حضور الرئيس فلاديمير بوتين قمة "بريكس" له دلالة خاصة جداً هذه المرة رغم أن القمة، التي تستضيفها الصين تعقد بشكل افتراضي، فهل فشل الغرب في جعل روسيا دولة "منبوذة" بسبب الحرب في أوكرانيا؟
ومنذ أن شنت روسيا الهجوم على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو"، كان أحد الأهداف الرئيسية للتكتل الغربي هو عزل روسيا وتحويلها إلى دولة "منبوذة" على الساحة الدولية.
وفي هذا الإطار فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على الإطلاق طالت جميع مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الرياضية والفنية على روسيا، بل وصل الأمر إلى إعلان الرئيس الأمريكي أن بوتين "لا يمكن أن يستمر في السلطة"، على الرغم من سعي البيت الأبيض لاحقاً إلى التخفيف من حدة تلك الدعوة الصريحة للإطاحة بالرئيس الروسي، معتبراً أنها "زلة لسان" من ساكن البيت الأبيض.
ماذا حقق الغرب من هدف "عزل روسيا"؟
وبعد مرور نحو أربعة أشهر كاملة من بداية الحرب في أوكرانيا، من الطبيعي أن يطرأ السؤال بشأن ما حققه الغرب فعلاً في إطار السعي لعزل روسيا ورئيسها بوتين. والإجابة المباشرة لا تبشر بالخير بالنسبة للغرب بقيادة الولايات المتحدة.
فها هو الرئيس الروسي ينضم إلى أربعة رؤساء آخرين في قمة لأحد التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم وهي مجموعة "بريكس"، التي تشمل في عضويتها الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، إضافة إلى روسيا بطبيعة الحال.
"في قمة بريكس ببكين، بوتين يعود إلى المسرح الدولي"، بهذا العنوان عبّرت شبكة CNN الأمريكية، في تقرير لها، عما يمثله حضور الرئيس الروسي لقمة بريكس السنوية، التي تستضيفها الصين افتراضياً الخميس 23 يونيو/حزيران.
إذ إنه عندما يضغط بوتين على زر الانضمام لقمة بريكس، ستكون هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها الرئيس الروسي في تجمع دولي رئيسي منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وهو ما يمثل صورة إيجابية تماماً لزعيم الكرملين.
وعلى الرغم من أن القمة تنعقد بشكل افتراضي، فإن التغطية الإخبارية العالمية ستحمل صورة بوتين بجوار نظيره الصيني شي جين والبرازيلي هايير بولسونارو والجنوب إفريقي سيريل رامافوزا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهذه الصورة تدحض تماماً الصورة التي سعى الغرب إلى ترسيخها طوال الأشهر الماضية، وهي صورة "بوتين المنبوذ وروسيا المعزولة".
وهذه الصورة على الأرجح ستكون أكثر إشراقاً مع تطبيق الصين وروسيا ما اتفقتا عليه قبل أسابيع من بدء الهجوم على أوكرانيا، أي أخذ "العلاقة بينهما إلى أفق لا تحدها أي قيود"، وبطبيعة الحال لن يصدر عن القمة أي "انتقادات" لروسيا بشأن أوكرانيا، وستكون البيانات عامة وتحث على السلام، وهذه كلها بمثابة طعنات في قلب استراتيجية الغرب بشأن بوتين وروسيا.
ولأن الأزمة الأوكرانية هي بالأساس صراع جيوسياسي بين روسيا وحلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، فقد توحّدت العواصم الغربية بصورة غير مسبوقة في رفضها لما تصفه بالغزو الروسي، وسارعت بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، وتزويد أوكرانيا بأطنان من الأسلحة، وفتح باب التطوع للقتال في أوكرانيا، وهو ما لم يكن يتوقعه الرئيس الروسي، بحسب كثير من المحللين.
وبدأ فرض العقوبات الغربية على روسيا منذ أن أعلن الرئيس فلاديمير بوتين، الأحد 21 فبراير/شباط 2022، الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني، وتصاعدت وتيرة تلك العقوبات وحدّتها وشمولها مع بدء الهجوم على أوكرانيا، الخميس 24 فبراير/شباط.
ما قصة تكتل "بريكس"؟
تكتل "بريكس" عبارة عن منظمة سياسية دولية، بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية.
في البداية كان أعضاء التكتل أربع دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند، وكان اسم التكتل في ذلك الوقت "بريك"، نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية، ثم طلبت جنوب إفريقيا الانضمام للتكتل وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010، ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الإفريقية ويصبح التكتل "بريكس".
في ذلك الوقت كان أعضاء التكتل يمثلون الدول ذوات الاقتصادات الصاعدة، وتتميز بأنها من الدول النامية الصناعية ذوات الاقتصادات الكبيرة والصاعدة، ويعيش في الدول الخمس نصف سكان العالم وكان الناتج الإجمالي المحلي لتلك الدول ناتج الولايات المتحدة (13.6 تريليون دولار)، ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة 4 تريليونات دولار.
ووصف الرئيس الصيني لي جينتاو، في ذلك الوقت، دول "بريكس" بأنها "المدافعة عن مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السلام العالمي". وفي عام 2008 عقد اجتماع بمدينة ييكاترينبرغ الروسية، ثم تبع ذلك أول مؤتمر قمة لدول المجموعة في 16 يونيو/حزيران عام 2009 في ييكاترينبرغ.
الهدف الرئيسي لذلك التكتل إذاً، منذ اللحظة الأولى لتفكير بوتين في تأسيسه، كان تحدي الهيمنة الأمريكية على المسرح السياسي العالمي وهو الغاية النهائية للتكتل، لكن التركيز لم يكن على الشق السياسي من الأساس، بل كان التعاون الاقتصادي هو الهدف المعلن.
وكان الترابط الاقتصادي بين أعضاء التكتل هو أحد مداخل تحقيق التعاون السياسي، وفي هذا السياق، بدأت دول "بريكس" بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة المالية، فأنشأت بنكاً جديداً موقعه شنغهاي الصينيّة هو "بنك التّنمية الجديد" وصندوقاً أُطلِق عليه "صندوق بريكس"، كي يكونا بمثابة بديلين للبنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّولي، وتم إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى الدولي، بينما الهدف غير المعلَن كان يتمثل في إنشاء مؤسّسات دوليّة موازية للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة: البنك الدّولي وصندوق النّقد الدّولي، اللذين تهيمن عليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
ماذا قد يقدم تكتل "بريكس" لروسيا الآن؟
لا شك في أن قرار مجموعة "بريكس" عقد قمتها السنوية هذا العام يمثل في حد ذاته انعكاساً صريحاً لرأي الأعضاء في الموقف من الحرب في أوكرانيا بصفة خاصة، وموقفهم من النظام العالمي الذي يقوده الغرب بصفة عامة، بحسب ما عبر عنه خبراء لشبكة CNN.
"إننا نتحدث هنا عن اقتصادات قوية وضخمة للغاية يبدو زعماؤها راغبين في أن يتجمعوا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مسرح واحد، حتى وإن كان هذا التجمع افتراضياً"، بحسب ما قاله للشبكة الأمريكية سوشانت سينغ، الزميل بمركز أبحاث السياسة في نيودلهي.
"حقيقة أن بوتين مرحب به وليس منبوذاً أو معزولاً، وأن القمة عادية تنعقد بشكل دوري كما كان يحدث منذ إنشاء التكتل، تمثل انتصاراً لافتاً بالنسبة للرئيس الروسي دون شك"، أضاف سينف.
وعلى الرغم من أن دولاً مثل الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، قد تقول للغرب إن فتح أبواب التعامل مع روسيا أفضل من إغلاقها، فإن هذا المنطق لا يغير شيئاً من حقيقة كون قمة "بريكس" تعني الكثير جداً بالنسبة لروسيا وزعيمها بوتين.
لكن إضافة إلى ما يوصف بأنه انتصار سياسي بالنسبة للرئيس الروسي، إلا أن المكاسب الاقتصادية التي من المتوقع أن تعود على موسكو من استمرار التعاون في إطار تكتل "بريكس" تمثل إضافة أخرى يحتاجها الكرملين دون شك للتخفيف من وطأة العقوبات الغربية.
كان وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، قد قال، في الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران، إن روسيا دعت مجموعة "بريكس" إلى اتخاذ إجراءات منسقة للتصدي للمخاطر الاقتصادية العالمية.
وأبلغ سيلوانوف اجتماعاً لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزي لدول بريكس، عقد افتراضياً يوم 6 يونيو/حزيران، أن التشديد العالمي للسياسة النقدية، وقيام الغرب بتنفيذ سياسة لم يسبقها مثيل للعقوبات يثيران مخاطر ركود تضخمي عالمي وأزمة غذاء. وأشار سيلوانوف أيضاً إلى مخاطر أزمة اقتصادية عالمية وسط تقويض للثقة بنظام أسعار الصرف والنظام المالي في العالم.
وفي أواخر مايو/أيار الماضي، ذكرت وكالة تاس للأنباء أن وزير الصناعة الروسي دينيس مانتوروف دعا الدول في مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة إلى تأسيس مشاريع مشتركة لتكرير النفط والغاز مع روسيا. وقال مانتوروف إن هذا التحرك سيساعد في تقليل اعتماد المجموعة في إمدادات الطاقة على "شركاء غير موثوق بهم"، بحسب ما قالته تاس.
أي إن روسيا تسعى إلى تخفيف الضغوط التي تتسببت فيها العقوبات الغربية على قطاع الطاقة بالتحديد، من خلال توسيع تعاونها في هذا المجال عبر "بريكس" وفتح أسواق جديدة لاستيعاب نفطها وغازها، في ظل سعي دول الاتحاد الأوروبي لحظر واردات الطاقة من موسكو.
وتنتج روسيا نحو 10 ملايين برميل من النفط يومياً وتصدر نحو نصف هذه الكمية، إلى جانب نحو 3 ملايين يومياً من المنتجات النفطية، لكن لا توجد حتى الآن معلومات دقيقة بشأن كم من هذا المعروض قد يكون انخفض بالفعل، خصوصاً أن قرار الاتحاد الأوروبي حظر النفط الروسي بشكل كامل ما زال قيد الدراسة.