“مصر أمام أسوأ أزمة منذ 100 عام”.. هل تنجح القاهرة في مواجهة النقص الغذائي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/08 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/15 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
مزارعون مصريون يستخدمون آلة حصاد محصول القمح في محافظة القليوبية شمال شرق القاهرة، أرشيفية/ Getty

تركت الحرب الروسية الأوكرانية مصر، التي توفر الخبز المدعوم لنحو 70 مليون مواطن لديها، في مواجهة ارتفاع حاد في تكاليف استيراد القمح والبقوليات وغيرها من المواد الغذائية، ما يضعها أمام أسوأ أزمة منذ 100 عام، كما يقدر ذلك رئيس وزرائها مصطفى مدبولي.

وتحاول مصر مكافحة التبعات الخطيرة للحرب في أوكرانيا، وقبلها تبعات جائحة كورونا على أسعار الأغذية التي تشهد ارتفاعات كبيرة دون توقف، حيث تضاعفت أسعار القمح من 260 إلى أكثر من 480 دولاراً للطن الواحد في غضون أقل من 4 أشهر، وكانت روسيا وأوكرانيا الموردين الرئيسيين للقمح لمصر، أكبر مستوردي القمح في العالم، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الكثير من الأغذية، في وقت ارتفع فيه معدل التضخم إلى أكثر من 9% خلال الشهرين الماضيين.

ما الخيارات المتاحة أمام مصر لمواجهة أزمة الأمن الغذائي؟

كشف تقرير لوكالة رويترز، في 2 يونيو/حزيران 2022، أن مصر تستعد للحصول على أكثر من 600 مليون دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لتحسين نظام صوامع القمح، ودعم مشتريات القمح الحكومية، في الوقت الذي تكافح فيه تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وأظهرت وثيقة للبنك الدولي، أنه بموجب برنامج للأمن الغذائي، ينتظر موافقة مجلس إدارة البنك، ستتلقى مصر 380 مليون دولار لمساعدة مشتري الحبوب الحكومي على استيراد ما يصل إلى 700 ألف طن من القمح لبرنامج دعم الخبز. كما سيتم تخصيص مبلغ إضافي قدره 117.5 مليون دولار لزيادة سعة الصوامع، وتمويل تطوير أصناف قمح عالية الإنتاجية، وتحسين القدرة على التكيف مع المناخ، لكن يبدو أن هذه الإجراءات غير كافية لتجاوز الأزمة.

مع شحّ الإمدادات العالمية، فإن الحكومة المصرية مصممة على وضع يدها على أكبر قدر ممكن من محصول هذا العام، وكانت تعتمد على المزارعين لإعادة بيع 60% من محصولهم. على المدى الطويل، تعمل الدولة على تعزيز الإنتاج المحلي من خلال الترويج لتقنيات زراعية حديثة، على أمل أن يتمكن المحصول المحلي بحلول عام 2025 من تلبية ما يصل إلى 65% من احتياجات البلاد، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وتستورد مصر أكثر من 10 ملايين طن سنوياً من القمح، أي نصف احتياجاتها منه، لتأمين رغيف الخبز الحيوي لأكثر من 100 مليون مصري. وكان استيراد ما يزيد على 80% من قمح مصر يتم من روسيا وأوكرانيا، عبر مرافئ البحر الأسود، غير أن تعطل طرق الإمداد عبر البحر، ولجوء الكثير من الدول إلى وضع قيود على صادرات الحبوب وأغذية أخرى أثار مخاوف كبيرة من نقص الأغذية قبل حلول العام الجاري، لاسيما أن بلداناً كثيرة كالهند وضعت قيوداً على صادرات الحبوب. 

وقدّر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأثر المباشر للحرب على الموازنة المصرية، بأكثر من 7 مليارات دولار سنوياً، أما الأثر غير المباشر فقدره بأكثر من 18 مليار دولار سنوياً، ليستنتج أن "مصر في منتصف أسوأ أزمة منذ 100 عام".

مصر توفر الخبز المدعوم لنحو 70 مليون مواطن لديها، تعبيرية/ Getty

مصر بحاجة إلى مليارات إضافية من الدولارات لاستيراد غذائها

وتُشكل واردات القمح والزيوت النباتية والذرة والفول واللحوم العمود الفقري لواردات الأغذية، التي تُشكل 15% من مجمل قيمة واردات مصر، التي وصلت إلى نحو 74 مليار دولار العام الماضي 2021. ويتم استيراد القسم الأكبر منها من روسيا وأوكرانيا، ومن تبعات الحرب بين البلدين أن زيادة أسعار بعض الأغذية ومضاعفة أسعار بعضها يتطلب تأمين حوالي 10 مليارات دولار لتغطية التكاليف الإضافية لاستيرادها، وخاصة القمح منها. 

ويقول تقرير لوكالة دويتشه فيله الألمانية، إنه نظراً لصعوبة تأمين مبلغ كهذا بسرعة تواكب تطور الأسعار، تطرق الحكومة المصرية في الوقت الحالي مختلف الأبواب، في محاولة لتوفيرها عن طريق الاقتراض المحلي والأجنبي. غير أن هناك عوائق كثيرة، من بينها على سبيل المثال نزوح استثمارات أجنبية كبيرة من البلاد، تُقدر قيمتها بنحو 20 مليار دولار. 

وهناك الديون الخارجية العالية التي تصل إلى نحو 16 مليار دولار خلال عامي 2022 و2023. وتقدر قيمة الدين الخارجي المصري بأكثر من 120 مليار دولار أواخر العام الماضي، ولولا زيادة الصادرات من الغاز المسال وإيرادات قناة السويس لكان المبلغ أكبر منذ ذلك بعدة مليارات إضافية.

ورغم أن الدعم الخليجي عن طريق المنح والقروض والمساعدات يخفف من الأزمة المالية وعجز الموازنة، ويساعد الحكومة على الاستمرار في الالتزام بدعم السلع الأساسية، والوفاء بأقساط الدين الخارجي، فإنه لا يكفي لتمويل واردات السلع الغذائية المتزايدة على ضوء الزيادة في عدد السكان. 

وأودعت السعودية، في مارس/آذار الماضي، 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، لدعم سيولته من العملات الصعبة. وبشكل عام فإن مصر وباقي الدول التي اعتمدت خلال السنوات الماضية على القروض الخارجية تواجه مشاكل متزايدة في الحصول على أموال المانحين والمستثمرين بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

مزارعو القمح في مصر بين مطرقة الحكومة وسندان الأسعار
مزارعو القمح في مصر بين مطرقة الحكومة وسندان الأسعار، تعبيرية/ رويترز

اللجوء إلى الخصخصة.. هل ينقذ القطاع الخاص الوضع؟

يقول تقرير الوكالة الألمانية، إنه مع تزايُد هذه الصعوبات يبدو أن الحكومة وجدت ضالتها في خصخصة ما يزيد على 40 من مؤسسات القطاع العام، للحصول على 40 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2022 وحتى 2026. غير أن السؤال المطروح هو: هل تنجح خطط الخصخصة هذه بشكل جيد، أم سيكون مصيرها النجاح المحدود والمتواضع، أو الفشل كسابقاتها، لأسباب من بينها الفساد والمحسوبيات، وعزوف القطاع الخاص عن المؤسسات التي لا تأتي بأرباح عالية؟ 

لكن حتى لو نجحت هذه الخطط فإن تحقيق الهدف منها مرتبط بزيادة الاستثمارات في مشاريع إنتاج زراعات غذائية مستدامة، بدلاً من التركيز المُبالغ فيه على المشاريع العملاقة، التي يُكلف الواحد منها عشرات مليارات الدولارات، كالعاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة 60 مليار دولار، ومحطة طاقة نووية بتكلفة 25 مليار دولار، كما تقول DW.

جذب الاستثمارات الخارجية والمشاريع المشتركة مع دول الجوار

وتحاول الحكومة المصرية التوجه نحو سياسات استثمار جديدة، على ضوء تبعات الحرب في أوكرانيا، ويقضي هذا التوجه بزيادة استصلاح الأراضي الزراعية بنحو 2.5 مليون فدان، لزيادة المساحات المزورعة بالقمح والمحاصيل الأخرى إلى 12.5 مليون فدان. كما يقضي باستثمار ما يزيد على 50 مليار دولار للموارد المائية الإضافية من خلال محطات معالجة المياه العادمة واستغلال المياه الباطنية بحلول عام 2037.

وهناك توجه للتعاون مع الدول العربية والإفريقية في مجال الزراعة أيضاً، حيث ذكرت تقارير أن مصر اتفقت مع الأردن والإمارات، في 2 يونيو/حزيران 2022، على مشاريع مشتركة لزراعة القمح والشعير والذرة، في سبيل تعزيز أمنها الغذائي.

أما الهدف من كل المشاريع المذكورة أعلاه فهو الاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وضمان الأمن الغذائي على صعيد السلع الاستراتيجية كالقمح والفول والذرة. السؤال المطروح الآن: هل تنجح الحكومة المصرية في جذب الاستثمارات اللازمة لذلك، في ظل المديونية العالية وتردد المانحين والمستثمرين؟ إذ من المؤكد أن عدم النجاح يهدد بوقوع مجاعات وثورات خبز في البلاد.

من جهتهم، يقول مسؤولون مصريون إن لديهم احتياطيات كافية من القمح، حتى ديسمبر/كانون الأول أو يناير/كانون الثاني على أبعد تقدير، ولكن بحلول هذا الشهر، مع اقتراب موسم الحصاد من نهايته وصل القمح الذي تم تسليمه للدولة إلى 3.5 مليون طن فقط. 

وفي محاولة واضحة للحفاظ على تدفق الحبوب الشحيح إلى الصوامع الحكومية، وإبقائها بعيداً عن أيدي التجار من القطاع الخاص، الذين قد يدفعون المزيد من الأموال، حظرت الحكومة الأسبوع الماضي مبيعات القمح لأي شخص آخر غير المشترين الحكوميين، حتى نهاية أغسطس/آب. فيما يقول مزارعون لصحيفة فايننشال تايمز إن "السيارات التي تنقل الحبوب بين المدن تحتاج إلى تصاريح وخطابات من التعاونية الزراعية المحلية، كما أن الجيش يراقب المركبات ولا يمكن لأي سيارة المرور عبر محطات التعريفة إذا لم يكن لديها تصريح".

تحميل المزيد