مصائب أوكرانيا عند تجار السلاح فوائد.. تُلخص هذه الجملة وضع صناعة الأسلحة العالمية إلى حد كبير، فلماذا قد تكون روسيا أبرز الخاسرين وأمريكا الرابح الأكبر؟ وماذا عن الصين والباقين؟
نشر موقع The Conversation الأسترالي تقريراً عنوانه "الحرب في أوكرانيا تهز عرش صناعة الأسلحة العالمية"، رصد الانقلاب الذي أحدثته الحرب في تلك الصناعة، وكيف استفادت دول كأمريكا والصين، بينما قد تكون روسيا أكبر الخاسرين.
وبطبيعة الحال فإن صناعة السلاح تزدهر في حالات الحروب، والحرب في أوكرانيا هي الأكبر في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، لكن صناعة الموت أو السلاح لا يبدو أنها تتأثر سلباً حتى في غير زمن الحرب، فقبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، ورغم وباء كورونا الذي أصاب الاقتصاد العالمي بالركود والانكماش، حققت تجارة السلاح أرباحاً كبرى، وتخطت المبيعات عام 2020 أكثر من نصف تريليون دولار.
هل روسيا أكبر الخاسرين؟
منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه غزو، تضخّ الولايات المتحدة وحلفاؤها أموالاً ضخمة من أجل تسليح أوكرانيا، بينما تخسر روسيا الدبابات والجنود؛ ما دفع بمختلف الدول حول العالم لإعادة دراسة ميزانياتها الدفاعية، واحتياجاتها من المواد، وعلاقاتها العسكرية.
وبدأت الدول التي اعتمدت تاريخياً على مستويات منخفضة من الإنفاق الدفاعي، مثل اليابان وألمانيا، في رصد ميزانيات أكبر. بينما بدأت الدول التي تشتري غالبية أسلحتها من روسيا تُشكك في مدى اعتمادية تلك الأسلحة وقدرة روسيا على تسليم الشحنات مستقبلاً.
وتُشير الأبحاث في هذا الصدد إلى أن تداعيات الحرب ستكون هائلةً على صعيد صناعة الدفاع العالمية، والدول التي تُهيمن شركاتها على هذا القطاع، بغض النظر عن نتيجة الحرب النهائية.
اعتمدت عروض بيع الأسلحة الروسية بشكلٍ عام على كونها "رخيصةً وسهلة الصيانة، مقارنةً بالبدائل الغربية". ولهذا استحوذت روسيا على 19% من إجمالي صادرات الأسلحة العالمية بين عامي 2017 و2021، لتحتل المرتبة الثانية خلف الولايات المتحدة، صاحبة نصيب الأسد من السوق العالمية بنسبة 39%.
لكن عروض البيع بهذه الطريقة قد لا تُجدي نفعاً بعد الآن مع العديد من الدول، التي شاهدت خسائر وأعطال المعدات الروسية في أوكرانيا، بحسب التقييمات الغربية.
وتُشير تقديرات الولايات المتحدة حتى تاريخه إلى أن روسيا خسرت نحو 1000 دبابة، وما لا يقل عن 50 مروحية، و36 مقاتلة من قاذفات القنابل، و350 قطعة مدفعية بحسب موقع Business Insider الأمريكي. فضلاً عن مقتل آلاف الجنود الروس الذين تتراوح أعدادهم بين 15,000 و30,000 جندي. ومع ذلك تظل روسيا عاجزةً عن السيطرة على المجال الجوي الأوكراني.
وأصبح الموقف يائساً لدرجة تداول تقارير عن محاولة القادة الحفاظ على معداتهم بمنع الجنود من استخدامها لإجلاء رفاقهم المصابين، أو تقديم الدعم للوحدات المتقدمة على الأرض، بحسب التقارير الغربية.
وبحسب تحليل الموقع الأسترالي، خيّبت الأسلحة الهجومية الروسية الآمال أيضاً. إذ إن معدل فشل الصواريخ الروسية (أي نسبة الفشل في الإطلاق أو الأعطال أثناء التحليق أو الفشل في إصابة الهدف) يتراوح بين 50% و60% نتيجة عيوب التصميم والمعدات الرديئة أو التي عفى عليها الزمن.
ولا شك أن هذه المشكلات تضافرت مع بطء تقدم الجيش الروسي لتحقيق أي من أهداف الرئيس فلاديمير بوتين المُعلنة، ليُثيرا معاً الشكوك بين العملاء التقليديين لصادرات الأسلحة الروسية. إذ تبيع روسيا نحو 90% من أسلحتها لـ10 دول فقط، بينها الهند ومصر والصين.
فضلاً عن أن قدرة روسيا على استبدال خسائر المعدات قد أُعيقت بسبب العقوبات الاقتصادية، التي تحرمها من مكونات أجنبية أساسية مثل لوحات الدوائر الكهربائية. ومن شبه المؤكد أن روسيا ستحتاج لاستبدال أجهزة جيشها أولاً قبل تصدير أي شيءٍ للخارج.
ما يعني أن الدول التي تريد الاستمرار في استخدام الدبابات والطائرات المقاتلة الروسية ستضطر للانتظار في الطابور، أو البحث عن مصدرٍ آخر لتلبية احتياجاتها الدفاعية.
خسائر روسيا عند الصين فوائد
من المرجح أن تكون الصين هي أكبر المستفيدين من إزاحة روسيا عن موقعها كإحدى أكبر الدول المصدرة للأسلحة.
إذ استحوذت الصين في السنوات الأخيرة على حصةٍ تُقدّر بـ4.6% من تجارة الأسلحة العالمية، لتحل في المركز الرابع بعد فرنسا صاحبة الـ11%. علاوةً على امتلاك الصين لـ7 من أصل أكبر 20 شركة دفاعية عالمية من حيث إيرادات المبيعات الدفاعية، ما يُشير إلى طموحاتها الكبيرة في هذا القطاع.
وتشتري الحكومة الصينية حالياً غالبية أسلحتها ومعداتها من صناع الأسلحة المحليين، لكن الصين لديها القدرة على تصدير المزيد من المنتجات العسكرية إلى الخارج.
حيث تُعتبر الصين أكبر صانعٍ للسفن في العالم حالياً، ما يجعل تصدير سفن البحرية بمثابة الخطوة المنطقية التالية. كما تُوسّع قطاعها المتخصص في تقنية الطائرات المُسيّرة، وتحاول زيادة الصادرات باستغلال عملية تحديث قواتها الجوية بطائرات محلية الصنع.
ويُذكر أن ثلاث دول فقط من أصل أكبر 40 دولة مستوردة للأسلحة في العالم حالياً تشتري غالبية أسلحتها من الصين، وهي باكستان وبنغلاديش وميانمار. لكن هذا الأمر قد يتغير في حال استغلت الصين ضعف روسيا لتقديم نفسها كشريكٍ يُعتمد عليه في الأمن القومي، والاقتصاد، والسياسة. ويُمكن القول إن تقديم الصين بهذه الطريقة يمثل سمةً أساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
ولن تحل الأسلحة الصينية محل نظيرتها الأمريكية والأوروبية، التي تحتل "قمة الهرم" بفضل جودتها العالية وأسعارها الباهظة، لكن الصين تستطيع سد فجوة السوق المتخصصة التي هيمنت عليها شركات صناعة الأسلحة الروسية، ما سيزيد دور بكين باعتبارها من أكبر مصدّري الأسلحة، ويمنحها المكاسب السياسية والاقتصادية التي ترافق ذلك.
وستكمن واحدة من أكبر التحديات التي ستواجه الصين في إثبات فاعلية أسلحتها خلال المواقف القتالية المباشرة.
شركات الأسلحة الأمريكية من أكبر الرابحين
تُهيمن شركات الأسلحة الأمريكية على صناعة الأسلحة العالمية. ومن المرجح أن الحرب الأوكرانية ستضمن لتلك الشركات الحفاظ على مكانتها لبعض الوقت.
ويُذكر أن أكبر خمس شركات لصناعة الأسلحة في العالم جميعها أمريكية: لوكهيد مارتن، ورايثيون، وبوينغ، ونورثروب غرومان، وجنرال ديناميكس. وتقع مقرات 50 من أصل أكبر 100 شركة منتجة للأسلحة داخل الولايات المتحدة، بينما تتواجد 20 شركة أخرى في أوروبا، وشركتان فقط في روسيا رغم كونها ثاني أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم.
فضلاً عن أن التدفق الهائل للأسلحة الأمريكية على أوكرانيا سيُبقي الشركات الأمريكية منشغلةً لفترة. حيث نقلت الولايات المتحدة مثلاً نحو ثُلث مخزونها من صواريخ جافلن المضادة للدبابات إلى أوكرانيا، وسيستغرق المشروع المشترك بين رايثيون ولوكهيد مارتن ما يتراوح بين ثلاث وأربع سنوات لاستبدالها. وتضمنت حزمة المساعدات التي وقعها الرئيس جو بايدن مؤخراً بقيمة 40 مليار دولار نحو 8.7 مليار دولار لتجديد مخزون الأسلحة الأمريكية.
ولا شك أن ارتفاع أسعار أسهم تلك الشركات يُعطي علامة على ثقة المستثمرين في أن الأرباح قادمةٌ في الطريق. إذ ارتفعت أسهم شركة لوكهيد مارتن بأكثر من 12% منذ بدء الهجوم، وجاءت غالبية المكاسب في أعقاب الهجوم على أوكرانيا مباشرة. بينما قفزت أسهم نورثروب غرومان بنسبة 20%. وفي الوقت ذاته انخفضت أسواق الأوراق المالية عموماً بنسبة 4% وفقاً لحسابات S&P 500.
مزيد من الدول تقتحم مجال صناعة الأسلحة
على الجانب المقابل، ستسعى بعض الدول التي كانت تعتمد على الآخرين في تلبية احتياجاتها الدفاعية إلى أن تصبح أكثر اعتماداً على نفسها.
إذ كانت الهند تعتمد على روسيا في نحو نصف واردات أسلحتها خلال السنوات الأخيرة، لكن الهند بدأت تدرك أن روسيا ستحتاج لكامل قدرتها الإنتاجية أو غالبيتها من أجل استبدال الدبابات، والصواريخ، والطائرات، وغيرها من الأسلحة المستخدمة أو المفقودة في أوكرانيا، ما سيقلل سعة التصدير المتاحة.
ويعني هذا أن الهند ستحتاج إلى الحصول على قطع غيار المركبات والأسلحة من عملاء الأسلحة الروسية السابقين، مثل بلغاريا وجورجيا وبولندا، أو بناء صناعتها الدفاعية الخاصة. وأعلنت الهند في أبريل/نيسان أنها ستُسرّع إنتاج المروحيات، ومحركات الدبابات، والصواريخ، وأنظمة الإنذار المبكر المحمولة جواً لتعويض أي تراجعٍ محتمل في الصادرات الروسية.
وبدأت المخاوف إزاء اعتمادية الأسلحة الروسية تتزايد أيضاً، إذ ألغت الهند في مايو/أيار صفقة مروحيات مع روسيا بقيمة 520 مليون دولار. وتُشير بعض التقارير إلى أن الضغط الأمريكي لعب دوره في إلغاء الصفقة، لكن يبدو أن الخطوة جاءت أيضاً ضمن استراتيجية الحكومة لبناء قاعدتها الصناعية الدفاعية المحلية خلال السنوات الماضية.
وبدأت البرازيل، وتركيا، وغيرهما من أسواق الأسلحة الناشئة في تطوير صناعاتها الدفاعية على مدار العقدين الماضيين، لتقليل اعتمادها على وارادت الأسلحة. ولا شك أن الحرب في أوكرانيا ستُسرّع وتيرة العملية.
وربما لم يتوقع بوتين أن يهز عرش سوق الأسلحة العالمية بهجومه على أوكرانيا، أو أنه سيتسبب في انهيار قطاع الأسلحة ببلاده، لكنها مجرد نتيجةٍ من النتائج المترتبة على هجومه الذي تسبب في زلزالٍ جيوسياسي.