هل تؤدي نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية إلى أزمة في البلاد، بعد فشل التحالف الموالي للرئيس إيمانويل ماكرون في نيل الأغلبية البرلمانية، وهل يتحول ماكرون لرئيس شرفي، كما حدث مع بعض رؤساء فرنسا السابقين، أم يستطيع التلاعب بخلافات المعارضة لإبقاء سيطرته على السلطة في ظل النظام السياسي المركب للبلاد، ودستورها الحمّال للأوجه؟
فلقد أظهرت التوقعات الأولية لمراكز الاستطلاع حصول ائتلاف "معاً" بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون على 245 مقعداً بالبرلمان، مقابل 135 مقعداً لتحالف اليسار والخضر، و89 لأقصى اليمين، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الداخلية الفرنسية.
وهذا يعني أن تحالف ماكرون حصل على أكبر كتلة، ولكن ليس الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من الحكم وحيداً، علماً بأن الغالبية المطلقة تبلغ 289 نائباً (من أصل 577).
ويتكون البرلمان الفرنسي من مجلسين؛ الغرفة العليا هي مجلس الشيوخ، والغرفة السفلى هي الجمعية الوطنية (Assemblée Nationale)، وتنتخب هيئة ناخبة من نواب الجمعية الوطنية 348 عضواً في مجلس الشيوخ، وعلى الرغم من أن المجلسين يتمتعان بسلطات مماثلة من الناحية الرسمية، إلا أن الجمعية الوطنية هي الأقوى بين المجلسين.
وتعمل الحكومة الفرنسية الحالية وفقاً لدستور الجمهورية الخامسة، الذي سُن في عام 1958، وينص على أن فرنسا جمهورية وديمقراطية برلمانية ونظام سياسي رئاسي/ برلماني هجين أو مختلط، رأس الدولة هو الرئيس الفرنسي الذي يعين رئيس الوزراء على رأس الحكومة.
هل يجب تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية الفرنسية؟
من الناحية القانونية، فإن الحكومة الفرنسية يمكن أن تستمر في عملها، ولا يجب بالضرورة تشكيل حكومة جديدة، ولكن المفارقة أن الحاجة لتشكيل حكومة جديدة تأتي من قرار لماكرون نفسه بضرورة عدم استمرار الوزراء الذين خسروا مناصبهم.
ومن بين حكومة ماكرون البالغ عدد أعضائها 28 وزيراً، ترشح 15 وزيراً للانتخابات أو لإعادة انتخابهم. من الناحية القانونية، لا يتعين على الوزير الذي يخسر الانتخابات كعضو في البرلمان أن يتنحى عن دوره الوزاري، لكن ماكرون قال إنه يتوقع تنحي أي وزراء مهزومين.
ولقد خسر وزراء الصحة والبيئة والبحار مقاعدهم، لكن باقي أعضاء مجلس الوزراء لم يتغير وضعهم.
وبينما لا يملك الرئيس السلطة لإقالة رؤساء الوزراء، يمكنه أن يطلب استقالتهم.
وفازت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن- التي كانت نائبة في البرلمان للمرة الأولى- بمقعدها في كالفادوس بنورماندي.
وتم تشكيل الحكومة الحالية في مايو/أيار الماضي فقط، بعد إعادة انتخاب ماكرون في أبريل/نيسان الماضي؛ لذلك من غير الواضح ما إذا كان ماكرون سوف يتراجع عن تعهده بإنهاء خدمة الوزراء المعزولين، أو سيضطر إلى إجراء تعديل وزاري أكثر جذرية، أو تشكيل حكومة جديدة، وهو أمر سوف يضعه في مأزق؛ لأن تشكيل حكومة جديدة قد يتطلب مشاركة المعارضة بها.
صلاحية الرئيس متغيرة حسب الظروف
لفهم تعقيد الوضع الذي أسفرت عنه الانتخابات التشريعية الفرنسية يجب فهم تاريخ فرنسا السياسي الحديث وتركيبة النظام الدستوري الفرنسي، وصلاحيات الرئيس في تشكيل حكومة في حال فقدانه الأغلبية البرلمانية كما حدث حالياً مع ماكرون.
وتصنف الجمهورية الفرنسية الخامسة التي أسسها الرئيس الأيقوني شارل ديغول على أنها نظام شبه رئاسي، ورغم أن السلطات الرسمية المخولة للرئيس كبيرة، خاصة في السياسة الخارجية والدفاعية، حتى يصف بعض الدستوريين سلطات الرئيس الفرنسي بأنها أكبر من سلطات أي رئيس غربي، ولكنها تظل متداخلة مع سلطات رئيس الوزراء والبرلمان خاصة في المجال الداخلي، وبالتالي سلطات الرئيس غير كافية للحكم، كما يشاء؛ حيث يحتاج إلى دعم الأغلبية البرلمانية، مما يجعل تركيبة البرلمان مسألة أساسية في تحديد مقدار سلطات الرئيس.
وعلى سبيل المثال، الرئيس وليس رئيس الوزراء، هو الذي يمثل فرنسا في المجلس الأوروبي، ويمتلك صلاحية توجيه الضربة النووية.
ويمكن للرئيس حل الجمعية الوطنية، ومجلس النواب، المشكلين للبرلمان الفرنسي، ولديه بموجب المادة 12، مجموعة واسعة من التعيينات العسكرية والمدنية العليا، بما في ذلك ثلاثة مقاعد في المجلس الدستوري المؤلف من تسعة أعضاء.
قصد شارل ديغول، مؤسس الجمهورية الخامسة، أن يكون الرئيس، في المقام الأول- حجر الزاوية في المؤسسات الفرنسية في ظل ضعف الأحزاب وإنقساماتها، فبموجب المادة 5، الرئيس هو الضامن لاستقلال فرنسا ووحدة أراضيها، ويتحمل المسؤولية الشاملة عن سير عمل المؤسسات الفرنسية واستمرارية الدولة، ولكنها سلطات رمزية إلى حد ما على الأقل دون موافقة رئيس الوزراء والبرلمان وحتى الوزراء في بعض الأحيان.
في المقابل، يعتبر الدستور، الحكومة الفرنسية هي الهيئة الرئيسية لصنع القرار في البلاد وتشرف على تطوير السياسات في مجالات؛ مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل العام.
يتقاسم رئيس الدولة الفرنسي أيضاً السلطات القانونية مع رئيس الوزراء؛ حيث يوقع الرئيس الأوامر والمراسيم التي تحكم القواعد المعمول بها في المجالات التي لا يكون فيها التشريع ضرورياً.
ومن المربك أيضاً أن رئيس الوزراء هو "مسؤول عن الدفاع الوطني" بموجب المادة 21، مما يمنحه على الأقل بعض الدور في هذا المجال إلى جانب الرئيس الذي يتولى منصب القائد العام للقوات المسلحة.
ولكن تزداد سلطات الرئيس بشكل كبير في حالات الطوارئ الحقيقية؛ حرب أو خطر جسيم وقائم على المؤسسات الفرنسية؛ إذ يجوز للرئيس، بموجب المادة 16، اتخاذ "الإجراءات التي تتطلبها الظروف"، وهي في الواقع، سلطات كاسحة وغير محددة، على الرغم من أن كلاً من البرلمان والمجلس الدستوري يفترض عليهما ضمان عدم إساءة استخدام هذه الصلاحيات.
من يعين رئيس الوزراء الجديد؟
يعين الرئيس الفرنسي رئيس الوزراء بموجب المادة 8 من الدستور، وكذلك الوزراء بناء على اقتراح رئيس الوزراء.
والرئيس، وليس رئيس الوزراء، هو الذي يرأس اجتماعات مجلس الوزراء، كما يرأس بصفته القائد الأعلى مجلس الدفاع الأعلى في فرنسا، ويمكنه الدعوة إلى استفتاء حول أي قضية مؤسسية أو اقتصادية أو اجتماعية، أو للتصديق على معاهدة دولية.
كيف أصبح بعض من أقوى رؤساء فرنسا بلا سلطات تقريباً؟
رغم أن الرئيس هو الذي يعين رئيس الوزراء فإنه إذا قام بتعيين رئيس حكومة ليس من الأغلبية البرلمانية، فإنه يخاطر بدفع الجمعية الوطنية للإطاحة بالحكومة من خلال اقتراح بحجب الثقة.
وإذا قرر الرئيس تجاهل الأغلبية البرلمانية وتعيين حكومة، بناء على قناعاته السياسية، فهذا من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى تعاقب الخلافات بين الحكومة والبرلمان وقد يؤدي إلى حل البرلمان.
بعبارة أخرى، ستكون المؤسسات مشلولة، ولن يتمكن الرئيس من فعل الكثير.
ويعني ذلك أن ماكرون غير مضطر لاختيار الشخص الذي تطرحه الأغلبية لمنصب رئيس الوزراء، ومع ذلك فإنه مهدد بأن تجمع المعارضة رغم خلافاتها الواسعة على رفض المرشح الذي يقدمه.
والأهم من ذلك، أن رئيس الوزراء والحكومة، على الرغم من تعيينهما من قبل الرئيس، لا يمكن عزلهما من قبله، لكنهما مسؤولان أمام البرلمان ويجب عليهما الاستقالة إذا تم تمرير اقتراح اللوم بالأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية؛ ولذلك يجب على الرئيس أن يعين رئيس وزراء وحكومة مقبولة في البرلمان، وليس بالضرورة أن تعين من الأغلبية البرلمانية.
خلال معظم تاريخ الجمهورية الخامسة الذي تجاوز الـ60 عاماً، كان الرئيس يتمتع بالفعل بدعم أغلبية برلمانية قوية إلى حد معقول، في ظل هذه الظروف، يكون الرئيس واقعياً هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس الأغلبية البرلمانية.
في أوقات "الانسجام" مع الهيئة التشريعية هذه، يختار الرئيس كلاً من رئيس الوزراء والوزراء بحرية، من بين البرلمانيين أو من بين مستشاريه، ويجوز له، في الممارسة العملية، عزلهم.
على النقيض من ذلك، بين عامي 1986 و1988، ومرة أخرى من 1993 إلى 1995 ومن 1997 إلى 2002، واجه الرئيس ميتران في حالتين، وشيراك في حالة واحدة، أغلبية معادية بشكل واضح في الجمعية الوطنية. ودفعوا الرئيس إلى تعيين زعيم حزب الأغلبية الرئيسي كرئيس للوزراء، (رغم أنه هذا ليس ملزماً له دستورياً)، وكان الوزراء يتم اختيارهم من قبل رئيس الحكومة، وكان على الرئيس "التعايش" معهم لبقية مدة المجلس التشريعي.
في تلك العهود من التعايش الاضطراري، انتقلت السياسة الداخلية بالكامل إلى أيدي الحكومة والأغلبية البرلمانية، حسبما ورد في تقرير لموقع "Constitution Unit Blog" المتخصص في الأبحاث الدستورية.
وكانت السياسة الخارجية أكثر مساحة متنازع عليها، لأنها في الأصل المجال الأهم في صلاحيات الرئيس.
خلق هذا حالة من التنافس المثير للاستياء بين رئيس الوزراء والرئيس، وصلت لتنافس رئيس الوزراء مع الرئيس في الانتخابات الرئاسية.
فخلال عهد شيراك على سبيل المثال، شكل الاشتراكي ليونيل جوسبان حكومة كانت في أغلب أوقاتها، معارضة لسياسات الرئيس شيراك ومارست فعلياً جزءاً من سلطاته، كما كانت حالة التنافس بادية بين الرجلين؛ لدرجة أن جوسبان، حضر مع شيراك قمة ألمانية فرنسية مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر، في رسالة مفادها أن الدولة الفرنسية كان لها رأسان، كما وقع خلاف بين شيراك وجوسبان، بسبب هجوم الأخير على دور حزب الله اللبناني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان خلال زيارته لإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى قيام الطلاب الفلسطينيين في جامعة بيرزيت برشقه بالحجارة خلال زيارته لأراضي السلطة الفلسطينية في مشهد مهين للدبلوماسية الفرنسية.
وهكذا في فترات التعايش الإجباري بين الرئيس والحكومة المشكلة من المعارضة، تراجع الرئيس قليلاً في المشهد، وأصبح، في الواقع، "شاهداً ناقداً" أمام الرأي العام على الحكومة التي تتحمل مسؤولية أكبر عادة في مثل هذه الحالات. وأكسب هذا الوضع الرئيس شعبية، وظهر هذا بشكل ملحوظ، عندما خسر رئيس الوزراء سواء في عهد ميتران أو شيراك، في نهاية كل فترة من التعايش انتخابات الرئاسة التي خاضها أمام الرئيس.
ومع ذلك، خلال فترات التعايش الإجباري، انتقل دور صانع السياسة الرئيسي إلى رئيس الوزراء.
هل يضطر الرئيس الفرنسي لمنح حق تشكيل الحكومة للمعارضة؟
ومما يزيد من خطر تشرذم برلمان فرنسا، هو الهوة الكبيرة التي تفصل بين القوى الثلاثة المؤثرة في البرلمان الجديد التي تنقسم بين من يوصفون بالوسطيين بقيادة ماكرون، وبين اليسار الراديكالي الذي يقوده ميلانشون، واليمين المتطرف الذي تقوده ماريان لوبان.
ويسعى جاك ميلانشون، زعيم كتلة تحالف اليسار والخضر، التي حصلت على المرتبة الثانية، وفقاً لنتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية الأولية لأن يكون رئيساً للحكومة، ولكن هذا أمر غير واقعي بالنظر إلى أن كتلته لم تحصل على المرتبة الأولى، كما أن الكتلة الثالثة وهي كتلة اليمين المتطرف، التي بنت صيتها السياسي على العداء للإسلام والمهاجرين يصعب أن تتحالف مع ميلانشون الذي ينتقد سياسات ماكرون التمييزية تجاه المسلمين، التي تعتبرها لوبان غير كافية.
خيار ماكرون المرجح تشكيل حكومة أقلية برلمانية
يعني هذا أن ماكرون ليس ملزماً بمنح المعارضة فرصة تشكيل حكومة أقلية، حتى لو تحقق المستحيل، واتفق اليسار الراديكالي واليمين المتطرف، على الانخراط في حكومة نكاية في ماكرون.
ففي كثير من الحالات في تاريخ فرنسا، لم يحصل حزب الرئيس على الأغلبية، ولكن لا تحصل كتلة معارضة بعينها على الأغلبية، كما حدث في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
في هذه الظروف، يعين الرئيس الفرنسي رئيس الوزراء، الذي قد يُقبل من البرلمان ولكن يواجه بعد ذلك حرب مناورة مطولة لتمرير التشريعات في البرلمان وعادة ما يتم اختيار أغلبية مختلفة لقضايا مختلفة.
فالسيناريو الأرجح أن أنصار ماكرون الذين مازالوا هم أكبر مجموعة برلمانية حتى لو لم يفوزوا بالأغلبية، يمكن أن يواصلوا دعم حكومات يعينها الرئيس.
لكنهم سيواجهون معارضة من من اليسار الراديكالي واليمين المتطرف، وقد يكون الميزة التي في صالح ماكرون في البرلمان الجديد أن كتلتي المعارضة الرئيسيتين تناوئان بعضهما أكثر من معارضتها لماكرون؛ ولذا يمكنه جذب كل كتلة إلى صفه حسب طبيعة التشريع المقترح، فلو التشريع أقرب لليمين سوف يوافق عليه اليمين المتطرف، والعكس لو التشريع مقبول من اليسار.
فقد يحاول ماكرون الحصول على دعم المحافظين لإصلاحاته الاقتصادية على سبيل المثال، بينما يحاول كسب دعم يسار الوسط لبعض الإصلاحات الاجتماعية.
وقد يحاول إغراء بعض النواب لدعم حكومته
ويمكن لماكرون أيضاً محاولة استدراج المشرعين بشكل فردي وتقديم إغراءات لهم لتشجيعهم على الانشقاق عن أحزابهم.
ولكن ما قد يعرقل ذلك، مقارنة بأوقات سابقة، أن تكتله لديه فجوة ليست بقليلة تبعده عن الأغلبية البرلمانية، كما أن التكتلين الرئيسيين المعارضين- اليسار الراديكالي واليمين المتطرف- يمثلان أقصى أطراف السياسة الفرنسية وأبعد عن الوسط الذي يمثله ماكرون، الأمر الذي يجعل أعضاءهما أكثر استعصاء على المساومات السياسية.
قد يؤدي كل ذلك إلى إبطاء وتيرة الإصلاحات، وقد يؤدي إلى مأزق سياسي في بلد لا تتأصل فيه فكرة بناء الإجماع والعمل الائتلافي في الثقافة السياسية، حسب ما ورد لتقرير لموقع France 24.
أو قد يلجأ إلى إجراء انتخابات جديدة
لكن الرئيس لا يزال لديه بعض الحيل في جعبته. حيث لا يزال بإمكانه، في أي وقت، الدعوة إلى انتخابات مبكرة جديدة، على سبيل المثال، وقد تكون في صالحه إذا استطاع أن يُظهر المعارضة أنها عبثية أو تهدد الاستقرار.
كما أعطى صانعو الدستور الفرنسي الحكومة عدداً من الأسلحة للبقاء في مناصبها ولتمرير التشريعات، رغم عدم امتلاكها الأغلبية، منها أنه لا يمكن إسقاط الحكومة إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء الجمعية الوطنية، مع اعتبار أعداد الممتنعين عن التصويت لصالح الحكومة.
يواجه النواب (أعضاء الجمعية الوطنية) في هذا السياق الاختيار بين قبول الحكومة، أو تحمل المسؤولية الفعلية لإجبارها على الاستقالة، وعلى الأرجح إطلاق انتخابات برلمانية جديدة، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر تنطوي على فقدان مقاعدهم في أي انتخابات جديدة.
يمكن للحكومة أيضاً في بعض الأحيان استخدام إجراء خاص ينص عليه الدستور الفرنسي لاعتماد قانون بدون تصويت، حيث يمكن للحكومة أن تجعل مشاريع القوانين المالية مسألة ثقة؛ مما يعني أن يتم تمريرها تلقائياً ما لم يتم التصويت على اقتراح بتوجيه اللوم للحكومة (الذي سيؤدي لإسقاطها وبالتالي نشوب أزمة سياسية تؤدي إلى انتخابات جديدة).
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة أن تتجنب تعديل تشريعاتها عن طريق إجبار البرلمان على التصويت على نسختها الخاصة من مشروع القانون، مع التعديلات التي تختار قبولها فقط.
وبموجب المادة 38، يمكنها أن تطلب تفويضاً من البرلمان للتشريع بمرسوم، لفترة محدودة في مجالات محددة.
سمحت هذه الأحكام لحكومة الأقلية بالعمل في 1958-1962 و1988-1993. ومع ذلك، لعبت الظروف السياسية أيضاً دوراً في كل حالة. في الخمسينيات والستينيات واجهت فرنسا أزمة وطنية على شكل الحرب الجزائرية التي أطاحت بالجمهورية الرابعة. كان البرلمانيون مترددين في التسبب في تفاقم الوضع أكثر من خلال إثارة المزيد من عدم الاستقرار. وفي عام 1988، كان اشتراكيو الرئيس ميتران قريبين بدرجة كافية من الأغلبية، مع 276 مقعداً؛ مما جعلهم قادرين على التدخل بدعم حفنة أصوات من الوسطيين، أو الشيوعيين، أو كليهما أو حتى بامتناعهم عن التصويت.
ويظل التحدي الأكبر أمام ماكرون: هل يقرر تشكيل حكومة جديدة أم يُبقي على الحكومة الحالية؟، الخيار الأسلم له هو الإبقاء على الحكومة الحالية، ولكن قد يكون في ذلك تراجع ولو جزئياً عن تعهداته، بعدم استمرار الوزراء الخاسرين بالانتخابات، كما أن الحكومة ستواجه صعوبة في تمرير التشريعات أمام برلمان منقسم بشكل غير مسبوق، أما لو حاول تشكيل حكومة جديدة فسوف يكون عليه جذب أطياف من المعارضة المتصلبة أكثر من أي وقت مضى، وعلى الأرجح أن يحاول جذب بعض اليمين المحافظ إلى حكومته كذلك، وهو أمر ليس بالسهل بالنظر إلى أنه سوف قد يشعل أزمة بين الخضر واليسار، الأمر الذي قد يرى الخضر أن التحالف مع الرئيس المتراجعة شعبيته لا يستحق فض التحالف، الذي ازدادت مقاعده في الانتخابات الأخيرة.