كيف تسبّب قادة لبنان في تقوية موقف إسرائيل في الخلاف حول الغاز، وهل تنتهي الأزمة بحرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/07 الساعة 17:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/07 الساعة 17:38 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني ميشال عون مع حليفه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله/رويترز

نذر حرب بين إسرائيل وحزب الله تظهر بسبب الغاز بعد توغل إسرائيل في المياه اللبنانية، وتهديد حزب الله باستخدام القوة ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية، فهل تتحول هذه التهديدات إلى واقع، ومن المتسبب في هذه الأزمة، ولماذا تعطل استخراج غاز لبنان كل هذه السنوات؟

وأدخلت إسرائيل سفينة يونانية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى حقل كاريش في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، ويفترض تشغيلها للتنقيب عن الغاز الأشهر الثلاثة المقبلة.

ويأتي دخول السفينة التي تدعى "إنيرجيان باور"، بعد توقف المفاوضات اللبنانية-الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية، إثر رفض الجانب الإسرائيلي الأخذ بالخط 29 كنقطة انطلاق للمفاوضات، والإصرار على اعتماد الخط 23، وفي تحدٍّ لمطالبات لبنان، جعلت إسرائيل السفينة اليونانية تخترق الخط 29، وأصبحت على بعد 25 كيلومتراً من الخط الفاصل رقم 23 الذي تعترف به تل أبيب، في وقت يعترض فيه لبنان على اعتبار تل أبيب حقل كاريش منطقة إسرائيلية خالصة. 

وكان لبنان قد أصدر مرسوماً وسّع من خلاله المنطقة الاقتصادية الخالصة له لتصبح المساحة المتنازع عليها مع تل أبيب نحو 2300 كيلومتر مربع ولتصل للخط 29 بدلاً من مطالبته السابقة باعتبار الخط 23 الواقع إلى الشمال هو خط الأساس للتفاوض، ولكن هذا المرسوم لم يوقع عليه الرئيس ميشال عون؛ الأمر الذي دفع البعض لاتهامه بالمسؤولية عن الأزمة.

وتوالت المواقف اللبنانية المنددة بخطوة تل أبيب واصفة إياها بالاستفزازية التي تهدد مستقبل المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود، والتعدي على ثروة لبنان الغازية والنفطية، حيث دعا بيان مشترك لرئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين للحضور إلى بيروت لبحث واستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، واعتبرا أن أي أعمال تنقيب تقوم بها إسرائيل بالمناطق المتنازع عليها تشكل عملاً عدوانياً يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية.

ولكن أقوى رد فعل جاء من حزب الله، حيث قال الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب اللبناني، إن الحزب مستعد لاتخاذ إجراءات من بينها استخدام القوة ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية عن الغاز في المناطق البحرية الحدودية، إذا أعلنت الحكومة أن هذه العمليات تنتهك حقوق لبنان.

ويثير عودة التصعيد في هذه القضية تساؤلات حول الأطراف اللبنانية والدولية التي تعطل استخراج الغاز اللبناني، وهل يكون في مصلحة الحكومة الإسرائيلية المترنحة بقيادة نفتالي بينيت، وحزب الله إشعال حرب أو أزمة حول هذه القضية لصرف الانتباه عن مشكلاتهما الداخلية.

لماذا لا يستخرج لبنان غازه الدفين؟

حقول الغاز التي اكتُشفت في شرق البحر المتوسط خلال السنوات الماضية، جعلت لبنان يتطلع إلى أن يصبح لاعباً مهماً جديداً في معادلة الطاقة، لكن تلك الآمال تصطدم بواقع عدم العثور على اكتشافات مهمة حتى الآن، وتكلفة المشروعات، والتعقيدات الكبيرة بين دول المنطقة.

ولا توجد أرقام دقيقة عن حجم ثروة لبنان الغازية والنفطية في المتوسط، فحسب التقديرات الأولية لوزارة الطاقة اللبنانية، تحتوي المنطقة على حوالي 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و660 مليون برميل من النفط،

وهناك دراسة أعدّتها مجموعة "فرنسبنك" عن قطاع النفط والغاز في لبنان، تقول إن بيروت تمتلك من الغاز الطبيعي نحو 30 تريليون قدم مكعبة و660 مليون برميل من النفط السائل، ويقول البرفيسور جاسم عجاقة الأستاذ بالجامعة اللبنانية إن لبنان يحتوي على ثروة نفطية وغازية هائلة تتراوح قيمتها ما بين 370 و1700 مليار دولار.

ولكن كل تلك الأرقام مجرّد تكهنات، حسب مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتيان.

وقد منح لبنان بعض الشركات الأجنبية تراخيص ولكن الحقول التي تم استكشافها بالفعل لم يظهر فيها احتياطات كبيرة.

وتتبادل القوى السياسية اللبنانية الاتهامات بالمسؤولية عن عدم منح امتيازات واسعة للنفط اللبناني للشركات الدولية لاستخراجه، وإضافة للتنافس بين هذه القوى، أدت الأزمات السياسية المتوالية والفراغ الحكومي المتكرر إلى تجميد جهود التنقيب عن الغاز.

كما سبق أن ألقى حزب الله بالمسؤولية على الولايات المتحدة في عدم قدرة لبنان على استخراج النفط والغاز لـ"أسباب سياسية"، حسب تعبيره.

إضافة لذلك، تظهر مشكلة كبرى حول كيفية تصدير الغاز بعد استخراجه في ظل غياب خطوط أنابيب أو مرافق لتسييل الغاز، وهي معضلة تعرقل ضخ الشركات العالمية الكبرى الأموال في المشروعات المقترحة.

 كيف تسبّب ساسة لبنان في إضعاف موقف البلاد؟

بدأت الولايات المتحدة في الوساطة غير المباشرة بين الجانبين في عام 2000 لتسوية خلاف قديم يعطل التنقيب عن الطاقة في شرق المتوسط منذ فترة طويلة.

وانطلقت مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي لأول مرة برأس الناقورة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية، واستمرت 5 جولات حتى مايو/أيار 2021، وأهم أسباب تعليقها إبراز الجانب اللبناني خرائط جديدة لإثبات حق لبنان حتى الخط 29 التي تتضمن حقل كاريش كمنطقة متنازع عليها، وهي غنية بالنفط والغاز، ولكن إسرائيل رفضت هذه المطالبات.

ولكن المعضلة أن هناك ارتباكاً لبنانياً بشأن توسيع مطالبه بشأن منطقته الاقتصادية.

فقد رفض الرئيس عون في أبريل/نيسان 2021، توقيع مرسوم يزيد من المساحة التي يطالب بها لبنان، التي وضعت حسب دراسات الجيش اللبناني، وذلك بعد إحالة المرسوم من رئيس الحكومة السابق حسان دياب خلال فترة تصريف الأعمال.

حرب بين إسرائيل وحزب الله
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي/ رويترز

واعتبرت أطراف سياسية أن فريق عون السياسي يسعى لاستخدام ترسيم الحدود ورقة مقايضة مع واشنطن، حسبما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة نت".

ويعتقد أن هذه المواقف السياسية المثيرة للجدل لعون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قد تكون مرتبطة، برغبتهما في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد أن باتت الأخيرة تنظر إليهما كأداة لتعزيز هيمنة حزب الله وإعاقة الإصلاحات، وفي الوقت ذاته يريد العونيون جلب موافقة أمريكية على التجديد لعون أو انتخاب باسيل رئيساً خلفاً له في الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

كما سبق أن وافق حزب الله على ترسيم الحدود بناءً على الخط 23 بعد سنوات من تمسكه بالخط 29، وذلك بناءً على قرار اتخذه الحزب بالتشاور مع إيران، حسبما قالت مصادر سياسية مطلعة في تقرير سابق لـ"عربي بوست".

وأضعفت سياسات قادة لبنان موقف البلاد، بسبب الفارق بين الوثائق التي أودعتها بيروت رسمياً لدى الأمم المتحدة بأن المنطقة المتنازع عليها تبلغ 860 كيلومترا مربعاً، وبين مطالب جديدة تستند إلى خرائط الجيش اللبناني التي تعطي البلد الحق بـ1430 كيلومتراً إضافية، وتعتبر أن المساحة المتنازع عليها تتضمن حقل كاريش حتى الخط 29 بوصفه منطقة ضمن المساحة اللبنانية، وتبلغ 2290 كيلومتراً مربعاً، وهي المطالب التي طرحها في المفاوضات الأخيرة.

ويبدو أن التجرؤ الإسرائيلي في دخول المنطقة جاء نتيجة الارتباك اللبناني، فبعد مراسلة الأمم المتحدة مرتين، لتأكيد موقف لبنان الرسمي الممثل بالحكومة اللبنانية المتمسك بالخط 29 كنقطة انطلاق للمفاوضات، حدث تطور جديد تمثل بإعلان رئيس الجمهورية في فبراير/شباط 2022 قابلية التفاوض حول الخط 23، وأن الخط 29 كان فقط لبدء التفاوض، حسبما تقول الباحثة لوري هايتايان لموقع "اندبندنت عربية".

إذ بدد موقف عون تأثير المراسلتين السابقتين وأسبغ غموضاً وارتباكاً على الموقف اللبناني.

وتعالت أصوات نواب يطالبون الحكومة ورئيس الجمهورية بالتوقيع على تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 بدل الخط 23. وأعلن العميد بسام ياسين رئيس الوفد اللبناني التقني العسكري المفاوض أن "تمسك لبنان بالخط 29 بدل الخط 23 يضمن حقوقه بحقل كاريش النفطي كحقل متنازع عليه رسمياً"، وهو الحقل الذي أدخلت إليه إسرائيل السفينة اليونانية.

حزب الله يهدد بالحرب، ولكن إذا أعطته الحكومة الضوء الأخضر

اللافت أن حزب الله ربط بين إمكانية استخدامه القوة ضد التحركات الإسرائيلية وبين موقف الحكومة اللبنانية، ليبدو أنه ألقى الكرة بدوره لحليفيه الرئيس عون ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها نجيب ميقاتي، لتحديد هل المنطقة التي دخلتها تل أبيب، إسرائيلية أو لبنانية أو متنازع عليها.

وفيما يبدو أنه محاولة لإشراك الحكومة والرئيس في مسؤولية أي قرار بالتصعيد، قال نائب الأمين العام لحزب الله أمس الإثنين، لوكالة رويترز إن الحزب مستعدة لاتخاذ إجراءات "بما في ذلك القوة"، إذا اتهمت الحكومة اللبنانية إسرائيل رسمياً بانتهاك الحقوق البحرية.

وأضاف: "قرار حزب الله واضح، إذا قالت الدولة بأن هذه المنطقة متنازع عليها واعتدت عليها إسرائيل فسنرد. أما إذا لم تقل الدولة ذلك ولا تزال في مرحلة البحث، فسننتظر حتى يحسموا هذا الأمر ويتخذوا القرار".

رد فعل إسرائيل

واستعد سلاح البحرية الإسرائيلي لاحتمال تعرض منصة الغاز المثيرة للجدل لأي هجوم، حيث قرر نقل نسخة بحرية من نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي إلى المنطقة، كما أعلن أنه سيؤمن المنصة العائمة بواسطة القطع البحرية، بما في ذلك الغواصات، حسبما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية.

من جهته، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس- في الكنيست- أن منصة الغاز وصلت يوم السبت الماضي إلى المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية وليس إلى منطقة متنازع عليها، حسب تعبيره.

وقال غانتس إن الخلاف بين إسرائيل ولبنان على المناطق المتنازع عليها في البحر المتوسط ستتم تسويته عبر المفاوضات غير المباشرة بوساطة أمريكية.

الطرفان في حاجة للتصعيد

يبدو أن الأزمة تتقاذفها الأهداف السياسية للأطراف المختلفة، فعون وصهره باسيل يريدان استخدام ورقة الغاز لإرضاء الأمريكيين، عبر التلويح بإمكانية التسليم بمطالبات إسرائيل، عكس الحدود التي قدمها الجيش اللبناني.

من ناحية أخرى، فإن حزب الله لا يريد مهاجمة حليفه عون على هذا الموقف، ويطلب منه ومن ميقاتي أن يحسما مسألة حدود المياه الاقتصادية اللبنانية، ليحدد شكل تحركه بناء على قرارهما.

وفي الوقت ذاته فإنه مجرد تلويح الحزب بورقة الحرب لحماية غاز لبنان ومياهه في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، أعاد للواجهة تأكيد الحزب على أهمية سلاحه في حماية لبنان في ظل الضعف التقليدي للجيش، وخاصة أن مسألة إدراج سلاح المقاومة (سلاح حزب الله) في البيان الوزاري ستثار مع انطلاق مفاوضات تشكيل حكومة التي سيضطر حزب الله لمشاركة قوى المعارضة فيها في ظل إخفاقه وحلفائه في نيل الأغلبية.

وستكتسب مسألة سلاح حزب الله حساسية، خاصة إذا ضمت الحكومة أطرافاً من قوى 14 مارس/آذار الصديقة للسعودية والغرب، مثل حزب القوات اللبنانية الذي أكد حتى الآن رفضه للمشاركة في حكومة توافقية، وهو عادة أشد الأطراف معارضة لسلاح حزب الله.

كما لو تضمنت الحكومة مشاركة أو دعم من قبل نواب الإصلاح المحسوبين على المجتمع المدني، فإن إثارة هذه الأزمة سيقوي موقف الحزب أمام هؤلاء النواب لأنها تبرر موقفه بضرورة إدراج سلاحه في البيان الوزاري، وفي هذه الحالة سيكون الحزب قد جذب التيار الإصلاحي لموقفه، ونال منه اعترافاً بأهمية سلاحه، وإذا رفض هؤلاء النواب ذلك سوف يبدون في موقف يضعف لبنان أمام العدوانية الإسرائيلية.

في المقابل، فإن التوتر مفيد لحكومة بينيت المترنحة التي فقدت الأغلبية في الكنيست وباتت تعجز حتى عن تمرير القوانين المجمع عليها، ومن شأن التوتر في الشمال أن يقوي موقفها، ويظهر الحاجة لاستمرارها في مواجهة تهديدات حزب الله.

ولكن هل يصل التوتر إلى درجة وقوع حرب بين إسرائيل وحزب الله؟

الأمر متوقف بشكل كبير على موقف الرئيس عون والحكومة اللبنانية، وهل يصران على توسيع مطالبات لبنان التي وضعت بناء على دراسات الجيش اللبناني، وفي هذه الحالة هل ستصر إسرائيل على العمل في المنطقة المتنازع عليها، بما قد يضع حزب الله في حالة قد يكون مضطراً فيها لتنفيذ تهديداته.

وقد يعمد الحزب في هذه الحالة لتنفيذ عملية غامضة ومحدودة ضد السفينة اليونانية أو غيرها من الأصول الأجنبية غير العسكرية، بطريقة تحول دون وقوع رد فعل إسرائيلي عسكري، وفي الوقت ذاته تدفع الشركات الأجنبية لوقف العمل بالمشروع بما يظهر حزب الله بموقف قوي، في وقت يتهم فيه بأنه وراء الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد عبر سيطرته على التحالف الحاكم، وتسببه في تدهور العلاقات مع السعودية والغرب.

وحتى إذا ردت إسرائيل بعمل عسكري محدود، فسيبدو الحزب بموقف حامي ثروات البلاد، دون ثمن باهظ، ولكن أي رد فعل عسكري واسع النطاق من قبل تل أبيب قد يجلب السخط على الحزب، وقد يمثل مشكلة لإسرائيل أيضاً في الوقت ذاته مع تضخم ترسانة الحزب من الصواريخ والطائرات المسيرة.

ولكن يظل العامل الحاسم في الأزمة هو موقف الإدارة الأمريكية، التي تبدو على عكس سابقتها الجمهورية، ليست منشغلة بقوة في محاولة إضعاف سيطرة حزب الله على لبنان، والدليل على ذلك التقارير بشأن تأييدها لتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي المقبول من الحزب.

كما أن الأمريكيين غير معنيين بإشعال صراع في المنطقة يصرف انتباههم عن انشغالهم بحرب أوكرانيا ومساعي حصار الروس.

تحميل المزيد