يستمر الترقب في الجزائر لما سيكون عليه مضمون مبادرة "لم الشمل" التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون، في وقت أبدت معظم التكتلات السياسية موافقتها المبدئية على "حوار شامل".
ومنذ الإعلان عن المبادرة بمقالة مفاجئة في وكالة الأنباء الرسمية في 3 مايو/أيار الماضي، لم تقدم الرئاسة الجزائرية تفاصيل كثيرة عن مضمونها.
واكتفى تبون، في لقائه مع الجالية أثناء زيارته إلى تركيا، بوصف المشروع بـ"الضروري"، وقال: إنه "يهدف لتكوين جبهة داخلية متماسكة"، كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
وأعلن الرئيس الجزائري بالمناسبة عن انعقاد "لقاء شامل للأحزاب في الأسابيع المقبلة" يعقب اللقاءات الفردية التي يجريها مع قادة الأحزاب.
أصل المبادرة
ودون سياق واضح، نشرت وكالة الأنباء الرسمية في اليوم العالمي لحرية التعبير (3 مايو/أيار من كل عام)، مقالة قالت فيها: إن "الرئيس تبون، الذي انتخبه الجزائريون المتطلعون لحلول جزائر جديدة، يمد يده للجميع بصفته رئيساً جامعاً للشمل، إلا من تجاوزوا الخطوط الحمراء".
وأضافت: "يجب أن يعرف أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة. وكلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية الذي يسخّر كل حكمته للمّ شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي".
بعدها بـ6 أيام، وتحديداً في 9 مايو/أيار الماضي، شرع الرئيس في استقبال قادة أحزاب من مختلف الاتجاهات ومسؤولي مؤسسات غير حزبية.
وحتى السابع من يونيو/حزيران الجاري، استقبل تبون 12 شخصية، 9 منها قادة أحزاب سياسية، والوزير السابق (المستقل سياسياً) عبد العزيز رحابي، والأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر تنظيم نقابي في البلاد) سليم لعباطشة، ورئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني (حكومي) عبد الرحمن حمزاوي.
وذكرت مصادر للأناضول أن اللقاءات ستتواصل مع بقية الأحزاب الناشطة في الساحة خلال الأيام القادمة.
غموض قائم
لقاءات الرئيس التي جرت كلها بمقر رئاسة الجمهورية، لم يتضح ما إن كانت تخص تفاصيل مبادرة "لم الشمل".
وخلت تصريحات كل من تم استقبالهم من الحديث عن تفاصيل المشروع، باستثناء رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر (موالاة)، فاطمة الزهراء زرواطي.
وقالت زرواطي في تصريح نقلته صفحة الرئاسة على فيسبوك: "تحدثنا عن مبادرة لم الشمل، وأن الجزائر بحاجة اليوم إلى تعزيز الجبهة الداخلية".
بينما انصبت تصريحات البقية، على مواضيع عامة تمت مناقشتها "مع رئيس الجمهورية، خاصة التنمية الاقتصادية وضرورة الدفع بالاستثمار المنتج".
ولوحظ أن المؤسسات الرسمية للدولة لم تعتمد حتى الآن مصطلح "لم الشمل"؛ حيث لم يرد في أي من البيانات أو التصريحات الرئاسية أو الحكومية، وتعتمد عبارة "اليد الممدودة للرئيس".
وفي السياق، قال الناشط السياسي أرزقي فراد، للأناضول: "لا وجود لمصطلح "لم الشمل" في قاموس الديمقراطية، إنما يوجد حوار وطني حقيقي من أجل تجاوز الاحتقان".
وأفاد بأن إنجاز الحوار الحقيقي يتطلب توفير مجموعة من الشروط؛ منها أن "تبدي السلطة حسن نيتها بجملة من الإجراءات، منها مثلاً إطلاق سراح معتقلي الرأي (اعتقلوا أثناء مسيرات الحراك الشعبي)".
وأضاف بأن من أسس نجاح الحوار "فتح المجال الإعلامي أمام الرأي الآخر، وفتح النشاط للأحزاب السياسية المعارضة".
الجيش يدعم "اليد الممدودة"
أما الجيش الجزائري، فقد عبّر عن دعمه لما أسماه مبادرة "اليد الممدودة"، وفق ما ورد في كلمة لقائده الفريق السعيد شنقريحة، بالمنطقة العسكرية الثانية (غرب) في 22 مايو/أيار.
وقال شنقريحة: "تندرج مبادرة اليد الممدودة التي أعلن عنها أخيراً رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ضمن تمتين اللحمة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية، وهي مبادرة تنم بحق عن الإرادة السياسية الصادقة للسلطات العليا للبلاد، من أجل لم الشمل واستجماع القوى الوطنية، لا سميا في الظروف الدولية الراهنة".
وتابع: "أشد على أيدي كافة أبناء الوطن للانخراط بقوة في هذه المبادرة الصادقة.. وهي مستلهمة من قيم أمتنا العريقة ومبادئ ثورتنا الخالدة (الثورة ضد الاستعمار الفرنسي 1954 – 1962)".
وقالت مجلة الجيش لسان حال المؤسسة العسكرية، في افتتاحية عددها لشهر يونيو إن مبادرة "اليد الممدودة" تهدف إلى "لم شمل كل فئات الشعب الجزائري دون تفرقة وتمييز".
وأشارت إلى أن أهمية المشروع تكمن في "أن تغليب المصلحة العليا للوطن ورص الصفوف من شأنه تمكين الجزائر من التصدي للأعداء والحاقدين" دون تسميتهم.
المعارضة.. موافقة مبدئية
من جانبها أعلنت معظم الأحزاب السياسية المعارضة، موافقتها المبدئية على مبادرة الرئيس، من منطلق "دعوتها الدائمة إلى حوار شامل بين السلطة والمعارضة".
وحتى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني متطرف)، الذي قاطع كل المواعيد الانتخابية الأخيرة، لم يعلن عن رفض المبادرة.
وقال رئيسه السابق محسن بلعباس، في مؤتمر تجديد قيادة الحزب قبل أيام: "إن عقد حوار وطني شامل كان ولا يزال شرطاً أساسياً لتجاوز حالة انعدام الثقة بين القوى السياسية والاجتماعية، والتغلب على عجز الطبقة السياسية سلطة ومعارضة".
ودعا بلعباس الطرفين (السلطة والمعارضة) "إلى المبادرة بتنازلات والوصول إلى تسوية وحل خلافاتهما خدمة لمصلحة الوطن".
من جانبه قال رئيس كتلة حزب حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي) بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) أحمد صادوق، إنهم "يدعمون كل مبادرة تجمع الجزائريين حول رؤية سديدة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
وقال صادوق للأناضول: "سمعنا مثل غيرنا بمبادرة تتحدث عن عنوان جميل دون مضمون، ولا أحد من الجزائريين يكون ضد هذا العنوان".
وألمح إلى أنهم ينتظرون شرح تفاصيل المبادرة وأهدافها وأطرافها وأبعادها وآلياتها.
وأضاف: "نحن دائماً من دعاة الحوار والتوافق، خاصة في ظل الاحتقان الداخلي والاصطفاف الدولي والضغط الخارجي على البلاد".
واستطرد بأن نجاح المبادرة مرتبط بتكريس الشفافية والحرية في كل شيء، "والالتفاف حول أولويات المرحلة بعيداً عن عقلية الهيمنة والسيطرة التي عودتنا عليها السلطة".
وأشار إلى أن الجزائر أضاعت الكثير من الفرص لتحقيق الإجماع منذ الاستقلال، "وهذه فرصة أخرى يجب ألا تضيع حتى يطمئن الجزائريون".