شكلت القوات الخاصة الأوكرانية أداة فعالة في يد كييف في مواجهة التفوق الروسي الهائل في المعدات وقوة النيران، ولكن يبدو أن هذه القوات تواجه تحدياً كبيراً في هذه المرحلة من الحرب.
يبلغ الرقيبان "هاندسوم" و"توينتي تو" الـ25 من عمرهما، ويقاتلان ضد الجيش الروسي منذ غزوه لأوكرانيا عام 2014. ووقع الاختيار عليهما للانضمام إلى القوات الخاصة بعد سنوات من القتال في الوحدات العادية بفضل ذكائهما، ودقتهما، وحالتهما البدنية المتفوقة، حسب وصف صحيفة The Times البريطانية.
وقال توينتي تو: "تعتبر المهمات التي تجري وراء خطوط العدو من أكثر المهمات إثارة، عندما نزرع المتفجرات خلف صفوفه الأمامية وخارج الحدود مثلاً". وتحدث عن خطةٍ لبث الفوضى وزرع الانشقاق وسط العدو، لكنه طلب من صحيفة The Times البريطانية عدم الإفصاح عنها بشكلٍ كامل.
وكلاهما من أعضاء كتيبة الشامان، وهو اللقب الذي تحمله كتيبة القوات الخاصة العاشرة الأوكرانية بفضل قدراتها القتالية المتفوقة، حسب تعبير المجلة البريطانية.
كتيبة الشامان قاتلت مع الأمريكيين في أفغانستان والعراق
وتمثل الكتيبة ذراع الهجوم والاستطلاع للمخابرات العسكرية الأوكرانية، ولا تقبل في صفوفها إلا من يجتازون أقسى الاختبارات لقدرة تحملهم ومهاراتهم في البقاء.
وتتخصص هذه الوحدة من القوات الخاصة الأوكرانية في الغوص، والقفز المظلي، وتسلق الجبال.
وقاتل جنودها إلى جانب القوات البريطانية والأمريكية في أفغانستان، قبل أن يكتسبوا سمعةً طيبة بكونهم صفوة الصفوة في القوات الخاصة الأوكرانية، حسب تعبير الصحيفة البريطانية.
ولكنهم فوجئوا بالهجوم الروسي
وربما تمتعت الوحدة بتجهيزٍ أفضل من بقية وحدات القوات المسلحة الأوكرانية، استعداداً لهجوم فبراير/شباط، لكن الهجوم كان صادماً رغم ذلك وفقاً لهاندسوم. إذ قال: "كانوا يخبروننا يومياً أن الهجوم سيبدأ غداً، لكنهم لا يأتون. ولم أصدق الأمر عندما بدأ الهجوم فعلياً".
إذ توجه الرجال حينها على الفور لخوض معركةٍ ضد نظرائهم من قوات سبيتسناز الخاصة الروسية داخل مطار أنتونوف بهوستوميل، حيث كان المظليون يهبطون من المروحيات في محاولةٍ لتأمين مسار إمداد جوي لطوابير المدرعات المتجهة صوب العاصمة. ووصف الساعة الأولى من المعركة بأنها كانت فوضوية وشهدت تدافع الجيش الأوكراني من أجل تنسيق دفاعاته، لكن جهودهم داخل المطار نجحت بنهاية المطاف في منع روسيا من كسب موطئ قدم حيوي على مشارف كييف.
وجرى بعدها إرسالهم إلى قرية موشون لمنع القوات الروسية من اجتياز نهر إربين، وهي الخطوة التي كان من شأنها أن تمنح قوات بوتين طريقاً مفتوحاً إلى كييف.
وعكفت ثلاث فرق على إخلاء القرية، ثم حفروا الخنادق بطول النهر داخل الغابة، وانتظروا الهجوم. لكنهم اضطروا للتراجع إلى بنايات القرية تحت القصف العنيف، بالتزامن مع وصول قوةٍ أكبر مدعومة بمركبتي قتال مشاة لتبدأ في عبور النهر. وانتظرت الفرق حتى توغلت القوات الروسية وصولاً إلى مركز القرية رغم الفارق العددي الكبير "كما هو معتاد"، قبل أن ينصبوا لهم كميناً ويشتبكوا معهم في معركةٍ قتالية متلاحمة ويضربوهم من الجانبين.
يحاولون دوماً إبقاء القتال مع الروس في نطاق قريب
وقال توينتي تو: "كنا نطلق النار من مسافة 5 أو 10 أمتار. ونحاول دائماً إبقاء القتال على مسافةٍ قريبة والتضييق على العدو، لأنهم لن يتمكنوا من استخدام مدفعيتهم في هذه الحالة. يمتلكون أسلحة مدفعية أكثر منا بفارقٍ كبير، لكن معنوياتهم منخفضةٌ للغاية ولا يستطيعون الانخراط في المعارك الفردية. ومن الصعب نفسياً أن تقف في معركةٍ بالأسلحة النارية وأنت معتادٌ على القتال باستخدام القنابل اليدوية وقاذفات القنابل سفلية التعليق".
وشاركت كتيبة الشامان في كل مواجهةٍ كبيرة بمعركة كييف، وواصلوا مطاردة القوات الروسية أثناء انسحابها من منطقة تشيرنوبل المحظورة باتجاه الحدود البيلاروسية.
ونجحت القوات الأوكرانية في وقف تقدم الجيش الروسي في محيط كييف وشمالي البلاد، بسبب عوامل عديدة شنّ الروس هجوماً سريعاً في هذه المناطق، وتوغلوا بقوة، ولكنهم وقفوا عند مداخل المدن، تحقق ذلك نتيجة عوامل عدة، منها المشكلات اللوجستية لدى الروس والهجمات الأوكرانية على الطوابير الروسية بصواريخ غافلين المضادة للدبابات، وكذلك استخدامهم صواريخ ستينغر المحمولة على الكتف بأعداد كبيرة، أضعفت مشاركة سلاح الجو الروسي في المعركة، ولاسيما المروحيات وطائرات سوخوي 25 القاذفة البطيئة، وهما سلاحان مهمان لدعم المشاة الروس على الأرض.
ولعبت القوات الخاصة الأوكرانية دوراً كبيراً في إفشال الهجوم الروسي في محيط كييف وشمال البلاد، حيث ساعدت طبيعة التضاريس وانتشار الغابات على توفير التغطية لهجماتهم التي تشبه عمليات حروب العصابات.
القوات الخاصة الأوكرانية تقود الوحدات الأقل خبرة
وتمثل القوات الخاصة الأوكرانية العمود الفقري لدفاعات البلاد، وتُكلّف عادةً بتنظيم القوات العادية التي جرت تعبئتها حديثاً وتتمتع بحماسٍ كبير لكنها تفتقر إلى التدريب اللازم والمعدات الكافية.
وتحدث الرقيبان عن قيامهما بتوجيه الوحدات العادية حول أفضل المواقع الدفاعية التي يجب تغطيتها أثناء الهجوم، قبل أن يتحركوا لقيادة الهجوم بأنفسهم.
وأوضح توينتي تو: "ليست هناك موارد كافية لتغطية جميع المهام التي نحتاجها حالياً. لدينا ما يكفي من الناس، ولكننا لا نمتلك الموارد الكافية لمنح الجميع أسلحةً مناسبة. نحن في حرب مدفعية وطيران، وهذا هو أكثر ما نحتاجه الآن".
إذ يحتاج المشاة الذين يفتقرون إلى الخبرة لمساعدة ضباط من ذوي خبرة من أجل الحفاظ على تماسك الصفوف تحت القصف العنيف. وأردف: "تذهب القوات الخاصة للمساعدة في تنظيم الحرب على قطاعٍ من الجبهة الأمامية، في انتظار أن تصبح لدينا الإمدادات الكافية. ونتكفل بالاتصالات والإسعافات الأولية، وندخل قبل المشاة وبعدهم، وننسق جميع الجوانب في هذه المنطقة".
ولكن الأمر أصبح مختلفاً في معركة دونباس، فالخسائر تتزايد
ولا شك أن اعتماد أوكرانيا على قواتها الخاصة ترك أثره الكبير على الوحدات نفسها. إذ أضاف توينتي تو أن نصف أصدقائه قُتلوا خلال الأسابيع الأخيرة بالتزامن مع اشتداد المعركة من أجل منطقة دونباس. حيث تركز روسيا نيران قواتها الجوية ومدفعيتها المتفوقة على قطاعٍ صغيرة من الجبهة الأمامية. ووافقه الرأي ضابط مخابرات رفض ذكر اسمه، إذ قال إن معدل خسائر أوكرانيا كان أقل بكثير خلال الأسابيع الأولى للحرب، لكنه أصبح قريباً الآن من معدل خسائر القوات المهاجمة.
ويشعر الرقيبان بالامتنان لإمدادات الأسلحة من الدول الغربية، التي حدثت بنادقهم الآلية من الكلاشينكوف AKM إلى بنادق الهجوم القتالي FN SCAR-L، وغيرها من الأسلحة. لكنهما قالا إن كثافة العمليات تكبّدهم خسائر في المعدات تفوق حجم المساعدات التي تصل. ولهذا طالبا بتسريع تسليم شحنات المساعدات العسكرية وخاصةً المركبات، وقاذفات صواريخ نلاو المضادة للدروع، والأسلحة الثقيلة.
يركزون على إصابة أعدائهم بطريقة لا نجاة منها
وأُصيب توينتي تو بشظية قنبلة يدوية أثناء اجتياح خندق روسي يوم الأحد الماضي، 26 يونيو/حزيران. لكنه فضل إبقاء الشظية داخل ساعده وتغطيتها بلاصق طبي كبير بدلاً من تعطيل العمليات. وأردف: "نحاول التسلسل واستخدام التخفي للاقتراب. والأمر صعبٌ للغاية لأنك بحاجة إلى الكثير من المعدات والذخيرة، التي تعتبر ثقيلةً للغاية أثناء محاولة الزحف بها، كما تثير ضجةً كبيرة. لكننا حققنا عنصر المفاجأة. وفقد أول جنديٍ رآني عقله لأنه لم يتوقع أن نأتي، وكان خائفاً بشدة، فأطلقت النار عليه من مسافةٍ لا تتجاوز السبعة أمتار وأصابته أسفل درعه الباليستية. ونطلق النار بين القدمين دائماً لأنها منطقةٌ لا تحظى بالحماية الكافية. مما يجعل نسبة نجاحها في قتل الهدف 100% لأنك تدمر شرايينه وتكسر تجويف الحوض. ولن يتمكن بعدها من الهرب، أو الزحف، أو فعل أي شيء. ومن المستحيل تقديم الإسعافات الأولية لرجلٍ مصاب في هذه المنطقة. ولن تتمكن من استخدام ضمادة أو عصابة أيضاً".
ويتحدث توينتي تو بهدوءٍ مثير للقلق أثناء وصفه لأفضل طرق القتل، لكنها كلمات تخرج من فم شاب نشأ يقاتل الروس وأصبح العنف بالنسبة له أمراً اعتيادياً. حيث قال: "لن تتصور عدد الشباب الذين يسجلون في صفوف الجيش الآن ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاماً، وربما لا يملكون سوى بندقية واحدة ومخزن واحد، لكنهم يتقدمون إلى الأمام لمجرد أن عليهم فعل ذلك. ويذكرونني بنفسي في ذلك العمر، ونحن ندرك أن الجيل المقبل سينشأ في حياة الحرب أيضاً. وهذه غلطة روسيا".
وكان توينتي تو يخطط قبل الهجوم لتأسيس سلسلة صالات للألعاب الرياضية. بينما كان هاندسوم يمنّي النفس بدخول صناعة تقنية المعلومات المزدهرة في أوكرانيا، وبناء منزل، وتكوين أسرة. لكن شغلهما الشاغل الآن أصبح الدفاع عن وطنهما.
وأوضح توينتي تو: "يمتلك كل شخص دوافعه الخاصة. فالبعض لديهم زوجات وآخرون لا، والبعض لديهم عائلات في خيرسون المحتلة أو تحت قصف المدفعية في ميكولايف. أما دافعي فهو القتال من أجل تغيير الوضع حتى أشاهد حياةً مدنية مرةً أخرى، وحتى لا يضطر الجيل المقبل لخوض حربٍ روسية جديدة".