يبدو أن الإدارة الأمريكية تكثف العمل على إنشاء تحالفها الدفاعي في الشرق الأوسط الذي سيضم إسرائيل ودولاً عربية أخرى في مواجهة إيران وأنشطتها، وذلك قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة في منتصف يوليو/تموز، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ورغم أن تحركات بايدن في الغالب تشمل عودةً أمريكية لاستئناف المحادثات النووية مع إيران في وقت قريب، وذلك بعد وساطة أوروبية نشطة في سبيل الأمر، وكذلك مناقشة ملف أزمة النفط مع السعودية، إلا أن بايدن يضع على رأس أولوياته في هذه الزيارة، مساعيه لإنشاء "تحالف دفاعي إقليمي" للتصدي لطائرات إيران وصواريخها، كما تقول الصحيفة.
العودة للاتفاق النووي أو مواجهة "التحالف الدفاعي" في الشرق الأوسط
جاء الإعلان عن استئناف المحادثات بشأن اتفاق نووي جديد خلال اجتماع عُقد في طهران يوم السبت 25 يونيو/حزيران، بين وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ونظيره في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل. وتشير الأخبار الواردة إلى أن جلسة التفاوض الأولى ستُعقد في قطر.
كانت المحادثات تعسرت خلال الشهرين الماضيين لسببين بارزين، أولهما: طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران مزيداً من التوضيحات حول "الملفات المفتوحة"، والتي يقصد بها الحالة التي بلغها تخصيب اليورانيوم في عدة مواقع نووية أنشأتها إيران في أماكن سرية.
وثانيهما: رفض إدارة بايدن إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. وقد تباهى المسؤولون الإسرائيليون بما كان لهم من تأثير مزعوم في الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بهذه المسألة.
وتُستأنف المحادثات النووية مع إيران بمبادرة من أوروبا، ولا تزال إسرائيل ترى أن الولايات المتحدة ليس لديها سوى مساحة محدودة لإبداء المرونة في المفاوضات، وبعض أسباب ذلك أن الإدارة الأمريكية منشغلة عن الأمر بالتركيز في انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني وتخشى ارتكاب أي خطأ قد يُحسب عليها.
ومع ذلك، فقد نُوقشت أفكار مختلفة للتسوية في المحادثات الأولية، مثل رفع العقوبات عن إيران تعويضاً لها، وتعزيز رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل تجاهل "الملفات المفتوحة".
أما في إسرائيل، فالآراء منقسمة بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، بين مؤيد لها ومعارض. فقد تمسك رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نفتالي بينيت، مثل سلفه بنيامين نتنياهو، بمعارضة الاتفاقية بإصرار (وإن كان رفضه جاء بنبرة أكثر اعتدالاً من سلفه). لكن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تقول إن توقيع الاتفاقية هو "أهون الشرَّين في ظل الظروف الحالية".
إدارة بايدن تكثف العمل على "الناتو العربي الإسرائيلي" لمواجهة إيران
وذكرت صحيفة The Wall Street Journal يوم الأحد 26 يونيو/حزيران أن الولايات المتحدة نظمت اجتماعاً سرياً عُقد في منتجع شرم الشيخ بمصر في مارس/آذار، وأن قائمة المشاركين في الاجتماع ضمَّت أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وقيادات عسكرية رفيعة المستوى من السعودية ومصر والأردن وقطر والبحرين والإمارات.
يأتي الاجتماع ضمن مساعي بايدن لإنشاء تحالف دفاعي إقليمي ضد إيران. وقد عُقد بعد عدة أسابيع من إسقاط مقاتلات أمريكية لطائرتين إيرانيتين مسيَّرتين في العراق كانتا في الطريق على ما يبدو لمهاجمة أهداف إسرائيلية.
وكانت صحيفة Haaretz الإسرائيلية أوردت في وقت سابق أن الإدارة الأمريكية تأمل في اغتنام زيارة بايدن للمنطقة للإعلان رسمياً عن إنشاء "منظومة الدفاع الإقليمي"، وربما موافقة السعودية على الانضمام إليها أيضاً.
واقع الأمر أن هناك بالفعل تعاوناً شاملاً بين الأمريكيين ومختلف دول الشرق الأوسط، يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وارتباط أنظمة الرادار، والتعاون في اعتراض التهديدات. ومع ذلك، فإن الإعلان الرسمي عن هذا التحالف الذي يطلق عليه البعض "الناتو العربي الإسرائيلي"، سيكون دفعة كبيرة لتعزيزه، وإنجازاً أمريكياً في الوقت نفسه، وتستخدم واشنطن الخطر الإيراني لتأكيد الحاجة إلى تحالف من هذا النوع.
وبحسب هآرتس، فإن الهدف الرئيسي لبايدن من زيارته إلى المنطقة، هو التصالح مع السعودية. فالولايات المتحدة تحتاج إلى السعوديين في زيادة إنتاج النفط، لتقليل التداعيات الناجمة عن أزمة الطاقة العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن أي تغير إقليمي يُفضي إلى إخراج العلاقات الإسرائيلية السعودية إلى العلن، سيكون منحةً إضافية مهمة بطبيعة الحال لإسرائيل وللإدارة الأمريكية.
هل ينجح "التحالف الدفاعي" العربي الإسرائيلي في ردع إيران؟
يقول د. أندرياس كريغ، أستاذ مساعد في قسم الدراسات الدفاعية في جامعة King's College London، ومستشار المخاطر الاستراتيجية، إنَّه لا يوجد حل عسكري للمسألة الإيرانية.
ويرى كريغ في مقالة لموقع Middle East Eye البريطاني، أنَّ حديث المسؤولين الإسرائيليين بشأن تدشين حشد عسكري إقليمي (عربي-إسرائيلي) ضد إيران، يعيد إلى الأذهان ذكريات رؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بشأن "الناتو العربي"، وهو تصور يعتقد كريغ أنَّه غير ناضج، ولم يكن قط قابلاً للتحقق، وأنَّه بالكاد كان سيردع إيران عن الانخراط في أنشطتها غير المُستوجِبة للرد في أرجاء المنطقة، ناهيكم عن إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية.
ويرى الأكاديمي البريطاني كذلك أنَّ دعوات زيادة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط غير متوافقة مع الحقائق في واشنطن. ويشير كريغ إلى أنَّ الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين منذ باراك أوباما حاولوا تقليص التزاماتهم في المنطقة، وفي المقابل تمكين الفاعلين المحليين من أجل تحمُّل عبء الأمن.
ويعتقد كريغ أنَّ الاتفاق النووي الإيراني سيمثل خطوة أولى في إنشاء إطار عمل من التكامل الإقليمي الإيجابي، المبني ليس على الأعداء المشتركين، بل المخاوف والمصالح المشتركة. ويشير إلى أنَّه في أوضاع مثالية ستود واشنطن رؤية تطور إطار عمل أمني إقليمي يشمل إيران، ويحل فيه الانخراط المباشر محل مواجهة الخليج العربي مع الجمهورية الإسلامية.
ومع أنَّ كريغ يرى أنَّه من المستبعد أن توسع الولايات المتحدة وجودها العسكري الحالي البالغ قرابة 50 ألفاً من القوات ضمن منطقة القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، فإنَّه يقول إنَّ حصصاً لا متناسبة من الموازنة العسكرية الأمريكية تذهب إلى الشرق الأوسط، رغم انتهاء العمليات في العراق وأفغانستان إلى حدٍّ كبير.
ويذكر كريغ أنَّ قرابة 6 مليارات دولار تذهب سنوياً إلى المنطقة، بخلاف مبلغ 2.7 مليار دولار الذي جرى الالتزام به لأفغانستان. ويحاول التدليل على كلامه أيضاً من خلال إعطاء مثال متعلِّق بإسرائيل، التي تُعَد أكبر المستفيدين من الالتزامات الأمريكية في المنطقة، قائلاً إنَّ تل أبيب حصلت على أكثر من 146 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية منذ العام 1946.
مع ذلك، ورغم كل هذه الجهود، يرى كريغ أنَّ الولايات المتحدة لم تنجح في إنشاء بنية تحتية أمنية مكتفية ذاتياً في المنطقة، ويُلقي باللائمة في الجزء الأكبر من هذا على شركاء الولايات المتحدة المحليين ذاتهم.
يقول كريغ: "من الناحية الاستراتيجية لا توجد أرضية مشتركة أو ثقة من أجل تحالف أمني شرق أوسطي. فبالنسبة للعراق وقطر والكويت وعُمان، تمثل إيران جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية الأمنية الإقليمية يتعين الانخراط معها. وعلى نطاق أوسع تختلف تصورات التهديد وتعريفات الأمن بصورة كبيرة بين الدول العربية وإسرائيل".
ويضيف: "حتى لو أمكن أن تتفق مجموعة صغيرة من الدول- بما في ذلك السعودية والإمارات والبحرين وإسرائيل- على أنَّ إيران هي أكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين، فإنَّ السبل والوسائل التي تستعد من خلالها لمعالجة هذه المشكلة تختلف اختلافاً كبيراً. فلن ترغب أيٌّ من دول الخليج المخاطرة بحدوث تصعيد عسكري مع إيران، لأنَّها (دول الخليج) ستمثل الخطوط الأمامية مُتحمِّلةً عبء أي انتقام إيراني. وأظهرت الهجمات التي رعتها إيران على البنية التحتية لموارد الهيدروكربون الخليجية في 2019 مدى ضعف هذه الدول".