يبدو أن جاريد كوشنر صهر الرئيس السابق دونالد ترامب ومستشاره الأول، كان أول القافزين من السفينة الغارقة، فما الكواليس التي يكشفها كتاب جديد حول علاقتهما وما دار قبل أسابيع من اقتحام الكونغرس؟
نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً عنوانه "كيف تخلى جاريد كوشنر عن دونالد ترامب قبل 6 يناير/كانون الثاني؟"، سرد تفاصيل جديدة من كواليس الفترة التي أعقبت انتخابات 2020 الرئاسية مباشرة.
ففي يوم الخميس 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وبالكاد بعد 24 ساعة من ادعاء الرئيس السابق دونالد ترامب، في منتصف الليل، بقوله: "لقد فزنا بصراحةٍ في هذه الانتخابات"، استيقظ جاريد كوشنر بقصره في كالوراما وأعلن لزوجته أنه حان الوقت لمغادرة واشنطن. قال: "نحن ننتقل إلى ميامي".
كوشنر وإيفانكا أول المغادرين
لم يكن قد أُعلن فوز جو بايدن، ولكن كما روى كوشنر القصة في وقتٍ لاحق، لمساعديه وشركائه، شعر الزوجان الشابان في البيت الأبيض بأنه لا داعي لانتظار النتائج الرسمية. لقد رأى كلاهما الاتجاه الذي تسير فيه الأصوات وأدركا أن ترامب فقد محاولته للبقاء في المنصب لولاية ثانية، باستثناء إذا حدثت مفاجأة غير مُتوقعة.
وبغض النظر عن مدى صخب ترامب في ادعائه خلاف ذلك، لم يعتقد كوشنر ولا إيفانكا ترامب في ذلك الوقت أو لاحقاً، أن الانتخابات قد سُرقت، وفقاً لأشخاص مقربين منهما. وبينما قضى الرئيس الساعات والأيام التي أعقبت إغلاق صناديق الاقتراع يشكو من تزوير متخيل على أرض الانتخابات، ويخطط لاستراتيجيةٍ للبقاء في السلطة، كانت ابنته وصهره يتخليان عنه بالفعل.
فتح قرارهما بالمضي قدماً فراغاً حول الرئيس ملأه منظّرو المؤامرة مثل رودولف جيولياني وسيدني باول، اللذين نقلا إلى ترامب قصصاً كاذبة هزلية عن ناخبين ماتوا، وصناديق اقتراع محشوة، وآلات اقتراع فاسدة ومؤامرات أجنبية.
وخلص كوشنر إلى أن الرئيس لن يستمع حتى لأفراد الأسرة الذين يحثونه على قبول النتائج، وأخبر ترامب بأنه لن يتدخل إذا كان جولياني، عمدة نيويورك سابقاً والمحامي الشخصي السابق لترامب، مسؤولاً، وفقاً لأشخاصٍ أسرَّ لهم بذلك، متخلياً بالفعل عن مكانه ليملأه أولئك الذين سيحاولون إلغاء الانتخابات.
لم يترك قرار كوشنر الانسحاب من أهم اللحظات في رئاسة ترامب سوى قليل من الثقل الموازن الفعال للمخططين الذين يسعون إلى تقويض إرادة الناخبين من خلال التمسك بالسلطة. وفي حين يمكن القول إن صهر الرئيس كان المستشار الأوسع نفوذاً خلال أربع سنوات، وكان له وزنه في بعض الأحيان، ونجح في صقل سمعته بعناية، فقد اختار في تلك اللحظة المحورية التركيز بدلاً من ذلك على مشروعه الشخصي لدبلوماسية الشرق الأوسط.
عاد كوشنر إلى المنطقة للقاء شخصيات ستساعده لاحقاً في جني الأموال بعد مغادرته البيت الأبيض. كان هذا هو الفصل الأخير في الأسطورة القائلة بأن كوشنر سيكون القوة المعتدلة حول رئيس يقاوم الاعتدال.
يمكن أن يصبح الدور الذي لعبه كوشنر أوضح بمجرد أن تفتتح لجنة الكونغرس التي تحقق في هجوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول، جلسات الاستماع العامة هذا الأسبوع. أجرت اللجنة مقابلة مع كوشنر، الذي لم يتحدث بشكل مطول علناً عن الأحداث التي أعقبت انتخابات 2020، ويخطط لعرض مقاطع فيديو من شهادته مع إيفانكا ترامب.
هل ركز كوشنر على "مصالحه الخاصة"؟
تخضع أنشطة كوشنر في الأشهر الأخيرة له بالبيت الأبيض، الآن أيضاً لتدقيق لجنة أخرى في مجلس النواب يديرها الديمقراطيون، تحقق فيما إذا كان قد استخدم منصبه لتأمين استثمار بقيمة 2 مليار دولار في شركته الجديدة للأسهم الخاصة من صندوق ثروة سعودي بارز. وقال كوشنر إنه التزم بجميع المبادئ التوجيهية القانونية والأخلاقية أثناء الخدمة العامة.
إذ قالت لجنة بمجلس النواب الأمريكي، الخميس 2 يونيو/حزيران الجاري، إنها تحقق في استثمار الحكومة السعودية ملياري دولار في شركة تابعة لجاريد كوشنر. وقالت النائبة الديمقراطية كارولين مالوني، رئيسة لجنة مجلس النواب للإشراف والإصلاح: "تحقق اللجنة أيضاً فيما إذا كانت المصالح المالية الشخصية للسيد كوشنر قد أثرت بشكل غير لائق، على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بالشرق الأوسط في ظل إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب".
وأرسلت مالوني خطاباً إلى كوشنر، الذي كان مستشاراً لترامب خلال فترة رئاسته، لطلب وثائق خاصة بالاستثمارات في شركته. وقال متحدث باسم كوشنر لصحيفة نيويورك تايمز، إنه "التزم بكافة المعايير القانونية والأخلاقية أثناء وبعد فترة خدمته في الحكومة".
وكتبت مالوني في خطابها: "دعمك للمصالح السعودية لم يتزحزح حتى عندما كان الكونغرس وبقية العالم يدققون عن كثب، في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السعودية في اليمن، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال سعودية على صلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والحملة التي تشنها السعودية على المعارضين السياسيين في الداخل".
وقالت مالوني إن كوشنر أسس الشركة بعد مغادرة ترامب منصبه، وحصل على استثمارات سعودية بقيمة ملياري دولار بعد ذلك بستة أشهر، بحسب رويترز.
وتستند هذه الرواية عن أنشطة كوشنر ما بعد الانتخابات إلى مقابلات مع مجموعة واسعة من الشخصيات المقربة منه والرئيس السابق، من أجل كتابٍ يصدر قريباً بعنوان "The Divider: Trump in the White House, 2017-2021″، والذي سينشر في 20 سبتمبر/أيلول المقبل. طلب جميع الذين تحدثوا تقريباً عدم الكشف عن هويتهم؛ لمناقشة المحادثات والاجتماعات الخاصة.
كيف كان كوشنر يتعامل مع والد زوجته؟
خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، وضع كوشنر نفسه على أنه الميزان المعتدل لرئيسٍ متقلب، ذلك الشخص الذي لجأ إليه الآخرون للمساعدة في التهدئة أو التفكير مع ترامب عندما كان يتجه نحو مسار غير منتظم. لكن في الواقع، أصبح كوشنر استراتيجياً في تدخلاته بعد أن انفجرت جهوده المبكرة في وجهه. ركَّز على الأولويات الشخصية مثل إصلاح العدالة الجنائية، ودخل في منافسة مع منافسيه بالجناح الغربي المنقسم، بينما غاب في اللحظات الحاسمة، مما أحبط زملاءه.
طوَّر كوشنر تقنياته الخاصة للتعامل مع ترامب. وأخبر آخرين بأن أحد المفاتيح هو تغذية الرئيس بالأخبار السارة، حتى لو كانت قليلة. في الواقع، توصل كوشنر إلى صيغة رياضية محددة لطريقته المميزة للتعامل مع ترامب: اثنان إلى واحد. أي مكالمة هاتفية، أي اجتماع يجب أن يتضمن نسبة الأخبار الجيدة إلى الأخبار السيئة.
كان يقدم معلومات متفائلة تعادل ضعف التحديثات القاتمة. وبالمثل، اعتاد إخبار ترامب بإضافة خمس نقاط إلى أي استطلاع سيئ، مبرراً أن الاستطلاعات التقليدية غابت عن العديد من ناخبي ترامب على أي حال، وهي جزء من ممارسة شائعة بالبيت الأبيض تتمثل في إخبار الرئيس بما يريد سماعه بغض النظر عن الحقائق.
حتى بالنسبة إلى صهره، كان ترامب رئيساً متطلباً، ولم يكن يبدي أيَّ تقدير. أدرك كوشنر أن ترامب لن يتصل به أبداً ويقول: "إنك تقوم بعمل رائع. أريد فقط أن أشكرك على هذا". في المقابل، أوضح كوشنر ذات مرة لأحد زملائه، أن تعاملاته مع ترامب بدأت دائماً بقول الرئيس: "ما الذي يحدث بحق الجحيم؟"، وإن كان ذلك بعبارة بذيئة غالباً في مكالمة هاتفية في الساعة الواحدة أو الثانية صباحاً.
بعد أن شاهد العشرات من كبار المسؤولين يأتون ويذهبون، أدرك كوشنر أن العنصر الأساسي للبقاء هو ألا ينسى أبداً حفل ترامب، ولا عرض ترامب، ولا طريقة ترامب في التعامل. كان كوشنر ينصح المسؤولين الآخرين على الدوام، قائلاً: "عليك أن تدرك أنك لا تصنع الأمواج. هو من يصنع الأمواج، وبعد ذلك عليك أن تبذل قصارى جهدك للبقاء نوعاً ما على لوح التزلج".
أدرك كوشنر، راكب الأمواج، أن الأمواج كانت شديدة الصعوبة، كما كانت بعد يوم الانتخابات 2020. لقد فهم أن والد زوجته لن يتنازل على الفور وسيطلب إعادة فرز الأصوات ويرفع الدعاوى القضائية، لكنه كان يعتقد أنه حتى لو كانت هناك بعض المخالفات، فإنها كانت في الأساس وسيلة لتهدئة الذات الجريحة واستيعاب الهزيمة. كان ترامب يدلي بانتقاداتٍ شديدة وادعاءاتٍ غريبة، لكنه في النهاية يقبل الواقع ويخرج من البيت الأبيض، وهو افتراض اعتقده كثير من الجمهوريين في واشنطن، فقط ليكتشفوا إلى أي مدى كان الرئيس مستعداً حقاً للرحيل.
كوشنر وترامب وبينهما جولياني
بالنسبة إلى كوشنر، كان قرار والد زوجته التحول مرة أخرى إلى جولياني علامة حمراء. في ما يتعلق بكوشنر، كان جولياني متآمراً غريب الأطوار كان قد سبق أن أدان ترامب من قبل بالفعل بسبب مكائده السياسية في أوكرانيا، ولن يأتي أي شيء جيد من مشاركة العمدة السابق في محاربة نتائج الانتخابات. ولكن بدلاً من محاربة جولياني لجذب انتباه ترامب، اختار كوشنر الانسحاب التام، وقرر أن الوقت قد حان للتركيز على مستقبله، وهو مستقبل لن يشمل البيت الأبيض بعد الآن.
بدأ هو وإيفانكا في وضع الخطط. سرعان ما استبعدا العودة إلى نيويورك. ومثل ترامب، الذي أصبح رسمياً مقيماً بفلوريدا في عام 2019، فقد شعرا بالتوتر في منزلهما السابق. من ناحية أخرى، بدت ميامي مثيرة وجديدة.
بينما اجتمع ترامب مع جولياني وآخرين وأخبروه بأنه لا يزال بإمكانه الفوز، بدأ كوشنر وزوجته بالتفكير في المكان الذي سيعيشان فيه، وما هي المدارس التي يمكنهما إرسال أطفالهما الثلاثة إليها، وما هي المشاريع التجارية التي سيطلقانها. كان عليهما الحذر حيال ذلك. آخر شيء أرادا فعله هو جعل الأمر يبدو كما لو كانا يمضيان قدماً، لأن ذلك سيؤدي إلى إحراج ترامب. في الواقع، أرسلت إيفانكا رسالة نصية إلى كبار مستشاري والدها في اليوم نفسه بعد الانتخابات مباشرة، حثتهم فيها على "الحفاظ على الإيمان والكفاح!".
لكنها هي وكوشنر سرعان ما شرعا في البحث في العقارات بفلوريدا، وفي غضون أسابيع كانا يشتريان قطعة أرض بقيمة 32 مليون دولار كانت مملوكة سابقاً للمغني الإسباني خوليو إغليسياس في جزيرة إنديان كريك الخاصة بالقرب من ميامي، وهي ملاذ خاص لعشرات العائلات الثرية.
في الوقت المتبقي له بالبيت الأبيض، أراد كوشنر التركيز على توسيع اتفاقيات أبراهام، وهو إنجاز شعر بأنه أثبت صحته طوال فترة وجوده في واشنطن. وقَّع بلدان آخران، المغرب والسودان، على الاتفاقات خلال الفترة بين الانتخابات وتنصيب بايدن.
ونظراً إلى رفض والد زوجته الإذن بالتعاون الانتقالي مع الفريق القادم لبايدن، بدأ كوشنر بهدوءٍ العمل مع مساعدي الرئيس المنتخب مثل جيك سوليفان وجيفري زينتس؛ للتحضير لتوليهم السلطة. وعلى الرغم من أن ترامب ربما لم يكن يفكر في إرثه بعد، فإن كوشنر كان يفكر في ذلك.
في أثناء وجوده بالبيت الأبيض، بدأ في كتابة مذكرات تركز على صنع السلام بالشرق الأوسط. وفي الأسابيع التالية، ومع استمرار ترامب في الإصرار على بقائه لولاية ثانية، شرع كوشنر في تأريخ الفترة الأولى، حتى إنه أخذ درساً تعليمياً على الإنترنت حول كيفية كتابة كتاب، قام بتدريسه الروائي صاحب الأعمال الأكثر مبيعاً جيمس باترسون. وفي غضون أسبوعين بعد الانتخابات، قام سراً بكتابة 40 ألف كلمة من المسودة الأولى. ومن المقرر نشر النسخة النهائية في أغسطس/آب المقبل.