جاء القصف الإسرائيلي لمطار دمشق لينذر بتطور خطير في الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث تسببت الغارة في وقف الرحلات الجوية بالمطار، وسط تلميحات من قبل حزب الله وإيران لتهاون روسي في حماية المطار، في ظل سيطرة موسكو على الأجواء السورية.
وتم إلغاء جميع الرحلات الجوية من وإلى دمشق حتى 20 يونيو/حزيران على الأقل، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وطال القصف الإسرائيلي لمطار دمشق، الذي وقع فجر يوم 10 يونيو/حزيران 2022، مستودعات تابعة لحزب الله اللبناني وقوات إيرانية في محيط مطار دمشق، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أفاد بتصاعد ألسنة النيران من ثلاثة مواقع على الأقل، لافتاً إلى وقوع جرحى من دون تحديد عددهم أو جنسياتهم.
وبحسب المرصد، فإن المدرج المتضرر هو الوحيد الذي كان قيد الخدمة في المطار بعد تضرر المدرج الثاني وتوقفه عن الخدمة جراء ضربات إسرائيلية استهدفت شحنات ومستودعات أسلحة تابعة لمجموعات موالية لإيران في حرم المطار عام 2021.
وتعدّ المنطقة الواقعة جنوب دمشق، الممتدة من المطار حتى السيدة زينب، منطقة عمليات إيرانية، تتواجد فيها قوات إيرانية ومجموعات موالية لها بينها حزب الله مع عتادها ومستودعاتها.
وتسبب القصف الإسرائيلي لمطار دمشق في إغلاق المطار للمرة الأولى، وقالت وزارة النقل السورية إن الهجوم "الوحشي" أدى إلى وقف جميع الرحلات الجوية حتى إشعار آخر. وقالت الخطوط الجوية السورية، الناقل الوطني للبلاد، إنها ستؤجل الرحلات الملغاة. وقالت أجنحة الشام، أول شركة طيران وطنية خاصة في سوريا، إنها غيرت مسار جميع رحلاتها إلى مطار حلب وتوفر لجميع المسافرين مواصلات مجانية بين دمشق وحلب، علماً بأن الرحلة بالحافلة تستغرق عدة ساعات.
وتشن إسرائيل باستمرار ضربات في سوريا تسبّبت إحداها في أيار/مايو بمقتل ثلاثة ضباط سوريين، وفق المرصد، الذي أحصى 15 استهدافاً إسرائيلياً للأراضي السورية منذ مطلع العام، كما شنّت خلال الأعوام الماضية مئات الضربات الجوّية في سوريا طالت مواقع للجيش السوري وأهدافاً إيرانيّة وأخرى لحزب الله اللبناني، ولكن نادراً ما تستهدف المطارات المدنية السورية.
لم تلم وزارة النقل السورية إسرائيل في البداية على الضربات، وبدلاً من ذلك قالت إن الرحلات الجوية تم تعليقها "بسبب خروج بعض المعدات الفنية عن الخدمة"، ثم عدلت تصريحاتها قائلة إن هجوماً إسرائيلياً استهدف البنية التحتية وألحق أضراراً بمهابط الطائرات وأضواء الملاحة وقاعة داخل المطار.
وقالت شركة الاستخبارات الإسرائيلية (إيمج سات إنترناشونال) يوم الجمعة إن القصف الإسرائيلي لمطار دمشق عطل تماماً العمليات في مدرجي المطار، وفقاً لما نقلته عنها صحيفة The Times of Israel الإسرائيلية، فيما ذكرت وكالة الأنباء الحكومية السورية "سانا" أن مواطناً سورياً أصيب وأن الضربات أصابت مدرجين، أحدهما الرئيسي، إضافة إلى"غرفة معدات".
سلسلة من الغارات وليست غازة واحدة
هاجمت إسرائيل مطار دمشق ثلاث مرات مؤخراً، مما تسبب في أضرار جسيمة. الهجوم الأول في مايو/أيار 2022، أحدث الهجوم حفرة كبيرة، مما أدى إلى إغلاق مدرج واحد بالقرب من الجزء العسكري من المطار، حسب ما نقل تقرير Haaretz عن وسائل إعلام أجنبية وصور من أقمار صناعية.
وشهد الأسبوع الماضي هجومين آخرين في منطقة المطار، ووقع الهجوم الثاني في ساعة مبكرة من صباح الجمعة. وبحسب تقرير لشركة إيمج سات إنترناشيونال الإسرائيلية، فإن الأضرار التي لحقت بالمطار كانت جسيمة. كما تضرر المدرج الثاني وتضرر الممر الذي يربط بين المدرجين وكذلك برج المراقبة ومنشآت أخرى.
سبق ذلك، في 20 مايو/أيار 2022، استهداف إسرائيل للمدرج الشمالي بمطار دمشق بصواريخ أرض-أرض، أُطلقت من الجولان السوري المحتل، بحسب صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة لحزب الله.
أسباب القصف الإسرائيلي لمطار دمشق
في الشهر الماضي، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن إيران ترسل أسلحة استراتيجية إلى حزب الله على متن رحلات مدنية من إيران إلى دمشق، "مما يعرض المدنيين لخطر جسيم"، حسب قوله.
وفي أعقاب القصف الإسرائيلي لمطار دمشق الدولي يوم الجمعة، خرجت تقارير إسرائيلية تبرر القصف، مدعية أنه نفذ بعد رصد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية محاولات إيرانية لنقل تجهيزات ومعدات إلى سوريا لإدخال تطويرات تقنية على الصواريخ التي في حوزة عناصرها ووكلائها في سوريا وتحويلها إلى صواريخ عالية الدقة.
تقول تل أبيب إنها تسعى للحد من تهريب الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان. وقد تضمنت هذه المحاولات عدة هجمات، معظمها من الجو، على طرق تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان. كما هاجمت إسرائيل قواعد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سوريا لمنع الجيش الإيراني من ترسيخ وجوده في سوريا، وخاصة بالقرب من الحدود مع إسرائيل في مرتفعات الجولان.
ويقدر الإسرائيليون أن هجماتهم الأخيرة أوقفت حوالي 70% من شحنات الأسلحة الإيرانية إلى البلدين، بحسب موقع Middle East Monitor الأمريكي.
في المقابل، تركز إيران على محاولة تحسين دقة آلاف الصواريخ التي بحوزة حزب الله. ويتم ذلك جزئياً عن طريق تهريب أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية (GPS) التي يمكن تثبيتها على الصواريخ، حسب Haaretz.
وتزعم الصحيفة أنه في الماضي، كانت مجموعات هذه الأنظمة تُهرَّب أيضاً بطائرات شحن إيرانية تهبط في دمشق ومن هناك تُرسل في شاحنات إلى لبنان. في الوقت نفسه، أقام حزب الله مواقع تحت الأرض لتحويل الصواريخ في لبنان، كما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين تقريباً.
وسعت إيران إلى إيجاد سبل للتغلب على جهود العرقلة الإسرائيلية، وفي الآونة الأخيرة، تم تهريب بعض أفضل الأنظمة في حقائب اليد على متن الرحلات الجوية التجارية، تصل بعض هذه الرحلات مباشرة إلى دمشق من طهران، وبعضها يمر عبر مطارات محددة في أوروبا. ولأن إسرائيل لا تستطيع إلحاق الأذى بالطائرات التجارية يبدو أنها تستخدم الهجمات لإيصال رسالة إلى سوريا، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
وتزعم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أنها رصدت عمليات نقل أسلحة إيرانية عبر الخطوط الجوية المدنية، "كاسرة للتوازن"، بعد نجاح الهجمات الإسرائيلية في تقليص القدرات الإيرانية على نقل شحنات الأسلحة براً وبحراً بشكل كبير، حسبما ورد في تقرير "إندبندنت عربية".
وقررت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفق التقارير الإعلامية الإسرائيلية، نقل معركتها الحالية في مواجهة نقل الأسلحة إلى استهداف الطيران المدني.
وينذر القصف الإسرائيلي لمطار دمشق إلى إمكانية اتخاذ تل أبيب خطوات عسكرية أوسع وتصعيد التوتر في الشرق الأوسط، بينما يتركز الاهتمام الدولي على الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ولكن حتى الآن امتنعت سوريا وإيران عن القيام بعمليات انتقامية عسكرية ضد إسرائيل.
واستخدمت إسرائيل طريقة مماثلة في الماضي، عبر قصف متكرر لمدارج قاعدة T-4 الجوية السورية شرق مدينة حمص، مما أدى إلى توقف استخدامها تماماً.
رسالة للأسد
ويبدو أن أحد أهداف القصف الإسرائيلي لمطار دمشق هو إبلاغ السوريين أنهم إذا لم يوقفوا التهريب الذي يقوم به الإيرانيون، فسيتم إغلاق المطار لفترة أطول، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ويعلّق الكاتب الإسرائيلي، يؤاف ليمور، قائلاً إن الجهد المطلوب الآن من إسرائيل هو ممارسة ضغط إضافي على الإيرانيين، ليس ضغطاً إسرائيلياً، بل ضغط سوري، وذلك بدفع بشار الأسد إلى الاستنتاج أن الثمن المباشر الذي سيدفعه لاستمرار النشاط الإيراني في بلاده، سيكون أعلى من الثمن الذي سيدفعه في مواجهتهم، مستدركاً بأن "من المشكوك فيه ما إذا كان الأسد يريد تقييد الإيرانيين فعلاً أو أنه قادر على ذلك".
وترى صحيفة Haaretz بدورها أن إسرائيل قد تكتشف أن الضربات الجوية المكثفة والمتكررة لن تغير بشكل جذري موقف نظام الأسد تجاه داعميه الرئيسيين روسيا وإيران. وكان مسؤولون إسرائيليون قد أعربوا في السابق عن أملهم في أن يقوم الرئيس بشار الأسد بإخراج القوات الإيرانية من سوريا. كما أعربوا عن أملهم أن تقلل روسيا من وجودها العسكري في البلاد بسبب الحرب في أوكرانيا.
لكن هذه التوقعات لم تتحقق. ورغم أنه يبدو أن الأسد منزعج من الأضرار التي أحدثتها الهجمات الإسرائيلية، والتي أدت إلى حالة الطوارئ المستمرة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلا أنه غير مستعد للاشتباك مباشرة مع الإيرانيين، حيث ساعد الدعم الإيراني، وخاصة إرسال مقاتلي الميليشيات الشيعية، على بقاء النظام في ذروة الحرب الأهلية في سوريا منذ حوالي سبع سنوات، إضافة إلى مساعدة القوات الجوية الروسية.
والآن مع انشغال روسيا في حربها في أوكرانيا، ومحاولة التغلب على العقوبات الغربية، فإن نظام الأسد على الأرجح سيكون أكثر حاجة لطهران.
خلاف حاد بين الروس والإيرانيين بعدما قالت إسرائيل إنها أبلغت موسكو
أدانت روسيا وإيران، حليفا الرئيس السوري بشار الأسد، الهجوم – لكن صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة لحزب الله والتي تعمل في كثير من الأحيان بمثابة لسان حال غير رسمي للجماعة قدمت لمحة عن التوترات المتصاعدة بين الروس والسوريين والإيرانيين.
وأبلغت إسرائيل روسيا بقصف مطار دمشق، وفق الآلية المشتركة لمنع الاحتكاك بين الدولتين المتورطتين في سوريا، حسب تقرير للقناة 12 الإسرائيلية الأحد الماضي، ولم تدلِ إسرائيل بأي تعليق رسمي على الحادث، ولكنها لم تنفِ مسؤوليتها عن الهجوم.
وحتى قبل الضربة الأخيرة على مطار دمشق، تصاعدت الخلافات بين الإيرانيين والروس بشكل حاد خلال الأسابيع الماضية، حول الهجمات الإسرائيلية على سوريا وعدم وجود رد روسي مناسب، حسبما نقلت الصحيفة اللبنانية أمس الإثنين عن مصادر سورية.
وعندما طلب الجانبان السوري والإيراني التصدي أو وقف الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية بموجب اتفاق سابق، قال القادة الروس إنهم غير ملزمين بالاشتباك مع إسرائيل لحماية المصالح الإيرانية، بحسب التقرير.
وقالت الأخبار اللبنانية إنه في صيف عام 2018، عقب تسوية الجنوب السوري، رعى نظام الأسد اتفاقاً ثلاثياً بين كبار المستشارين العسكريين الإيرانيين، ونظرائهم في القوات الروسية، وقيادة جيش النظام، قضى بتحييد مطار دمشق عن الاستخدام العسكري، وخروج المستشارين العسكريين الإيرانيين من الأقسام الأساسية فيه، وانتقالهم إلى مطار "T4" العسكري شرق حمص، في المقابل، تعهّدت القوات الروسية بتجنيب مطار دمشق الاستهداف الإسرائيلي، عبر توفير الحماية الجوّية له، وتبديد ذرائع تل أبيب للهجوم عليه.
هل ترد إيران وحزب الله على الهجوم؟
وفي التقديرات الإسرائيلية، فإن إيران غير قادرة على الرد من الأراضي السورية، وإذا ما ردت فسيكون ردها محدوداً لدرجة كبيرة، حسب موقع "إندبندنت عربية".
يأتي ذلك بينما يتفاقم التوتر بين إسرائيل وإيران وحلفائهما مع اتهامات تل أبيب لإيران بالتقدم في برنامجها النووي واغتيالها لعقيد في الحرس الثوري في طهران في 22 مايو/أيار.
في المقابل تتوارد تحذيرات من محاولات إيذاء الإسرائيليين في الخارج، وخاصة في تركيا، حيث وجه مكتب مكافحة الإرهاب التابع لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي تحذيراً لمواطنيه في تركيا من احتمال حدوث محاولات لإلحاق الأذى بهم.
الوسيلة الأكثر احتمالاً التي ترى إسرائيل أنه يمكن لإيران من خلالها الرد، هي الطائرات المسيرة.
وفي هذا الصدد، يكثّف الجيش الإسرائيلي تدريباته على الطائرات المسيرة، وسبل مواجهة طائرات مسيرة تحمل متفجرات، وأعلنت إسرائيل أنها لن تتردد في تنفيذ عمليات استباقية ضد مستودعات الطائرات الإيرانية المسيرة.
كما وجهت تل أبيب تهديدات شديدة اللهجة لحزب الله ولبنان، في وقت يتصاعد فيه التوتر بسبب تنقيب إسرائيل عن الغاز في منطقة متنازع عليها مع لبنان.
ويبدو أن إيران وإسرائيل تدخلان في سباق محموم؛ استعداداً لأي تصعيد محتمل، مع تهديدات تل أبيب المتزايدة بضرب البرنامج النووي الإيراني، وهو عمل إن تم بشكل واسع فإن وسيلة طهران المفضلة للرد ستكون عبر حزب الله، سواء من لبنان أو سوريا.
ومن هنا فإن إسرائيل تحاول منع تعزيز طهران لترسانة حزب الله قبيل أي حرب محتملة، قد يصبح فيها الحزب سلاح إيران الرئيسي.