطر، لاسيما 2.7 مليون شخص في المنطقة شرَّدهم الصراع.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد اتفقت مع روسيا على تمديد قرار مجلس الأمن الذي يسمح بوصول المساعدات عبر معبر باب الهوى لمدة عام انتهى في يوليو/تموز 2021، ثم دخلت إدارة جو بايدن في مفاوضات ناجحة مع موسكو سمحت بتمديد القرار لمدة عام آخر، ينتهي في يوليو/تموز 2022.
والقرار يسمح للأمم المتحدة بتنسيق شحنات المساعدات التي توفر الغذاء والدواء وإمدادات الإغاثة الأخرى لملايين الأشخاص في المنطقة، الذين نزح كثير منهم بسبب الحرب. وقالت مجموعة من وكالات الإغاثة في بيان صدر هذا الأسبوع، في أحدث تحذير صدر من دبلوماسيين ووكالات إغاثة غربية من عواقب عدم تمديد القرار، إن انقطاع هذا الممر الإنساني سيتسبب في "معاناة لا تُغتفر".
لماذا تعارض روسيا القرار الأممي؟
في الماضي كانت روسيا تهدد باستخدام حق النقض ضد هذا القرار، بحجة أن تسليم المساعدات من تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة في سوريا ينتهك سيادة حكومة الرئيس بشار الأسد، حليف موسكو. والآن تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا وانهيار علاقاتها مع أعضاء آخرين في مجلس الأمن، ومن ضمنهم الولايات المتحدة، في حالة من الضبابية حول مستقبل ممر المساعدات.
وتطالب حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتسليم المساعدات من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، لكن أشخاصاً مطلعين على عمليات الإغاثة قالوا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن مجموعة من العقبات، مثل قيود الحكومة السورية على المساعدات القادمة من أراضيها، لا تجعلها كافية لتحل محل تسليم المساعدات عبر الحدود مع تركيا.
ولم تحدد روسيا بعد الطريقة التي ستصوت بها على القرار، لكن نائب سفيرها لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، قال الشهر الماضي إن روسيا "مقتنعة تماماً بأن تنظيم إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق سوريا ممكن بالتنسيق مع دمشق".
وأضاف أن "شحنات المساعدات القادمة من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا "قد تنمو بشكل كبير" إذا تم إغلاق المعبر الحدودي الوحيد لتوصيل المساعدات من تركيا، وهو احتمال مقلق لمجموعات الإغاثة.
وقال ديفيد ميليباند، الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية، التي وقّعت على البيان المشترك: "من الضروري ألا يضطر الشعب السوري إلى دفع ثمن الانقسام الجيوسياسي من أوكرانيا وغيرها، وألا يتعارض مع المساعدات الإنسانية الحيوية التي يحتاجها الآن وبكميات أكثر من الماضي".
هل يدفع ملايين السوريين ثمن صراع روسيا والغرب؟
يُشار إلى أن ما يقرب من 4.5 مليون شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، وهي منطقة تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة وتمزقها الحرب منذ ثورة 2011 التي قامت على الأسد. ويقول مارك كاتس، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، إن تدهور الأوضاع يعني أن 4.1 مليون منهم أصبحوا بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية.
وقال للصحيفة الأمريكية: "الناس لا يمكنهم شراء الطعام، ولا الخبز". وأضاف أن العائلات تلجأ إلى عمالة الأطفال وزواج القاصرين، لتتمكن من العيش. وقال إن مستويات الجوع آخذة في الارتفاع، ويعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص في المنطقة من نقص التغذية.
وهذا التدهور الاقتصادي ليس الصعوبة الوحيدة. فتركيا التي تيسّر وصول المساعدات تهدد في الوقت نفسه بعملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا ضد المقاتلين الأكراد، وقال مسؤولو المساعدات إن عملية كهذه ستفاقم الأزمة الإنسانية.
ومع تزايُد الاحتياجات، تتضاءل سبل المرور إلى سوريا أمام عملية الأمم المتحدة الإغاثية. فحين بدأت عام 2014، أجاز مجلس الأمن تسليم المساعدات عبر أربعة معابر حدودية إلى سوريا، من تركيا والعراق والأردن. وقبل عامين استُبعدت ثلاثة من هذه المعابر بعد اعتراض الصين وروسيا، والآن تمر العملية بأكملها عبر معبر باب الهوى الحدودي.
وقال كاتس إن نقص التمويل للعمليات الإنسانية أدى أيضاً إلى انخفاض عدد الشاحنات التي تمر عبر الحدود. فعام 2020، كان عدد الشاحنات العابرة ألف شاحنة في المتوسط. وعلى مدى العامين الماضيين انخفض العدد إلى ما يقرب من 800 في الشهر.
ويقول كاتس: "الناس تتصور أن هذه العملية تقتصر على نقل الشاحنات للطعام والإمدادات فقط، لكنها تُسهم أيضاً في تشغيل المستشفيات، وتوفير المياه النظيفة لسكان المنطقة، ومساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة وتوفير المأوى اللائق لسكان المخيمات، وتنفذ أنشطة أخرى".
وقال مسلم سيد عيسى، المتحدث باسم المنظمة الإغاثية "إغاثة سوريا"، إن مصدر قلقه الرئيسي هو العدد الهائل من النازحين في شمال غربي سوريا، الذين شرّدتهم الحرب عدة مرات في السنوات الأخيرة. فوفقاً للأمم المتحدة، بلغت أعداد النازحين 2.8 مليون نازح في المنطقة، وهذه التحديات الجديدة- الزيادة خمسة أضعاف في أسعار الوقود وارتفاع تكاليف السلع الأخرى- يصعب التغلب عليها.
وقال: "المخيمات في كل مكان في إدلب". العام الماضي، وصلت خمس قوافل مساعدات من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة- طريقة التسليم المفضلة لروسيا- إلى شمال غربي سوريا، حسبما قال مارتن غريفيث، منسق الإغاثة الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن، في إحاطة خلال الشهر الماضي. وقال: "هذا ليس بالقليل، ولكن علينا أن نواجه الواقع"، مشيراً إلى أنه "لا بديل" لإيصال المساعدات من تركيا. وقال: "احتياجات الشعب السوري- الذي لا بد أن يكون اهتمامنا الأول- تزداد، والمزيد منهم يحتاجون إلى مساعدتنا وحمايتنا".