في ظل تواتر التقارير عن انسحاب القوات الروسية من جنوب سوريا ومناطق أخرى في البلاد، يخشى الأردن أن تملأ القوات المتحالفة مع إيران الفراغ الذي تخلفه، وتشكل تهديداً على أمنه القومي.
الأردن وأزمة الحرب على المخدرات القادمة من جنوب سوريا
في 18 مايو/أيار، دق الملك عبد الله أول ناقوس خطر من انسحاب روسي محتمل من سوريا. إذ قال خلال مقابلته مع معهد هوفر الأمريكي إن "الوجود الروسي في جنوب سوريا مصدر طمأنينة". وأضاف: "ولو رحل الروس، فسيملأ الإيرانيون ووكلاؤهم هذا الفراغ، ونخشى أن يفاقم هذا مشكلاتنا على حدودنا الشمالية".
وبعد أسبوع من تصريحات الملك عبد الله عن الانسحاب الروسي، أكد مدير الإعلام العسكري، العقيد ركن مصطفى الحياري، هذه المخاوف بالقول إن بلاده تواجه "تهديدات أمنية وطنية" من "الميليشيات الإيرانية" المتورطة في تهريب المخدرات.
وقال الحياري لتلفزيون المملكة: "نواجه حرباً على الحدود، حرب مخدرات تقودها منظمات مدعومة من جهات أجنبية. وهذه الميليشيات الإيرانية هي الأخطر، لأنها تستهدف الأمن القومي الأردني".
ورداً على المزاعم الأردنية، أنكر حميد رضا كاظمي، نائب رئيس السفارة الإيرانية في عمان والسكرتير الثاني في السفارة، أن لطهران ميليشيات في سوريا، وقال إن القوات الإيرانية موجودة هناك بدعوة من الدولة السورية.
وقال: "نحن في إيران نحارب تهريب المخدرات عن طريق الحدود الشرقية للأردن منذ 40 عاماً. وقتل في هذه الحرب أكثر من 3000 عنصر أمني إيراني". وأضاف: "نحن أكبر عقبة أمام تجارة المخدرات في المنطقة، ولا منطق يبرر محاولتنا تهريب المخدرات إلى الأردن وهذا اتهام غير مقبول".
تحديات جديدة أمام الأردن بالملف السوري أبرزها الميليشيات الإيرانية
الحدود الأردنية-السورية عبارة عن تضاريس وعرة يبلغ طولها 375كم، وتمتد من مرتفعات الجولان غرباً وحتى الحدود العراقية شرقاً.
وفي منطقة صغيرة لا تزال خارج سيطرة النظام السوري في القسم الشرقي، تراود قائد جيش مغاوير الثورة المعارض مخاوف المسؤولين الأردنيين ذاتها، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
ومغاوير الثورة جماعة سورية معارضة تلقت تدريبات أمريكية وأردنية، وتتولى حراسة قاعدة التنف العسكرية الواقعة عند نقطة التقاء حدود العراق وسوريا والأردن.
وقال العقيد مهند الطلاع، قائد مغاوير الثورة، في مقابلة هاتفية مع موقع Middle East Eye إن هذه المنطقة التي تضم أيضاً مخيم الركبان محاطة بالميليشيات الإيرانية التي تهدف إلى إخلائها من سكانها للسيطرة عليها، وأضاف أن هذه الجماعات تعتبر الأردن وجهة ونقطة عبور رئيسية لعقار كبتاغون الرخيص، سوري الصنع، إلى الخليج.
وأضاف أن "تجارة المخدرات هي المصدر الرئيسي لتمويل الميليشيات الشيعية في هذه المنطقة، خاصة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران".
وقال أيضاً إن "هذه المخدرات تنتج بكميات كبيرة في حمص والقصير على يد قوات حزب الله اللبناني ثم تُهرَّب بالتنسيق مع بعض عناصر الفرقة الرابعة في الجيش السوري".
وقد نفى حزب الله، المتحالف مع النظام السوري، غير مرة، أي دور له في تهريب المخدرات في سوريا.
ويواجه الأردن تحدياً جديداً في شكل هجمات بطائرات مسيرة "بتوقيع الإيرانيين"، وفقاً لتصريحات الملك عبد الله. ففي منتصف مايو/أيار، قال الجيش الأردني إنه أسقط طائرة مسيرة كانت تحمل مخدرات قادمة من سوريا.
ويقول مأمون أبو نوار، المحلل العسكري واللواء المتقاعد بسلاح الجو الأردني، إن استخدام الطائرات المسيرة يغير التوازن العسكري والأمني في المنطقة.
وأضاف: "الأردن أكثر قلقاً من حدوث مواجهة عسكرية في المستقبل بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى. وهجوم كهذا سيشمل صواريخ باليستية وطائرات مسيرة وأساليب أخرى". وقال أبو نوار لموقع Middle East Eye: "الخطر الذي يتهدد الأردن هو وجود قواعد عسكرية أمريكية في المملكة الأردنية".
الأردن بين الحسابات الاقتصادية الصعبة والتهديدات الأمنية
بعيداً عن المخاوف الأمنية، فالاستقرار في جنوب سوريا من الأمور الحيوية للاقتصاد الأردني، الذي يمر بحالة تدهور منذ عدة سنوات، في ظل تراجع الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2009.
ويرى ممدوح العبادي، نائب رئيس الوزراء السابق، إنه رغم الخطورة التي ربما يشكلها الحضور المدعوم من إيران على الحدود، فإن تحسين العلاقات مع طهران يخدم مصالح عمّان.
وقال العبادي لموقع Middle East Eye: "تكمن قوة الأردن في اتفاقياته المختلفة مع جميع الأطراف. فلدينا علاقات مع روسيا والولايات المتحدة والعراق وإيران".
أضاف: "هذه الاتفاقيات بخصوص حسن الجوار نتج عنها الحفاظ على أمن الأردن وعدم اعتداء الإيرانيين على الأراضي الأردنية. والتفجيرات التي وقعت كان مصدرها داعش والقاعدة وليس الإيرانيين".
وعلى الجانب الغربي من الحدود، تعد درعا- التي تبعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود الأردنية- من المدن الرئيسية لاستئناف التجارة الحدودية عبر معبر جابر نصيب.
ففي وقت من الأوقات، كان جابر نصيب طريق عبور مئات الشاحنات يومياً لنقل البضائع بين أوروبا وتركيا والخليج، ولكن تم إغلاقه بعد اندلاع الحرب عام 2011.
ومنذ عام 2018، يعمل الأردن على تطوير مستوى العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الأسد، وكان فتح معبر جابر نصيب أحد الموضوعات الأساسية في المناقشات بينهما.
وقد أعيد فتح المعبر الحدودي جزئياً عام 2018، لكن السلطات اضطرت لإغلاقه مرة أخرى بعد تفشي جائحة كوفيد-19 عام 2020 وتجدد الاشتباكات في درعا عام 2021. وفي سبتمبر/أيلول، أعيد فتحه مرة أخرى في إطار مساعي الأردن لتقليص خسائره من تأثير الحرب والجائحة.
والأردن، الذي يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري، تضرر اقتصادياً من قطع العلاقات مع سوريا وإغلاق الحدود. إذ تراجع الميزان التجاري الأردني مع سوريا من 615 مليون دولار عام 2010 إلى 94 مليون دولار عام 2020، وفقاً لإحصاءات أردنية رسمية.