عرضت الهند على القاهرة تصنيع طائرات هيل تيجاس في مصر، وهي تعد أول طائرة مقاتلة هندية حديثة مصنوعة محلياً، فما دوافع الهند لتقديم هذا العرض المغري، وما مميزات وعيوب لهذه الصفقة المحتملة؟
وجاء العرض الهندي ضمن صفقة مقترحة واسعة تشمل إنشاء مرافق إنتاج لتصنيع الطائرات المقاتلة الخفيفة (LCA) في مصر، إضافة إلى طائرات هليكوبتر، إحداها مخصصة للنقل الخفيف والأخرى قتالية، في ظل مساعي نيودلهي وراء فرص لتصدير أسلحتها لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب صحيفة Economic Times الهندية الناطقة بالإنجليزية.
وكان قائد القوات الجوية الهندية، المارشال في آر تشودري، قد زار مصر في نوفمبر/تشرين الأول من العام الماضي، وحضر ندوة القوة الجوية المصرية والمعرض الدفاعي بالقاهرة، كما يوجد في الوقت الحالي وفد من القوات الجوية الهندية مؤلف من 57 عضواً في مصر؛ للمشاركة في برنامج القيادة التكتيكية بمدرسة القوات الجوية في القاهرة، ويضم الوفد طائرتين من طراز Su30 MKI الروسية الصنع وطائرتين من طراز C17 الأمريكية الصنع، حسب الصحيفة الهندية.
وقالت إنه من المتوقع أن يزور قائد القوات الجوية المصرية الهند في غضون أيام قليلة، حيث سيتم عرض الخبرة في التصنيع وكذلك صيانة أسطول الطائرات.
وتريد القوات الجوية المصرية ما يقرب من 70 طائرة مقاتلة خفيفة، مع التركيز على الإنتاج المحلي ونقل التكنولوجيا، حسب ما ذكرته المصادر للصحيفة الهندية.
سواء بالنسبة لصفقة الطائرات المقاتلة أو المروحتين المقترحتين، فإن الهند تعرض إنشاء مرافق إنتاج بشكل مشترك في مصر. وقالت المصادر إن هناك طلباً كبيراً في تلك المنطقة على مثل هذه الطائرات وستكون مصر انطلاقة جيدة بالنسبة للهند.
يبلغ سعر LCA أو هيل تيجاس نحو 42 مليون دولار لكل واحدة، وهو سعر أصبح ممكناً؛ نظراً إلى وفورات الحجم بعد أن قدمت القوات الجوية الهندية طلباً لشراء 83 طائرة مقاتلة هيل تيجاس من الفئة الأولى Mk1A.
ولم يتم بيع الطائرة الهندية لأي زبون دولي حتى الآن، ولكنها مطروحة في مناقصة تجريها ماليزيا، لشراء الطائرات المقاتلة الخفيفة، وهذا يفسر العرض الهندي لمصر باعتبارها صاحبة أكبر جيش في المنطقة العربية وإفريقيا.
نشأة برنامج الطائرة الهندية هيل تيجاس
HAL Tejas هي طائرة مقاتلة هندية خفيفة محلية الصنع، وبدأ برنامج تصميمها بشكل رسمي عام 1984، أي بعد 16 عاماً من طرح الفكرة، وكان الهدف إنتاج طائرة خفيفة، تكون بديلاً للطائرة الشهيرة السوفييتية ميغ 21 التي كانت العمود الفقري للقوات الجوية الهندية وكانت بدأت تتقادم في ذلك الوقت، وكان الهدف أيضاً، بناء صناعة طائرات محلية تكون قابلة للتصدير.
وتدريجياً تم التركيز على فكرة أن تكون الطائرة صغيرة وتحوي قدراً كبيراً من المواد المركبة لتخفيف وزنها وتقليل مقطعها الراداري، وسمي البرنامج "برنامج الطائرات القتالية الخفيفة" (LCA).
عانى البرنامج تأخيراً كبيراً وفشلاً في تحقيق الهدف الطموح في الاعتماد على محرك ورادار محليي الصنع، إلى جانب زيادة متطلبات القوات الجوية الهندية، والتي انتهت لتصبح الطائرة أثقل، وخلق هذا بدوره مشكلة لفكرة المحرك المحلي.
في 25 أبريل/نيسان 2007، قامت هيل تيجاس بأول رحلة إنتاجية محدودة، محققةً سرعة ماخ 1.1 (1.347.5 كم/ساعة، 837.3 ميل في الساعة).
في 10 يناير/كانون الثاني 2011، سمحت القوات الجوية الهندية لطياريها بقيادة طائرات تيجاس، وشُكل أول سرب في مدينة بنغالور، وكان السرب رقم 45 أول من استبدل طائرات MiG-21 بطائرات Tejas في القاعدة.
وفي 20 فبراير/شباط 2019، وخلال معرض أيرو الهند 2019، منح الترخيص التشغيلي النهائي (FOC) رسمياً للشركة، أي بعد 35 عاماً من انطلاق المشروع و60 عاماً من بدء الفكرة.
النسخة الرئيسية من المقاتلة الهندية هيل تيجاس مزودة بمحرك توربيني أمريكي الصنع جنرال إلكتريك F404-GE-IN20، وهو المحرك الذي يشغل طائرة البحرية الأمريكية إف 18 (يوجد محركان لدى الطائرة الأمريكية مقابل محرك واحد للطائرة الهندية)، وتبلغ قوة المحرك (48.9 كيلو نيوتن) في الدفع العادي، (78.7 كيلو نيوتن) مع الحارق اللاحق.
لكن القوات الجوية الهندية تريد محركاً أعلى في الدفع، حيث كانت هناك زيادة في وزن الطائرة بسبب التطويرات التي أدخلت عليها.
ولذا بينما يتم تشغيل الفئة الأولى من هذه الطائرة بواسطة محرك F404، سيتم تشغيل الفئة الأكثر تطوراً والأثقل Tejas Mark 2، بواسطة نسخة أقوى من هذا المحرك الأمريكي تدعى F414 INS6، الذي تصل قوته إلى (97.9 كيلو نيوتن) مع احتراق لاحق.
كما يعتقد أن الطائرة يمكن أن يدمج عليها المحرك الفرنسي Snecma M88-2 المستخدم في الرافال، وهو محرك الدفع الجاف لديه 50.04 كيلو نيوتن، والدفع بغرفة الاحتراق اللاحق 75.62 كيلو نيوتن.
ويعتقد أن الطائرة هيل تيجاس متأثرة بشكل كبير بتصميم الطائرة الفرنسية ميراج 2000، وهو ما يظهر في تصميم الطائرة بتكوين جناح دلتا.
أبرز منافسيها
أقرب مقاتلة صينية يمكن مقارنتها بالمقاتلة الهندية الهيل تيجاس هي الطائرة الصينية J 10، التي يعتقد أن تصميمها مطور من تصميم المقاتلة الإسرائيلية لافي، المأخوذ بدوره من الطائرة الأمريكية إف 16. ويُعتقد أن تل أبيب باعت مشروع الطائرة لافي للصين في الثمانينيات سراً بعد وقفه.
كما تقارن التيجاس بالطائرة الباكستانية الصينية جي إف 17، ولكن الأخيرة أقل تقدماً، خاصة على صعيد السرعة والمناورة والتقنية، وإن كانت الطائرة الباكستانية قد دخلت الخدمة قبلها بسنوات وشاركت في بعض العمليات العسكرية، كما بدأ تطوير الجيل الثالث منها.
بصفة عامة، تصنف الطائرة الهندية في فئة الطائرات الخفيفة، فهي أقل في الإمكانات من طائرات مثل إف 16 الأمريكية والـJ-10 الصينية، وأرخص منهما في الوقت ذاته.
لماذا تأخر برنامج الطائرة الهندية هيل تيجاس كل هذه السنوات؟
كعادة الهند -البلد النامي والديمقراطي- تطول الأمور عندهم، بسبب خليط من الإدارة المرتبكة والطموحة والبيروقراطية، والفساد والخوف من الفساد في الوقت ذاته، أدى كل ذلك إلى تأخر عملية تصميم وتطوير الطائرة، ثم تأخر دخولها للخدمة.
لفترة طويلة، عارض الطيارون المقاتلون الذين يتخذون جميع القرارات الرئيسية في سلاح الجو الهندي دخول المقاتلة، بحجة أنها تفتقر إلى الأداء المطلوب للبقاء أمام باكستان والصين.
لم تدخل القوات الجوية الهند الطائرة في المعارك الجوية التي حدثت مع باكستان في 26 فبراير/شباط 2019، بسبب مشكلات في التصميم والأداء والسلامة.
سبق أن قيل إن 40 من هذه المقاتلات في الخطوط الأمامية للقوات الجوية الهندية والتي تم استخدامها بها مشكلات حرجة، مثل أوجه القصور في تلبية دفع المحرك والمعايير الأخرى مثل وزن الطائرة وسعة الوقود وحماية الطيار من الأمام ضد الرصاص عيار 7.62، حسبما ورد في موقع جامعة Hertfordshire البريطانية.
في عام 2020 فقط، تمكنت وزارة الدفاع الهندية من تنفيذ أمر شراء 83 مقاتلة من طراز Tejas Mark 1A وهي نسخة محسنة من الطائرة سيبدأ تسليمها في غضون عامين.
كان أحد أهداف مشروع هذه الطائرة هو تصنيع محرك محلي، ولكن فشلت عملية التطوير الطويلة للمحرك الهندي النفاث المحلي "كافيري" بعدما تبين أن نسبة الدفع إلى نسبة الوزن أقل من المطلوب، فاضطرت الهند إلى تشغيل طائراتها باستخدام جنرال إلكتريك GE F414-INS6 من الولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian times الهندي.
لكن بصرف النظر عن التأخر في تطوير الطائرة وإدخالها للخدمة، فإنها طائرة يمكن تصنيفها كجيل رابع وتقترب من جيل رابع ونصف، وجعلت نيودلهي تنضم لنادي مصنعي المقاتلات الحديثة بنسب معقولة.
مواصفات النسخة الأكثر تقدماً من الطائرة هيل تيجاس
الطول : 13.2 م
الوزن الفارغ: 6.5 طن
أقصى وزن للإقلاع: 13:5
قوة المحرك: 53.9 كيلو نيوتن
مع احتراق لاحق: 90 كيلو نيوتن.
السرعة القصوى: 2220 كم/ ساعة
المدى: 1.850 كم (مقارنة بمدى يبلغ 3800 كم للطائرة الصينية J-10)
نقاط تعليق التسليح: 8 نقاط
وزن حمولة التسليح: 5.3 طن
مميزات الصفقة المحتملة لتصنيع طائرات هيل تيجاس في مصر
ستكون هناك مميزات عديدة لصفقة الطائرات الهندية المقترحة بالنسبة لمصر. أولى هذه المميزات أن هذه الطائرة لم تستطع نيودلهي حتى الآن بيعها لزبائن آخرين وسيجعل هذا الهند في موقف أضعف خلال التفاوض حول شروط الصفقة خاصة فيما يتعلق بالسعر ونسب التجميع المحلي ونقل التكنولوجيا.
كما أن هذه الطائرة تعتبر رخيصة حسب التقارير الهندية مقارنة بمنافسيها، خاصةً الغربيين.
إضافة إلى أنها توصف بأنها طائرة متقدمة لا سيما فيما يتعلق باستخدام المواد المركبة في بناء بدنها وتطور تصميمها، مما يجعلها حسب التقارير الهندية ذات قدرات مناورة عالية.
كما أن فكرة تجميع طائرة محلياً في حد ذاتها، تمثل نقلة مهمة لمصر، التي لها تجارب سابقة محدودة في هذا الشأن مثل تجميع طائرات الميراج 2000 وطائرة التدريب والهجوم الأرضي ألفا جيت الفرنسيتين وطائرة تدريب باكستانية صينية.
يمثل هذا الأمر أهمية كبيرة للأمن القومي لأي بلد، خاصةً دولة مثل مصر تجاور إسرائيل عدوتها السابقة اللدودة، وهي دولة ذات قوة عسكرية كبيرة ولديها علاقات وثيقة مع الغرب، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدول ذاتها التي تمثل المصدر الرئيسي للتسليح بالنسبة للقاهرة، مما يجعل دوماً هناك قيود على نقل الأسلحة وتكنولوجيا تصنيعها إلى مصر؛ تحسباً للتحفظات الإسرائيلية.
وإضافة إلى الخبرات والتكنولوجيا المكتسبة في حالة تصنيع هذه الطائرة، فإن الاقتصاد المصري سيستفيد من عمليات التشغيل وتجميع وتصنيع أجزاء الطائرة.
عيوب صفقة المحتملة
أول العيوب للصفقة المحتملة أن هذه الطائرة تعد أول طائرة هندية مقاتلة في العصر الحديث، مما يجعلها تعتمد على الذخائر والأسلحة الهندية بشكل كبير والتي ليست منتشرة كنظيراتها القادمة من الصين وروسيا والدول الغربية.
كما أن هذه الطائرة لم تجرب بعد، وهناك شكوك أثيرت من قبل المصادر الهندية، حول قدرات الفئة الأولى منها التي دخلت حيز الإنتاج والتشغيل، وهي الفئة التي يعتقد أن نيودلهي عرضتها على مصر.
كما أن الطائرة رغم الحديث عن كونها هندية الصنع فإن نسبة التصنيع المحلي الهندي لا تزيد على 60%، وهناك شكوك بأنها أقل من ذلك، فهي تعتمد على محرك ورادار من مصادر أجنبية، والمحرك والرادار هما أهم القطع في أي طائرة.
فالطائرة هيل تيجاس تعتمد على المحرك الأمريكي المستخدم في طائرات إف 18 الأمريكية أو المحرك الفرنسي المستخدم في طائرات رافال، أي إن المحركين يأتيان من مصادر غربية، وهي الدول التي لديها دوماً تحفظ على نقل حقيقي لتكنولوجيا الأسلحة إلى أي دولة عربية وعلى رأسها مصر أكبر دولة عربية والتي لطالما عرقلت الدول الغربية محاولاتها للاستقلال العسكري والاقتصادي، خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية التي تحرص دوماً على تحقيق إسرائيل تفوقاً نوعياً على الدول العربية.
وهذه مسألة مبدئية بالنسبة للغرب، على الأرجح لن تغيرها كثيراً حقيقة علاقة مصر القوية في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي مع إسرائيل أو علاقته الوثيقة مع فرنسا وغيرها من الدول الغربية.
مشكلة الرادار الإسرائيلي هي الأكبر
كما أن الأخطر أن هذه الطائره تعتمد حالياً على رادار إسرائيلي الصنع، الأمر الذي يجعل تل أبيب مطلعة على الأسرار العسكرية المصرية وقادرة على عرقلة إنتاج الطائرة، إضافة إلى معرفتها الكاملة بقدراتها في مجال الرادار.
وقد يكون هذا هو العائق الأساسي أمام إتمام هذه الصفقة المحتملة، لأن الجيش المصري يعتقد أنه مازال يعتبر إسرائيل عدوه الحقيقي، كما أن تل أبيب بدورها قد لا توافق على تزويد القاهرة برادار الطائرة.
على الأرجح فإن هذه الصفقة التي اقترحتها الهند، لن تمضي قدماً حتى إلى مرحلة التفاوض بدون إيجاد بديل للرادار الإسرائيلي الموجود على متن الطائرة الهندية.
وقد يكون من عيوب هذه الصفقة أنها تأتي في وقت تُتهم فيه الهند بالإساءة إلى الإسلام والمسلمين وآخرها التصريحات المسيئة للرسول الكريم، التي أطلقها مسؤولان في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
ولكن المشكلة أن أغلب الدول المرشحة لتقديم صفقات مماثلة لمصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية، لديها بدورها سجل سيئ بحق المسلمين مثل الصين التي تضطهد الإيغور؛ أو فرنسا التي قال رئيسها إيمانويل ماكرون إن الإسلام دين في أزمة، وفرض قيوداً على حريات المسلمين في بلاده؛ أو حتى روسيا التي لديها سجل دموي سابقاً في الشيشان وإن كان سجلها الحالي أخف وطأة حالياً.
وقد يكون البديل الأقرب للطائرة الهندية هو الطائرة الباكستانية الصينية JF-17 Thunder، التي على الرغم من كونها أقل تقدماً من التيجاس، فإنها طائرة مجربة ودخلت بالفعل إلى الخدمة في القوات الجوية الباكستانية، كما أن الصين لديها تجربة أكثر موثوقية في صناعة الطائرات من الهند، إضافة إلى أن مصر لديها تجارب سابقة في التعاون في تصنيع الطائرات مع باكستان والصين.
وبصرف النظر عن طريقة استجابة مصر لهذه الصفقة المقترحة من الهند، فإن محاولة تصنيع أو تجميع مقاتلة محلياً يجب أن تحظى بالأولوية لدى الدولة المصرية، خاصةً أنها تكاد تكون الدولة العربية الوحيدة المؤهلة فنياً لهذا الأمر حالياً.
وحتى لو كانت نسب التصنيع المحلي محدودة فإنها تمثل بداية ضرورية لاكتساب خبرات يمكن تطويرها لاحقاً، لأن طريق الاستقلال في مجال الصناعات الدفاعية طريق طويل، كلما كان البدء فيه مبكراً كان أفضل.